الرئيسية / كتابات وآراء / لا إكراه في الوحدة

لا إكراه في الوحدة

وسيم شميس
الأربعاء , 16 نوفمبر 2011 الساعة 06:15 مساء
كنت متردداً كثيرا في كتابتي لهذا الموضوع أو الخوض في غماره لسبب جوهري محض وهو التذمر وعدم تقبّل العنوان من قبل البعض من أبناء المحافظات الشمالية لظنّهم مع الأسف أن الوحدة ارتبطت بالشمال ولم تكن يوماً للجنوبيين نعم هذا الكلام لا يزال موجود حتى لدى بعض المحسوبين على شريحة المثقفين ممن ينظرون للوحدة من منظور عاطفي وان أبناء الجنوب انفصاليين بعد كل ما لحق للوحدة نهار7 / 7 / 1994م وبدم بارد وبسكاكين الغدر والخيانة والفساد والنهب والإلغاء والتهميش والإقصاء وبيد الجلاوزة والجلادين وأرباب القتل والإجرام في النظام الكهنوتي القبلي العسكري الطائفي ومعزز ذلك بفرضيات سياسية مصبوغة دينياً لهدر دماء الجنوبيين واستباحة الأرض التي لم يندمل لها جرح أو يجف لها دم وكذا التطورات التي تلت تلك الحرب فاستبدلت الوحدة السلمية القائمة على الشراكة في السلطة والثروة بوحدة القوة والغلبة والضم والإلحاق وقيام السلطة الفردية وبصورة ممنهجة باستعادة هيمنتها الاستبدادي واستدعاء موروث الأزمة التاريخية بكل مكوناتها العصبوية ونزعاتها الاستعلائية الإقصائية وجرى تحويل الدولة من مشروع سياسي وطني إلى مشروع عائلي ضيق يقوم على إهدار نضالات وتضحيات أبناء اليمن والقفز على مكتسبات وأهداف الثورة اليمنية للاستحواذ الكامل على السلطة والاستئثار بالثروة لصالح عائلة فردية تقطن شمال الشمال ..لذلك أقولها صراحة إننا مخطئون في توصيف كهذا فالوحدة ليست كلاماً نتغزل به ونتكلم به بل أفعال وواقع يجب معايشته بكل تفاصيله فلماذا ينكر بعض أبناء الشمال وحدوية أبناء الجنوب .. و إذا كان هذا ظنهم فما هو ردهم على من كانت أغانيهم وأناشيدهم وأهازيجهم تمجد وتنادي إلى الوحدة في الشطر الجنوبي في وقتٍ كان أبناء الشمال لا يفكرون في هذه الوحدة بالبتة، وما هو رأيهم عندما ضحى الجنوب بالكثير من اجل هذه الوحدة وأبناءه الذين قدموا دولة معترف بها دولياً يسودها الأمن والأمان ويحكمها القانون ، فينبغي تغيير طريقة تفكيرنا والخروج من العاطفة التي وُلدت بداخلنا لننطلق إلى الفضاء الأوسع والاعتراف بالقضية الجنوبية كقضية يجب حلها بالأسلوب الذي يعيد لأبناء الجنوب حقوقهم في وطن كانوا بالأمس شريك أساسي في جميع مكوناته إلا انه تم استثناءهم منه بل إلغاءهم ، وليس تجميل المدن وحدها من يؤسس لثقافة الوحدة ويجعلها تسير في الطريق الصحيح بل بناء الإنسان وتلبية متطلباته من الحرية والكرامة هي أساس الوحدة وغرس مفاهيمها..وفيما يلي بعض الجزئيات والنقط والرسائل الهامة التي نوردها في هذا السياق:

أولاً: الإكراه في الوحدة :
الإكراه في الدين لا يخلق مؤمنين وإنما يخلق منافقين ولذلك حرص ديننا الإسلامي على تأكيد مبدأ لا إكراه في الدين فما بالكم بالإكراه بوحدة الأوطان ونسوق مثالاً على ذلك ما يحدث من لغط هنا وهناك في أكثر من منبر وأكثر من وسيلة إعلام في أن وحدة التراب اليمني يجب أن تستمر حتى ولو اضطر الأمر لاستخدام القوة فنقول من ينكر أن في الإتحاد قوة وأن الوحدة بين الأوطان هي ضرورة لرأب الصدع في جدار الأمة ولكن أن تكون الوحدة تملكيّة ذات سيادة تعسفية واستئثار بها من طرفٍ واحد يتظاهر ويرتدي دثار الوحدة القومية زيفاً وخداعاً فقبّحت تلك الوحدة الكاذبة و والله أن يقاتل المضطهدين الرازحين تحت مطرقة الوحدة الخادعة وسندان التعسف والظلم والإذلال خيرٌ من البقاء تحت ظل وحدة القهر والتعسف والجبروت.

