ـ جزء لا بأس به من تاريخنا مكتوب بلغة عربية لكن بأحرف غير عربية، و فرض اليهود الصهاينة علينا روايتهم في الصراع الدائر بيننا وبينهم .. يهدف هذا المقال إلى تحقيق ما يأتي:
أولا- شرح أهمية تحقيق المخطوطات العربية-العبرية، أي المخطوطات اليهودية المكتوبة بالحرف الآرامي المربع، المعروف بالحرف العبري. فهنالك آلاف المخطوطات التي لا تزال حبيسة هذا الحرف، سواء تلك التي تم تحقيقها أو التي تنتظر التحقيق ولا تزال عصية على غالبية القراء والباحثين في الأمة العربية، لأنهم لا يجيدون اللغة العبرية.
ثانياً- التأكيد على ضرورة التعامل مع رواية (Narrative) تاريخانية كتابة هذه المخطوطات التي يُعد سياقها عربياً- إسلامياً بالكامل، ورفض المنهج اليهودي- “الإسرائيلي” المعاصر الذي يعتبرها مخطوطات يهودية، دون الإشارة إلى أن اليهود الذين كتبوا ودوّنوا بالحرف الآرامي المربع هم عرب يدينون بالديانة اليهودية.
ثالثاًً- إبراز تأثير الفكر الإسلامي، وتحديداً علم الكلام والشريعة، على اليهودية. فموسى بن ميمون الذي سأتحدث عن ثلاث مخطوطات له، كان قد تبنى مناهج علم الكلام والشريعة في الإسلام، وقام بتجديد اليهودية وفقها، حتى اعتبره البعض فقيهاً مسلماً أشعرياً.
رابعًا- إبراز قدرة الثقافة العربية- الإسلامية في الفترة التي تمت فيها كتابة هذه المخطوطات على استيعاب الرأي الآخر والمعادي لها، كما سنرى لاحقاً.
وستتمحور هذه المقالة حول مشروع شخصي لي، ألا وهو تحقيق المخطوطات الآتية:
الأولى- الرسالة اليمنية، وهي للفقيه موسى بن ميمون، المعروف بـ”الرمبام”.
الثانية- مقالة في بعث الموتى، وهي أيضًا للـ”رمبام”.
والثالثة- جواب لـءَرَم صوبه «حلب» بما يخصّ غناء اليشمعـءليم ونبيذهم، وهي أيضًا للـ”رمبام”.
والرابعة- ترجمة عن العبرية القديمة: رسالة جوابية للرابي عوبديه هَجِر، وهي أيضًا للـ”رمبام”. كتبها بالعبرية ردّاً على رسالة أرسلها إليه شخص أسمه عوبديه كان مسلما وتهوّد. وقد ترجمتها لأهميتها في تحديد موقف اليهودية من الإسلام.
والخامسة- قصة مجادلة الأسقف رحمة الله تعالى عليه، وهي لمؤلف مجهول.
يأخذ ابن ميمون المولود عام 1138 والمتوفى عام 1204 الجانب الأكبر من اهتمامي. كونه عاش وتتلمذ وكتب وألف في قرطبة والمغرب العربي ومصر وفلسطين في ظلّ الحضارة العربية الإسلامية. وكونه أهم شخصية لاهوتية في تاريخ اليهودية، إذ يقول اليهود عنه: “من موسى إلى موسى لم يقم مثل موسى. فموسى الأول هو النبي موسى الـ” تناخي” وموسى الثاني هو ابن ميمون، وهو بتقديري الذي جدد اليهودية وفقاً لعلوم الكلام الإسلامية. وقد تأثر في الأشاعرة والغزالي تحديداً؛ دعونا نستمع إلى ما تقوله: “حافا لتروس – يافه” المتخصصة بالغزالي وابن حنبل، وهي تسأل وتبحث قائلة: “هل تأثر الرمبام بالغزالي؟” حيث تفتتح مقالها قائلة: “لا يذكر الرمبام الغزالي في مدوناته؛ إلا أن هذا ليس إشارة إلى أنه لم يعرف مدوناته «أي الغزالي» أو لم يقرأها. فمن الصعب الافتراض بأن كاتباً مسلماً كبيراً كالغزالي ـ توفي قبله بمائة سنة (في عام 1111) وكان معروفا جداً في الشرق الإسلامي كما في المغرب، لم يصل إلى الرمبام”. ثم تعرض الكاتبة المتخصصة أربع قضايا تأثر فيها ابن ميمون بوضوح بأبي حامد الغزالي:
