الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:١٥ مساءً

حي مسيك بصنعاء معقل رئيسي لتنظيم القاعدة

فوزي العزي
الأحد ، ٣٠ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
يعتبر حي مسيك أحد أهم الأحياء الشعبية القديمة بالعاصمة "صنعاء"، و يعاني سكانه من الفقر والبطالة وانعدام الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى أنه اشتهر عبر بعض من وسائل الإعلام، بأنه منبع لشباب الأحزمة الناسفة، ومعقل رئيسي لعناصر تنظيم القاعدة في بلادنا.
وقد قررت المغامرة، والنزول الميداني إلى هذا الحي؛ لتقصي الحقائق، وكشف ما يدور فيه، ومعرفة معاناة أهالي الحي.. فإلى التفاصيل:


(( نبذة عن حي مسيك )):
في البداية كان لقاؤنا مع ابن الحي العقيد أحمد محمد رسام، وسألناه عن نظرته إلى الحي، حيث قال: يحتل حي مسيك أكبر مساحة بالنسبة لمديرية آزال؛ حيث تمتد حدوده شمالاً إلى شارع وفندق شيراتون، وغرباً إلى حي فروة، وجنوباً إلى وادي قصر السلاح وسوق نقم، وشرقاً إلى منطقة ظهر حمير. بالإضافة إلى أنه يعتبر من أقدم الأحياء السكنية في أمانة العاصمة بعد صنعاء القديمة، حيث بدأ البناء فيه من بداية عام 1963م.

وأضاف العقيد رسام بالقول: يعاني أهالي الحي من مشاكل كثيرة، منها: انسداد مواسير المياه الموصلة إلى منازل المواطنين نتيجة ما يحدث فيها من ترسبات، وتكرر انقطاع التيار الكهربائي بسبب التسليك العشوائي له. زد على ذلك عدم وجود سوق مركزي يوفر جميع متطلبات المواطنين من مواد غذائية، ونقص في المدارس الأساسية والثانوية، وضعف نشاط الجمعيات الخيرية، وعدم وجود متنفسات وحدائق خاصة للأطفال.


(( أصحاب المحلات التجارية )):
أصحاب المحلات التجارية بالحي يروون بعضاً من معاناتهم، كالتالي:

• عبده أحمد الجلاب- مدير مطعم بروست المشهد، قال: هناك عادة عادة سيئة في الحي؛ ألا وهي منظر القمامة المرمية على جوانب الشوارع والمحلات التجارية والبيوت، وتظل في مكانها أياماً طويلة.
و يتابع: نأمل من مكتب البلدية أن يلزم موظفيه في رفع القمامة أولاً بأولٍ من الحي؛ حفاظاً على صحة المواطنين، وإظهاره بالمظهر الحضاري الراقي.

• من جهته تحدث الأخ مهدي عبده العصفي- صاحب بقالة, حيث قال: إننا نشكو من إجراءات تعسفية وغير قانونية من قبل بعضٍ من الموظفين في مكاتب الضرائب والواجبات والبلدية، ونطالب الحكومة بمنع أولئك الموظفين من تلك العادات السيئة، ونحن مستعدون لدفع ما علينا من واجبات للدولة.
و دعا العصفي الجهات المعنية بأمانة العاصمة لإنشاء سوق تجاري كبير في الحي لبيع المواد الغذائية والخضروات والفواكه، لما من شأنه خدمة أهالي الحي.


(( مساجد مهملة )):
هناك العديد من مساجد الحي مهملة؛ لعل من أبرزها مسجدي المشهد ومسيك, الذي بناه الصحابي الجليل فروة بن مسيك المرادي.

• العميد حسين عبدالله الذفيف- ضابط في القوات المسلحة، يقول: اشتهرت منطقة مسيك بـ"جبانة المشهد" التي كانت تقام فيها صلاة العيدين، وفي عام 1980م تم بناء مسجد المشهد على حساب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان- رحمه الله- رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.

• وفي ذات السياق، أوضح الشيخ أحمد علي الجاكي أن هناك إهمالاً كبيراً بمساجد المنطقة من قبل الجهات المعنية كوزارة الأوقاف والإرشاد؛ من ناحية عدم توفير كل ما هو ضروري لها؛ كالترميم والمياه والمصاحف، بالإضافة إلى عدم توفير المرتبات المناسبة للقائمين عليها.


