الرئيسية / تقارير وحوارات / الجيش اليمني . . أزمة تنتظر الحل
الجيش اليمني . . أزمة تنتظر الحل

الجيش اليمني . . أزمة تنتظر الحل

01 نوفمبر 2012 12:01 مساء (يمن برس)
فزع الصواريخ الصديقة التي داهمت أحياء في العاصمة صنعاء بعد انفجار مستودع سلاح في معسكر الفرقة الأولى المدرعة أحيا مطالب قديمة بإخراج معسكرات الجيش من المدن، بعدما صارت عامل تهديد للمدنيين أكثر من كونها عاملاً لتعزيز الأمن، غير أن توقيت هذه المطالب بدا في نظر مركز القرار غير مناسب، إذ لاتزال الأوضاع الأمنية مضطربة مع استمرار الانقسام في صفوف الجيش وتصاعد خطر مراكز القوى الجديدة التي صارت بفعل التدخلات الخارجية العشوائية تمتلك جيوشاً غير نظامية تهدد أمن البلاد بصورة عامة .
 
رغم مضي تسعة شهور على الانتخابات الرئاسية إلا أن الخريطة الأمنية في العاصمة لاتزال مثيرة لقلق الكثيرين، وخصوصاً مع أخفاق الجهات الرسمية في فرض نفسها كقوة لحفظ الأمن وفشلها في تفكيك الجماعات المسلحة سواء المحسوبة على النظام السابق التي اقتطعت مناطق لصالحها وخزنت ترسانة سلاح هائلة مقابل مناطق خاضعة لنفوذ وجهاء القبائل المعارضين للنظام السابق وأخرى خاضعة لنفوذ الإسلاميين سواء من الميليشيات القبلية المسلحة القريبة من حزب الإصلاح الإسلامي أوقادة الجيش المؤيدين للثورة .
 
في عام الثورة 2011 بلغ الاحتقان العسكري ذروته وأرغمت التداعيات العسكرية بعض القوى السياسية وزعماء القبائل إلى تشكيل ميليشيات مسلحة بالتوازي مع اتجاه الحزب الحاكم آنذاك إلى تسليح العديد من الجماعات القبلية وغير القبلية لمواجهة عواصف الثورة، في حين أن الحال لم يكن مختلفاً لدى الجيش المؤيد للثورة الذي تتهمه بعض القوى بالضلوع في عمليات تسليح للجماعات القبلية التي خاضت مواجهات مسلحة مع قوات الجيش الموالية للنظام السابق .
 
نجحت اللجنة العسكرية المؤلفة بموجب المبادرة الخليجية إلى حد كبير في إنهاء مظاهر التوتر العسكري، لكنها لم تمس ترسانة هذه الجماعات حتى أن مراكز القوى التي تشكلت في عام الثورة صارت من القوة التي تحتاج إلى جيش لفض نزاعاتها مع نفسها أولاً ونزاعاتها مع الدولة ثانياً .
 
يعيد البعض ظهور نجم القوى الجديدة إلى انقسام الجيش الذي شجع كثيرين على الإفادة من هذا الانقسام لبناء جيوش غير نظامية كالتي يملكها حالياً وجهاء القبائل سواء من المعارضين للنظام السابق أم الموالين له .
 
ويرى ناشطون من شبان الثورة أن استمرار انقسام الجيش كان ولايزال الشريان الذي يمد هذه الجماعات بالأكسجين وأسهم في تمددها على نطاق جغرافي أوسع، وخصوصاً في مناطق القبائل القاطنة في ضواحي العاصمة وضواحي المدن الرئيسة التي شهدت مواجهات في عام الثورة، حيث تشكلت قوى جديدة متداخلة مع بعض تكوينات الجيش سواء المؤيدة للثورة أو المشكوك بولائها للنظام السابق .
 
استناداً إلى ذلك بدت المطالب التي عبرت عنها قوى سياسية وتكوينات شبابية ثورية أشبه بتصفية حسابات ومكابدات سياسية أخفت أهدافاً غير بعيدة عن محاولات نقل النفوذ من هذا الطرف إلى ذاك، خصوصاً وهي لا تتحدث عن هذه القضية في إطار استراتيجية وطنية وتشريعات تجعل مؤسسة الجيش مؤسسة وطنية واحدة وتضع حداً لسباق التسلح لدى مراكز القوى السياسية والقبلية التي تحاول بقوة استثمار الثورة الشعبية بتقديم نفسها بديلاً آمناً في حين أنها لا تكف عن استخدام كل الوسائل للاستحواذ على تركة الرجل المريض .
 
