الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢٢ صباحاً
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
بنو خطفات
ظلت القبيلة في العالمين العربي والإسلامي حتى نهاية القرن الثامن عشر تحافظ على أخلاق الفرسان في الدفاع عن المظلومين من العزل والنساء والأطفال وحماية المال والنفس، وكانت ظاهرة الغزو والخطف غير مشروعة بل نادرة أن لم تكن محرمة.

وقد ساعدت بعض مظاهر التمدن في إزاحة المظاهر التقليدية للقبيلة في المناطق التي زحف التعليم اليها وظهرت فيها القوانين ونشأت المؤسسات الخدمية الحديثة ، كما ساعد بعض التطور على التحول نحو سلطة القانون ومؤسسات الدولة الحديثة وتعزيز قيام مؤسسات ثقافية واجتماعية تجمع بين الأصالة والمعاصرة من أخلاق وقيم وعادات تؤسس لمبادئ العدالة وتكافؤ الفرص والمساواة التي نادت بها الثورة.

ولكن وفي ظل اقتصاد تقليدي موسوم بالفقير استفادت بعض المناطق من المشروعات التنموية المتاحة واتجهت نحو تحديث مؤسساتها ، في حين استمرت معظم المناطق النائية على ما هي عليه من بداوة إلا فيما ندر من ظهور بعض مردودات التحديث ، فيما اتخذت بعض نظمها التقليدية أشكالاً عدائية للمؤسسة النظامية الرسمية وللمجتمعات المدنية التي لم تحقق لها من وجهة نظرها نمواً يلبي حاجتها الاقتصادية، أو يساعدها على رفع مستوى أبنائها مقارنة بالمناطق التي تعرضت للتحديث المؤسسي مبكرا والتي تحقق لها بعض الحراك الاجتماعي الصاعد من فرص قليلة سنحت،وان لم يتحقق لها طفرة رخاء او انفتاح واسع .

وبسبب ضعف الاقتصاد لبعض المناطق المحرومة ، أو بسبب التشتت السكاني والعمراني الممتد على مساحة واسعة من الأرض التي يقتلها الجفاف وقلة الأرض المزروعة والمأهولة بغالبية الأميين ، فأن مؤسسات الدولة القائمة فيها تجد نفسها قليلة الحيلة في مكافحة الجهل والمرض والفقر وتوفير البيئة المناسبة للاستقرار والتطور، فلا زال الناس يلجأون إلى أدوات التخلف من شعوذة ودجل، فيزدادون فقرا وارتباطا بمؤسسات التخلف خارج نطاق مؤسسات الدولة، وكأن بين الفقر والجهل خطا لا يمكن لهم تجاوزه رغم مجهودات الدولة المبذولة لاجتثاثه.

هذه المجاميع من بعض الفقراء على ما يبدوا لم تجد أمامها سوى الانقياد إلى مجموعات شريرة تحرف أعراف القبلية وتوجههم نحو صناعة الموت لسلب ونهب حقوق الغير ولو على حساب القيم والاخلاق ، حتى أصبح ما يمارسونه احترافاً مشروعا يستغل فيه البسطاء برعاية غير منظورة ، يشرعن ويقنن لها جهات تخلف غير معروفة لتعديل ميزان الباطل بأيديها، للخروج عن النظام والقانون المجتمعي ولصياغة قانونها الفوضوي بالإغارة على المدن والاعتداء على مشروعات التنمية العامة والخاصة ومؤسسات السياحة والاستثمار للمقايضة بما خف وزنه وغلا ثمنه.

الرعاية التي أولتها الدولة لحماية هؤلاء وفرض سياسة التسامح معهم باعتبارهم غير مسئولين عن أعمالهم بسبب الجهل وقلة ذات اليد ، جعلت آخرين يتلقفونهم كي يصنعوا منهم مجرمين محترفين للقتل والنهب والسلب والاعتداء والتقطع بل ذهبت أبعد من ذلك لتوظيفهم في عصابات لتحقيق مآرب سياسية وشخصية، فلم تعد المهنة في البادية أو القرية المحروق زرعها مكانا مناسبا للسعي من اجل الرزق . ولم تعد مهنة التقطع والاختطاف من أجل تلبية حاجة أو الحصول على ما يسد الرمق فقط أو يرد الاعتبار، بل أصبحت مهنة للثراء والإيذاء وتنفيذ عقوبات وسداد ديون ثارات واغتصاب لممتلكات الآخرين،، وأصبح الاختطاف وسيلة ضغط فعالة للحصول من الدولة ومؤسساتها على التنازلات وإخضاع القانون لرغبة من يستبدلون القانون بالاحتكام إلى الصلح من أصحاب الثلث وتحكيمهم خارج سلطة الدولة ، لاستدراج الآخرين لقبول وساطتهم غير البريئة خارج النظام ، عندئذ يصبح الحق باطلا ويصبح الظالم مظلوما ..