(( مقبرة المشهد )):
وتحدث سلطان أحمد المالكي عن أهم المعاناة التي تواجه مقبرة المشهد من تعدٍّ وانتهاك لحرمتها، فيقول: إنني أتعجب من أناس مسلمين يتعدون على مقبرة للأموات؛ فمقبرة المشهد تعاني من ذلك؛ من حيث قيام مدير الأمن السابق لمنطقة صنعاء القديمة، ببناء دكان جوار القسم داخل المقبرة، وتأجيره، بالإضافة إلى قيام أحد الأشخاص ببناء عدة منازل داخل المقبرة.

ويردف سلطان قائلاً: وقد قمت بتقديم شكاوى إلى الجهات المختصة بخصوص ذلك، وموقعة من أهالي الحي. وقد قررت المضي قدماً عبر الطرق القانونية والدستورية؛ لمنع ذلك التعدي، وإعادة المقبرة إلى ما بنيت عليه، مهما كلف الأمر من تضحيات.


(( شباب المنطقة يتحدثون )):
أثناء نزولنا الميداني إلى حي مسيك كان لابد لنا أن نلتقي بشبابه لنتفحص ما في نفوسهم من انطباعات وتطلعات، وأظن أن ما جاء في حديثهم قد يجيب على الكثير من التساؤلات بشأن حقيقة ما يعانونه، والأوضاع التي يمر بها حيهم، فماذا قالوا؟!

• علي صالح القوبري- جامعي، تحدث بالقول: إن معظم مشاكل شبابنا في الحي وغيره من أحياء بلادنا، تأتي من الفراغ الذي يعانونه، وعدم احتوائهم في منظمات فكرية و توعوية وأندية وجمعيات، بالإضافة إلى تركهم من دون تحصين بأفكار إسلامية شاملة ومتزنة؛ قائمة على تعاليم الإسلام السمحة، وبعيدة كل البعد عن التطرف والغُلو المذموم.

• نبيل علي الجروبي- ثانوية عامة، يقول: نناشد كل من له القدرة على إنشاء نوادي رياضية ومعاهد تدريبية و تأهيلية للشباب، بالإضافة إلى إنشاء حدائق في منطقتنا، و نخص بالذكر المجلس المحلي الذي هو الواجهة لحينا؛ كي ينمي الشباب قدراتهم، ويعملوا على استغلال أوقات فراغهم بما يعود عليهم وعلى المجتمع بالفائدة.

• علي عتيق- موظف، تحدث قائلاً: إن شبابنا في الحي يعانون من مشاكل كثيرة، منها: البطالة وتضييع الأوقات بلا فائدة من مضغ القات والتسكع في الأسواق وارتياد أماكن اللهو والانحراف (سرقة- تقطعات).
وأضاف: نطالب الجهات المعنية وكل الميسورين بالدعم والتشجيع لكل الشباب؛ كي يحولوا إبداعاتهم وطاقاتهم وقدراتهم في الارتقاء بأنفسهم وخدمة أسرهم ووطنهم، وحتى لا يقعوا فريسة لأصدقاء السوء، وفي مستنقع الجريمة.
• عصام الشتيري- عسكري، قال: إنني أتعجب من وزارة الشباب والرياضة التي أهملت حينا؛ فلا نوادي رياضية، ولا ملاعب لممارسة أنواع الرياضة المختلفة من كرة القدم والتنس والطاولة وكمال الأجسام؛ كي يجد شباب الحي متنفساً لاستغلال أوقات فراغهم وبناء أجسامهم.

• محمد علي الصغير- طالب في الصف الثالث الثانوي، فقد قال: هناك بعض الأسباب التي أدت إلى ضياع الشباب، منها: عدم توافر فرص العمل، وعدم التوعية من الجهات المعنية، وعدم المتابعة من أولياء الأمور.

• محمد عسكر ناجي العري- طالب في الصف الثالث الثانوي، قال: أنصح نفسي وشباب الحي، بل وكل شباب بلادنا بطاعة الله تعالى ثم طاعة الوالدين واحترام الآخرين، وأن نستغل أوقات فراغنا في ما يعود على أنفسنا وأسرنا ومجتمعنا بالنفع والفائدة من تعلم اللغات الأجنبية والحاسوب والحرف المهنية وغيرها.