الأولى: رفض ابن ميمون المنطق الفلسفي كما رفضه الغزالي./ الثانية: آمن ابن ميمون ـ كالغزالي ـ بضرورة الابتعاد عن ملذات الحياة، وآمن بالتصوّف الذي يطهر القلب، كما آمن بأن الوصول إلى درجة عالية من التصوف من شأنها أن تجعل الله يسكب نوره في قلب المؤمن./ الثالثة: اتفق ابن ميمون مع الغزالي، على أن حدود التوكل على الله واسعة جداً، لأن الله عالم بالكليات والجزئيات./ الرابعة: اتفقا على مبدأ التسليم الكلّي إلى الله كما يستسلم الميت في يدي غاسله (لتسروس- يافه؛ 1977: 163- 169). وهو الذي أدخل مفهوم وحدانية الله إلى اليهودية، علما أن الـ”تناخ” يعرض ديناً متعدد الآلهة. فقد جاء في البند الثاني من أركان الإيمان اليهودية الثلاثة عشر كما ذكرها ابن ميمون: “الله واحد لا مثال لوحدانيته، وهو وحده إلهنا، كان وكائن وسيكون” (الرمبام، القضاة، سنهدرين فصل ي). ويقول عنه يشعيهو ليبوبتش: “الرمبام «ابن ميمون» هو الأعظم في معرفة الله الدينية- إيمانية في اليهودية منذ الآباء والأنبياء فصاعداً؛ هذه هي عظمته، وهذا سرّ خصوصيته. من هذه الناحية يجب القول أن مكانته الخاصة في تاريخ اليهودية لا تتقرر كفيلسوف بل كمؤمن كبير، فإيمانه يتجلّى في عبادته الله” (لايبوفيتس؛ 1999: 11). وهو الذي قرأ أحكام الشريعة الثلاثة في التلمود على ضوء الأحكام الخمسة للشريعة الإسلامية في المؤلف الأهم في تاريخ اليهودية في هذا الموضوع: الـ”مِشْنَه توره” (كريمر؛ 1976؛ 225- 244) . وهو أيضاً من وضع قائمة الفرائض (الـ613) التي تقبلها كل الطوائف اليهودية بدون استثناء. وهو الذي طرح مواضيع جديدة لم تكن معروفة في اللاهوت اليهودي قبله، مثل قِدم واستحداث العالم وبعث الموتى. من هنا تنبع أهمية قراءة ودراسة ابن ميمون.
المقدمة
1- تعتبر الترجمة جزءاً من أية عملية تثاقف مع الآخرين؛ فهي تأتي من باب التعاون معهم، أو من باب الاستزادة من معرفتهم وعلمهم وأدبهم، أو من باب: “اعرف عدوك”، إذا كان الآخرون أعداء. وأمتنا العربية على مدار تاريخها الطويل والمؤثر في الحياة الإنسانية، عاشرت الآخرين واشتبكت معهم، ولا تزال على هذا الحال. وعليه، فقد كانت الترجمة في العصور الغابرة، ولا تزال إلى يومنا الراهن، صنعة هامة، وإن أهملها قادتها الرسميون في عصرنا الحالي، كي يُبقوا عقول أبنائها رهينة الثقافة الرسمية.
2- إن تحقيق المخطوطات هي عملية كشف المكنون والغامض في التاريخ، كي يسهل على المعاصرين معرفة ما جرى في الماضي والتفاعل مع الحاضر والمستقبل في هذا التاريخ وهذه النصوص.
بالطبع، للترجمة والتحقيق مدارس ومذاهب وتقنيات ومختصين مختلفين.
3- يعتقد العوام من أبناء أمتنا والسواد الأعظم من الخاصة، أن تاريخ الأمة المكتوب موجود في المخطوطات العربية فقط؛ وللتوضيح أقول: المخطوطات المكتوبة بلغة وأحرف عربية. إلا أن هذا الاعتقاد يجانب الواقع؛ فجزء لا بأس به من تاريخنا مكتوب بلغة عربية لكن بأحرف غير عربية. مثلاً، بإمكاننا أن نقرأ مخطوطات عربية مكتوبة بأبجديات الشعوب التي اعتنقت الإسلام، مثل: الصينية، والسنسكريتية، والإسبانية والحرف الآرامي المربع المعروف بالحرف العبري. فعلى سبيل المثال، تبلغ نسبة المخطوطات العربية في المتحف التركي 80% من مجمل المخطوطات المحفوظة. ويمكننا القياس على ذلك لنعرف وندرك حجم المخطوطات العربية والجهد اللازم لتحقيقها ودراستها.
4- والعربية- اليهودية، هي اللهجة التي كتب بها اليهود العرب في أقطارهم العربية في العصور الوسطى إلى يومنا هذا. وتسمى العربية الوسطى Middle Arabic)). وسمعت عن ثلاثة شعراء متصوفين يهود من مستعمرات في ضواحي حيفا لا يزالون يكتبون ترانيمهم وابتهالاتهم بها. أي أنهم يكتبون باللغة العربية لكن بالحرف الآرامي المربع، المعروف بالعبري. ولا يلتزم الكتاب باللغة العبرية، لأنها غير موجودة بشكل مستقل عن العربية. فعندما يكتبون شعراً منظوماً فإنهم لا يترددون في استخدام المفردات العربية صراحة من أجل الوزن والقافية. أما النصيّات الـ”تناخية” والـ”تلمودية” وأسماء الآلهة والعلم فإنهم يكتبونها كما ترد في المصدر العبري القديم والآرامي.