مشكلة قديمة
 
يذهب السياسيون إلى أن قضية إخراج المعسكرات من المدن لم تكن جديدة بل تعود إلى السنوات الأولى لإعلان دولة الوحدة بين شطري اليمن إذ تبنى الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم جنوب اليمن سابقاً مبادرات لإخراج المعسكرات من المدن لما تمثله من خطورة على مشروع الوحدة الطوعي الديمقراطي، كما كانت القضية في صدارة أهداف برنامجه السياسي في انتخابات برلمان 1993 .
 
على أن هذا المشروع حظي بتأييد أكثر القوى السياسية آنذاك إلا أنه غُيب كلياً عن المشهد بعد حرب صيف 1994 التي انتهت باجتياح قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح لعدن وخروج أكثر قادة الحزب من اليمن لاجئين سياسيين .
 
مضت سنوات طويلة حتى عادت هذه المطالب إلى الواجهة خلال عام الثورة بعدما انشق جانب من الجيش عن النظام السابق وأعلن تأييده للثورة الشعبية السلمية بما أداه ذلك من شيوع مظاهر التوتر والمخاوف من الصراع المسلح بين الجيش المنشق عن النظام والجيش الخاضع لإمرة رموز النظام السابق .
 
استجابة لقلق داخلي وخارجي تضمنت المبادرة الخليجية خطة لهيكلة الجيش تحت قيادة وطنية واحدة وإنهاء الانقسام الحاصل في صفوفه، غير أن تعقيدات هذا الملف فرضت نفسها بقوة لتجعل مساره بطيئاً للغاية قياساً بالمسار السياسي في اتفاق التسوية .
 
لكن الدعم الإقليمي والدولي الذي حظيت به هذه القضية مكن الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي من اتخاذ خطوات كبيرة أفضت إلى تفكيك جزئي لنفوذ النظام السابق في مؤسسة الجيش من طريق إقالة بعض رموزه المتقلدين مناصب عسكرية رفيعة وتعيين قادة جدد في بعض قطاعات الجيش الحيوية، ومنها قوات الدفاع الجوي والقوات البحرية والدفاع الساحلي ناهيك عن تشكيل قوات الحماية الرئاسية التي مثلت النواة الجديدة للجيش الوطني المعني بحماية الشرعية الدستورية .
 
عبرت الخطوات التي باشرها الرئيس هادي في ملف الجيش عن حنكة وخبرة وإدراك لطبيعة التعقيدات الحاصلة في الساحة اليمنية، وهي التعقيدات ذاتها التي وضعته أمام تحد كبير إذ هو مطالب بضبط معادلة توازن الأمن الداخلي، وإعادة هيكلة الجيش بخطوات حذرة تضمن عدم حدوث أي تصدع في معادلة التسوية أو تؤدي إلى عرقلة بعض مكوناتها وبالمقابل الحفاظ على مؤسسة الجيش الوطني والحد من أي عوامل تعزز الانقسام الداخلي في صفوف هذه المؤسسة .
 
تبنت الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني حملات مناهضة لتواجد قوات الجيش داخل المدن الرئيسة، بل وجهت مطالب محددة إلى الدول الراعية لاتفاق التسوية وإلى الرئيس عبد ربه منصور هادي تطالبه باتخاذ إجراءات عاجلة لإخراج معسكرات الجيش من المدن باعتبارها قضية مقدمة على أي مطالب أخرى .
 
لكن هذه المطالب لم تجد صدى لدى الرئيس هادي الذي أرجأ البت في هذه المطالب استناداً إلى أولويات سياسية وأمنية وفي الطليعة الحاجة إلى بناء نواة لقوة وطنية تحتكم إلى الشرعية الدستورية يمكن الاستعانة بها لإخماد أي تمرد يقاوم جهود التسوية السياسية وإحداث تغييرات بداخل هرم القيادة العسكرية في إطار خطة تدريجية لهيكلة الجيش بما لا يؤثر في المسار السياسي للتسوية أو التحضيرات الجارية لمؤتمر الحوار الوطني الذي ينتظر أن يفضي إلى حلول جذرية وعادلة للقضايا والمشكلات اليمنية الكبيرة وإلى قرارات حاسمة في شأن مستقبل الحياة السياسية .
 
توازن الرعب
 
عند مناقشة قضية إخلاء العاصمة والمدن اليمنية الرئيسة من المعسكرات يبرز إلى الواجهة طرفان، يمثله الجيش المؤيد للثورة بقيادة اللواء على محسن الأحمر وميليشيا الإسلاميين والقبائل التي لا تختلف في تجهيزاتها القتالية عن الجيوش النظامية، ويمثل الثاني تكوينات الجيش المتهمة بالولاء للنظام السابق وتضم قوات النخبة في الجيش اليمني ويضاف إليها الميليشيا القبيلة وغير القبيلة التي شكلها سابقاً لمواجهة الثورة .
 
