تلك حقيقة مطلقة لا تقبل التأويل، إن آمنت بذلك وُجِب عليك التسليم المطلق بالدولة ككيان وجودي، يحق له التقرير، والتغيير، ويتوقف عليك تأدية واجباتك كاملة، مقابل ممارستك لحقوق المواطنة، هذا إذا كانت الدولة مستقرة، لا تُحاك ضدها المؤمرات الخبيثة، ولا يحيط بها الأعداء من كل جهة، أما إذا كانت مُثخنة بالجراح، تصارع جاهدةً من أجل البقاء؛ هُنا عليك أن تثبت ولاءك الحقيقي، وتبرهن على عُمق إيمانك بها، عليك أن تسخر كل قواك للدفاع عنها، وتقدم بعض التنازلات في سبيل نهوضها من جديد.
للأسف هناك من يؤمن بالدولة خِفيةً، ثم يكفر بها جهارًا، هؤلاء هم أعداؤها الحقيقون، والأشدّ خطرًا على الدولة ووجودها، ليس كونهم يتعمدون تفسيرها حسب مفهومهم الخاص بحسب؛ بل لأنهم متلونون لا تعرف لهم وجهة أو هدفًا لكثرة الأقنعة الزائفة التي يرتدونها، هم في الأساس يؤيدون أنفسهم لا الدولة التي يدّعون، لا يملكون من أمرهم شيئًا، وليس بمكان لمن فقد أمره بأن يتخذ موقفًا واضحًا نحو ما يحدث، ولذلك يكتفون بالمواقف الرمادية الغامضة، من أجل كسب الوقت وتمرير أجندة واملاءات أسيادهم، ببساطة ارتضوا أن يكونوا أدوات رخيصة بيد الغير، وفي سبيل الحصول على بعض الفُتات الذي يتفضّل به "المُموّل" يحاربون كل شيء _حتى أنفسهم!
الصادقون هم رجال الدولة، تعرفهم من خلال مواقفهم الثابتة، وحماستهم المتقِدة، وعزائمهم الراسخة، لا يمارسون النفاق كالطائفة التي قالت: ”..آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ..“، هذا الترنح لا يمكن أن يتصف به إلا ذووا الفكِر المتقلّب، لأن الراسخون لا يليق التردد في ابداء المواقف بكل وضوح وجُرأة، هؤلاء من يمكن التعويل عليهم بأن يعيدوا للدولة معناها الحقيقي، لأنهم أصحاب هدف ومبدأ، وقضية رُسِم مسارها بالدم الأحمر، فسلامٌ عليهم أينما كانوا، ولا عزاء للأقزام!