شهدت المنطقة الحرة بميناء عدن، جنوبي اليمن، توترات أمنية غير مسبوقة هذا الأسبوع بعد اكتشاف شحنة مشبوهة كادت تشعل مواجهة مسلحة بين قوات أمنية متنافسة.
الشحنة التي وصلت تحت غطاء "حفاضات صحية نسائية" أخفت في طياتها مكونات خطيرة لطائرات مسيّرة وأجهزة تحكم متطورة، في واقعة تكشف عن تحديات أمنية جديدة وصراعات نفوذ داخل المؤسسات الأمنية في عدن.
الكشف عن الشحنة المشبوهة:
وفقاً لمصادر أمنية مطلعة، كانت الشحنة المضبوطة في جمارك المنطقة الحرة بعدن مرصودة مسبقاً من قبل شرطة المنطقة الحرة بناءً على بلاغ خارجي يشتبه بمحتوياتها.
المثير للقلق أن الشحنة المسجلة رسمياً على أنها "حفاضات صحية نسائية" كانت جزءاً من مجموعة ضخمة تقدر بنحو خمسين حاوية تعود لتاجر واحد، مما أثار شكوكاً فورية حول طبيعة محتوياتها الحقيقية.
عند فتح أولى الحاويات، كشف التفتيش الدقيق عن حيلة تهريب متقنة، حيث عثرت السلطات على أجزاء من طائرات مسيّرة وأجهزة تحكم مزودة بتقنية GPS مخبأة بعناية داخل عبوات الحفاضات النسائية.
وتشير المعطيات الأولية إلى أن الشحنة كانت جزءاً من عملية تهريب منظمة لمعدات حساسة يمكن استخدامها في عمليات عسكرية أو استخبارية.
التدخلات الأمنية وصراع الاختصاصات:
بدأت المشكلة الحقيقية عند وصول خبر الضبط إلى اللواء فرج سالمين البحسني (المحرمي)، عضو المجلس الرئاسي والقائم بأعمال الرئاسة، الذي أرسل لجنة تحقيق خاصة للإشراف على القضية.
وأشارت تقارير محلية إلى أن شرطة المنطقة الحرة منعت اللجنة من الدخول بحجة عدم اختصاصها، مما دفع المحرمي إلى توجيه قوات من الحزام الأمني للتوجه نحو دوار كالتكس، مدخل المنطقة الحرة، للدخول بالقوة.
كادت المواجهة أن تتحول إلى اشتباك مسلح في جولة كالتكس المزدحمة بالمدنيين، لولا تدخل مدير شرطة المنطقة الحرة ومدير الجمارك اللذين نجحا في التوسط بين الأطراف.
ورغم نجاح الوساطة في السماح للجنة بالدخول، تفاجأ الجميع بوجود قوات مكافحة الإرهاب داخل الموقع بالفعل، مما أدى إلى جولة جديدة من التوتر والاعتراضات المتبادلة حول الاختصاص القانوني، قبل أن يتم التوصل إلى تفاهم بعدم تدخل أي من الطرفين المتنافسين مباشرة في التحقيق.
تساؤلات كبرى لا تزال بدون إجابات:
تثير هذه الحادثة تساؤلات كبرى لا تزال بدون إجابات واضحة حتى اللحظة. فلم يُكشف عن هوية التاجر المستورد أو بلد التصدير، كما لم يتم الإعلان عن القبض على التاجر أو أي من المخلصين الجمركيين المتورطين في العملية.
الأكثر إثارة للقلق هو السؤال الذي يتردد في أوساط المراقبين: هل ستنتهي هذه القضية مثل سابقاتها وتطوى بصمت، أم سيتم متابعتها بشفافية كاملة؟
ويتساءل مراقبون عما إذا كان صراع الاختصاصات الذي ظهر خلال الحادثة يعكس انعدام الثقة بين الأجهزة الأمنية، أم رغبة في تسجيل إنجاز إعلامي، أم محاولة للسيطرة على الملف وتوجيهه وربما إخفاء بعض جوانبه.
وتعكس هذه الواقعة تحديات جسيمة تواجه الأمن في عدن، وتكشف عن ثغرات محتملة في نظام الرقابة الجمركية يمكن استغلالها لتهريب مواد خطيرة.
والأخطر من ذلك، تبرز هذه الحادثة صراع النفوذ بين الأجهزة الأمنية المختلفة، وتأثير ذلك على العمل المؤسسي والتنسيق الأمني الذي يحتاجه اليمن بشدة في ظل الظروف الراهنة.
يبقى السؤال الأهم: متى ستتغلب المصلحة الوطنية والأمنية على الخلافات والتنافس بين الأجهزة، وهل سنشهد إجراءات لمنع تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل؟