ويبدي الفريق الأول مخاوف من استمرار خضوع أكثر المعسكرات المحيطة بالعاصمة لنفوذ النظام السابق، ولا سيما قوات الحرس الجمهوري التي يقودها العميد أحمد علي عبدالله صالح وقوات الأمن المركزي بقيادة العميد يحيى محمد عبدالله صالح .
 
وأعلن هؤلاء في غير مرة قبولهم فكرة إخراج معسكرات الجيش من المدن، لكنهم يشيرون إلى أن معادلة التسوية الخليجية أنتجت وضعاً معقداً من الناحية العسكرية يجعل قضية الاستجابة لمطالب خروجهم من العاصمة أمراً محفوفاً بالمخاطر، استناداً إلى قواعد الانتشار التي اعتمدها النظام السابق في توزيع قوات الجيش في محيط العاصمة التي تجعلها عرضة للسقوط في أية لحظة .
 
يساند هذا الرأي قطاع واسع من شبان الثورة الذين يرون أن الوضع الطبيعي والآمن أن تكون معسكرات الجيش خارج المدن لما تشكله من تهديد على حياة المدنيين وتشديدهم على أهمية خضوع الجيش لقيادة وطنية واحدة عبر وزارة الدفاع ويشيرون إلى أن تركز معسكرات الجيش في المدن لم يكن إلا استراتيجية الأنظمة القمعية الخائفة التي جسدها النظام السابق في ممارساته، كما يؤكدون على أن إخراج معسكرات الجيش من العاصمة ومراكز المدن لا يعني بقاء العاصمة مفتوحة لمن لديه مشروع مسلح، حيث إن الدور الأمني يمكن أن تؤديه قوات من الأمن العام والأمن المركزي وقوات النجدة جنباً إلى جنب .
 
يتحدث هؤلاء عن سيناريوهات كارثية في حال حصول أي مشكلات بين الجيش المنقسم وخصوصاً مع وجود معسكرات الجيش داخل المدن، في حين يرون أن وجود هذه القوات خارجها ربما يقلل من المضاعفات الخطيرة للصراع الداخلي للجيش .
 
مواقف
 
عبد الحميد الشريف الناشط في ساحة الحرية بتعز يرى أنه لا يوجد سبب أمني مقنع لاستمرار تواجد معسكرات الجيش داخل المدن في الوقت الراهن في حين أنها قد تكون سبباً في تفجر نزاع مسلح في ظل انقسام الجيش .
 
ويرى أن القول بوجود جماعات مسلحة تهدد الأمن أمر مبالغ فيه كما أن الحديث عن ميليشيا إسلامية ليس سوى مكايدات سياسية يحاول النظام السابق ترويجها بعدما فقد كل ما لديه نتيجة الإجماع الشعبي الذي أرغمه على التنحي عن الحكم .
 
يؤكد الشريف أن المطالبات بإخراج معسكرات الجيش من المدن لا تعني نقل مراكزها إلى خارج المدن بمئات الكيلومترات بل بمسافة بسيطة لا تتعدى البضعة كيلومترات وهذه المسافة ستتيح أولاً تحويل مواقع هذه القوات إلى منشآت خدمية أو متنفسات، كما ستجنب المدنيين الوقوع في دائرة الخطر عند إجراء تدريبات عسكرية، وفي المقابل فإن هذه المسافة مناسبة كثيراً لوصول قوات الجيش على جناح السرعة عند الطوارئ .
 
قياساً بذلك، ثمة تكوينات ثورية تكتفي بدعم فكرة إخراج مستودعات الجيش، كونها تشكل مصدر تهديد وقلق على الأمن والسكينة كما تدعم فكرة حظر التدريب العسكري في المعسكرات التي بداخل المدن أو القريبة منها، مع التأكيد على أن بقاء وحدات للجيش داخل المدن أو العاصمة هدفها صد أي محاولات تخل بالأمن من الميليشيا القبلية وغير القبلية .
 مخاوف مشابهة
 
في موازاة مخاطر تهدد حياة المدنيين والسكينة العامة يوردها المطالبون بإخراج معسكرات الجيش من العاصمة ثمة أطراف تتحدث عن مخاطر محدقة قد تحصل في حال تفريغ العاصمة من القوة العسكرية التي يعتمد عليها في حفظ الشرعية الدستورية وحماية مؤسسات الدولة، ناهيك عما تمثله من أهمية لصد أي محاولات لإنشاء جماعات مسلحة أو ميليشيا تهدد الأمن أو تحاول أن تكون رقماً في المعادلة السياسية المقبلة .
 