5- وقد قام هؤلاء الكتاب (أيضًا) بنقل بعض المدونات العربية (الصرفة) إلى العربية العبرية، مما حافظ على العديد من المدونات العربية من الضياع (بن شهيدة؛ 1999: 247- 298). كما وضع البعض منهم تآليف في الأدب العربي، مثل: “المحاضرة والمذاكرة” لموسى بن عزرا (1060- 1139). وعلى ما يبدو استخدم ابن عزرا منهج الطبري (838- 923)، تفسير المأثور، في تفسيره لبعض أسفار الـ”تناخ”.
6- فرض اليهود الصهاينة علينا روايتهم في الصراع الدائر بيننا وبينهم. أي أنه صراعٌ يمتد إلى فترات قديمة في التاريخ، منذ الفترة الـ”تناخية”. وعليه توجب قبول هذا التحدي والعمل وقفاً له، كي يتم رفضه والتصدي لكامل روايتهم. فقد كان من المفترض أن يجعل صراعنا معهم ومع حركتهم الصهيونية وذراعها الماديّة “إسرائيل”، صنعة الترجمة من العبرية، قديمة كانت أم وسيطة أم حديثة (والدراسات اليهودية خاصة)، صنعة نخبويّة يوليها قادة الأمة ومثقفيها جلّ اهتمامهم. إلا أن أمراً كهذا لم يحدث، والذي حدث هو حوادث مريبة، هي ترجمات لبعض هوامش السياسة والثقافة في “إسرائيل”، يدعون يساراً، يدعوننا للخضوع لهم وقبول التسوية التي يعرضونها علينا، وإلا فإن “ربّ الجنود” لنا بالمرصاد! هذا ما يمكننا فهمه من المواد المترجمة التي ينشرها فلسطينيون وسواهم من عرب!
6- إن الآداب اليهودية ـ الكلامية والفقهية والشرعية والعلمية والأدبية ـ التي أنتجها اليهود العرب، في ظل الحضارة العربية الإسلامية، تكاد تكون مجهولة، للدارسين العرب المعاصرين ـ ناهيك عن سواد الناس ـ لعدة أسباب نجملها في التالي:
1.إن أغلب هذه الكتابات قد كُتِب بالعربية العبرية: أي باللغة العربية لكن بالأحرف العبرية. وبما أن غالبية الباحثين وقراء العربية لا يجيدون قراءة الحرف العبري، فإن ذلك ظل يعني دائماً وجود حوائل موضوعية تمنع العرب من دراسة هذه الكتابات اليهودية أو تحقيقها.
2.هناك رأي سائد لدى الجمهور العربي بأن غالبية هذه الآداب ذات طابع ديني محض، يخصّ اليهود دون غيرهم! وهو اعتقاد يجانبه الصواب إلى حد كبير، نظراً إلى حقيقة أن المفكرين والفقهاء العرب اليهود، في الفترات التي نتحدث عنها، كانوا قد كتبوا مدونات عديدة، في جميع العلوم الدنيوية والدينية، من الطبّ إلى الفقه، ومن الأدب وعلوم الكلام إلى العلوم الطبيعية. فابن ميمون الشخصية المركزية المبحوثة هنا كتب في الطبّ (وكذلك ابنه إبراهيم) كما كتب في الفلك وعدة علوم أخرى.
3.امتناع العقول العربية ـ في النصف الثاني من القرن العشرين ـ عن فتح ملف الثقافة العربية اليهودية خلال العصر الإسلامي، مقتصرين في هذا الصدد على بذل اهتمام مشوّه وضئيل بالصراع العربي اليهودي الصهيوني، وغني عن البيان أن ذلك لا يحقق أي تقدم باتجاه دحر المشروع اليهودي الصهيوني وتحرير فلسطين!
تزخر دوائر المحفوظات والمتاحف والمكتبات العامة والشخصية في العالم بالمدونات العربية العبرية الخاصة بالفترة التي نتحدث عنها. سواء كانت هذه المدونات مجرد مخطوطات مهملة، أو امتدت إليها أيدي بعض الدارسين بالتحقيق أو النقل إلى الحرف العربي. ومع ذلك فلا يزال سوادها الأعظم حبيس العربية العبرية، أي لا يزال مكتوبا بالأحرف العبرية، كما أشرت.
