السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٣٨ صباحاً

عبد الرزاق الجمل : الطريق إلى مقديشو

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
يمن برس - عبد الرزاق الجمل :

لم تمر اليمن عبر تاريخها الطويل المليء بالمشاكل بمرحلة خطرة فعلا كالمرحلة الحالية وتعود
خطورتها لأمور كثيرة وتراكمات من القضايا التي ظن الجميع موتها وصنفوها بغباء في خانة
القضايا الميتة لكنها بعثت من جديد وباتت تشكل خطرا فعليا اكبر من ذي قبل وحين نستعرض
الواقع اليمني الحالي من جميع جوانبه سنجد أن الحكومة بحاجة ماسة إلى معجزة للخروج من
الأزمة بل الأزمات وسنجد أيضا أن الأوراق التي لعبت بها الحكومة مسبقا لم تعد صالحة لذلك
وأن التصرف القديم قد ذاب تماما تحت تناقضات الواقع رغم أن هذا التناقض كان في بعض
المراحل سلاحا في يد الحكومة لكنه لم يعد يعمل إذ لايمكن تصور الجمع بين متناقضات كثيرة
لا تتفق في أي من القواسم المشتركة .
الفكر الشيعي الذي حكم اليمن فترة طويلة ولازال باعتبار الحكام والحكومة من مناطق اليمن
الأعلى (المناطق الزيدية) كما يسمونها دخل في صراع مع حكومة الرئيس حول قضايا مرفوعة
ومطالب قد تكون حقيقية وقد تكون وهمية لأن الكثيرين يرون أن كل ذلك كان تأففا من الفكر
السني الذي مد جذوره بقوة في اليمن وفي المناطق التي تعد مركزا هاما للتشيع حين ظهر الوادعي
في محافظة صعدة وبدعم سعودي لمد النفوذ الوهابي ومن هنا يقول الكثيرون إن حكومة إيران
دخلت اللعبة لأهداف خاصة بها لها علاقة بخلافها مع الولايات المتحدة وأهداف عامة منشأها
المرجعيات باعتبار أن الفكر الشيعي محسوب عليها بالدرجة الأولى ولها نشاطات قديمة في هذا
الجانب حين حاولت استقطاب الكثير من اليمنيين للدراسة في الحوزات الإيرانية ولها سماسرة
إلى الآن لازالوا يقومون بذلك , ما يهمنا في الأمر أن الحرب لم تنجح إلى الآن ولا خيار غير
الحسم العسكري لأن أي قبول بأي وساطة يعد نزولا عند رغبة طائفة وصفها الأعلام الرسمي
ولا يزال بـ(المتمردة) والحسم العسكري يشبه المعجزة حاليا فالكثير من منتسبي الأمن والقوات
المسلحة وكل المؤسسات الحكومية دون استثناء لديهم ميولات فكرية شيعية لذا حصلت خيانات
كثيرة وتسربت إلى جانب الأسلحة معلومات الأمر الذي جعل المتمردين يتفوقون في بعض
مراحل المعارك وتأخر الحسم العسكري أدخل الحكومة في ضائقة اقتصادية انعكست على الوضع
العام وهنا بدأت المشاكل تكثر وبدأت القائمة تتسع وظهر غرماء الحكومة السابقون فالقضية
الجنوبية بدأت تأخذ طابعا جديا على مستوى الشخصيات وعلى المستوى الشعبي الذي لم يجد
إلى الآن أية ثمار للوحدة ولعل الحرب في صعدة وطول أمدها بشكل لم يتوقعه أحد لاسيما والسلطة
متعودة على انتصارات سهلة وسريعة قد جرأهم على الحكومة وأظهر ضعفها إضافة إلى الأزمة
التي تمر بها حيث يكفي تمرد آخر لانهيار كلي .
بدأنا نجد تحركات على مستوى القادة فالعطاس ظهر في قناة الحرة وعلي سالم ربما يخرج من
صمته حسب بعض المصادر ويثير القضية وربما تدول بشكل أوسع وسندخل في متاهة لانهاية
سعيدة لها .
السنة أيضا رغم أن الحرب كانت في صالحها إلا أن بعض طوائفها ترى في الضوء الأخضر
الذي منحهم الرئيس مؤخرا استغلالهم لفترة لن تدوم طويلا وقد يكونون ضحية فئة أخرى تخالفهم
في التوجه كما حصل مع الفكر الشيعي ويرون أن تقريبهم ليس لأنهم أهل لأن يكونوا قريبين
من السلطة ولكن لأنهم البديل الجاهز حاليا والند القوي للفكر الشيعي لهذا لم يعجبهم الوضع ولم
يعن لهم شيئا تقريب السلطة لهم.
جماعة الجهاد (القاعدة ) ظهرت مرة أخرى بعد غياب طويل تحدث الناس عن نجاح الحكومة
في احتوائهم ولم يكن كذلك بل كان تمزيقا لصفوف مالبثت أن أعادت ترتيبها من جديد وهم بطبيعة
الحال كغيرهم لديهم قائمة طويلة من القضايا ولديهم كغيرهم ثارات ولهم فكرهم الخاص ونظرتهم
الخاصة للحكومة وإن كانت هناك من علاقة حسب تحليل البعض فتصرف الحكومة أيضا كفيل
بإفساد أي ود وما جرى للمصري بسيوني على أيدي قوات الأمن لن يمر بسلام خصوصا في ظروف
متأزمة كهذه لاتدري الأجهزة الأمنية من تحارب ولا من تتعقب وقضايا القاعدة مع النظام كثيرة
وكبيرة أيضا من بعد 11/9 ومن قبل ذلك .
الشعب اليمني مشكلة ضمن المشاكل التي دخلت الصراع (صراع الوضع المعيشي) حيث بدأت
الأسعار ترتفع بشكل جنوني وفي أهم مقومات الحياة (المواد الغذائية) وربما تجاوز الارتفاع
الـ(200%) في أكثر المواد وهذا الجو يخلق قطيعة كبيرة بين الحكومة والشعب ويؤهل المواطن
للوقوف في صف أي عدو ولو كان هذا العدو (تمرد الحوثي أو إرهاب القاعدة) فالعدو الحقيقي
من يقف في طريق لقمة عيشي رغم أن هناك أكثر من مليار وعد قُطعت للشعب قبل الانتخابات
الأخيرة حسب إحصائية صور الرئيس تبشر بوضع مختلف وبمستقبل أفضل والورقة الأمنية التي
تلعبها الحكومة على الدوام لم يعد لها وزن ولم يعد للوعود في قاموس الشعب قيمة لأنهم أدركوا
جيدا أنها لا تطعم من جوع ولا تؤمن من خوف .
الخارج أيضا يعرف أن المشكلة الأساسية في المجتمع اليمني والمتمثلة في الجانب الاقتصادي
والمعيشي لا علاقة بها بظروف اليمن كدولة لها موارد تكفي على أقل تقدير لإخراج اليمن
من قائمة أسوء عشر دول في العالم بل لها علاقة بظروف الحكومة (السلطة) المتمثلة في الفساد
المالي والإداري وهذا يعني أن الدعم الأخير من الدول المانحة والذي لم يكن له أية أثار ملموسة
لايعني أكثر من فقدان الثقة في الحكومة اليمنية.

