سقوط دبلوماسية بنعمر في اليمن
ياسين التميمي
الثلاثاء , 03 فبراير 2015
الساعة 02:17
مساء
كل شيء سقط تقريباً في اليمن، التسوية السياسية والنخبة السياسية، وسقط كذلك وبشكل مريع المبعوث الأممي جمال بنعمر، الذي تخلى عن المعايير المهنية، وتحول من وسيط نزيه إلى لاعب وطرف مرتبط بالأجندة الأمريكية البريطانية، بانتظار منصب رفيع ربما في الأمم المتحدة.
لقد تصدر بنعمر مشهد المظاهرات بصورة موضوع عليه علامة إكس، إلى جانب صورة لزعيم الجماعة الحوثية المسلحة، فيما دشن الناشطون هاشتاج “بنعمر أنت غير مرغوب بك في اليمن”، ما يعكس حجم الاحتقان الذي تكوّن لدى اليمنيين وهم يستأنفون نشاطهم الثوري دفاعاً عن دولتهم وحقهم في الحياة.
يحاول بنعمر أن يفرض صيغة حل تقوم على فكرة تشكيل مجلس رئاسي، وهي فكرة جهنمية؛ لأنها إن تمت فسوف تُحدث قطعاً كاملاً مع التسوية السياسية، القائمة على المبادرة الخليجية، ومثلماً أسَّس “اتفاق السلم والشراكة الوطنية” لواقع جديد عنوانه الهيمنة المطلقة للمليشيا الحوثية المسلحة، يريد بنعمر بصيغة المجلس الرئاسي أن يدمر الهيكلية السياسية لمنظومة الحكم الانتقالي، بما يسمح بطي المرحلة الماضية وكل الجرائم التي ارتكبها الانقلابيون، ويمكنهم من السلطة بصورة أكبر من اللازم.
أقول ذلك، لأنه ما من ضمانة لعدم استخدام المليشيا إمكانياتها العسكرية المنهوبة من المؤسسة العسكرية، في فرض نفوذها السياسي على نحو يقصي بشكل كامل، وبطريقة سلسة، كل الذين يفترض أنهم شركاء في العملية السياسية التي لم تعد كذلك.
ما يلفت النظر هو أن بنعمر تحول إلى واسطة حصرية بين طرفي الانقلاب: الرئيس المخلوع، والحوثيين، في محاولة لجرّهم إلى صيغة مشتركة، بعد أن غاب تأثير القوى السياسية التي تشارك في الحوار، وباتت تعبر عن أمنياتها في أن يعدل الرئيس والحكومة عن استقالتهما، وأن تعود الأوضاع إلى ما قبل 21 أيلول/سبتمبر2014.
من الواضح أن ثمة تباينا -ولو ظاهريا- حتى هذه اللحظة بين الرئيس المخلوع والجماعة الحوثية المسلحة، فالأول يريد أن يمضي حل الأزمة السياسية الراهنة ضمن الأطر الدستورية، بحيث يجتمع مجلس النواب، وينظر في استقالة الرئيس هادي، ويقرر قبولها أو رفضها، وهو في هذه الحالة يُراهن على الغالبية المريحة التي يمتلكها حزبه المؤتمر الشعبي العام، في البرلمان وعلى سيطرة المؤتمر على رئاسة السلطة البرلمانية.
أما الثاني، وهم الحوثيون، فيحاولون فرض صيغة المجلس الرئاسي، وهي صيغة خطيرة للغاية، لأنها تعني تمكيناً حصرياً لهم في إدارة شؤون الدولة؛ لأن هذا المجلس رغم أنه وفقاً للمقترح سيضم ممثلين عن بقية الأطراف السياسية، لكن هذه الأطراف لن يكون لها التأثير ذاته في القرارات التي سوف يتخذها المجلس، نظراً للهيمنة العسكرية والأمنية للحوثيين في العاصمة.
حتى هذه اللحظة، ولكي يبدو الأمر أكثر وضوحاً، ما يزال الرئيس المخلوع صالح المتحكم الرئيس في القوى العسكرية والأمنية في صنعاء، وفي بقية المحافظات، تقريباً.
أما الذي تسنى للحوثيين تحقيقه فلم يأت إلا بدعم منه، وبالتالي فإن التباين في وجهات النظر بين صالح والحوثيين، إذا ما قُدر له أن يأخذ مساراً جدياً، فإنه قد يتحول إلى مواجهة حاسمة وشديدة القسوة، وسوف تقرر مصير صنعاء عسكريا وأمنياً وسياسياً.
وفي وضع معقد كهذا، لا شيء يبرر وجود السيد جمال بنعمر في صنعاء، وإصراره على إيجاد حل تكتيكي جديد، والدفع به في المشهد السياسي المأزوم، سوى أن هذا الدبلوماسي سقط أخلاقياً، وبات أكثر ارتباطاً بالإرادة الأمريكية البريطانية، التي تصر على ما يبدو على إعطاء الحوثيين دوراً في الدولة اليمنية، في محاولة للاستفادة من حالة التناقض المذهبي بين الحوثيين والقاعدة، وهي محاولة لا أعتقد أن فكراً استراتيجياً يدعمها، في ظل إخفاق أنموذج مماثل في العراق، الذي أتى بنتائج عكسية تمامًا، بغض النظر عما إذا كان الغرب هو من يتحكم بالمشهد هناك بشكل كامل أم لا.
* المصدر
اخترنا لكم
آخر تحديث
السبت,23 نوفمبر 2024
الساعة 02:36
مساء
# | اسم العملة | بيع | شراء |
---|---|---|---|
دولار أمريكي | 2074.00 | 2061.50 | |
ريال سعودي | 542.00 | 540.00 |