الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٣٢ صباحاً

تركتنا لهذا النهار

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
«مات حميد شحرة».. الرسالة التي ملأت قلبي بالرعب في تلك الليلة هي ذاتها التي أكدت لي ان هذا الوطن لا يستحق سوى زيارة واحدة.. وطن جميل لعابري سبيل..

لتكون انت الأجمل ياحميد وانت تعبر نقطة «القناوص» الى ربك.. نقطة العبور الفاصلة مابين موتك وحياتك.. ما فوق الارض وتحتها..
سأقتنص الفرصة، كما لو ان عيني تحدقان تحت الارض..
قل لي: لم لا نرفع الآن اصواتنا ونصرخ ضد نقاط التفتيش والعسكر ضد البراميل والمظلات السوداء الساكنة.
عسكري برميل، ومظلة كل محتويات النقطة هكذا اخبرني الزميل حمدي البكاري الذي زار منطقة الحادثة.
كم انت ظالمة يا نقطة الموت سلبت صديقي دهشة المسافر وحنين العائد وحرمت الصحافة من فراسة القروي..
حرمتنا من لحظات كانت جميلة..
بالامس فقط يا صديقي كنت على مشارف موقعك الصحافي "حميد برس او ناس برس" لا يهم، بالامس فقط تحسست ما تبقى من روحي لاشكو لك حقيقة القطيعة مع العمل الصحافي "ووجبة السلتة بحرقتهما" بالمصادفة مازال أتلوى ألما كلما تذكرتك وتذكرت جرأتي وسط ضحكاتك من الوجبات المفخخة ببهارات "المرق".
قل لي يا صديقي: أما تزال تحب السلتة! ولماذا لم تعد تأتي معنا كما كنت الى مطعم الفقيه؟! ظهر امس احترنا من سيسدد فاتورة الحساب وتجادل الزملاء! ألم تكن تريح الكثيرين منا من الجدال والمهاترات وتقول "هيا اطلعوا الى السيارة مافيش داعي".. بالامس فقط يا صديقي كنت على مشارف موقعك.. فوجدتك تتوسد يداك وتنظر الى الافق بعين المستريح، الساخر من الحياة.. ووسط ذلك اللون البرتقالي تلقي بعناء سنوات من التعب اللذيذ مع الحرف. وهذه معلومة متأخرة حصلت عليها.. انك تحب هذا اللون البرتقالي، إلى درجة انك وضعته شعارا ميز موقعك الصحافي..
انت يا صديقي برتقالي اللون والثورة.. كم كنت.. وكم كنت.. وكم.. ولكن لماذا يتعود الاصدقاء والزملاء دائماً ان يكتبوا المناقب في سرادق العزاء ولم نكلف انفسنا ان نكتب سطرا او اكثر متسائلين عن صحة الآخرين وهم على قيد الحياة.. أو نتلفن لكم نتسقط اخباركم..
لماذا دائماً نتألم ونتوجع ونتذكر الرجولة والشهامة فوق المقبرة او عند تقديم التعازي، نبكي بحرقة كالثكالى..
لم اراهم يتقبلون التعازي عن روحي وانا لم امت..؟! حتى هذه ستكون رغبتي لو سأل عني احد او اتصل وبكي وانا حي.. ما جدوى الاطراء بعد فوات الاوان..
وغداً ياسيد الحبر ستجد دفعاً يليق بك..
ياصديقي.. اعدك اننا سنواصل رثاءك بالكذب على مالك ومصطفى واخوتهم الصغار حتى يصدقوا.. سنقول لهم انك في "حديقة السبعين" أو في مدينة الالعاب "فان سيتي" سنؤكد لهم انك في الضاحية الجنوبية من حدة.. اعدك اننا سنكذب يكفينا مآسي!. لكننا سنبكي ولو خفية لاننا لم نعد نحتمل.. سنبكيك صامتين كعصافير في الاجام القليلة.
لاشك انك الآن في غربتك الابدية الرائعة وعزلتك الاشهى تفتقد الى هذا الشتاء.. تفتقد الى يريك، وكوابيس الصحافة.. وقلمك الاجمل. تفتقد للحظة نزق شاب يكتب عنك "الخالي من أي ومضة ابداع كحميد شحرة" ولم تلتفت نحوي بل كنت المبتسم والمشرق دوماً كالفجر.. انت نائم الآن: فيما انا احاول ان اطهر نفسي. اصرخ عالياً كي ابلغ ملائكتنا الثقيلي السمع المختبئين في سجون الصمت.. ونعترف "امام الله ان كنا منك نغار" اريد ان اخبرهم: من "اخذ منا حميد.. كنت اود لو انتظرتم قليلاً ولا فائدة.. (انت نائم الآن) "انت ميت".
نم ياصديقي مطمئنا مانزال كما تركتنا لاواحة هنا.. لا شيء ينمو هنا سوى الشوك البري. والسنة من صبار، وجراذين، وحرب حزبية مجمدة في البرادات لموسم انتخابي ساخن. تتلبد السماء بالغيوم ولا تهطل الامطار..
ياحميد لماذا رغبت بالانفصال عن هذه الشمس وتركتنا لهذا النهار رغبت بالغياب من حياة الحبر والانفصال عن هذه العائلة التي تنمو بالمكائد والمشاجرات هاأنذا مقطوع من شجرة او من عائلة صحافية ترعاني ويعلمني (صوت البكاء)..
كنت آخر أملي فلماذا اختفيت فجأة باغتنا كومضة برق.. من سيربت على كتفي ويخبرني بان (2007) سيكون مهنيا صرف.. و"سنعمل معاً" هاأنذا اصرخ الأن اول النهار وآخره:
ياواهب الارزاق في غضون (6) سنوات بدلت (15) رب عمل طاردا نفسي ومطرود، وبقيت في حالة تجريب واختبارات ولم ادخل الضمان الاجتماعي، وزدت ياالله قليلاً واخذت حميد، لم يعد الامل سوى ان تعرفني الى "سلطان بروناي".. وانت القادر على كل شيء ياالله ساعدني باي وسيلة ممكنة لاصل اليه واترك الباقي علي.. ساقنعه بمشاريع كثيرة.. lجملة.. جريدة.. كتابة خطاباته.. حياته.. حزب.. مشروع خيري، ومشاريع اخرى لن افصح عنها.. ياناشر الكائنات في الارض مطبوعاتك من الاصفر والاسود والابيض عرفني بالسر الحقيقي لاخذك اصحاب المشاريع الصحافية العملاقة.. من الاستاذ عبدالله سعد الى الدكتور عبدالعزيز السقاف ومؤخراً الزميل حميد شحرة.