الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٥٣ مساءً

اللهم لا توحّد الامة العربية على الطريقة اليمنية

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً

اللهم لا توحّد الامة العربية على الطريقة اليمنية

بعيداً عن الدخول في دوائر الجدل والنقاش, الذي كان ولازال حول ماجرى للجنوب في 7/7/1994م, وما أفرزته تلك الحرب من نتائج خطيرة على كل الصعد, من الغاز وتداعيات وأثار ولغط, فقد وجد الجنوبيين أنفسهم داخل وطنهم حائرين بين الكلام وبين الصمت, سيما والحرب قد دمرت ليس الاسس الاخلاقية للفكر والروح والوعي للأنسان الجنوبي, تحت غطاء مزور أسمه الوحدة فحسب, بل أوجدت عالمين.. عالم منتصر وهم الشماليين, وعالم مهزوم وهم الجنوبيين, وبالتالي فأن النظام يحاسب الجنوبيين على دورهم المسلوب.
وقد تبين أن الجنوبيين, كانوا بالامس واليوم يعيشوا حالة أختراق عميق, طال كل ركن وزاوية فيهم.. وهذا الاختراق متوغل في أدق الخصائص والخصوصيات في الحياة العامة, أصاب العقل والارادة والضمير, الامر الذي ترتب عليه سلب الانسان الجنوبي فرصة أستعادة التوازن الوطني, أنعكس ذلك في السلوكيات والعمل, مما أدى الى نقمة عارمة وشعوراً بالقهر, ولم نجد لانفسنا ملاذاً أو تعويضاً أو أحساساً, ولا يقدر أي عزاء يعوضنا عن ما أصابنا.
المهم الان ما العمل؟ ماذا بعد 7/7/2007م؟, ففي تقديرنا أن الواجب يقتضي التفكير والدراسة والمراجعة, لمعرفة مدى قدرتنا - نحن كجنوبيين- أستخلاص الدروس وأستيعاب كل دلالاتها ومعانيها بعد (13) سنة من المعاناة والعذاب والقهر, ولعل أهم دروس هزيمتنا, هو صحوتنا من سباتنا الطويل, وبالتالي العمل على أدراك الموقف والمتغيرات, وماهي المخاطر الحقيقة المحدقة بنا, على أن يأخذ بعين الاعتبار بأن هزيمتنا من صنع أيدينا, ومن ثم فأن رد الاعتبار للجنوب والجنوبيين بأيدينا, يتجلى ذلك في العمل على لم شمل الجنوبيين على قاعدة الوحدة الوطنية, ودون ذلك لن تقوم لنا قائمة.
فأذا كانت الرحمة تخص والعذاب يعم.. فقد غضب علينا ربنا في اليوم الذي تنكرنا فيه لهويتنا وتاريخنا, حين أعلنا تخلينا طواعية وبدون دراية, وعن كرم حاتمي, عن جذورنا, وتحولنا من جنوب عربي الى جنوب يمني, لفرط سذاجتنا وأخلاصنا, وأي أمة لا تحترم وتعتز بماضيها وهويتها الذاتية, محكوم عليها بالانهيار.. وها نحن نتبادل نثر دمائنا على بعضنا البعض.
وهكذا أنزل الله علينا عذابه الشديد في 22 مايو 1990م, ليكون يوماً وكأن التاريخ فقد دورة حكمته .. فقد سلط الله علينا نظام الشمال, كما تحدث فجأة الكوارث والزلازل, وتحل المصائب والنوائب, كعقاب على فعلتنا.. ليضاف في هذا اليوم مأساة جديدة لثلاثة مليون جنوبي, الى تواريخ المآسي العربية مثل 1948م, و 1967م, و 1982, و 2003, وكأن العرب محكومون كل عقد تقريباً بمآساة جديدة, تستنفذ منهم القوة والاقتصاد والارض والامل والحلم.
