الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً

الانتخابات ... ودموع عتاب

عباس القاضي
الاثنين ، ١٣ فبراير ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ مساءً
صورة حديثة رأيتها لعتاب, ابنة الشهيد : محمد طه المنيعي أعادتني إلى ذلك المشهد الذي كان على خشبة منصة ساحة التغيير بعد جمعة الكرامة, حيث كان البرنامج ساعتها استقبال أسر الشهداء, وكلكم يذكر عتاب وهي تمسك الميكرفون, وأطلقت حينها عبارتها المشهورة " ارحل قتلت بابي " وانفجرت بعدها باكية, هذه العبارة التي هزت المشاعر والوجدان وفتت القلوب وأجرت العَبَرَات , حتى أن مذيعي الفضائيات لم يستطيعوا أن يحبسوا دموعهم, إلا فضائياتنا التي لم يهتز لها شعرة , بل هزئت ولفقت الأكاذيب, بأن عتاب ما هي إلا ابنة أحد مقدمي البرنامج , وقالت إحدى المتصلات للفضائية اليمنية, وهي بالتأكيد بالغرفة المجاورة, أنها تعرفها وتعرف أباها وأنها رأته يومها, وأن هذا تمثيل في تمثيل, لقد جسدوا الوحشية بأبشع صورها, حيث كان أكبر من القتل نفسه.

الصورة الحديثة,, يبدوا عليها لمسات الحزن, وعيناها تركز لعدسة الكاميرا, الأمر الذي جعل عينيها وكأنها تنظر لمن يشاهدها, بتركيزي على الصورة رأيت ثمة تساؤلات, وبصوتها المتحشرج, وبلكنتها الطفولية المتميزة, قالت لي : أين دم أبي مما يجري من تسويات ؟ قلت لها : أي تسويات تقصدين ؟ قالت : والانتخابات هذه ما هي ؟ قلت لها : ابنتي , عتاب, دم أبيك والشهداء هو النبراس الذي يضيء لنا دروبنا, هو من أوقف التمديد والتأبيد والتوريث, هو من أقنع الدول الشقيقة والصديقة بأن اليمن لا تتسع لعلي صالح, وأخرجه ذات مساء في غسق من الليل خفية, كأنه لم يغن بالأمس, ولم يكن رئيس دولة,, قال فيه أتباعه : إنه صانع المعجزات.
دم أبيك, يا عتاب, هو من أجبره لإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة,والتي تعتبر بمثابة استفتاء شعبي على رحيله, وفرحة الناس برحيله جعلهم لا يشترطون من يخلفه, وهذا الإجراء لا يُسَمَّى تسوية,, إنه استجابة لطلبك عندما قلتي : "ارحل قتلت بابي".

قاطعتني عتاب قائلة : ولكن كنت أريد أن أقتص لأبي, أبي الذي كان يحتضنني قبل أن أنام, ويلف بأصبعه خصلات شعري, ويحكي لي الحكايات التي يحفظها من أجلي, أبي الذي أفتقتده أيام الأعياد, وهو منتشيا بفستاني الجديد,, كان أبي يرفض أن أقيسه أمامه قبل يوم العيد, ليعود من صلاة العيد, فيكون مفاجأة له ,,, فيأخذني بين يديه, كأني حمامة إلى ما فوق رأسه, ثم يدني وجهي من وجهه, ويطبع فيه قبلة, ما زالت أسمع دويها في أذني, مَنْ لي بأبي,,الذي كان ينتظرني في باحة المدرسة وأنا في الروضة, ويحدق في عينيه في وجوه الأطفال ليراني, , ثم يقول لي : عتاب, كدت أن أنسى ملامح وجهك من شدة تركيزي.

وكما قاطعتني, قاطعتها لإيقاف تلك الدموع, التي كانت تسح على وجهها المصباح, قلت لها : ابنتي, عتاب , كل الثوار آباؤك, فأبوك لو خذنا به كل زبانية النظام لا يساوون ذرة من جسده الطاهر, وما عاد إليك.

كنا نتطلع أن نحقق كامل أهداف ثورتنا دفعة واحدة, ومنها أن نحكم شرع الله في القتلة, ولكنها مشيئة الله.
إن أباك يا عتاب, لن يعود, إذا لحق بهم, بقية الشعب شهداء, وتمزق الوطن وانهار ما تبقى من دولة .
عتاب , إننا في الطريق الصحيح لتحقيق أهداف ثورتنا, وإن كانت بمراحل مقابل تخفيض ثمن التحول من الظلم إلى العدالة, ومن الانهيار إلى البناء.

اقتضت مشيئة الله ثم القناعة الدولية والإقليمية بهذا المسار, وتأكدي أن دم أبيك لن يضيع هدرا, فالقاتل سيلقى نفس المصير.
قالت عتاب : من أي باب سنحقق هذه الأهداف؟ قلت لها من بوابة الانتخابات الرئاسية والتي ستجرى في الـ21 من فبراير 2012مـ
قالت عتاب : وفيها سيرحل من قتل بابي, قلت لها : نعم, سيرحل بغض النظر من سيخلفه.

وهنا صمتت برهة, ثم صاحت : أيها الناس, يا من ضحيتم بالدماء, والجهد والمال, هذه فرصتكم , فلا تخذلونا, سنطوي بهذه الانتخابات حكم كهنوتي,, وسننطلق لبناء الدولة اليمنية الحديثة, الغاية التي من أجله ضحى أبي وبقية الشهداء بدمائهم.