كشفت البيانات الرسمية لأسعار الصرف اليوم السبت عن تفاوت صادم يصل إلى ثلاثة أضعاف في قيمة الدولار الأمريكي بين مناطق السيطرة المختلفة في اليمن، حيث يتداول الدولار في عدن بسعر يزيد عن 1620 ريالاً، بينما لا يتجاوز في صنعاء 540 ريالاً، مما يعكس الانقسام الاقتصادي الحاد الذي تشهده البلاد ويضع الريال اليمني في مواجهة مصير منقسم.
تؤكد الأرقام الرسمية المعلنة هذا التباين الجذري، حيث سجل الدولار الأمريكي في أسواق عدن سعر شراء بلغ 1617 ريالاً وسعر بيع 1632 ريالاً. في المقابل، شهدت أسواق صنعاء تداولاً للدولار بسعر شراء 537 ريالاً وبيع 542 ريالاً. هذا الفارق الهائل لا يقتصر على الدولار فحسب، بل يمتد ليشمل الريال السعودي الذي يتداول في عدن بـ425-428 ريالاً، مقابل 140-140.5 ريالاً في صنعاء.

يعيش المواطنون اليمنيون تحت وطأة هذا التشظي النقدي الذي يجعل من الريال اليمني عملة واحدة بقيمتين مختلفتين جذرياً. فالمواطن في عدن يحتاج إلى أكثر من 1600 ريال لشراء دولار واحد، بينما نظيره في صنعاء يحصل على الدولار نفسه بأقل من 540 ريالاً. هذا التفاوت الصارخ لا يعكس فقط انقساماً سياسياً، بل يخلق واقعاً اقتصادياً يجعل من اليمن دولتين اقتصاديتين منفصلتين تماماً.
تتضح خطورة هذا الوضع من خلال تأثيره المباشر على حياة الملايين من اليمنيين الذين يعتمدون على التحويلات المالية من الخارج. المغترب اليمني الذي يرسل 100 دولار لأسرته، سيجد أن قيمتها تختلف بشكل جذري حسب منطقة الاستلام. ففي عدن، ستصل هذه التحويلة بقيمة تزيد عن 162 ألف ريال، بينما في صنعاء لن تتجاوز 54 ألف ريال، مما يعني أن الأسرة في عدن تحصل على قوة شرائية أقل بثلاث مرات من نظيرتها في صنعاء.

رغم هذا التفاوت المدمر، تشير التقارير الاقتصادية إلى استقرار نسبي في الأسعار داخل كل منطقة على حدة. فقد حافظت أسعار الصرف في عدن على ثباتها خلال الأسبوع الماضي، وكذلك الحال في صنعاء، مما يشير إلى وجود آليات تحكم منفصلة في كل منطقة. هذا الاستقرار المحلي، وإن كان إيجابياً ضمن النطاق الجغرافي المحدود، يؤكد في الوقت نفسه ترسخ الانقسام النقدي ويجعل من إعادة توحيد العملة تحدياً أكبر.
يؤثر هذا الوضع بشكل كارثي على التجارة البينية بين مناطق اليمن المختلفة، حيث يواجه التجار صعوبات جمة في تحديد الأسعار وحساب الأرباح والخسائر. التاجر الذي يشتري سلعة من عدن بالدولار ويبيعها في صنعاء، يجد نفسه أمام معادلة معقدة تتطلب حسابات دقيقة للتعامل مع فارق أسعار الصرف الهائل، مما يرفع تكلفة السلع ويزيد من معاناة المواطنين.

تعكس هذه الأرقام المؤلمة حقيقة مرة مفادها أن الريال اليمني لم يعد عملة موحدة، بل أصبح نظامين نقديين منفصلين يعملان بآليات مختلفة تماماً. هذا التشظي النقدي ليس مجرد رقم اقتصادي، بل هو تجسيد واضح لانقسام أعمق يهدد النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد، ويضع مستقبل العملة الوطنية على مفترق طرق قد يحدد مصيرها لسنوات قادمة.