على الرغم من أن قطاع لا بأس به من هذه المدونات طابعه ديني ـ ككل مدونات تلك العصور ـ إلا أن أهميتها تنبع من حقيقة أنها تكشف لنا معارفَ ومواضيع نجهلها، ومن شأنها أن تضيء لنا بعض البقع والزوايا، في الفكر اليهودي. الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تطور هذا الفرع من البحث، ويعطينا فكرة أقرب إلى الصواب عن علاقة الدولة والأنظمة العربية الإسلامية ـ في ذلك الوقتـ بالأقليات الدينية التي عاشت في ظلالها. وذلك ـ بالمناسبة ـ وضع تفصح عنه المدونات والتآليف العربية، دون حرج أو وجل ـ كما سنقرأ في التحبير اللاحق. ويترتب على ما ذُكر إعادة صياغة أفكار ومناهج متعددة بما يخصّ دراسة هذا التاريخ كي يصبح بامكاننا مقاربته إلى حاضرنا المأساوي. وفيما يلي المخطوطات التي قمت بتحقيقها:
المخطوطة الأولى- الرسالة اليمنية
احتفظ ابن ميمون بعلاقات خاصة جداً مع يهود اليمن يجملها أبيشَي بَر-أوشر بالقول: “كانت غالبية كتاباته ذات طابع فكري فلسفي، وبما أن يهود اليمن يعيشون في بيئة عربية إسلامية، تُشجِّع الاشتغال بالفلسفة، لذا فقد توجهوا إليه لمعرفة قيمة الفكر والفلسفة لليهودية وفي اليهودية. ورغم أن يهود اليمن كانوا قد اعتادوا على بذل الدعم المادي لكل من يطلبه من علمائهم، إلا أن ابن ميمون لم يستغل مكانته الروحية لاقتناص المال منهم، بل إن نبذه لهذا الأسلوب كان وراء توطد العلاقات بينه وبين يهود اليمن. وكان ابن ميمون أيضاً يسهّل على يهود اليمن الفتاوى وسبل العيش لكي يتمكنوا من البقاء في مجتمعٍ معادٍ- كما تذكر كل الأدبيات المعنية بالموضوع. وهذا يحيلنا إلى أحد أسباب انتقال مرجعية يهود اليمن الفقهية من بابل إلى مصر.
لقد عنون ابن ميمون عمله الشهير بـ”الرسالة اليمنية”. وكان ابن ميمون قد وجهها إلى يهود اليمن على وجه الخصوص. وناقش فيها قضايا تخصهم بالتحديد: مضايقات الموحدِّين، وموقف التوراة من مختلف المضايقات التي يتعرض لها اليهود على مرّ العصور، وموقف اليهودية من الدين الإسلامي ونبيّه محمد الذي بات يهدد اليهودية على مستوى العقيدة والشريعة؛ وكذلك قضيّة مجيء المشيح اليهودي، إضافة لدعمهم معنوياً، وحثّهم على تحمل الشدائد. وعلى ما يبدو كان ابن ميمون يعنون تآليفه، سواء تلك التي كتبها من تلقاء نفسه، أو ما كان منها ردّاً على سؤال أو ملاحظة من آخرين.
يُجمع الباحثون على أن سنة إتمام كتابة نصّ هذه الرسالة، وإرسالها إلى يهود اليمن هو العام 1172م. ويقولون أيضاً أن أجزاء منها كُتبت قبل هذا العام. ويستدلون على هذا الموعد بعدة إشارات وردت فيها: فالسائل هو الرابي يعقب بن نتنئل الفيومي، الذي أصبح قائماً في اليمن. وكذلك من اسم ابن مهدي الذي قام وانتفض وبدأ حركة “إصلاح” دينية في العام 545هـ/1150م. وبعد ذلك وفي عام 1164م احتل مدينة الزبيد حيث توفي.
أطنب الباحثون والدارسون اليهود في الحديث عن هذه المُضايقات، إلا أني لن أتطرق إليها على لسانهم، بل على لسان الإخباريين العرب الذين كتبوا عنها، فكتاباتهم تكفينا في هذا المقام وتزيد؛ إضافة لكونها تشكل أساس ما كتبه اليهود عن الموضوع.
من الواضح أن ابن ميمون كتب رسالته هذه بناء على رسالة تلقاها من الرابي يعقب بن نتنئل الفيومي، الذي كان قائماً في اليمن. ففي رسالة الفيومي، وكما نفهم من “الرسالة اليمنية”، شكوى وقلق وتساؤلات لاهوتية حول المضايقات التي يتعرض لها اليهود في اليمن. فقد ذكر القفطي (1172- 1248) قائلا: “ ولمّا نادى عبد المؤمن بن علي الكومي البربري المستولي عَلَى المغرب فِي البلاد الَّتِي ملكها بإخراج اليهود والنصارى منها وقَدّر لهم مدة وشرطاً لمن أسلم منهم بموضعه عَلَى أسباب ارتزاقه مَا للمسلمين وعليه مَا عليهم، ومن بقى عَلَى رأي أهل ملته فإما أن يخرج قبل الأجل الَّذِي أجله وإمَا أن يكون بعد الأجل فِي حكم السلطان، مستهلك النفس والمال” (القفطي؛ د. ت: 208- 210). ويتكرر أمرٌ من هذا القبيل عند ابن العبري (1226- 1286) (ابن العبري؛ 1958: 239- 240)، وعند فنديك أيضاً (فنديك؛ 1958: 195- 196).
