السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٤٧ مساءً

الأستاذ حسن زيد يكتب : عن الحرابة والجهاد

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
حسن زيد :

بسم الله الرحمن الرحيم
روي أن الهرمزان لما حمله أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : تكلم ، فقال ‏الهرمزان : كلام حيٍ أو ميت؟ فقال له عمر لا تفزع ، لا بأس عليك ، مترسٌ فتكلم به الهرمزان ، ثم أراد ‏عمر رضي الله عنه قتله،فقال له أنس بن مالك : ليس لك قتله فقال : كيف أتركه وقد قتلَ البراء بن مالك ‏؟ فقال :قد أمنته،فتركه )‏
روي : ( أن عمر رضي الله عنه قال: والذي نفس عمر ‏بيده: لو أنَّ أحدكم أشار بإصبعه إلى مشرك ، ثم نزل إليه على ذلك ثم قتله لقتلته) عن عائشة رضي الله عنها (أنَّ أبا العاص لما وقع في الأسر..قالت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه ‏وآله وسلم: قد أجرته فخُلِيَ لها)‏ ( )
وفي رواية زيادة على ذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (ذمَّة المسلمين واحدة فإذا أجارت جارية ‏‏..فلا تخفروها ، فإن لكلِّ غادرٍ لواء ً من نار يوم القيامة)
وعن أبي هريرة بلفظ: (ذمَّة المسلمين واحدة يسعى بها ‏أدناهم..فمن أخفرها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين..و لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ‏ولا صرفاً)
هل ماحدث في مأرب والمدن الإسلامية والمدن المسالمة من عمليات تفجير وقتل حرابة أم جهاداً؟
مهما حاولنا البحث عن كل نص في الكتاب الكريم أو السنة النبوية أو في كتب الفقه لمختلف المذاهب الإسلامية لايمكن أن نجد سنداً يبرر للآمر والمخطط والمنفذ الإقدام على هذه الأفعال التي تستهدف الأمن والسلم
إن ما يحدث هو قتل للقتل وبالتالي فهو حرابة ولايمكن أن يبرر على الإطلاق حتى بقيم الجاهلية الأولى فالمستهدفون ليسوا ممن يعلن القتلة أنهم يستهدفونهم في غالب الأحوال فالمستهدف في العادة هم المسلمون الآمنون والسياحة والسواح غير المعادين كالأسبان
وليس دفاعا عن النفس لأن الجماعات التي تقوم بمثل هذه العمليات أو التي تنسب إليها لا تقاتل من يقاتلها وإنما تقتل من لا يقاتلها في الغالب
ولأنه يستهدف أمن الأمة الإسلامية(الأمن بمعناه الشامل الاقتصادي والاجتماعي والنفسي) فإن النتيجة المترتبة على مثل هذه الأفعال في الغالب هي تشكيل مزيد من الضغط على الحكومات العربية والإسلامية للاستجابة للمطالب المعادية وتمزيق الوحدة الوطنية والإخلال بأمن المواطن وحرمان الدولة المستهدفة من عوامل الاستقرار والنمو الاقتصادي بحرمانها من عائدات قطاع السياحة وتوجيه الميزانية في اتجاه الإنفاق على الأمن عوضا ً عن استثمار ما هو متاح من أموال المساعدات والقروض في قطاعات خدمية وتنموية ولذلك فنحن نعتقد أن من يفعلها سواءً التي في مأرب أو حضرموت أو الرياض وقبل ذلك في المغرب ومصر و اندنوسيا وباكستان وفي غيرها من المراكز أو المدن الآهلة بالسكان الآمنين بصرف النظر عن دينهم ومذهبهم لا يمكن أن يكون مسلماً سوياً كما أنه ليس مواطناً صالحاً لأن هذه الأعمال بالإضافة إلى عدم شرعيتها الدينية إسلاميا ً تمثل عدوانا ً على أمن الأمة ومصالحها واقتصادها ووحدتها ويضعف موقف الحكومات العربية أمام الضغوط ويشوه صورة الإسلام والمسلمين ويسبب للمسلمين في العالم (حرجا ً كبيراً لأن قتل المدنيين في المدن الآمنة المسالمة باسم الإسلام ومن قبل إسلاميين يخيف كل عاقل من كل إسلامي ملتزم، وهذا ما هو حادث اليوم ليس في بلدان غير إسلامية بل وفي البلدان الإسلامية نفسها )