ومنذ ذلك اليوم اللعين, الذي تأسست فيه خدعة 22 مايو 1990م, وذاكرة الايام التي لاحقتنا طيلة (17) سنة, أحسسنا بأن الماضي هو عبارة عن لعنة حقت علينا.
ولا نظن أن أحد في الجنوب يخفى عليه, أنه مجرد أنتقالنا الى (عهدة) الرئيس اليمني علي عبدالله صالح مع الامانة, رغم أنه بلا عهد, يومذاك أرتضينا مكرهين بحكمة ودون أقتناع, وثقنا بحكمته, ثم خضعنا مرغمين لاحكامه على مدى (17) سنة, ليس حبأً في علي ونظامه القبلي العسكري العنصري المتخلف, ولكن كرهاً لعلي وحزبه, والذي قال عنه الشهيد سالم ربيع علي قبل تشكيل الحزب, أذا تشكل الحزب سيكون ( حزباً أرقّش ).
لذلك وتحت شعار راية الوحدة والشرعية والديمقراطية, أصابنا من العلل والمصائب والضغوط ومصادرة الحقوق والحريات والكرامة, مالم يصيبنا أو نعرفه طيلة حكم الانجليز, الذي حكمنا (129) عاماً (الله يذكرهم بالخير), قياساً الى أستعمار (الخبرة) الهمجي, الذي لاتجي معاهم لا بالحق ولا بالباطل. لقد فقدنا قدرة العودة الى تاريخنا وهويتنا وأحلامنا, وبالتالي حلت علينا لعنة ثقب أسود, كما كتب علينا أن نفقد الاحساس باللاجدوى واللامبالاة.
وهكذا تجرعنا كل الويلات والمرارات والالام منذ 7/7/1994م لغاية اليوم, وفي نفس الوقت جربنا كل أشكال الاستعمار الخارجي والداخلي, فوجدنا الانجليز أصحاب أصول, كما ذقنا شتى أنواع العذاب والمعاناة والشر الداخلي والخارجي, الى درجة أن حالنا اليوم أشبه حالات العبودية في العصور القديمة.
وما يجري على أرض الجنوب اليوم, هو في كل الاحوال أستهانة بالناس والحياة والكرامة الانسانية, فصارت أيامنا حقولاً من الرماد الاسود.. التهم الظلم والقهر أحلامنا ومستقبلنا, ولم تعد زاوية في أجسادنا الا وقد أصابها التاريخ بالوهن الاليم.
والشاهد أننا لسنا مشاركين في صياغة ورسم قدرتنا ومصيرنا, الذي يصاغ بمعزل عنا في وطننا, ولا شهود حتى على خيبتنا وهزيمتنا, ولا شهداء تجوز الرحمة علينا.. ولم يبق لنا القدرة حتى على الموت بشرف, من أجل الوطن كما نريد.. ولا نحن مواطنين كاملين ولا غرباء كاملين ولسنا من الاحياء ولا من الاموات, ولا أحد يتوقع أو يأمل في مشاركة حقيقية في الحياة العامة في اليمن, وما لم تتغير المعادلة الصعبة على أساس تقرير المصير, حسب قرارات الشرعية الدولية, وأستعادة الحقوق الوطنية والتاريخية للجنوبيين, مثل بقية شعوب الارض.
لقد نسي أو تناسى (فخامة) الرئيس علي عبدالله صالح, بأن الجنوب بلد وشعب وثقافة وتقاليد وعادات وحساسيات من الصعوبة بمكان بأن يحكم الجنوب الامن المركزي أو الحرس الجمهوري.. كما نسي أو تناسى (فخامته) المقولة الفلسفية رغم عدم معرفته بالفلسفة التي تقول: السيف يفرضك ولكنه يعرضك.. أما القانون فهو يحرجك لكنه يحميك.
(13) سنة والاجهزة الامنية والعسكرية تعبث بالجنوب وبأهله وبتاريخه وبأرضه بأوامر من الرئيس اليمني علي عبدالله صالح.. (13) سنة والاجهزة الامنية والعسكرية لاشغل ولا مشغلة, غير نهب الارض وأستباحة العرض دون حسيب أو رقيب, كونها حزب الاحزاب فوق الوطن والمواطن والقانون.