المعارضة اليمنية ترى أن الوقت مناسب جدا لممارسة نشاطها بحرية رغم حساسية الموقف وترى
أن الفرصة سانحة لتذكير المواطن بوعود الحكومة كدعاية انتخابية مبكرة رغم أن الأمر لم يكن
يستحق أن يؤخذ بهذا الشكل من الاستغلال فالوضع سيسقط في النهاية على رؤوس الجميع.

فما الذي يجب على الحكومة فعله في ظل هذا الكم الهائل من التناقضات فالحسم العسكري مستحيل
والقبول بأي تفاوض مع المتمردين يعني الهزيمة ويعني القبول بالكثير من المطالب أقلها الرضا
بتكوين حزب سياسي قام على خلفية حرب وهذا خطر كبير وتقريب القاعدة على حساب الشيعة
أو استغلالهم كورقة ضدهم مستحيل أيضا لأن هناك عصا أمريكية مرفوعة قد تنزل على رأس
الرئيس في أي لحظة والتسوية الجنوبية مستحيلة على المستوى الشعبي الذي لم ولن يثق بالحكومة
وعلى مستوى متبنيي القضية خارج الوطن وإرضاء الشعب أو ادخاره لأيام قادمة لن تكون أحسن
من ماضيها خارج حسابات السلطة تماما فالشعب لايهمها ولا تعرفه السلطة إلا في مواسم معينة
لإضفاء الطابع الديمقراطي على أي ممارسة وإلا فهي مستغنية عنه كليا.

الحكومة إذن تقف لوحدها في هذه المعركة منفصلة عن الداخل والخارج متخبطة لا تدري ماالذي
يجب عليها فعله وهو تخبط منطقي حين تنكشف جميع أوراق اللعب للجميع وهذا يعني أن الحكومة
إن أرادت أن تعيد بعض توازنها المفقود تماما أن تحسن علاقتها بالشعب فهو المنقذ الوحيد وكان
ينبغي أن تدرك هذا مسبقا من تصرفات الشعب العراقي التي أظهرت العلاقة الحقيقية للمواطن
بحاكمة وأثبتت أن المواطن على استعداد تام حتى للتبول على صورة الحاكم وضربها بالنعال بعد
أن تنتهي أدوار أجهزة المخابرات التي اختفت تحت جبروتها هذه العلاقة إضافة إلى أن المواطن
هو الحامي الحقيقي للوطن وصمود أبناء العراق سنوات بعد تهالك القوات النظامية خلال أشهر
دليل على ذلك ولو كانت علاقة صالح على مايرام بشعبه لن يجد التمرد موطأ قدم له لكنه حظي
بتعاطفات شعبية واسعة .
سيادة الرئيس الأمل مفقود إلا في الشعب فانشد هذا الأمل في مضانه