ثانياً : الحراك الجنوبي :
عن الحراك الجنوبي فمن المؤسف في بعض المقالات هو تناول فكرة أن الحراك الجنوبي ينادي بالانفصال مع أن كلمة انفصال ليس لها وجود في قاموس الحراك الجنوبي ولا في برنامجه السياسي و إذا سلمنا جدلاً عدم معرفة من يكتب بحقيقة الأمور الحاصلة على أرض الجنوب وبعدم معرفته لماهية قضيته فإن الخطأ هنا لا يقع على الكاتب وحده وإنما على أنصار الحراك السلمي الجنوبي الذين فشلوا في عرض قضيتهم العادلة بشكلها الصحيح أمام الرأي العام العربي والعالمي وبمفردات بسيطة وهي أن الجنوب يرزح تحت وطأة حكم إقصائي عقب حرب 94م وأن تلك الحرب كانت الضربة القاضية التي أصابت وحدة 1990 في مقتل وبالتالي فانه يجب على قادة الحراك بالقدر الذي يرفضوا استمرار تواجد هذا الإقصاء الظالم أن يرفضوا وصفهم بـدعاة انفصال و أن يدفعوا عن أنفسهم تهمة انفصاليين لسببين مهمين أولهما لأنهم وبكل بساطة هم الوحدويين و الشعب الوحيد الذي قدم التنازلات في سبيل وحدة التراب اليمني ومن العار أن يجازوا هذا الجزاء بشرعنة إقصائهم وظلمهم بعلمٍ أو بجهالة والسبب الثاني هو أن كلمة انفصال مهما كان الظلم الواقع على المنادين به تظل كلمة سلبية تحمل في طياتها معاني العزلة والخروج عن الجماعة وقضية الحراك السلمي بعيدة كل البعد عن ذلك .
ثالثاً :لمن ينفي يمننة الدولة في الجنوب قبل الوحدة بين الشطرين الشمالي والجنوبي والتنظير لمصطلح الجنوب العربي على شاكلة معتوهي قناة عدن لايف وأخواتها :

فقد ظلت الوحدة اليمنية عبر مراحل التاريخ حاضرة وحية في ذاكرة الأجيال المتعاقبة باختلاف نظمها الاجتماعية والسياسية ومستوى تطورها الاقتصادي والثقافي واحتفظت بمكانتها في الإرث التاريخي والذاكرة الجماعية اليمنية كقاعدة وآلية فكرية وعملية صنعت الازدهار التاريخي للمجتمع وأسست له حضارة ومجداً وسلطاناً ، فعلى مدى أكثر من قرن قاتل أبناء الوطن الواحد جنباً إلى جنب ضد الوجود العثماني وتصدوا للغزو والاحتلال البريطاني، وكانت المناطق الشمالية حاضنة لكل المناضلين الجنوبيين ضد الاستعمار البريطاني ووفرت لهم المأوى ومقومات الحياة والعيش والدعم المادي والمعنوي الذي كان يقتطعه المواطنون من لقمة عيش أسرهم، وكذلك كانت المناطق الجنوبية حاضنة لأبناء الشمال ولا ننسى أن في عدن تأسست أول حركة سياسية مناهضة للإمامة وفي صنعاء تأسست أول جبهة للنضال الثوري المسلح ضد الاستعمار البريطاني، وهذا تأكيد أن الوحدة اليمنية كحقيقة تاريخية ظلت حاضرة بقوتها وفعلها كقاعدة انطلاق للنضال الثوري اليمني من أجل الحرية والتقدم الحضاري وشكلت على الدوام الأساس الموضوعي (الاجتماعي، الثقافي، السياسي، الاقتصادي والعسكري) لنضال الشعب اليمني ضد الاستعمار والإمامة والكيانات التمزقية بمسمياتها وشعاراتها وسلطاتها المختلفة ،كما أننا نتذكر المحاولة الأبرز في هذا السبيل المتمثلة فيما سمي حينها باتحاد الجنوب العربي الذي رعت بريطانيا الاستعمارية ولادته وحاولت ترسيخ مناخ وهمي حول استقلالية الشخصية لهذا الجنوب عن مجاله الطبيعي وفي نيتها قطع الطريق على أي محاولة أو تفكير في دمج الجنوب مع الشمال وجسر تاريخ طويل من القسمة الاستعمارية للوطن اليمني وللشعب اليمني.

