الرئيسية / كتابات وآراء / اليمن.. الحاجة لاستراتيجية جديدة

اليمن.. الحاجة لاستراتيجية جديدة

عبدالله بن بجاد العتيبي
الأحد , 31 يوليو 2016 الساعة 10:40 مساء
في خضم البحث الجاد عن حٍل سياسي ينهي مأساة الشعب اليمني٬ وفي رفٍض تاٍم لكل ثوابت المباحثات السياسية في الكويت٬ أقدم انقلابيو اليمن على اتخاذ خطوٍة تنسف كل أسس العمل السياسي٬ الذي يفتش عن مخرٍج آمٍن وتسويٍة سياسيٍة عادلٍة تنهي المأساة وتفتح الطريق للمستقبل.
الأخبار تحدثت بصراحٍة عن تأسيس الانقلابيين اليمنيين بفرعيهما؛ فرع علي عبد الله صالح وفرع الحوثي٬ لمجلس جديٍد باسم جديٍد٬ يراد له أن يدير الدولة اليمنية ويتحكم في مستقبل الشعب اليمني٬ وهذا الإجراء هو أقوى دليل على أن هؤلاء الانقلابيين لا يأبهون بتاًتا بمستقبل دولتهم وشعبهم.
يؤشر هذا الحدث لعدة أموٍر ينبغي مراعاتها والنظر إليها بجٍد؛ أولها: أن حرب الحكومة الشرعية في اليمن ضد الانقلابيين يجب أن تأخذ مساراٍت أكثر جديًة وفاعليًة٬ فالحكومة الشرعية عليها إيجاد كثير من الحلول على الأرض٬ تحمي بها شعبها من عملاء إيران وأذيالها في اليمن٬ وأن تبني إجماًعا داخلًيا واسًعا بعيًدا عن تلاعب بعض التيارات٬ التي لم تزل تلعب على الحبال ولم تحسم قرارها بعد بالانضمام للشرعية كليًة٬ ودون شروٍط أو حساباٍت.
ثانيها: أن ما يفعله الانقلابيون في اليمن يشبه إلى حٍد بعيٍد طريقة التلاعب الإيرانية التي تلقنها لميليشياتها العربية وأتباعها من العرب سنًة وشيعًة٬ فهي تفكر في القتل والفتك والتدمير والخراب ولا شيء آخر٬ فبقدر ما تقتل وتدمر وتخرب الدول وتفرق الشعوب تحكم لنفسها بالنجاح٬ فلا تفكر في سيادة بلٍد ولا رعاية استقراٍر ولا بناء تنميٍة ولا تشييد وحدٍة٬ وهذا هو فعل المستعمر المتجبر٬ وما صالح وأتباعه والحوثي وأنصاره إلا مثل فرقائهم في الدول العربية الذين سوقوا انسياقهم خلف الخيانة والولاء للعدو كأسمى الشعارات وأرفع السياسيات.
ثالثها: أن ما صنعوه يعتبر باطلاً على عدة مستوياٍت٬ فهو باطٌل داخلًيا لمخالفته الدستور اليمني٬ والرغبة الجامحة للفريق الانقلابي بالاستئثار بالسلطة دون أي اعتبار٬ سوى القدرة على استخدام العنف بطرائق بشعٍة ومروعٍة٬ ونسف أي تفاهماٍت يمكن أن تعيد لليمن استقراره وتنميته٬ وهو باطٌل إقليمًيا لمخالفته الصريحة للمبادرة الخليجية التي كانت محل توافٍق يمني شامٍل٬ ودولًيا لمخالفته قرار الأمم المتحدة ومجلس الأمن 2216.
المشهد اليمني اليوم بحاجة لإعادة بناء وتخطيط٬ إذ يبدو من هذا الحدث أن جزرة محادثات الكويت لم تتوازن مع عصا «التحالف العربي» لدعم الشرعية٬ وأن صالح والحوثي لم يشعرا بغلظة العصا ليعرفا قيمة الجزرة٬ وأن بعض المواقف الدولية المتخاذلة ربما أرسلت رسائل خاطئة للانقلابيين ودفعتهم باتجاه مزيٍد من التعنت والتشدد٬ الذي لا يدعمه موقفهم على الأرض أو هدفهم السياسي٬ ولكنه بحسابات السياسة يعد بالفعل انقلاًبا ثانًيا.
يحتاج اليمن اليوم لاستراتيجية جديدٍة تعيد الأمور إلى نصابها٬ سواء من خلال الحكومة الشرعية أو من خلال التحالف العربي المدعوم دولًيا٬ ومرحلة الهدوء العسكري في المرحلة الماضية التي كانت بهدف دعم المحادثات السياسية في الكويت أصبحت بحاجٍة لإعادة النظر٬ فعاصفة الحزم المدعومة بإعادة الأمل بحاجٍة لدورٍة جديدٍة تعيد وضع النقاط على الحروف٬ في بلٍد عربي وجاٍر يعاني من اختراٍق فارسي يرتدي عباءة التشيع٬ لتحقيق أهداف سياسيٍة بقوة الميليشيات وعنف السلاح.