وترتيباً على ذلك, فأننا مطالبون اليوم – خاصة القيادة السياسية والعسكرية – بقراءة أوراق هزيمة الجنوب في 7/7/1994م بعناية وأدراك مدى خطورتها وماتستوعبه من دور وطني للقيادة, لتوظيف الانفعالات العفوية الغاضبة, وتوجيه الحس الوطني الحماسي لكي يتوائم بنفس الحماس مع متطلبات صحوة عالية, تعكس وحدة وطنية بأرادة ذاتية خالصة, بأعتبار ما قام به النظام وروج له خلال (13) سنة من وعود للتنمية والتغيير, ليس سوى غطاء لتمرير أهدافه ومقاصده, على نحو يؤدي أبعاد الجنوبيين على طريقة سياسة (خطوة.. خطوة), ومن ثم السيطرة الكاملة على مقدرات الجنوب والاستئثار بثروتنا,كما هو جار الان, مع أبقاء الجنوبيين شراذم وفرق وجماعات ضعيفة, تحت مسميات مختلفة مثل الانفصاليين + الزمرة + الطقوة + أصحاب السبعينات.. بهذه التفرقة يتستر بها ومن خلالها, برداء من حرية الرأي والتعبير (شكلية) توفر للنظام أنسب الاجواء لضمان الهيمنة.
أن وحدة الجنوبيين تمثل ضرورة حيوية لشعبنا مافي ذلك شك, بل أنها تعتبر السبيل الوحيد والامثل لتحقيق أهدافنا وتحرير أرادة شعبنا.
مع أن الدروس كثيرة, والعبر لا حصر لها, من ذلك الذي أدمى قلوبنا فوق أرض الجنوب.. الا أن الدرس الاهم, هو درس تعميق الوحدة الوطنية, ومعالجة أمراض الماضي وعقده, ففي غيبة الوحدة الوطنية, يترتب على ذلك أغلاق المنافذ الشرعية للعمل السياسي, وبالتالي تتوفر التربة الخصبة للمنافقين, والانتهازين, ويظهر على الجسد الوطني أسوء الامراض وأخطرها.
وعلى الذين أصابتهم (الغفلة) وسمحوا في الماضي للطحالب, بأن تعيش على سطوح البرك الآسنة, عليهم من الان وصاعداً أن يوخذوا أقصى درجات الحذر بعد أن حولنا النظام, الى شعب كامل يتسول ويتوسل حقوقه, وبعد الاعتداء السافر من قبل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح على نبش مقابر الشهداء, لكي يبني بيوت, لان جثث ورفات الشهداء دنست تراب الوطن.. وهذا الاعتداء لا يمكن أن يحدث لا في بعض البلدان (المتبربرة) أو العصور الوثنية الوحشية.
كما أن تسريح الجيش الجنوبي من الخدمة العسكرية, تحت قنون (خليك بالبيت), وقوامه ستين الف, عمل منكر.. علاوة على ذلك مصادرة أملاك دولة الجنوب وتوزيع الاملاك على القيادات العسكرية الشمالية والحسب والنسب, ودون خجل, ثم نهب أراضي الجنوبيين بقوة السلاح, وقال الرئيس اليمني وحدة ما يغلبها غلاب.
لقد نجح النظام في تدمير كل ما يتعلق بالقيم, من كرامة وشرف أو مبادئ, ودخل تحت جناحه من ضعفاء النفوس, من كانوا بالامس ثوار وأصحاب مبادئ, وعادوا الى الوطن لترتيب مصالحهم الشخصية, ليعيشوا آخر أعمارهم كتجار, في هدوء وبحبوحة, مقابل أن يكونوا من فرقة الطبالين والزمارين, على حساب الجنوب وشعبه المغلوب على أمره.. هؤلاء أساؤوا لانفسهم بخاصة, وهم كغثاء السيل لا يحمل أي قيمة.


الدكتور فارس سالم الشقاع
أبوظبي الامارات
06-07-2007