وأخيراً : رسالة لمن يدعي الوصاية على أبناء المحافظات الجنوبية والتفويض للتحدث باسمهم :

إلى تلك الأصنام التي تنبري بين الحين والآخر للترويج للكونفيدرالية تحت مسمى الفيدرالية تارة وتنادي بفك الارتباط تارة أخرى وتعقد المؤتمرات الخاصة بالقضية الجنوبية وتتباكى على الشعب الجنوبي ودمه المسكوب على أعتاب الوحدة وهم أول من سفك دماء أبناء الجنوب وسحلهم قبل الوحدة تحت مسمى الاشتراكية الشيوعية ولا إله والحياة مادة واليوم يحاولون العودة لحكمه من جديد بإثارتهم قضية الانفصال وتحديد المصير وفك الارتباط إلى غيرها من المصطلحات التي ما انزل الله بها من سلطان وهي خدمات يقدمونها لولي نعمتهم ومن يتكفل بمصاريفهم وتنقلاتهم ومؤتمراتهم المشبوهة وسكنهم في أفخم الفنادق وأرقى القصور الخاصة وإقامة مؤتمراتهم أيضاً في الفنادق خمسة نجوم مع تكفلهم بمصاريف وتذاكر ومصروف من يحضرها من كل أنحاء العالم نقول لكم إن أبناء المحافظات الجنوبية قد شبوا عن الطوق ويرفضون الوصاية عليهم من إي شخص أو أسرة أو دولة وأصبحوا أسياد قراراتهم وبالتالي نقول لهؤلاء المرجفون استحوا على أنفسكم قليلاً واخجلوا من تاريخكم الأسود وعودوا إلى جحوركم وتواروا بها حتى يأخذ الله أمانته بهذا يمكن أن تكونوا قدمتم شيئاً واحداً مفيدا ًفي حياتكم المليئة بالمتناقضات والمؤامرات ودماء الأبرياء في الجنوب ، فالوحدة اليمنية ليست نزوة مؤقتة أو عاطفة غامضة ولكنها دعوة وطنية عميقة يؤكدها منطق التاريخ والمفهوم العلمي للشعب الواحد وتفرضها الروابط الأصلية المشتركة ، ثم أن عملية الانفصال لا يمكن أن تنجح في ظل نسبة غالبية من الشباب اليمني أو الجيل الجديد ممن لا يعرفون اليمن إلا موحداً وبشعبه المتجانس على مدار التاريخ كما نرى فإن الوحدة اليمنية بإرهاصات ما قبل الوحدة وبعقبات وعراقيل ما بعد الوحدة تتجه نحو الثبات وليس التغيير وأن كل ما يجري يأتي في سياق طبيعي لصراع سياسي اجتماعي سببه عدم وجود نظام ديمقراطي تعددي يتم فيه تداول السلطة بانتظام وتوزيع الثروة بطريقة منصفة وينتهي فيه الفساد، وليس بسبب الوحدة التي لولاها لا يمكن أن يتطور اليمن باتجاه الحرية والديمقراطية والحداثة ، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن الحركات والتيارات الثورية والأحزاب السياسية التحررية التي بنت برامجها النضالية على أساس جهوي شطري وتجاهلت الوحدة اليمنية كقاعدة برامجية لنضالها ومشاريعها وأهدافها السياسية من قبل لم يكتب لها النجاح على الرغم من بلوغ العديد منها درجة كبيرة من النجاح والشهرة والنفوذ السياسي الخارجي والاجتماعي الجهوي إلا أنه سرعان ما اعتراها الضمور السياسي والاجتماعي والثقافي وأفل نجمها من ساحة النضال الوطني بسرعة رغم شدة سطوعه، وغادرت مسرح الأحداث بعد أن فرض الواقع وحقائقه الوحدوية والموضوعية والتاريخية عليها الاضمحلال والانطواء في ركن مجهول من التاريخ مفسحة المجال لقوى ثورية وحدوية جديدة خرجت بعض قياداتها وعناصرها من بين هذه الأحزاب والتيارات السياسية.