"الدستور" الاردنية
أولا- شرح أهمية تحقيق المخطوطات العربية-العبرية، أي المخطوطات اليهودية المكتوبة بالحرف الآرامي المربع، المعروف بالحرف العبري. فهنالك آلاف المخطوطات التي لا تزال حبيسة هذا الحرف، سواء تلك التي تم تحقيقها أو التي تنتظر التحقيق ولا تزال عصية على غالبية القراء والباحثين في الأمة العربية، لأنهم لا يجيدون اللغة العبرية.
ثانياً- التأكيد على ضرورة التعامل مع رواية (Narrative) تاريخانية كتابة هذه المخطوطات التي يُعد سياقها عربياً- إسلامياً بالكامل، ورفض المنهج اليهودي- “الإسرائيلي” المعاصر الذي يعتبرها مخطوطات يهودية، دون الإشارة إلى أن اليهود الذين كتبوا ودوّنوا بالحرف الآرامي المربع هم عرب يدينون بالديانة اليهودية.
ثالثاًً- إبراز تأثير الفكر الإسلامي، وتحديداً علم الكلام والشريعة، على اليهودية. فموسى بن ميمون الذي سأتحدث عن ثلاث مخطوطات له، كان قد تبنى مناهج علم الكلام والشريعة في الإسلام، وقام بتجديد اليهودية وفقها، حتى اعتبره البعض فقيهاً مسلماً أشعرياً.
رابعًا- إبراز قدرة الثقافة العربية- الإسلامية في الفترة التي تمت فيها كتابة هذه المخطوطات على استيعاب الرأي الآخر والمعادي لها، كما سنرى لاحقاً.
وستتمحور هذه المقالة حول مشروع شخصي لي، ألا وهو تحقيق المخطوطات الآتية:
الأولى- الرسالة اليمنية، وهي للفقيه موسى بن ميمون، المعروف بـ”الرمبام”.
الثانية- مقالة في بعث الموتى، وهي أيضًا للـ”رمبام”.
والثالثة- جواب لـءَرَم صوبه «حلب» بما يخصّ غناء اليشمعـءليم ونبيذهم، وهي أيضًا للـ”رمبام”.
والرابعة- ترجمة عن العبرية القديمة: رسالة جوابية للرابي عوبديه هَجِر، وهي أيضًا للـ”رمبام”. كتبها بالعبرية ردّاً على رسالة أرسلها إليه شخص أسمه عوبديه كان مسلما وتهوّد. وقد ترجمتها لأهميتها في تحديد موقف اليهودية من الإسلام.
والخامسة- قصة مجادلة الأسقف رحمة الله تعالى عليه، وهي لمؤلف مجهول.
يأخذ ابن ميمون المولود عام 1138 والمتوفى عام 1204 الجانب الأكبر من اهتمامي. كونه عاش وتتلمذ وكتب وألف في قرطبة والمغرب العربي ومصر وفلسطين في ظلّ الحضارة العربية الإسلامية. وكونه أهم شخصية لاهوتية في تاريخ اليهودية، إذ يقول اليهود عنه: “من موسى إلى موسى لم يقم مثل موسى. فموسى الأول هو النبي موسى الـ” تناخي” وموسى الثاني هو ابن ميمون، وهو بتقديري الذي جدد اليهودية وفقاً لعلوم الكلام الإسلامية. وقد تأثر في الأشاعرة والغزالي تحديداً؛ دعونا نستمع إلى ما تقوله: “حافا لتروس – يافه” المتخصصة بالغزالي وابن حنبل، وهي تسأل وتبحث قائلة: “هل تأثر الرمبام بالغزالي؟” حيث تفتتح مقالها قائلة: “لا يذكر الرمبام الغزالي في مدوناته؛ إلا أن هذا ليس إشارة إلى أنه لم يعرف مدوناته «أي الغزالي» أو لم يقرأها. فمن الصعب الافتراض بأن كاتباً مسلماً كبيراً كالغزالي ـ توفي قبله بمائة سنة (في عام 1111) وكان معروفا جداً في الشرق الإسلامي كما في المغرب، لم يصل إلى الرمبام”. ثم تعرض الكاتبة المتخصصة أربع قضايا تأثر فيها ابن ميمون بوضوح بأبي حامد الغزالي:
الأولى: رفض ابن ميمون المنطق الفلسفي كما رفضه الغزالي./ الثانية: آمن ابن ميمون ـ كالغزالي ـ بضرورة الابتعاد عن ملذات الحياة، وآمن بالتصوّف الذي يطهر القلب، كما آمن بأن الوصول إلى درجة عالية من التصوف من شأنها أن تجعل الله يسكب نوره في قلب المؤمن./ الثالثة: اتفق ابن ميمون مع الغزالي، على أن حدود التوكل على الله واسعة جداً، لأن الله عالم بالكليات والجزئيات./ الرابعة: اتفقا على مبدأ التسليم الكلّي إلى الله كما يستسلم الميت في يدي غاسله (لتسروس- يافه؛ 1977: 163- 169). وهو الذي أدخل مفهوم وحدانية الله إلى اليهودية، علما أن الـ”تناخ” يعرض ديناً متعدد الآلهة. فقد جاء في البند الثاني من أركان الإيمان اليهودية الثلاثة عشر كما ذكرها ابن ميمون: “الله واحد لا مثال لوحدانيته، وهو وحده إلهنا، كان وكائن وسيكون” (الرمبام، القضاة، سنهدرين فصل ي). ويقول عنه يشعيهو ليبوبتش: “الرمبام «ابن ميمون» هو الأعظم في معرفة الله الدينية- إيمانية في اليهودية منذ الآباء والأنبياء فصاعداً؛ هذه هي عظمته، وهذا سرّ خصوصيته. من هذه الناحية يجب القول أن مكانته الخاصة في تاريخ اليهودية لا تتقرر كفيلسوف بل كمؤمن كبير، فإيمانه يتجلّى في عبادته الله” (لايبوفيتس؛ 1999: 11). وهو الذي قرأ أحكام الشريعة الثلاثة في التلمود على ضوء الأحكام الخمسة للشريعة الإسلامية في المؤلف الأهم في تاريخ اليهودية في هذا الموضوع: الـ”مِشْنَه توره” (كريمر؛ 1976؛ 225- 244) . وهو أيضاً من وضع قائمة الفرائض (الـ613) التي تقبلها كل الطوائف اليهودية بدون استثناء. وهو الذي طرح مواضيع جديدة لم تكن معروفة في اللاهوت اليهودي قبله، مثل قِدم واستحداث العالم وبعث الموتى. من هنا تنبع أهمية قراءة ودراسة ابن ميمون.
المقدمة
1- تعتبر الترجمة جزءاً من أية عملية تثاقف مع الآخرين؛ فهي تأتي من باب التعاون معهم، أو من باب الاستزادة من معرفتهم وعلمهم وأدبهم، أو من باب: “اعرف عدوك”، إذا كان الآخرون أعداء. وأمتنا العربية على مدار تاريخها الطويل والمؤثر في الحياة الإنسانية، عاشرت الآخرين واشتبكت معهم، ولا تزال على هذا الحال. وعليه، فقد كانت الترجمة في العصور الغابرة، ولا تزال إلى يومنا الراهن، صنعة هامة، وإن أهملها قادتها الرسميون في عصرنا الحالي، كي يُبقوا عقول أبنائها رهينة الثقافة الرسمية.
2- إن تحقيق المخطوطات هي عملية كشف المكنون والغامض في التاريخ، كي يسهل على المعاصرين معرفة ما جرى في الماضي والتفاعل مع الحاضر والمستقبل في هذا التاريخ وهذه النصوص.
بالطبع، للترجمة والتحقيق مدارس ومذاهب وتقنيات ومختصين مختلفين.
3- يعتقد العوام من أبناء أمتنا والسواد الأعظم من الخاصة، أن تاريخ الأمة المكتوب موجود في المخطوطات العربية فقط؛ وللتوضيح أقول: المخطوطات المكتوبة بلغة وأحرف عربية. إلا أن هذا الاعتقاد يجانب الواقع؛ فجزء لا بأس به من تاريخنا مكتوب بلغة عربية لكن بأحرف غير عربية. مثلاً، بإمكاننا أن نقرأ مخطوطات عربية مكتوبة بأبجديات الشعوب التي اعتنقت الإسلام، مثل: الصينية، والسنسكريتية، والإسبانية والحرف الآرامي المربع المعروف بالحرف العبري. فعلى سبيل المثال، تبلغ نسبة المخطوطات العربية في المتحف التركي 80% من مجمل المخطوطات المحفوظة. ويمكننا القياس على ذلك لنعرف وندرك حجم المخطوطات العربية والجهد اللازم لتحقيقها ودراستها.
4- والعربية- اليهودية، هي اللهجة التي كتب بها اليهود العرب في أقطارهم العربية في العصور الوسطى إلى يومنا هذا. وتسمى العربية الوسطى Middle Arabic)). وسمعت عن ثلاثة شعراء متصوفين يهود من مستعمرات في ضواحي حيفا لا يزالون يكتبون ترانيمهم وابتهالاتهم بها. أي أنهم يكتبون باللغة العربية لكن بالحرف الآرامي المربع، المعروف بالعبري. ولا يلتزم الكتاب باللغة العبرية، لأنها غير موجودة بشكل مستقل عن العربية. فعندما يكتبون شعراً منظوماً فإنهم لا يترددون في استخدام المفردات العربية صراحة من أجل الوزن والقافية. أما النصيّات الـ”تناخية” والـ”تلمودية” وأسماء الآلهة والعلم فإنهم يكتبونها كما ترد في المصدر العبري القديم والآرامي.
