كشفت الأمطار الغزيرة والسيول المدمرة التي اجتاحت اليمن منذ منتصف أغسطس الماضي عن مأساة إنسانية مضاعفة، حيث ضاعفت الحرب المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات من حجم الكارثة التي أودت بحياة 62 شخصاً وتسببت في تضرر 329 ألف آخرين، وفقاً لتقرير الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر.
وأظهرت الإحصائيات الرسمية تأثر 47 ألف أسرة بشكل مباشر، منها 27 ألف أسرة من النازحين الذين يقيمون في مخيمات مؤقتة هشة، مما يكشف عن ضعف استعداد هذه المخيمات لمواجهة الكوارث الطبيعية وتحولها إلى فخاخ مميتة أمام تدفق السيول الجارفة التي تنحدر من المرتفعات الجبلية.
تصدرت محافظة حجة قائمة المناطق الأكثر تضرراً بتسجيل 17,498 أسرة متضررة و13 وفاة و17 إصابة وحالتي فقدان، بينما سجلت تعز 7,429 أسرة متضررة، وشهدت كل من عدن وصعدة 10 وفيات في كل منهما وسط تضرر آلاف الأسر الإضافية.
لعبت الحرب الدائرة منذ عقد من الزمن دوراً كارثياً في تفاقم آثار السيول، حيث دمرت العمليات العسكرية أكثر من 100 جسر وثلث شبكة الطرقات المعبدة، مما أجبر المواطنين على استخدام طرق بديلة أكثر خطورة وعرضة للانجراف. ووفق تقديرات البنك الدولي، فإن شبكة الطرقات اليمنية التي تمتد لحوالي 71 ألف كيلومتر تعاني من تدهور شديد، مع وجود نسبة كبيرة منها غير معبدة أصلاً.
تحول الطريق البديل الذي يربط محافظة تعز بعدن إلى مسار قاتل للمسافرين، فبعد قطع جماعة الحوثيين للطريق الرئيسي عام 2015، اضطر السكان لاستخدام طريق أطول وأكثر وعورة عبر مدينة التربة، يمر عبر مجاري سيول طبيعية تنحدر من الجبال المحيطة وتصب في محافظة لحج، مما جعله يشهد حوادث غرق متكررة عبر السنوات.
شهدت محافظة شبوة مشاهد مماثلة عندما جرفت السيول ثلاث سيارات في مديريات الروضة والصعيد وجردان، رغم نجاة ركابها من الموت، بينما تسببت الرياح المصاحبة للأمطار في أضرار جزئية بشبكة نقل الكهرباء في وادي عمقين، وواصلت السلطات المحلية بتوجيهات من المحافظ عوض محمد بن الوزير أعمال التقييم السريع للأضرار.
يؤكد المهندس محمد القحطاني أن معظم شبكة الطرقات في اليمن تقع في مجاري سيول بسبب التضاريس الجبلية الوعرة وغياب التخطيط السليم، مما يعرض الطرقات للتدمير والانجراف في ظل غياب التخطيط والمعايير الهندسية الخاصة بالمسارات ومشاريع تصريف المياه والصيانة الدورية، بالإضافة إلى انتشار البناء العشوائي في مجاري السيول.
تمثل منطقة الحسوة في عدن نموذجاً صارخاً لتأثير هذا البناء العشوائي، حيث تتعرض بانتظام لسيول جارفة قادمة من محافظة لحج تغمر أحياءً بكاملها وتدمر مئات المنازل وتلحق أضراراً كبيرة بشبكة الكهرباء، بينما تحولت مديرية جبل حبشي غربي تعز إلى نقطة خطر أخرى حيث تسببت السيول في وفاة رجل وطفلة وجرح آخرين ونفوق حيوانات.
واجه الطريق الواصل بين عدن وتعز تحديات إضافية جعلته يعج بسيارات المسافرين وشاحنات نقل البضائع على مدار الساعة، مما يزيد من المخاطر خلال موسم الأمطار، كما يشير سيف غالب، سائق مركبة لنقل المسافرين، الذي يحرص على السفر صباحاً لتجنب تدفق السيول المفاجئ في ساعات بعد الظهر والمساء.
تضاعفت المشكلة بفعل توقف أعمال الصيانة بالكامل خلال سنوات الحرب، حيث إن معظم الطرقات الرئيسية في اليمن شُيدت بدعم خارجي خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، مما يعني انتهاء عمرها الافتراضي وحاجتها الماسة للتجديد والتوسيع بما يتناسب مع تزايد عدد مستخدميها.
حذر المركز الوطني للأرصاد والإنذار المبكر من استمرار الأجواء المتقلبة مع توقعات بأمطار رعدية غزيرة في 12 محافظة، خاصة في المناطق الجبلية خلال فترتي الظهيرة والمساء، مع رياح قوية قد تصل سرعتها إلى 40 عقدة في أرخبيل سقطرى و26 عقدة في خليج عدن والسواحل الشرقية والجنوبية.
تطرح هذه الكارثة المركبة تساؤلات جدية حول قدرة اليمن على مواجهة الكوارث الطبيعية في ظل استمرار الصراع وضعف الموارد المالية، خاصة مع الحاجة الماسة لتطوير أنظمة الإنذار المبكر وبناء شبكات تصريف مياه متطورة وإعادة تأهيل شبكة الطرقات لتكون أكثر مقاومة للعوامل الجوية، في ظل تحديات مضاعفة تتطلب تضافر جهود محلية ودولية لمواجهة هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة.