الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٢٤ مساءً

العالم الرقمي .. الممتع .. والمخيف

جمال عبدالكريم الغزالي
الجمعة ، ٢٥ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
بعد الثورة المعلوماتية المذهلة التي شهدها العالم في العقود الاخيرة والتي غيرت العالم بشكل مثير، رسمت فيه معالم جديدة ،واختزلت الحدود والهويات والجنسيات واصبحنا نقطن قرية رقمية وهمية يزيد عدد سكانها عن سبعة مليار نسمة، يعيشون واقعاً افتراضيا اكثر واقعيةً من واقعنا الفعلي.

فبدلاً من انتظار هدد سليمان أو حمامة البريد لتصلك المعلومة ها انت اليوم تنادي من جهازك ليراك ويسمعك شخص اخر في طرف الارض أو قعر المحيط أو فوق سطح القمر ، بل ويمكنه مساعدتك أو التنصت عليك أو سرقة حسابك والعبث بأموالك .. واصبح من الضرورة بمكان أن يوجد لدينا جهاز للأمن المعلوماتي الى جانب جهاز الامن القومي والسياسي للحفاظ على امن الوطن والفرد.

ومما لا ريب فيه أن الحكومة الالكترونية اصبحت فرض عين لمواكبة هذا الانفجار المعلوماتي الهائل، والعيش بأمان في كنف الكون الرقمي الجديد.

فقد وصل عدد مستخدمي الانترنت واجهزة الحاسوب والهواتف الذكية الى ارقام خيالية ، وأضحت ايرادات التجارة الالكترونية تفوق ايرادات النفط وخطوط الانتاج.
وبالنظر الى احصائيات العلوم والتكنولوجيا لعام 2012 تدهشنا معلومات مهولة.

فها هي مبيعات الاجهزة اللوحية والهواتف الذكية وصلت الى 821 مليون جهاز وقد تم انفاق ما يتجاوز 3.6 تريليون دولار على خدمات ومنتجات تقنية المعلومات، فيما يكشف تقرير نورتون لجرائم الانترنت 2012 أن حوالي 556 مليون شخص عانوا من جرائم الانترنت وهو عدد يفوق كامل سكان الاتحاد الاوربي.

وتم اعلان شبكة الفيسبوك ثالث دولة سكاناً بعدد مليار مستخدم وتم الكشف عن أن هناك اكثر من تريليون ضغطه على زر الاعجاب منذ فبراير 2009 وهناك اكثر من 219 مليار صورة مرفوعه في الموقع واكثر من 62 مليون أغنية في الموقع تم تشغيلها أكثر من 22 مليار مرة.

ولا ننسى أن نذكّر من يحملون الهواتف الذكية أنه اصبح الان من الممكن تحديد اماكنهم ومراقبة تحركاتهم بدقة متناهية.
تحدث كل هذه التغيرات المشوقة و المرعبة وعالمنا العربي الاصيل لا يزال يغط في نومه العميق والسحيق حتى اشعار اخر , ولا زال يقبع تحت سنابك الفاقة الرقمية والمجاعة المعلوماتية ويسكن الارض اليباب والدور الخراب في شقتة الرقمية المستأجرة, يمارس وظيفة الاندهاش، ويستورد التكنولوجيا المعلبة ، ولا تزال دماء معركة صفين وموقعة الجمل تنزف على مواقع شبكة الانترنت وفضائيات السنة والرافضة.

وفي حين أن التوقعات لعلماء المعلوماتية تتنبأ بظهور جيل من الروبوتات بأحاسيس بشرية قبل عام 2050 ولا تزال أفكارهم الابداعية والابتكارية تتوالد يوما بعد يوم, لا زلنا نحن نموج في رقمية السحر والشعوذة ، وتشير الدراسات الى ان هناك نصف مليون دجال يمارسون السحر والشعوذة في الدول العربية وأن العرب ينفقون أكثر من 9 مليارات دولار سنوياً على المشعوذين.

فها نحن نقطن ارضا جدباء قاحلة معرفيا وتقنياً رغم خصوبتها نفطياً ونعاني من نزوح جماعي وهجرة مروعة للعقول العربية المبدعة ، وأصبحنا في مكان لا محل له من الاعراب في الكون الرقمي.

فإذا لم نخرج من كهوفنا الرقمية المستأجرة ونبدأ ببناء عالمنا الرقمي لبنةً لبنة بموارد عربية خالصة ، ونبدأ بتصدير التكنولوجيا ... مالم فستزيد الفجوة الرقمية بيننا وبينهم ...... وفعلاً سيفوتنا القطارإن لم يكن قد فاتنا.