السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٤٥ صباحاً

يومٌ من ذاكرة التأريخ - جمعة الكرامة

عبدالرحمن صادق الوحش
السبت ، ٣١ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠١:٥٤ صباحاً
يوم ككل يوم إلا أن له وقع في الذاكرة , يوم نحت على ذاكرة التأريخ , وصّمةٌ عارٍ في جبين نظام بائد , لعنةٌ حلت بيمننا السعيد فخلعت عنه ثوب السعادة وألبسته أثواب الغدر والحقد والخيانة

ضاق النهار ذرعاً لأن عقارب الساعة توقفت عن الدوران ,الغدر تاب والحقد انهزم والخيانة استنكرت , حتى الشياطين نفسها أنبت الضمير لهول ما شاهدوه , السماء اشتد غيضها حتى الأنين , النور اعتزل لما رأى جحافل الظلام قد غيمت على المكان , وخيم الحزن وعشش الشر , انفطرت قلوب العباد , سالت الدموع لتنافس الدماء , وحاكم الضمير كل من لا زال لديهم ضمائر .

يوم جمعةٍ خرج الناس فيها ليلبوا نداء ربهم ككل جمعة لولا تلك الأرواح الطاهرة التي أزهقت والدماء الزكية التي أريقت , وخضبت الجدران والأرصفة وامتزجت بتربة البلدة الطيبة , فزادتها طيباً , واشتد المزج حتى أصبح من المستحيل فصلهما فلا يذكر شهداء ذلك اليوم العظيم إلا مضافاً إلى ذلك المكان أو تلك الجمعة .

صلى الناس الجمعة بأمان ولم يعلموا بما خبئ لهم القدر , وما كان يلوح بالأفق , بدأ الشر بالأفق عبر الدخان الذي كان يتصاعد من خلف ذلك الجدار المشئوم وبدأت رصاصات الغدر والخيانة تصوب على الأجساد , تبعثرت الأجساد وتطايرت الأشلاء , تسابق الأبطال على التضحية , كلاً يقدم روحه فداءً لأخيه , ولكن الله اختار واصطفى منهم من أراد , فالشهادة رتبةٌ لا ينالها الكثير إلا من كرمه الله واختاره لحياة أخرى عند ربه ,
قال تعال " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءً عند ربهم يرزقون " .

صمتت البنادق ولكن القهر والغيض والأنين لم يصمت بل اشتد ، تفجرت المشاعر , وضاق الكون ذرعاً بالزفرات الصاعدة من صدور الأحرار وكأنها براكين تفجرت وتطايرت حممها في كل مكان تحرق كل ما تجده أمامها فلم تجد أمامها إلا نظامٌ أَلِفَ الإجرام وأعتاد عليه , فأطاحت به وهزت أركانه , بل ونسفته نسفاً .

انتهى ذلك اليوم بغروب شمسه , ولكن ذكراه ستظل إلى ما شاء الله , استعصى على ذاكرة التأريخ وعجز عن نسيانه النسيان , وما زالت آثار تلك الدماء الزكية كابوساً يؤرق كل من تورط في هذه المجزرة أو رضي بها أو سكت عنها أو تخاذل عن الاقتصاص لهم من قتلتهم , أسدل الستار على مشهدٍ أليم كانت حصيلة مجزرته ( 56 ) شهيداً وأكثر من ( 1600 ) جريح , ستظل أرواحهم ترفرف في مخليتنا كرفرفة العلم اليمني أو كنجومٍ في كبد السماء تنير لنا الدروب كل ما أظلمت علينا آمالنا , ولكنها أيضاً لعنةٌ لن ترحم الجناة , كما أنها أيضاً لن ترحمنا إن لم نواصل المسير ونستكمل المشوار ونحاكم المجرمين , ونبني اليمن الجديد .!