الدائري

عباس القاضي
الأربعاء , 14 يناير 2015 الساعة 09:18 صباحا
تباعدت المسافة بيننا والسيارة ،،، فالحماسة والهتافات أخذتنا في مسيرة \" رفض \" ،،، عدت راجلا حتى ثقلت قدمي فقلت لابني عمر : اذهب واحضر السيارة وسأنتظرك في الخط \" الطالع \" .

مشيت حتى وجدت مكانا لأستريح فيه،،، كان مدخلا لعمارة كبيرة .

قال : من موزع تعز وأردف : تعرفها ؟ هززت رأسي إيجابا ونفيا : نعم ، اسمع عنها لكنني لم أعرفها ،،، واستطرد : عندي ، ثمانية أبناء : البكر ولد ،،، بعده خمس بنات \" درك \" واحد ،،، بعدين ربي \" وحَّجِهْ \" بولدين آخر شي .

قلت للرجل الستيني الذي جلست بجانبه في مدخل البيت التي يحرسها ،،، بعد أن رد على أسئلتي الأولى : كم لك في هذا العمل ؟ أخذ بمجاميع أصابعه ووضعهم على فمه ليتذكر ثم قال : ست وعشرين سنة ،،، وأهلك يعيشون معك قلت له بسرعة خوفا أن يفلت السؤال مني ؟ قال: لا، هم في البلاد ،،، أسافر لهم من عيد رمضان لا عيد رمضان ،،، أهب لهم ( أمكث عندهم ) أسبوع وارجع .

جلست ،،، بعد أن كنت أجلس القرفصاء ،،، أوجعتني رجليَّ من وجع الرجل ،،، ثم قلت له : ألم تحاول أن تستأجر هنا ويعيشون معك ؟ قال حاولت يا ابني وجربتها في البداية ،،، يوم كان الإيجار من عشرة ألاف، إثناعشر ألف ريال بالشهر ،،، ولما ارتفع من خمسة وعشرين \" واقلب \" كم الديك وكم مرقه ؟ .

عندك كبار يدرسون ؟ البكر يدرس في جامعة أهلية ،،، السنة القادمة ستكون آخر سنة ،،، ماذا يدرس ؟ والله ما لي علم ،،،قالها بفطرته الصادقة ،،، سألته مستغربا : في جامعة أهلية والرسوم من يدفعها ؟ رد عليَّ قبل أن يبلع ريقه : صاحب هذه العمارة ،،، لديه عمارة أخرى وابني يحرسها مقابل الرسوم ويعطيه فوقها ثلاثين ألف ريال ،،، ثم نظر إليًّ حتى كانت عينه بعيني وهو يقول : قل يخزن بنصه ( بنصفه ) ،،، قال لي ابني : على شان يذاكر ويفهم ،،، أما أنا وهز رأسه : ما خزنش .

عندك رعوية ( أرض ) في البلاد ؟ قال : لا ،،، طيب : غنم ، بقر ؟ قام من مكانه ثم قال بعد ان خرج إلى الرصيف : معي هذا وأشار بإصبعه إلى السماء .

وهو كذلك قلت له : هذه سيارتنا جاءت وانزل يده ومازالت سبابته مرفوعة وهو يصيح : وقف وقف وقف .

ودعته بسلام خاطف ،،، ركبت السيارة وقفلت راجعا ،،، وقد علق في قلبي غبارا من وجع الرجل .