5- وقد قام هؤلاء الكتاب (أيضًا) بنقل بعض المدونات العربية (الصرفة) إلى العربية العبرية، مما حافظ على العديد من المدونات العربية من الضياع (بن شهيدة؛ 1999: 247- 298). كما وضع البعض منهم تآليف في الأدب العربي، مثل: “المحاضرة والمذاكرة” لموسى بن عزرا (1060- 1139). وعلى ما يبدو استخدم ابن عزرا منهج الطبري (838- 923)، تفسير المأثور، في تفسيره لبعض أسفار الـ”تناخ”.
6- فرض اليهود الصهاينة علينا روايتهم في الصراع الدائر بيننا وبينهم. أي أنه صراعٌ يمتد إلى فترات قديمة في التاريخ، منذ الفترة الـ”تناخية”. وعليه توجب قبول هذا التحدي والعمل وقفاً له، كي يتم رفضه والتصدي لكامل روايتهم. فقد كان من المفترض أن يجعل صراعنا معهم ومع حركتهم الصهيونية وذراعها الماديّة “إسرائيل”، صنعة الترجمة من العبرية، قديمة كانت أم وسيطة أم حديثة (والدراسات اليهودية خاصة)، صنعة نخبويّة يوليها قادة الأمة ومثقفيها جلّ اهتمامهم. إلا أن أمراً كهذا لم يحدث، والذي حدث هو حوادث مريبة، هي ترجمات لبعض هوامش السياسة والثقافة في “إسرائيل”، يدعون يساراً، يدعوننا للخضوع لهم وقبول التسوية التي يعرضونها علينا، وإلا فإن “ربّ الجنود” لنا بالمرصاد! هذا ما يمكننا فهمه من المواد المترجمة التي ينشرها فلسطينيون وسواهم من عرب!
6- إن الآداب اليهودية ـ الكلامية والفقهية والشرعية والعلمية والأدبية ـ التي أنتجها اليهود العرب، في ظل الحضارة العربية الإسلامية، تكاد تكون مجهولة، للدارسين العرب المعاصرين ـ ناهيك عن سواد الناس ـ لعدة أسباب نجملها في التالي:
1.إن أغلب هذه الكتابات قد كُتِب بالعربية العبرية: أي باللغة العربية لكن بالأحرف العبرية. وبما أن غالبية الباحثين وقراء العربية لا يجيدون قراءة الحرف العبري، فإن ذلك ظل يعني دائماً وجود حوائل موضوعية تمنع العرب من دراسة هذه الكتابات اليهودية أو تحقيقها.
2.هناك رأي سائد لدى الجمهور العربي بأن غالبية هذه الآداب ذات طابع ديني محض، يخصّ اليهود دون غيرهم! وهو اعتقاد يجانبه الصواب إلى حد كبير، نظراً إلى حقيقة أن المفكرين والفقهاء العرب اليهود، في الفترات التي نتحدث عنها، كانوا قد كتبوا مدونات عديدة، في جميع العلوم الدنيوية والدينية، من الطبّ إلى الفقه، ومن الأدب وعلوم الكلام إلى العلوم الطبيعية. فابن ميمون الشخصية المركزية المبحوثة هنا كتب في الطبّ (وكذلك ابنه إبراهيم) كما كتب في الفلك وعدة علوم أخرى.
3.امتناع العقول العربية ـ في النصف الثاني من القرن العشرين ـ عن فتح ملف الثقافة العربية اليهودية خلال العصر الإسلامي، مقتصرين في هذا الصدد على بذل اهتمام مشوّه وضئيل بالصراع العربي اليهودي الصهيوني، وغني عن البيان أن ذلك لا يحقق أي تقدم باتجاه دحر المشروع اليهودي الصهيوني وتحرير فلسطين!
تزخر دوائر المحفوظات والمتاحف والمكتبات العامة والشخصية في العالم بالمدونات العربية العبرية الخاصة بالفترة التي نتحدث عنها. سواء كانت هذه المدونات مجرد مخطوطات مهملة، أو امتدت إليها أيدي بعض الدارسين بالتحقيق أو النقل إلى الحرف العربي. ومع ذلك فلا يزال سوادها الأعظم حبيس العربية العبرية، أي لا يزال مكتوبا بالأحرف العبرية، كما أشرت.
