الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٣٦ مساءً

عطش الأمومة ( 11 )

عباس القاضي
الخميس ، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
كان على إبراهيم أن يدوس على قلبه ليضفي شيئا من المرح على السهرة ، خوفا من استيائهم من ذكرياته المبكية مع نادية ، لكنه كان يشعر بالارتياح ، بأن مشكلة فاكر وزوجته نبيلة قد حُلَّت ،، يقولها في نفسه : كم أنت رائعة يا نادية !! ، بحر عاطفتك ، قد أغرقت قلب فاكر المصاب بالجفاف لينبت عشب الصفصاف ، فهاهي الابتسامة لا تفارق شفتيه ،، وفعلا سمعها من فاكر ، وهو يضع مقترحا لأبيه وإخوته أن يصوروا مناقشة رسالة الدكتوراه ليشاهدها لاحقا ، وعندما سأله أبوه لماذا ؟ قال: أريد أن أسافر في أول رحلة ، اشتقت لزوجتي حبيبتي نبيلة ، وصفعه أخوه الأكبر بسؤال : هل أنت متأكد يا فاكر أنك لم تمزح ؟ قال فاكر : يا جمال ، هذا اسم أخوه الأكبر ،، هذه الكلمة أصبحت أمقتها ، أرجوكم ، لا تعينوا الشيطان علي ، قبل قليل ، ألقيت على مسامعكم ، البيان رقم واحد ، بما يحمل من دلالات ، سموها ثورة ، تغييرا ، انقلابا ، سأبدأ حياة جديدة ، أكون فيها ، أكثر اتزانا منك يا جمال ، وأشد ذكاءا منك يا عادل - اسم أخيه الثاني – وأكثر التزاما منك يا ماجد ،، وسأهتم بتفسير الأحلام وقراءة الطالع لأكون امتدادا لأبي ، وهنا وقف الأب ، يصيح حتى ارتجت لصياحه القاعة كلها : تسلم يا فاكر ، تسلم يا فاكر ،،، حاولوا تهدئته ، وهم يوزعون الابتسامات على الحضور حلاجا من شطط أبيهم ،، وأجلسوه ،،وأنفاسه تتسارع ، أهدئ يا بابا ، قالت جنى ، الأمر لا يستأهل كل هذا الانفعال ،، فاكر لسا يعتبره مشروعا ،،، وبعد أن رد أنفاسه ، نطق قائلا : الحمد لله الذي جعل من صلبي من سيرفع الراية من بعدي ،،، يقول هذا ، وهم يلتفتون إلى بعضهم استغرابا من هذا الموقف ،، لا يا فاكر لن تسافر قبلنا ، هي كلها يومين وسنغادر معا ،قالها الأب ، بصوت حنون ،،وأردف لا طاقة لي بمفارقتك يا وريث عرشي .

كونه على رأس الطاولة ، جاء " النادل " يسأل إبراهيم ى‘ن العشاء : ما ذا تريدون ؟ أشار إليه بالتوجه إلى الجهة المقابلة ،، تلك هي الملكة المتوجة ، وهي صاحبة القرار ،،، جنى اطلبي بحسب قدراتك ، يناديها إبراهيم .

أخذت نسخ من لائحة الأكلات قائلة : سأطلب طبقا مشتركا ، ولكل واحد أن يطلب شيئا يعجبه .

نزل الأكل وعين إبراهيم لم تفارق صفحة وجه جنى ، كأنه شعر بذنب ما ، وهو يسكب عاطفته متذكرا نادية .

و جنى على الطاولة في الطرف الآخر تحس ببرق نظراته ، وتلمحه بين الحين والآخر ، لتغوص في أعماقه ،، وبدون أن تشعر ، فرت دمعة من عينها لتستقر أمامها كأنها الجمان في حجمها وشكلها .