الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٤٩ مساءً

رحلة صعبة ( 5 )

عباس القاضي
الجمعة ، ٠٧ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
نهض مدين متثاقلا ،،، توضأ ،،، قال لها : سمعت الأذان ؟ قالت نعم ،،، صلى ركعتين ،،، أقام الصلاة وهي خلفه ،،، سلم ،،، جلس للأذكار والمأثورات ،،، مد يده ليتناول مصحفا كان على الطاولة ليقرأ القرآن ،،، وهي خلفه تقرأ من مصحفها التي حفظت منه ،،، بدأ الصبح يتنفس ، والضوء يخترق الجدار.
لفت إليها ،،، متسائلا : كيف أصبحت ، يا ابنة أمي ؟،،، قالت : بنعمة من الله وفضل ،،، قال لها : هل نمت ؟ قالت : نصف ساعة ،،، وأردفت بعد أن تأكدت من نومك ،،، قال لها : كيف ؟ قالت : سمعت شخيرك ،،، ذهب هاجسه بعيدا إلى سعاد زوجته ،،، وهو يسألها : هل يزعجك شخيري ، ترد عليه بدلال : شخيرك عندي قصيدة المساء ، و " حدوثة أمي " أيام طفولتي ،،، أريدك يا مدين أن تسجلها لي نغمة في هاتفي ،،، اسمعها إذا جافاني النوم وأنت بعيد عني ،،، فيضحكا على هذا الغزل الغريب .

قالت له نوف : أين حسك ؟ ولماذا تبتسم ؟ قال : ها ، ها ،، لا ، لا ، ما في شيء ، فقط ضحكت من حذرك ،،، قالت له : هل سيتحرك السائق الآن ؟ قال: سأخرج لأتأكد ، وإذا كان متأخرا ، سآتي بالفطور ،، ماذا تفضلين يا نوف ؟ قالت الذي تشوفه ،،، كبده ، تمام ؟ قالها وهو يقترب من الباب ، هزت رأسها ، خرج وهو منزعج من الإشارة يريدها أن تتكلم ، فهو يعجبه لهجتها ، ذهب إلى غرفة السائق ، وجده على وشك الخروج من غرفته ،، قال : سنتحرك بعد الإفطار،، وعاد بالفطور ، جلس بجهة وهي بجهة ، بيدها اليسرى ترفع اللثام ، وباليمنى تأكل ، وهو يأكل لا ينظر إلا للطبق يلتقط البصل في اتجاهه ، فهو يعجبه البصل برائحة الكبدة ،، وهي تعجبها الطماط ، كما لاحظ عليها وكانا يتجنبان الكبدة .

تركوا ما بقي ، في مكانه ، واستعدوا للخروج ، وكانوا أول من وصل إلى السيارة تلاهم السائق وبقية الركاب ، صعدوا إلى السيارة ،، ولأول مرة يروا وجوههم بشكل واضح ، كلهم أجانب عدا السائق فهو سعودي .

تحركت السيارة ،،، السفر بالنهار سياحة ،مقارنة بسفر الليل ،، أليس كذلك ؟ أراد أن يدشن حديثه في الرحلة الصباحية ،، قالت نوف : بلى ، وأردفت ، وزد على ذلك ، أنني قضيت معظمها في النوم .

صحراء ما فيها شيء ،، قال لها ،، وهو يحاول أن يتجنب عباراته الرنانة بحروفها الأنيقة ،، خاصة بعد أن بدأت تركز على عباراته ،، وهو يدرك الواقع بأن فراقهم بعد دقائق ،، لا يريد أن يترك في قلبها ندبا لا يبرأ ،،، فقلبٌ كقلب نوف لم يزل كالورقة البيضاء نديا كزهرة الياسمين أبيضا كالحليب ،،، أو هكذا تهيأ له .

بدأت المجاميع السكانية تتكاثف والسيارة تمخر عباب الطريق ذات الخطوط المتعددة في الاتجاه الواحد .
باغتته بسؤال لم يكن يتوقعه : كم معك أطفال ؟ في تجاوز ذكي للسؤال : هل أنت متزوج ،،، قال : أربعة وأنا وأمهم ستة ،،، مستأنسا بحديثها الذي تعجبه لهجته ،،، وأنت نوف : قالت: مخطوبة " كلام " لأحد أقاربي لكنه ليس بشكل رسمي ، وأنا غير موافقة إلى الآن ،، كيف الدراسة معك ؟ قالت : الحمد لله ، تمام لكنها صفعته بسؤال لم يتوقعه : أنتَ ، لماذا رحتَ الهندسة ؟ من أن موقعك الطبيعي في الآداب ؟ وأردفت : إني ألاحظ نقاء حرفك ووقع كلماتك ، تهز المشاعر والوجدان ،، قال : أحقق رغبة أسرتي ،،، يريدونني مهندسا ،، وكيف الهندسة معك ؟ رد عليها : المشكلة أنني متفوق فيها ،، وضعت يدها على فمها وبضحكة أيقظت عصافير قلبه ،،، التفوق عندك مشكلة ؟ هز رأسه مبتسما بالإيجاب.