(( أين دور التجار ورجال الأعمال والجمعيات الخيرية؟ )):
الشيخ محمد صالح المحفدي، أحد أبرز الشخصيات الاجتماعية في الحي، يتحدث بحرقة وألم فيقول: إن نسبة كبيرة من أهالي الحي تحت خط الفقر، والسبب هو إهمال الجهات الحكومية المعنية، وضعف النشاط الخيري للتجار ورجال الأعمال والجمعيات الخيرية، بالإضافة إلى أن هناك مراكز خدمية وتنموية خيرية، ولكن ينقصها الدعم. فمثلاً قمت بإنشاء مركز لمحو الأمية في مسجد الخير، وتكفلت برواتب مدرساته، ومع ذلك فإنه يحتاج إلى دعم مالي لتغطية بقية جوانب القصور فيه.

وأردف المحفدي بالقول: أتعجب من الدور الضعيف لرجال الأعمال والتجار والجمعيات الخيرية. وإنني أنصح نفسي و إياهم أن نتنافس في عمل الخير في هذا الحي؛ من خلال تشييد المعاهد المهنية والتعليمية والأفران الخيرية المجانية؛ من أجل بناء المجتمع، وإصلاح أفراده، بل وحمايتهم من الوقوع في دوائر الضياع والانحراف والتطرف والإرهاب، فضلاً عن أن هذا سوف يكون رصيداً لنا في الآخرة.


(( أين دور عقال الحارات؟ )):
لمعرفة دور عقال الحارات في معالجة مشاكل الأهالي والعمل على استتاب الأمن في الحي، تواصلنا مع الشيخ علي مجمل، عاقل حارة المشهد، فوافق في البداية ليعطي رأيه، وحدد وقتاً، وقبل الوقت المحدد بدقائق اعتذر ...!


(( أين دور المجلس المحلي؟ )):
الشخصية الوطنية البارزة أحمد غالب السري، عضو المجلس المحلي في مديرية آزال، يسرد أبرز المشاريع التنموية والخدمية التي حظي بها حي مسيك من قبل المجلس المحلي، فيقول: تم إنشاء العديد من المدارس الأساسية والثانوية والمستوصفات والوحدات الصحية، كما رصفت طرق الحارات، وحفرت آبار ارتوازية لسد حاجات المواطنين من المياه، وغيرها.

و يواصل السري الحديث بالقول: نأمل من مختلف الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الاجتماعية التعاون معاً في سبيل خدمة هذا الحي، بل وكل أحياء بلادنا، لما من شأنه خدمة الوطن والمواطن.


(( أين دور الأحزاب السياسية؟ )):
ولتسليط الضوء أكثر على دور الأحزاب السياسية حول ما يواجه الحي من صعوبات ومخاطر، تحدث لنا قياديان من تلك الأحزاب، تابعوا ما قالا:
• عبد الرحمن محمد الفراص، رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام في الدائرة 4 بمديرية آزال، أوجز انطباعه بالقول: يعتبر حي مسيك من أفقر أحياء العاصمة "صنعاء"؛ بسبب كثافة سكانه العالية، ومعظمهم من محدودي الدخل، إضافة إلى عدم توفر فرص العمل لبعض من شبابه.

و أضاف الفراص: أنصح كل الأحزاب والتنظيمات السياسية في الحي وغيره من أحياء بلادنا، بالعمل كفريق واحد في خدمة المواطنين، وبحيادية تامة، وبعيداً عن أي تعصب سياسي؛ لأن المصالح العامة مقدمة على المصالح الحزبية، ولنكن جميعاً صفاً واحداً في بناء اليمن الجديد، وأن يكون حزبنا الكبير هو (اليمن).

• فيما تطرق عبد الله صالح الخلقي، رئيس فرع التجمع اليمني للإصلاح في الدائرة 4 بمديرية آزال في هذا المنحى، إلى القول: يمتاز أهالي حي مسيك بالطيبة والألفة والمحبة والتعاون فيما بينهم، وأما ما يشاع عبر بعض وسائل الإعلام من أن تنظيم القاعدة اتخذ حي مسيك معقلاً رئيسياً له، ففي هذا الأمر مبالغات كبيرة وتشويهات غير صحيحة.
واختتم حديثه قائلاً: ونحن في هذا المناخ الديمقراطي الجديد الذي تفيأنا بظلاله الوارفة وانفتحنا مع آفاقه الرحبة، نتفاءل بالنظام الجديد والحكومة الجديدة؛ حيث ستتوفر أدوات ووسائل تنفيذ القانون، وتحقيق قيم العدل والمساواة والإنصاف للمظلومين، وتوطيد دعائم الأمن والاستقرار، في كل أرجاء بلادنا إن شاء الله تعالى.


(( أين دور عضو مجلس النواب؟ )):
وفي ختام جولتنا الصحفية في حي مسيك، نرسل رسالة صادقة وأخوية إلى المهندس علي حسين العنسي، عضو مجلس النواب عن الدائرة 4 بمديرية آزال، التي يقع في إطارها حي مسيك، باعتباره أحد أهم الشخصيات القيادية المؤثرة في المديرية، ونقول له: نأمل منك أن تتجاوب بشكل أكبر مع المواطنين، وتتلمس همومهم، وتتواصل مع الأحزاب السياسية والجهات المعنية لمعالجة مشاكل أهالي الحي، والارتقاء بواقعهم إلى وضع أفضل.


(( انتشار أفكار تنظيم القاعدة )):
تنتشر أفكار تنظيم القاعدة في أوساط أهالي حي مسيك، وخصوصاً فئتي المراهقين والشباب؛ والتي جعلت معظمهم يشعرون بالخوف والقلق على مستقبلهم، ومستقبل أبنائهم.

• الدكتور أحمد محمد الدغشي– أستاذ أصول التربية المساعد بكلية التربية بجامعة صنعاء، حدثنا عن معالجة أمثال هذه الأفكار السلبية؛ من خلال القيام بجملة من التدابير والإجراءات الفعلية، لعل من بين أهمها ما يلي:
- التنشئة الصحيحة للأفراد عبر وسائل الإعلام وفي المنزل والمسجد وعبر الجماعات السياسية والحزبية و ما يعرف بمنظمات المجتمع المدني، على المسلك الوسطي والمعالجات المعتدلة للقضايا المثارة في المجتمع اجتماعية كانت أم سياسية أم سواهما.

- القيام بإتاحة فرص عمل في مختلف المجالات لاستيعاب الشباب العاطلين، وتفويت الفرصة لجماعات الأفكار الهدامة والمنحرفة ومدمني الجريمة.

- دمج كل الشباب الذين يتصفون بطاقة بدنية متميزة في صفوف القوات المسلحة والأمن.

- القيام بفتح نوادٍ شبابية موجهة بالفكر الجيّد، والثقافة الرصينة، والترفيهية السليمة؛ لاستيعاب أوقات فراغ الشباب، بدلاً من قضائها في أماكن اللهو والانحراف أو الانجرار إلى مربع العُنف ومسالك الجريمة.



(( ختاماً )):
تبدو المشاكل التي يعاني منها أهالي الحي جلية؛ بسبب إهمال العناية بهم من قبل الجهات المعنية في الحكومة من المجلس المحلي ومكاتب الوزارات (التربية والتعليم، الأوقاف والإرشاد، الشباب والرياضة... إلخ)؛ من حيث عدم إنجاز العديد من المشاريع في المجالات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى نسيانهم من قبل منظمات المجتمع المدني (الأحزاب السياسية، المنظمات الحقوقية، الجمعيات الخيرية... إلخ) والخطباء والإعلاميين والمثقفين والأكاديميين والقانونيين؛ فكانت النتيجة هي ابتعاد بعض من شبابه عن التنشئة الدينية الصحيحة القائمة على الوسطية والاعتدال، واعتناق أفكار تنظيم القاعدة، واللجوء إلى أعمال العنف والفوضى وسلوك طريق الجريمة.
وعليه؛ فإن الواجب الديني والوطني يحتم على كل أولئك أن يقوموا بدورهم في هذا الجانب؛ من الإسهام بفعالية كبيرة في عمل كل ما من شأنه النهوض الثقافي والتنموي والاقتصادي لأهالي الحي؛ من أجل أن يكونوا أداة صالحة ونافعة لأنفسهم وحيهم، فضلاً عن أنهم سيشكلون لبنة أساسية في بناء بلادنا الغالية على قلوبنا (اليمن السعيد)، بل وتعزيز أمنها واستقرارها، والدفع بمسيرتها نحو التقدم العلمي والرقي الحضاري.