في زمن تضاءلت فيه مكانة العرب، ووهنت قوتهم، وهانوا على أنفسهم قبل أعدائهم لا غرابة أن يتصاعد السعار الصهيوني في فلسطين المحتلة، وأن يجد الكيان الإرهابي ضالته المنشودة، ويسارع إلى رفع سقف طموحاته، وتبدأ مكوناته غير الآدمية التي جمعها من أكثر من بيئة ووطن في تكشير أنيابها وإعلان المخزون من وحشيتها وفظاظتها تجاه أصحاب الأرض وضحايا اللعبة السياسية الدولية، لكن لا غرابة أيضاً إذا ما فوجئ الكيان الصهيوني الذي تمكن من احتلال الأرض ووضع أبنائها في سجن الرقابة اليومية، أن المقاومة مستمرة وأن أبطال هذه الأرض العظيمة لم يصابوا بعدوى الضعف والهوان اللذين أمسكا بأجزاء واسعة من الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج، واكتشف العدو من خلال أشكال المقاومة ذات الإمكانات المحدودة وتعدد أساليبها أن رهاناته خاسرة وأن قوته الفظّة مهما بلغت لن تتمكن من إخضاع هذا الشعب الجسور ولا من إذلال رجاله ونسائه أو تركيع الأرض التي كانت ولا تزال تتفجر تحت أقدامه في تحدٍ رائع لوجوده ولقوته الباطشة .
لقد غرق العرب، عرب الأرض الممتدة من ماء الأطلسي إلى ماء الخليج العربي في النوم أو في حروب تآكلهم الذاتي، إلاّ أن عرب فلسطين لم يناموا، ولن يناموا، وعلى الرغم من العدوى التي أصابتهم من أشقائهم المتحاربين فيما بينهم نيابة عن الأعداء، إلا أن الرموز الأصلية بقيت محتفظة بوعيها السليم وحيويتها وثقتها بنفسها وإيمانها باسترداد الأرض ودحر القوة الدخيلة الغاشمة . ومنذ ثورة الحجارة الأولى وما تبعها وحتى الآن، وهذه الرموز النبيلة تؤكد أنها القوة التي لن تقهر فقد أدركت بفطرتها أولاً، ثم من خلال نضالها اليومي ثانياً أن هزيمة هذا الكيان المسعور رهن بوحدتها الوطنية وصلابة إرادتها المقاومة، وبذلك تمكنت من إثبات أن الكيان الصهيوني هو الخطر الأكبر والأعتى الذي يستحق أن تتفرغ البشرية كلها لمقاومته وتقليم أظافره .
ومما أثبتته المقاومة الفلسطينية الجادة والمتماسكة روحياً ووطنياً أن المتطرفين في العالم يتخذون من التطرف الصهيوني نموذجهم في تكريس ظاهرة العنف والإرهاب الدموي، ولن ينسى العالم أن الحركات الصهيونية الأولى وصلت إلى بناء دولتها عن طريق الإرهاب والعنف وقتل الأبرياء وتشريد المواطنين الأصليين إلى خارج ديارهم، وهو ما شجع ويشجع قوى من سائر الملل والنحل من اعتماد العنف وسيلة لتحقيق مآربها وتكوين دولها، وإذا كان الرأي العام العالمي ومنظمات الحقوق العالمية لم يتمكنا من قمع الإرهاب الصهيوني وتحجيم دوره فإن الحركات المماثلة لن تتراجع عن مواقفها ولا عن طموحاتها للوصول إلى ما تحلم به شأنها في هذا شأن هذا الكيان الذي استطاع أن يبني نفسه عن طريق الإرهاب في أقسى وأعتى صوره، وكان ولا يزال يمارس الإرهاب والسطو على الأراضي العربية حتى الآن .
إن بإمكان الأبطال من الرجال والنساء في الأرض العربية المحتلة في فلسطين أن يغيروا وجه التاريخ، وأن يواصلوا طريقهم النضالي دون تردد أو خوف مما ادّخرته القوة الغاشمة وما كدسته من أسلحة تفوق ما تتحمله أرض فلسطين وما جاورها من أراضٍ عربية وغير عربية، وهو ما يفرض على العالم بأكمله موقفاً حازماً وحاسماً باعتبار ما يتم في فلسطين على أيدي القتلة والجلادين حالة مستديمة من الإرهاب المتواصل والسلب المكشوف لوطن، وكانت المنظمات الحقوقية ولا تزال تتابع هذا السعار المتصاعد والهادف إلى القضاء على ما تبقى من الأرض في أيدي أبنائها، والقضاء على هؤلاء الأبطال المتمسكين بوطنهم، والمؤسف والمحزن أن يتم هذا على مرأى ومسمع من العالم ومن الدول التي تدعي حرصها على الحرية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير .
* صحيفة الخليج