في خطوة مفاجئة وغير متوقعة، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض حزمة عقوبات جديدة على بنك اليمن الدولي، أحد أكبر البنوك الأهلية في اليمن، مستهدفةً أيضاً عدداً من المسؤولين الكبار في المؤسسة المالية.
يأتي هذا القرار ضمن استراتيجية أمريكية متصاعدة تهدف إلى تجفيف منابع الدعم المالي لجماعة الحوثي في اليمن، والحد من قدرتها على شن هجمات ضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، مما يضيف مزيداً من التعقيدات للمشهد المالي والاقتصادي في البلاد التي تعاني من صراع مرير منذ سنوات.
أسباب العقوبات الأمريكية على بنك اليمن الدولي:
كشفت وزارة الخزانة الأمريكية في بيانها الرسمي أن العقوبات الجديدة تأتي بسبب ما وصفته بالدور المباشر الذي يلعبه بنك اليمن الدولي في دعم الأنشطة المالية للحوثيين.
وحسب المصادر الأمريكية، فإن البنك يمثل أحد القنوات الحيوية التي تستخدمها الجماعة للوصول إلى النظام المالي الدولي وتمويل عملياتها العسكرية التي تستهدف استقرار المنطقة، خاصةً هجماتها المتكررة على السفن التجارية في البحر الأحمر، وهو ما تراه واشنطن تهديداً مباشراً للأمن والتجارة الدولية.
وأشار برادلي تي سميث، وكيل وزارة الخزانة الأمريكية بالوكالة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، إلى أن الحوثيين يعتمدون على عدد محدود من المؤسسات المالية الرئيسية للوصول إلى النظام المالي العالمي.
وكانت واشنطن قد فرضت في وقت سابق عقوبات مماثلة على بنك اليمن والكويت للتجارة بتهم مساعدة الحوثيين في استغلال القطاع المصرفي اليمني لغسل الأموال وتحويلها إلى حلفائهم، بما في ذلك حزب الله اللبناني، مما يعكس نمطاً متسقاً في السياسة الأمريكية تجاه المؤسسات المالية المتهمة بالتعاون مع الحوثيين.
تفاصيل العقوبات وتأثيراتها المتوقعة
تتضمن العقوبات الأمريكية تجميد أصول بنك اليمن الدولي في الولايات المتحدة، ومنع المواطنين الأمريكيين من التعامل معه، مع فرض قيود مماثلة على كبار المسؤولين المستهدفين في البنك.
وصرحت وزارة الخزانة الأمريكية بأن هذه الإجراءات تندرج ضمن نهج شامل يهدف إلى تفكيك الشبكات المالية المرتبطة بما أسمته "شبكة التهديد الإيرانية" في المنطقة، مؤكدة التزامها بدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في جهودها لإبعاد القطاع المصرفي عن نفوذ الحوثيين.
ومن المتوقع أن تُحدث هذه العقوبات اضطرابات كبيرة في النظام المالي اليمني، حيث يعد البنك المستهدف من أهم المؤسسات المالية العاملة في البلاد.
وذكرت مصادر اقتصادية أن هذه الإجراءات ستؤثر بشكل مباشر على قدرة البنك على إجراء تحويلات دولية وتنفيذ عمليات التجارة الخارجية، مما قد يتسبب في تعقيد الوضع الإنساني المتردي أصلاً في اليمن، حيث يعتمد الكثيرون على القنوات المصرفية الرسمية في تلقي المساعدات والحوالات من أقاربهم في الخارج.
ردود الفعل والإجراءات القادمة:
لم يصدر عن بنك اليمن الدولي أو السلطات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين أي رد رسمي على العقوبات الأمريكية حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
أما الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، فقد رحبت - وفقاً لمصادر دبلوماسية - بالقرار الأمريكي، معتبرة إياه خطوة مهمة في إطار الجهود الدولية لمكافحة تمويل ما وصفته بـ"الميليشيات المتمردة" التي تهدد أمن واستقرار اليمن والمنطقة.
وتشير التوقعات إلى أن واشنطن قد تتخذ إجراءات إضافية ضد مؤسسات مالية أخرى في اليمن تشتبه بتورطها في دعم الحوثيين.
كما يتوقع خبراء أن تدفع هذه العقوبات الدول الأوروبية وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين إلى اتخاذ خطوات مماثلة، مما قد يؤدي إلى عزلة مالية متزايدة للمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وتلفت مصادر مطلعة إلى أن الإدارة الأمريكية تعمل على تطوير آليات بديلة للمساعدات الإنسانية لضمان وصولها إلى المدنيين المحتاجين دون المرور عبر المؤسسات المالية المستهدفة بالعقوبات.
تمثل العقوبات الأمريكية الجديدة على بنك اليمن الدولي تصعيداً ملموساً في الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة وتحجيم قدرات حلفائه، وبالأخص الحوثيين.
ومع استمرار هجمات الجماعة على الملاحة في البحر الأحمر، يبدو أن واشنطن ماضية في نهجها الرامي إلى تشديد الخناق المالي على الحوثيين، متخذة من القطاع المصرفي ساحة جديدة للمواجهة في صراع معقد تتشابك فيه المصالح الإقليمية والدولية، دون إغفال التكلفة الإنسانية المحتملة لهذه السياسات على الشعب اليمني الذي يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم.