الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٨ مساءً

صدام حسين عميل منذ نعومه مخالبه

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
سعدي يوسف - يمن برس - خاص

[email protected]


قبل أيامٍ حكمَ الأميركيون على صدام حسين بالإعدام شنقاً حتى الموت، لكن هذا الرجل كان
في الماضي معتمَدَ دوائرِ الاستخبارات الأميركية في مكافحة الشيوعية، التي استخدمته
لأكثر من أربعين عاماً، حسب ما يقول الدبلوماسيون وموظفو الاستخبارات الأميركيون.
يظن كثيرون أن صدام حسين تعاونَ مع وكالات الاستخبارات الأميركية في بداية الحرب
العراقية ـ الإيرانية، في أيلول 1980، لكن هؤلاء الموظفين يعودون بعلاقته إلى العام
1959، حين كان واحداً من زمرة ستة شبّانٍ كلّفتهم المخابرات المركزية الأميركية اغتيالَ
رئيس الوزراء العراقي، آنذاك، الزعيم عبد الكريم قاسم.




عبد الكريم قاسم
عبد الكريم قاسم في 1958، كان أطاحَ النظام الملكي
قبل ذلك كان العراق يُعتبَر منطقة عازلةً وهامّةً استراتيجياً في الحرب الباردة. وقد
انضمّ العراق في أواسط الخمسينيات إلى حلف بغداد المعادي للسوفييت، الذي كان عليه
الدفاع عن المنطقة. أمّا أعضاء الحلف الآخرون فهم تركيا وبريطانيا وإيران وباكستان. لم
يهتمّ أحدٌ كثيراً بنظام عبد الكريم قاسم، إلاّ حين أعلنَ الانسحاب من حلف بغداد، في
العام 1959. وتابعت واشنطن بامتعاضٍ، شـراءَ قاسمٍ السلاحَ من الاتحاد السوفييتي،
واستيزارَه شيوعيين في مواقع ســلطة حقيقية، كما قال موظف أميركيّ سابق في الخارجية.
وقد أدى ذلك إلى أن يصرح مدير الـ "سي . آي . أيه " ألن دالاس بأن العراق هو "
أخطر بقعة في العالم ".
في أواسط الثمانينيات، أخبرَ مايلز كوبلاند، رجلُ العمليات في المخابرات المركزية،
وكالةَ الصحافة الدولية أن السي. آي .أيه كانت لها " علاقة وثيقة " مع حزب البعث،
وكذلك مع أجهزة الزعيم المصري جمال عبد الناصر السرية. وقد أيّد روجر موريس، الموظف
السابق في مجلس الأمن القومي، في السبعينيات، هذه المعلومة، قائلاً إن السي. آي .أيه
اختارت التعامل مع حزب البعث الفاشستيّ المعادي للشيوعية، أداةً بيدها.

صدام حسين
وحسب مصدرٍ سابقٍ آخر في الخارجية الأميركية، أصبح صدام، وهو لا يزال في عشرينياته
المبكرة، جزءاً من مؤامرة أميركية للتخلص من عبد الكريم قاسم. ويقول هذا المصدر أن صدام
حسين وُضِعَ في شقة ببغداد، على شارع الرشيد، تواجه، مباشرةً، مكتب قاسم في وزارة
الدفاع، لمراقبة تحركات هذا الأخير.
يقول عادل درويش، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، ومؤلف " بابل غير المقدسة "
Unholy Babylon ، إن هذا الأمر جرى بمعرفة تامة من السي.آي .أيه، وإن مَن كلّفته السي .
آي . أيه بمتابعة العلاقة مع صدام حسين كان طبيب أسنانٍ عراقياً يعمل لصالحها ولصالح
الاستخبارات المصرية.
النقيب عبد المجيد فريد، مساعد الملحق العسكري بالسفارة المصرية، في بغداد، كان يزوِّد
صدام حسين مالاً، وهو مَن دفعَ إيجار الشقة من حسابه الخاص. وقد أيّد ثلاثة موظفين
أميركيين كبار سابقين هذه المعلومة.
موعد الاغتيال حُدِّدَ في السابع من تشرين أول ( أكتوبر ) 1959، لكن المحاولة باءت
بالفشل الذريع. وقد اختلف الناس في أسباب الفشل، موظف سابق في السي . آي . أيه قال إن
صدام حسين ذا الاثنين والعشرين عاماً فقد أعصابه، وشرع يطلق النار قبل الأوان، مسبباً
مقتل سائق قاسم، وجرحَ قاسم في كتفه وذراعه. درويش أخبر وكالة الصحافة الدولية أن أحد
أفراد الزمرة كانت ذخيرته لا تناسب بندقيته، وأن آخر انحشرت قنبلته اليدوية في بطانة
سترته.
نجا قاسم من الموت، وأصيب صدام حسين بجرح في فخذه سبّبَـهُ زميلٌ له في زمرة الاغتيال.
هرب إلى تكريت بمساعدة عملاء المخابرات الأميركية والمصرية.
بعدها، اجتاز الحدودَ إلى سوريا، ونقلته المخابراتُ المصرية إلى بيروت. وطيلة إقامته في
بيروت، دفعت المخابرات المركزية الأميركية إيجار شقّـته، وأدخلته في دورة تدريب قصيرة،
ثم ساعدته في الانتقال إلى القاهرة.
موظفٌ حكومي أميركيّ سابقٌ، كان يعرف صدام حسين آنذاك قال: حتى ذلك الوقت، لم يكن
شيئاً، كان شقيّاً، قاطعَ رقابٍ، He was a thug-a cutthroat .
في القاهرة سكن صدام حسين، شقةً، في حيّ الدقّي الغالي، وكان يقضي وقته في لعب الدومينو
بمقهى الإنديانا تحت مراقبة رجال المخابرات الأميركية والمصرية.
يقول موظفٌ أميركي كبير سابق: " في القاهرة، كنت أذهب، غالباً، إلى مقهى جروبي، في
شارع عمـاد الدين باشا، وهو مكان أنيق، يرتاده الموسرون. صدام لن يكون حضوره مناسباً
هناك. الإنديانا ملعبُـه".
لكن صدام حسين، في تلك الفترة، كان يزور كثيراً، السفارة الأميركية، حيث خبراء السي. آي
.أيه مثل مايلز كوبلاند، ومسؤول المحطة جيم إيجلبرغر، يقيمون هناك، ويعرفون صدام حسين.
بل أن رجال السي. آي .أيه المكلفين بأمر صدام دفعوه إلى أن يطالب المخابرات المصرية
بزيادة مخصصاته المالية، وهو أمرٌ لم يعجب المصريين، لأنهم يعرفون علاقته بالأميركيين.
في شباط 1963 قُتِل عبد الكريم قاسم في انقلابٍ بعثيّ. كانت السي.آي.أيه وراء الانقلاب،
وقد كان الرئيس الأميركي جون كنيدي وافقَ على الأمر.
في البداية ادّعت المخابرات الأميركية أنها فوجئت بالأمر، لكنها سرعان ما شمّرت عن
أذرعتها، وزوّدت البعثيين وحرسهم القومي ذوي الرشاشات قوائمَ بأسماء الشيوعيين، فتعرّض
هؤلاء للسجن والاستنطاق والقتل، في جنون من إعداماتٍ سريعة. أمّا القتل الجمعيّ فكان
يتمّ في " قصر النهاية " بإشراف من صدام حسين.
قال موظف سابقٌ في وزارة الخارجية الأميركية: " بصراحةٍ، كنا مبتهجين للتخلص منهم.
أنت تريد لهم محاكمة عادلة؟ هل أنت تمزح؟".
في ذلك الحين صار صدام حسين، رئيس " الجهازِ الخاص "، جهازِ المخابرات السري لحزب
البعث.
لندن 8/11/2006