ويتهم رموز النظام السابق حزب الإصلاح الإسلامي وهو أكبر الأحزاب الإسلامية حضوراً في المشهد الثوري بمحاصرة العاصمة صنعاء من سائر جهاتها ويشيرون إلى أن عمل اللجنة العسكرية المؤلفة بموجب المبادرة الخليجية اقتصر على إنهاء مظاهر التوتر في العاصمة ومراكز المدن في حين بقى الوضع خارجها وفي مناطق القبائل على ماهو عليه من دون تغيير .
 
استراتيجية بطيئة
 
يصف بعض الخبراء العسكريين المطالب بإخلاء العاصمة وبعض المدن اليمنية من المعسكرات بأنها حملات مسيسة، ويرون أن وجود المعسكرات في المدن لا يمكن أن يمثل تهديداً للمدنيين سوى في حالات نادرة عند حصول أخطاء فنية كما حال التفجيرات التي شهدتها العاصمة عندما تطايرت صواريخ على بعض الأحياء نتيجة خطأ في منظومة الصواريخ في معسكر الفرقة الأولى المدرعة المرابط في وسط العاصمة صنعاء .
 
ويشير هؤلاء إلى أن الأولى أن تركز المطالب على منع انتشار الأسلحة الثقيلة لدى الجماعات القبيلة ومنع حيازة وحمل السلاح في المدن، كما يرون أن المطالبة بإخراج معسكرات الجيش من العاصمة ومراكز المدن ليس إلا قضية جزئية في إطار سلسلة تعقيدات تبدأ بالجماعات المسلحة في شمال اليمن حيث المسلحين الحوثيين وصولاً إلى الوسط، حيث القبائل والجماعات الإسلامية المجهزة بترسانة سلاح عالية، وصولاً إلى أقصى الجنوب حيث الحراك الجنوبي الذي يمتلك كذلك ميليشيات مسلحة هنا وهناك، يضاف إليها خلايا تنظيم القاعدة المنتشرة في طول البلاد وعرضها .
 
ويؤكد الخبراء أن إخراج معسكرات الجيش من المدن إن كان مطلوباً تنفيذها بعيداً عن خطة هيكلة الجيش، فإن نتائجها بلا شك ستصب في مصلحة طرف على حساب آخر، فضلاً عن أنها ستفتح الطريق لكل الأطراف المتصارعة للاستحواذ على ترسانة الجيش إن لم تهيأ الطريق للقوى التي لاتزال تناور من أجل إجهاض اتفاق التسوية .
 
ولتجنيب اليمن هزات كبيرة قد تنشأ بسبب هذه الخطوة، يدعم هؤلاء فكرة الاستراتيجية الشاملة التي تضم إلى جانب إخراج معسكرات الجيش، إنهاء أي وجود للجماعات والميليشيا المسلحة وحظر أي تشكيلات عسكرية غير نظامية سواء في المدن أو في مناطق القبائل ومناطق الأرياف بما يتيح لجميع الأطراف الشعور بالأمان .
 
ويشيرون إلى أن السيناريو القابل للتطبيق ينبغي ألا يكون قبل الانتخابات النيابية والرئاسية المقررة في العام ،2014 إذ إن هذه الانتخابات ستنظم بناء على مقررات مؤتمر الحوار الوطني، كما أن العملية الانتخابية ستفضي إلى خيارات مرضية لسائر الأطراف التي تتربص الدوائر بالأطراف الأخرى .
 
ويشترط الخبراء العسكريون لنجاح ذلك استباق عمليات إخلاء المدن من المعسكرات إجراءات إدارية لتغيير قادة الألوية وإعادة توزيع الأسلحة التي تملكها هذه المعسكرات، وكذلك ترتيب مسبق لكيفية خروج المعسكرات ونقل بنيتها التسليحية والإدارية إلى ترتيب انتقال أراض وأصول ومبان لهذه المعسكرات ضمن خطة تفصيلية شاملة يتم إعدادها من قبل لجنة خبراء محايدة يتوج عملها بإصدار قانون شامل ينظم كامل العملية .
 
كما يتطلب الأمر التمهيد لهذه الخطوة قرارات بإقالة القادة العسكريين من أركان النظام السابق وتعيين قادة جدد مع إعطائهم الإمكانات والوقت الكافي لإنجاز مهماتهم على النحو الأمثل .
 
"الخليج" الاماراتية
شارك الخبر