الرئيسية / شؤون محلية / الريال اليمني يتعافى بشكل مفاجئ: فارق صادم بين عدن وصنعاء والأمم المتحدة تحذر من هشاشة الاستقرار
الريال اليمني يتعافى بشكل مفاجئ: فارق صادم بين عدن وصنعاء والأمم المتحدة تحذر من هشاشة الاستقرار

الريال اليمني يتعافى بشكل مفاجئ: فارق صادم بين عدن وصنعاء والأمم المتحدة تحذر من هشاشة الاستقرار

نشر: verified icon أمجد الحبيشي 06 سبتمبر 2025 الساعة 11:55 مساءاً

شهد الريال اليمني تعافياً مفاجئاً خلال الأسابيع الأخيرة، مسجلاً قفزة استثنائية لم تكن متوقعة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تعيشها البلاد منذ سنوات، حيث انخفض سعر الدولار الأمريكي من حوالي 2,707 ريال إلى 1,617 ريالاً للشراء في عدن، فيما تراجع الريال السعودي من نحو 800 ريال إلى 425 ريالاً. وبينما يحتفي البعض بهذا التحسن كإنجاز اقتصادي، تكشف المقارنة مع الأسعار في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي عن فجوة صادمة، حيث يتداول الدولار في صنعاء بـ535 ريالاً والريال السعودي بـ140 ريالاً فقط.

تأتي هذه القفزة في أسعار الريال اليمني بعد إجراءات صارمة اتخذها البنك المركزي اليمني في عدن، شملت فرض ضوابط أكثر صرامة على عمليات التداول والتحويل المالي، إلى جانب عقوبات مشددة ضد شركات ومنشآت الصرافة المخالفة لمواجهة محاولات المضاربة في السوق الموازي.

البنك المركزي اليمني في عدن يعتزم إطلاق حزمة من القرارات والإجراءات العقابية
البنك المركزي اليمني في عدن يواصل جهوده لاستقرار سعر الصرف

وتكشف البيانات الحديثة عن التباين الصارخ بين أسعار الصرف في مختلف مناطق البلاد، ففي حين يبلغ سعر شراء الدولار الأمريكي في عدن 1617 ريالاً ويصل للبيع إلى 1632 ريالاً، نجد أن نفس العملة تتداول في صنعاء بسعر 535 ريالاً للشراء و538 ريالاً للبيع. هذا الفارق الذي يتجاوز الثلاثة أضعاف يعكس عمق الانقسام الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، حيث تطبق كل منطقة سياسات نقدية مختلفة تماماً.

أسعار الصرف اليوم السبت 6 سبتمبر 2025 في اليمن
جدول أسعار الصرف يُظهر الفجوة الكبيرة بين المناطق المختلفة

وبالنسبة للريال السعودي، فإن الفجوة تبدو أكثر وضوحاً، حيث يتراوح سعره في عدن بين 425 ريالاً للشراء و428 ريالاً للبيع، بينما يستقر في صنعاء عند 140 ريالاً للشراء و140.40 ريالاً للبيع، مما يعني أن المواطنين في المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة يدفعون أكثر من ثلاثة أضعاف ما يدفعه نظراؤهم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين لشراء نفس العملة.

غير أن هذا التعافي الظاهري يثير تساؤلات جدية حول طبيعته واستدامته، خاصة عندما نضعه في السياق التاريخي للعملة اليمنية. ففي عام 2014، قبل اندلاع الصراع الحالي، كان سعر الدولار الأمريكي لا يتجاوز 215 ريالاً يمنياً، والريال السعودي 57 ريالاً فقط. هذا يعني أن ما يُوصف اليوم بـ"التعافي" لا يزال يمثل انهياراً بأكثر من سبعة أضعاف القيمة الأصلية للعملة.