إن المعركة اليوم ليست معركة مستقبل اليمن فحسب٬ بل هي معركة فرض الإرادة والاستقرار وحماية السيادة وبسط الأمن والأمان ومواجهة القوة الإقليمية المعادية في إيران٬ وهي معركٌة تم النجاح فيها بشكل كبير٬ لقد بدأت إيران بالمعاناة الداخلية من خلال التغييب الطويل لشعبها٬ الذي بدأ يعبر عن غضبه من صرف ملياراته على مغامراٍت وأوهام توسٍع وأحلام نفوٍذ لم تجلب له سوى مزيد من الفقر والبؤس٬ وأصبح يكتشف يوًما تلو آخر أن تعّنت الآيديولوجيا لا يطعم خبًزا ولا يغني من جوع.
لقد منيت إيران التوسعية المحكومة بقوة الملالي المهجوسين بطموحات الإمبراطورية بهزائم كبرى٬ فقارة أفريقيا بدولها المتعددة بدأت بالتطهر من رجس إيران وآيديولوجيتها السياسية الدموية٬ وقد وعى كثير من دول العالم بشرورهم ودعمهم المتواصل وتحالفهم الدائم مع الإرهاب وجماعاته وتنظيماته.
القضية العادلة لا تحتاج لأكثر من إبراز الحقائق والوقائع ووضعها على طاولة البحث والنظر٬ أمام العالم أجمع٬ دولاً وشعوًبا٬ أمًما ومؤسسات٬ وكل تطوير في عرض الحقائق وكل نجاح في إيصالها عبر وسائل متعددة ووسائط متنوعة ينبغي أن يؤتي أُكله عاجلاً وليس آجلاً.
إن «عاصفة الحزم» ومعها «إعادة الأمل» تقّدم نموذًجا فاعلاً واستثنائًيا في إلجام الأعداء ومقارعة الخصوم٬ وهي كأي حرٍب عادلٍة يجب أن تأخذ مداها وأبعادها الطبيعية٬ ولكنها يجب أن تنتهي إلى غايتها النبيلة وهدفها السياسي النبيل٬ فدعم الشعوب العربية ودعم حقوقها الذي نجح في البحرين٬ وفي مصر من قبل٬ يجب أن يسجله التاريخ بأكثر من ذلك٬ وبحروٍف من نوٍر في اليمن.
مشروع الحوثي وصالح في اليمن هو مشروٌع إرهابي بكل المقاييس٬ ونجاحه يعني خلق بؤرٍة أخرى غير العراق وسوريا لدعم الإرهاب وتوفير البيئة الصالحة لحضانته وتطويره وتوفير الملاذات الآمنة له٬ فقد اتضح أن الحدود الجغرافية والمذهبية والعقائدية لا تمنع تحالف الإرهابيين٬ وتحالف صالح مع تنظيم القاعدة قديٌم ومعروٌف٬ وهو يدعم وجود تنظيم داعش في اليمن. ولا يخدع بألاعيب الإرهابيين إلا مؤدلٌج أو جاهل أو صاحب مشروٍع فاشٍل.
إن الخلل الكبير في توازن القوى الدولية تجاه قضايا المنطقة والتخاذل الدولي تجاهها يلقيان بظلاٍل كثيفٍة على كل الملفات الكبرى فيها٬ من العراق وتشريع وجود الميليشيات الطائفية ممثلة في «الحشد الشعبي»٬ والخراب الكبير في العملية السياسية برمتها٬ والتفريق بين مكونات الشعب العراقي٬ إلى سوريا والجريمة الإنسانية التاريخية التي ترتكب بحق الشعب السوري٬ واحتشاد ميليشيات القتل وتنظيمات الإرهاب على هدٍف واحٍد٬ هو القضاء على الشعب السوري وأحلامه بمستقبٍل خاٍل من العنف والإرهاب ومن نظاٍم يقتله ويتحالف ضده إقليمًيا ودولًيا٬ مروًرا بما جرى في لبنان واختطاف الدولة٬ وباليمن الذي يعيش مرحلًة مشابهًة ويراد له من الشرور ما يلغي مستقبله وشعبه.
أخيًرا٬ التطورات الجديدة في الملف اليمني بحاجٍة لإعادة صياغٍة كاملٍة لاستراتيجيات جديدٍة٬ تعزز النصر وتقزم الأعداء وتعيد الاستقرار لدولٍة وشعٍب حقيق بمستقبل أفضل.

* الشرق الأوسط