على الرغم من أن قطاع لا بأس به من هذه المدونات طابعه ديني ـ ككل مدونات تلك العصور ـ إلا أن أهميتها تنبع من حقيقة أنها تكشف لنا معارفَ ومواضيع نجهلها، ومن شأنها أن تضيء لنا بعض البقع والزوايا، في الفكر اليهودي. الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تطور هذا الفرع من البحث، ويعطينا فكرة أقرب إلى الصواب عن علاقة الدولة والأنظمة العربية الإسلامية ـ في ذلك الوقتـ بالأقليات الدينية التي عاشت في ظلالها. وذلك ـ بالمناسبة ـ وضع تفصح عنه المدونات والتآليف العربية، دون حرج أو وجل ـ كما سنقرأ في التحبير اللاحق. ويترتب على ما ذُكر إعادة صياغة أفكار ومناهج متعددة بما يخصّ دراسة هذا التاريخ كي يصبح بامكاننا مقاربته إلى حاضرنا المأساوي. وفيما يلي المخطوطات التي قمت بتحقيقها:
المخطوطة الأولى- الرسالة اليمنية
احتفظ ابن ميمون بعلاقات خاصة جداً مع يهود اليمن يجملها أبيشَي بَر-أوشر بالقول: “كانت غالبية كتاباته ذات طابع فكري فلسفي، وبما أن يهود اليمن يعيشون في بيئة عربية إسلامية، تُشجِّع الاشتغال بالفلسفة، لذا فقد توجهوا إليه لمعرفة قيمة الفكر والفلسفة لليهودية وفي اليهودية. ورغم أن يهود اليمن كانوا قد اعتادوا على بذل الدعم المادي لكل من يطلبه من علمائهم، إلا أن ابن ميمون لم يستغل مكانته الروحية لاقتناص المال منهم، بل إن نبذه لهذا الأسلوب كان وراء توطد العلاقات بينه وبين يهود اليمن. وكان ابن ميمون أيضاً يسهّل على يهود اليمن الفتاوى وسبل العيش لكي يتمكنوا من البقاء في مجتمعٍ معادٍ- كما تذكر كل الأدبيات المعنية بالموضوع. وهذا يحيلنا إلى أحد أسباب انتقال مرجعية يهود اليمن الفقهية من بابل إلى مصر.
لقد عنون ابن ميمون عمله الشهير بـ”الرسالة اليمنية”. وكان ابن ميمون قد وجهها إلى يهود اليمن على وجه الخصوص. وناقش فيها قضايا تخصهم بالتحديد: مضايقات الموحدِّين، وموقف التوراة من مختلف المضايقات التي يتعرض لها اليهود على مرّ العصور، وموقف اليهودية من الدين الإسلامي ونبيّه محمد الذي بات يهدد اليهودية على مستوى العقيدة والشريعة؛ وكذلك قضيّة مجيء المشيح اليهودي، إضافة لدعمهم معنوياً، وحثّهم على تحمل الشدائد. وعلى ما يبدو كان ابن ميمون يعنون تآليفه، سواء تلك التي كتبها من تلقاء نفسه، أو ما كان منها ردّاً على سؤال أو ملاحظة من آخرين.
يُجمع الباحثون على أن سنة إتمام كتابة نصّ هذه الرسالة، وإرسالها إلى يهود اليمن هو العام 1172م. ويقولون أيضاً أن أجزاء منها كُتبت قبل هذا العام. ويستدلون على هذا الموعد بعدة إشارات وردت فيها: فالسائل هو الرابي يعقب بن نتنئل الفيومي، الذي أصبح قائماً في اليمن. وكذلك من اسم ابن مهدي الذي قام وانتفض وبدأ حركة “إصلاح” دينية في العام 545هـ/1150م. وبعد ذلك وفي عام 1164م احتل مدينة الزبيد حيث توفي.
أطنب الباحثون والدارسون اليهود في الحديث عن هذه المُضايقات، إلا أني لن أتطرق إليها على لسانهم، بل على لسان الإخباريين العرب الذين كتبوا عنها، فكتاباتهم تكفينا في هذا المقام وتزيد؛ إضافة لكونها تشكل أساس ما كتبه اليهود عن الموضوع.
من الواضح أن ابن ميمون كتب رسالته هذه بناء على رسالة تلقاها من الرابي يعقب بن نتنئل الفيومي، الذي كان قائماً في اليمن. ففي رسالة الفيومي، وكما نفهم من “الرسالة اليمنية”، شكوى وقلق وتساؤلات لاهوتية حول المضايقات التي يتعرض لها اليهود في اليمن. فقد ذكر القفطي (1172- 1248) قائلا: “ ولمّا نادى عبد المؤمن بن علي الكومي البربري المستولي عَلَى المغرب فِي البلاد الَّتِي ملكها بإخراج اليهود والنصارى منها وقَدّر لهم مدة وشرطاً لمن أسلم منهم بموضعه عَلَى أسباب ارتزاقه مَا للمسلمين وعليه مَا عليهم، ومن بقى عَلَى رأي أهل ملته فإما أن يخرج قبل الأجل الَّذِي أجله وإمَا أن يكون بعد الأجل فِي حكم السلطان، مستهلك النفس والمال” (القفطي؛ د. ت: 208- 210). ويتكرر أمرٌ من هذا القبيل عند ابن العبري (1226- 1286) (ابن العبري؛ 1958: 239- 240)، وعند فنديك أيضاً (فنديك؛ 1958: 195- 196).
"الدستور" الاردنية