الريال اليمني
الريال اليمني يشهد تقلبات حادة تؤثر على الحياة المعيشية للمواطنين

وفي هذا السياق، يطرح محللون اقتصاديون تفسيرات متباينة لهذا التحسن المفاجئ. فبينما يربط البعض الأمر بالإجراءات الحكومية الأخيرة وتعيين رئيس حكومة جديد، يشكك آخرون في هذا التفسير، مشيرين إلى أن التغيير جاء سريعاً جداً وبدون مقدمات اقتصادية منطقية تبرر هذا المستوى من التحسن.

وتشير التحليلات المتخصصة إلى أن العوامل المؤثرة على سعر الصرف تتجاوز السياسات المحلية لتشمل التدخلات الإقليمية والدولية، حيث تلعب السياسات النقدية للبنوك المركزية الإقليمية، وحجم التبادل التجاري، وتقلبات أسعار النفط، والاستقرار السياسي، أدواراً محورية في تحديد قيمة العملة. كما أن ارتفاع أو انخفاض الدولار الأمريكي عالمياً يؤثر بشكل مباشر على العملات المحلية، خاصة في اقتصاد هش مثل الاقتصاد اليمني.

وعلى الرغم من هذا التحسن النسبي، تواجه الحكومة اليمنية تحديات كبيرة في ترجمة تعافي العملة إلى تحسن فعلي في الأوضاع المعيشية للمواطنين. فقد اشتكى العديد من المواطنين من عدم التزام التجار وأصحاب المطاعم بالأسعار الجديدة، حيث يدّعي البعض أن السلع والمنتجات التي بحوزتهم تم شراؤها قبل تعافي الريال، مما يؤخر انعكاس التحسن على الأسعار الفعلية في الأسواق.

كما يتذمر تجار الجملة والمستوردون من عدم قدرتهم على الحصول على العملات الأجنبية بسهولة لتسهيل عمليات الاستيراد، رغم أن الحكومة أنشأت "اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات" في يوليو الماضي لضبط حركة الاستيراد والحد من المضاربات، والتي قيدت الاستيراد بـ25 سلعة أساسية تشمل القمح والأرز والزيوت النباتية والسكر ومنتجات الألبان والأدوية.

تعافي الريال اليمني يعزز الثقة بالتدابير الحكومية وتحذير أممي من عدم استمرار الإجراءات
التعافي الاقتصادي يواجه تحديات الاستدامة رغم المؤشرات الإيجابية

وفي هذا الإطار، حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في تقرير حديث من أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي اليمني، رغم نجاحها المؤقت في تعزيز قيمة الريال وخفض أسعار المواد الغذائية، ستظل هشة وغير مستدامة في ظل استمرار التحديات الاقتصادية العميقة التي تواجه البلاد.

وحسب توقعات المنظمة الأممية، فإن أكثر من 18 مليون شخص، أي قرابة نصف السكان، سيظلون في معاناة بسبب انعدام الأمن الغذائي الحاد حتى فبراير المقبل، وذلك في ظل محدودية القدرة الشرائية للعائلات، وضعف التوقعات الزراعية لموسم 2025، إضافة إلى تأثيرات السيول والفيضانات والجفاف المتقطع.

كما أشارت "الفاو" إلى أن استمرار عوامل الضعف المؤسسي، وانعدام الشفافية، والتشرذم التنظيمي، قد تكون سبباً في تقويض فاعلية الإجراءات الحكومية، بالتزامن مع تراجع المساعدات الإنسانية ومحدودية الواردات، مما يهدد بمخاطر إضافية على معيشة ملايين اليمنيين.

وتشدد المنظمة على أهمية مراقبة المستجدات في ملفات أساسية مثل أسعار الغذاء، وتغير اللوائح الحكومية، وعمل المواني، وظروف المناخ، وتصاعد الصراع، إضافة إلى تداعيات الأزمة الإقليمية وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، والتي جميعها عوامل قد تؤثر على استدامة التحسن الحالي في قيمة العملة اليمنية وتنعكس سلباً على الأوضاع المعيشية والإنسانية في البلاد.

شارك الخبر