كشفت أحدث بيانات أسواق الذهب في اليمن عن فجوة اقتصادية صارخة تعكس عمق الانقسام الذي تشهده البلاد، حيث سجلت أسعار المعدن النفيس في العاصمة المؤقتة عدن مستويات تزيد عن ثلاثة أضعاف نظيرتها في صنعاء، مما يجسد واقعاً اقتصادياً منقسماً يترجم التحديات السياسية إلى معاناة يومية للمواطنين.
ووفقاً للبيانات المحدثة، بلغ سعر الجنيه الذهبي في عدن حوالي 1.27 مليون ريال للشراء مقابل 1.3 مليون للبيع، بينما لا يتجاوز في صنعاء 418 ألف ريال للشراء و424 ألف للبيع. هذا التباين الحاد يكشف عن اختلالات هيكلية عميقة في النظام النقدي اليمني.
يعزو خبراء اقتصاديون هذا التفاوت الجذري إلى انقسام منظومة البنك المركزي اليمني بين فرعين، أحدهما في عدن والآخر في صنعاء، مما خلق عملتين مختلفتين فعلياً رغم حمل نفس الاسم. كما أن اختلاف سياسات الصرف وآليات التحكم في السيولة بين المنطقتين ساهم في تعميق هذه الفجوة.
وتشير المعطيات إلى أن سعر جرام الذهب عيار 21 الأكثر تداولاً وصل في عدن إلى 162 ألف ريال للشراء و172 ألف للبيع، مقارنة بـ52 ألف ريال للشراء و54.8 ألف للبيع في صنعاء، وهو ما يعكس قوة شرائية متباينة بشكل صارخ بين سكان المدينتين.
هذا الانقسام الاقتصادي يتجاوز كونه مجرد أرقام، فهو يكشف عن واقع معيشي مختلف تماماً بين المناطق اليمنية المختلفة. ففي حين يستطيع المواطن في صنعاء شراء جرام ذهب عيار 21 بمبلغ يقل عن 55 ألف ريال، يحتاج نظيره في عدن إلى أكثر من 170 ألف ريال لنفس الكمية، مما يجعل الاستثمار في الذهب كملاذ آمن أمراً صعب المنال لشرائح واسعة في المناطق الجنوبية.
وتؤكد هذه المعطيات أن الصراع السياسي في اليمن لم يقتصر على الجوانب العسكرية والأمنية، بل امتد ليشمل تدمير النسيج الاقتصادي الموحد للبلاد. فالمواطن اليمني اليوم يواجه اقتصادين منفصلين داخل دولة واحدة، مما يعقد عمليات التجارة والاستثمار ويفاقم من معاناة الأسر التي لديها أقارب في مناطق مختلفة.
كما يلقي هذا التباين الضوء على التحديات الجسيمة التي ستواجه أي جهود مستقبلية لإعادة توحيد النظام النقدي اليمني، حيث ستتطلب عملية الدمج آليات معقدة لمعالجة الفوارق الهائلة في أسعار الصرف والقوة الشرائية، وهو ما قد يستغرق سنوات من الإصلاحات الاقتصادية المدروسة بعد انتهاء الصراع.