جميعنا يتساءل كيف تجند هذه العصابات مثل هولا الأشقياء عوضا عن مساعدتهم في عمل شريف وأمام أعيننا؟ وكيف أصبحت تحولهم إلى مآربها الخاصة التي لا يعود عليهم من عوائدها الضخمة من الاحتيال إلا النذر اليسير مما تخطط له وتجمعه عصابات النهب والسلب والتي يذهب ريعها إلى جيوب المحرضين..، كيف لا ؟ وهم يحسنون توجيههم ويسلبون إرادتهم التي لم يحميها تعليم كاف ولم يردعها قضاء حازم وعادل، ولم يوجهها اكتفاء اقتصادي يساعد على الرفض ، فيرمون أنفسهم في واجهة الأحداث كأنهم قد باعوها للشيطان بينما يقطف المحرضون ثمرة ما يجمع من مال حرام ...أو ليست هذه في ديننا الإسلامي السمح حرابة.؟ وأية حرابة محرضوها في طيرمانات وفاعلوها يتقطعون الشوارع والأزقة أذية للناس اختطافا واستلابا وربما قتلا لا يراعى فيه عهدا ولا ذمة ولا حرمة ولا مكانا ولا طفلا ولا امرأة ؟

وكيف يمكن معالجة هذا الوضع وقد أساء لنا داخلياً وخارجياً ؟ وكيف يمكن حماية المنجزات والمؤسسات والمدن والناس من مثل هذه الشرذمة التي لم تحترم العرف القبلي ولا الأخلاقي والتي تمارس عملها تحت سمعنا وبصرنا جميعاً، وتسيء إلى الاستثمار وإلى الاستقرار وإلى الأمن الاجتماعي والأمان ،

هل يعني أن تسامح الجهات الأمنية سيجعلها متفرجةً لهذه القرصنة وما يحصل من خلفها دون أن تردع مثل هؤلاء والمتعاونين معهم، وهم يمثلون ظاهرة تحتاج في حد ذاتها إلى معالجة؟؟ أم إن هذه الجهات مازالت تبحث عن المحرضين الحقيقيين الذين ستجدهم يرتدون كل الأقنعة من قمصان وعباءات ظلامية ، حتى أصبحنا نخشى أن يتحول سكان المدن إلى لاجئين في إحيائهم وحاراتهم خوفا من هؤلاء الافاقين الذين لايتورعون عن شيء يعود عليهم بالفائدة وان كان بالاعتداء على الأبرياء في وضح النهار وفي عواصم المدن وأطرافها حتى أهل الذمة فينا من أمرنا الرسول الكريم صلى الله علي وسلم بحمايتهم والمرضى والأطباء في المستشفيات

أخـبرونا من أين نبـدأ !!؟
هل نبدأ بقوافل التعلم أو التوظيف أم التطبيب أم الدفاع عن ثقافة حرفها صناع الأزمات الجدد لتصبح واقعاً اعوجا يسئ إلينا جميعاً بعد أن كانت فخرا لنا ؟، فأصبحت اليوم أعراف وشجاعة أبناء قبائلنا حقا يراد به باطلا!. فهي لا تلامس أخلاق القبائل اليمنية التي ننتمي اليها ولا ترتبط بعزة ولا شهامة القبيلة التي أردنا الاحتفاظ بصفاتها الأصيلة.. ؟

صح لسان القبيلي حين قال" كل البداوة جنبنا تمدنت وإحنا متمدنين نسعى صوب البداوة "ولكنها للأسف بداوة وثنية وجاهلية تلك التي نذهب إليها وليست بداوتنا التي جبلنا فيها على الفطرة النقية والسلام الاجتماعي.

نعم , لن تستطيع الحكومة وحدها إصلاح هذا الاعوجاج فقد أصبح التلقين ليلا ونهارا لكل ما هو سيء ومنفلت عملا وصناعه مربحة لدعاة الجهل، وما لم نبحث عن أسباب ذلك ونعالجه ونعيد للدولة هيبتها فقد نصبح جميعا بنو خطفان، نحتكم إلى قانون الغاب مع وجود قانون الدولة وفي ظل وجود القبيلة وأعرافها التي أهانوها يوم خطفات الأولى والثانية والثالثة
اصبحنا اليوم جميعا ننادي بوضع حد لكل هذا حتى لا يطبق الجميع قوانينهم الخاصة ويدافعون عن أنفسهم باللجوء إلى العنف والعنف المضاد، فهذه الظاهرة لم تكن صدفة ولا آتية من فراغ بل هي ضمن حزمة من سياسة الفوضى المبرمجة لليمن..! نهب وقتل واختطاف وأية صفات أكثر من هذه بشاعة تخسف بالاستقرار والاستثمار لبلد نام مثل اليمن , وأي عقوق أكثر من هذا الذي يمارسه هولا الأشقياء في حق أهاليهم ووطنهم

المطلوب أن تدعم مؤسسات المجتمع المدني الحكومة لتؤكد أنها أدوات حراك مدني سلمي تبحث عن تطور مجتمع وتنبذ مظاهر تخلفه، وأن تتبرأ قبائلنا الحرة من مثل هولا الأشقياء وتطردهم من بين صفوفها فلا مكان لهم فيها.. والمطلوب أن تجعل الحكومة المناطق النائية الأولى برعايتها حتى تتكافأ فرص أبنائها مع بقية المناطق ، وحتى لا يصير بعض فقرائها عصابات تعمل خارج القانون، وحتى لا تصير اليمن دولة تحمي الإرهاب.