كشف الصحفي المخضرم فتحي بن لزرق عن عملية تلاعب منظمة ضخمة استهدفت هيئة الأدوية في عدن، تشمل تزوير قوائم أسعار أكثر من 3000 صنف دوائي، وذلك بهدف تضليل المواطنين حول حقيقة "التخفيضات" المزعومة في ظل تحسن سعر صرف الريال اليمني.
وكشف بن لزرق في تحقيق استقصائي موسّع أن الوكالات التجارية المتخصصة في استيراد الأدوية قدمت للهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية ملفاً ضخماً يضم حوالي 1200 صفحة من القوائم السعرية المزورة. هذه القوائم تحتوي على أسعار مضخمة بشكل مصطنع، تفوق القيمة الفعلية للأدوية في السوق المحلية بمراحل.
وفق التحقيق، فإن آلية التلاعب تعتمد على إدراج الأدوية بأسعار مبالغ فيها ضمن القوائم المقدمة للهيئة، ثم "الاتفاق" على تخفيضها إلى مستويات تبقى أعلى من الأسعار الفعلية السابقة. على سبيل المثال، دواء علاج الحمى الذي كان يُباع بسعر 3000 ريال عند سعر صرف 750 ريال للريال السعودي، تم إدراجه في القائمة المزورة بسعر 4700 ريال، ثم "خُفض" إلى 3500 ريال، ما يعني ارتفاعاً فعلياً بنسبة 16.6% رغم الإعلان عنه كتخفيض.
وأوضح الصحفي أن عملية الخداع تجاوزت مجرد التلاعب بالأسعار، حيث تضمنت القوائم المقدمة تسعيرات لعقاقير لم تعد تُستورد إلى اليمن منذ أكثر من 15 عاماً، مما يشير إلى أن الملف كان مُعداً مسبقاً بعيداً عن الواقع، بهدف خداع الجهات الرقابية وإضفاء شرعية على ارتفاعات سعرية غير مبررة.
وشدد بن لزرق على أن هذه الممارسات تُشكل "جريمة مكتملة الأركان" تشمل تزوير المستندات، والتلاعب بالأسعار، وخداع الرأي العام، واستغلال ضعف الرقابة، مما يُفاقم معاناة المواطنين في ظل انهيار اقتصادي وصحي مزمن. وأكد أن هذه الحيلة تكررت مع عشرات الأدوية الأساسية، حيث استغلت الوكالات التحسن النسبي في سعر الصرف لتضخيم الأسعار افتراضياً.
في سياق متصل، تؤكد المتابعات الميدانية استمرار ارتفاع أسعار الأدوية في عدن رغم التحسن الملحوظ في سعر صرف العملة المحلية. فعلى سبيل المثال، يُظهر دواء "كونكور 5 مجم" الذي لا يزال سعره ثابتاً عند 15,000 ريال، نفس السعر الذي كان عليه قبل تحسن سعر الصرف، مما يُبرهن على أن التخفيضات المعلنة لم تنعكس على أرض الواقع.
وطالب الصحفي الاستقصائي وزارة الصحة العامة والسكان، ورئاسة مجلس الوزراء، بالتدخل الفوري وفتح تحقيق عاجل ومستقل في هذه القضية، مؤكداً أن صمت الجهات المعنية يُعد تواطؤاً غير مباشر مع هذه الممارسات. كما هدد بتقديم دعوى قضائية ضد الهيئة العليا للأدوية نفسها إذا استمرت في التغاضي عن هذه التجاوزات، معتبراً تقصيرها في الرقابة والتحقق من القوائم المقدمة يجعلها شريكاً في هذه الفضيحة.
ودعا بن لزرق إلى إنشاء لجنة فنية مستقلة لمراجعة جميع القوائم السعرية، وربط التسعير بآليات شفافة تعتمد على مسوحات سوق حقيقية، وفرض رقابة صارمة على الوكالات التجارية، مع محاسبة كل من تورط في هذه العملية. وأشار إلى أن هذه الكشفية تأتي في وقت تشهد فيه مناطق جنوب اليمن تذمراً واسعاً من ارتفاع جنوني في أسعار الأدوية.
من جانب آخر، تحركت السلطات في محافظة الضالع للتصدي لهذه الأزمة، حيث ترأس العميد عبدالله مهدي، رئيس الهيئة التنفيذية للمجلس الانتقالي الجنوبي، اجتماعاً موسعاً مع ممثلي شركات الأدوية لمناقشة ضبط السوق الدوائي. وأكد العميد مهدي حرص القيادة على العمل المشترك مع مختلف الجهات المعنية للحد من ارتفاع أسعار الأدوية وتخفيف الأعباء عن المواطنين.
وخرج الاجتماع بتوصيات تشمل إلزام شركات الأدوية بالتسعيرة المؤقتة المحددة بحسب سعر الصرف، وتقديم قوائم التسعيرات القديمة والجديدة، إضافة إلى تكليف مكتب الصحة بالنزول الميداني بشكل دوري على الصيدليات لمراقبة الأسعار والتأكد من الالتزام بها. وتُعتبر الهيئة العليا للأدوية في عدن الجهة الرسمية المسؤولة عن تنظيم استيراد وتوزيع الأدوية في مناطق الجنوب، إلا أن تقارير متكررة تُشير إلى ضعف أدائها وافتقارها إلى الكوادر الفنية والآلية الرقابية الفعالة، مما يُسهّل استغلالها من قبل جهات تجارية نافذة.