*****
لقد كان الإسلام ينتشر في أمريكا وأوربا انتشار الرياح ويتمتع الإسلاميون بحرية ليس للدعوة فقط بل وامتلاك المواقع الاقتصادية بشكل متنامي، لقد كان هذا قبل أحداث 11سبتمبرعام 2001م ولكن تصاعد عمليات العنف والأرهاب أدت إلى التضييق على كل ما هو إسلامي ودمغ الإسلام بالإرهاب و تمكنت الصهيونية العالمية من إسكات كل صوت سوى صوت حربها على الإسلام و قادت العالم إلى إعلان الحرب المكشوفة على الاسلام بمبرر محاربة الإرهاب وشمل كلما هو إسلامي
وعانى الفلسطينيون كما لم يعانوا من قبل في ظل صمت دولي لانشغال العالم بمعركته مع الإرهاب الذي لم يبق له صديق وطال الكل حتى وصل إلى كل مكان
ومن اللافت أن العمليات تستهدف رعاياء الدول التي تبدي ممانعة من السير الكامل في الركب الصهيوني في حربها مع الإرهاب وكأن هؤلآء القتلة حريصون على أن يدفعوا كل متردد في إعلان الحرب على الإسلام جهاراً إلى فعل ذلك لأن المتردد أول من يستهدف.
الكثير من العلامات تشير إلى وجود علاقة من نوع ما بين ما يحدث من قتل باسم الإسلام والحرب المعلنة على الأمة
لو أن اليمن ضيقت على الإسلاميين وغيرت مواقفها الداعمة للحق الفلسطيني هل كانت ستتعرض لما تعرضت له من عمليات قتل السواح وغيرها من الأعمال التي أضرت باليمن (بشعبه قبل حكومته) وأضرت بالإسلاميين قبل غيرهم ؟ الإجابة هي النفي بالتأكيدإن صمت من ينسب إليهم الفعل في العادة وعدم برآءة كل من يدعون إلى الجهاد من هكذا افعال يعد إسهاماً منهم في الفعل ويجعلهم مشاركين في تحمل وزر الآثام التي تترتب على هذه الجرائم ونخشى أن يكون صمت العلماء عن بيان حكم الشرع مشاركة منهم في تحمل المسؤلية
إن ما ينسب إلي الجهاد ليس منه في شيء بل إنه حرابة وفساد في الأرض لم تعرفه الانسانية من قبل، لأنه مجرد قتل عبثي يفتقر لأي شرط من شروط الفعل الإنساني حتى في صورته العدائية البشعة وأبشع ما فيه أنه يشوه ملامح الرسالة الإسلامية ويحول بين الناس وبين معرفة الإسلام (الرحمة)
لقد كان بالإمكان معرفة دوافع وأهداف ‏ومقاصد وغايات قطاع الطرق وحدود عنفهم ويمكن التنبؤ بسلوكهم لأن قاطع الطَّريق (المحارب أو الباغي أو ‏الخارجي) محكوم بالعرف العام الذي وضع حدوداً لأي عنف وحدد قيماً أخلاقية يجب احترامها وقد عبر عن ذلك الإمام علي عليه السلام بالقول(لقد كنا في الجاهلية نتحاشى قتل النساء حتى إن قاتلننا ‏فكيف نفعل ذلك ونحن مسلمون !!!‏وهذا ما فقد في سلوك (هؤلاء!!! ) الذين أظهروا أن فهمهم للجهاد لا يعدوا أن يكون فعلاً للقتل قتل ‏أكبر عدد ممكن من النَّاس الأبرياء المسالمين قبل المحاربين، الأصدقاء قبل الأعداء،القتل ‏للقتل، القتل من أجل مزيد من القتل لقد طال القتل زهَّاداً في المساجد وهم في التسعينيات من أعمارهم وأطفالاً رضعاً ونساءً حوامل ‏‏......الخ من المسلمين قبل غيرهم لأنَّ ساحات القتل هي البلدان والمجتمعات الإسلامية قبل غيرها
وأوضح من ذلك استهداف المدنيين العزَّل بوضع المتفجرات على الطرقات العامة وفي المساجد ومحلات العبادة وفي الطَّائرات المدنية التي استخدمت كصواريخ تقتل من فيها ومن ‏تصدم به من الأبرياء الآمنين حتى بات المدني في أيِّ مكان هدف للقتل أو أداة له دون أن يدري ما سبَّب ‏حالة من الإرهاب والرُّعب يعاني منها كلُّ مدني وهذا زرع للخوف بدون أي معنى سوى الرَّغبة في زرع ‏الرُّعب.‏
و مع أنَّ الإجماع منعقد على عدم قتل الأطفال والنِّساء والعبيد و(العسيف) أي أجراء الأرض حتى لو كانوا ‏كفَّاراً ويعيشون ويعملون لخدمة المحاربين وكذلك عدم جواز قتل كبار السن والرهبان لأنه لا يجوز قتل إلا من ‏يقاتل ولذلك لا يجوز استخدام أداة تقتل أكثر من واحد (كالمنجنيق) إلا أن هؤلاء القتلة لا يستهدفون بالقتل في الغالب إلا من عصم الله دمائهم وكأنهم يستهدفون صرف الناس عن الإسلام وإعلان الحرب عليه
حتى لو استخدم العدو المحارب أطفاله أو نساءه أو عجزته أو ضعفاءه ممن لا يحاربون أو ممَّن ينكرون الحرب ‏فلا يجوز قتلهم إلا عند الضَّرورة التي عرفها الفقهاء بأنَّها خشية الاستئصال وعندما يكون العدو في حالة ‏هجوم يخشى منعه إبادة المسلمين ويؤكد الغزالي على عدم كفاية ظنّ ذلك بل لابد من العلم ومع ذلك ‏فيجب دفع الدِّية وصيام شهرين عن كلِّ قتيل لا يجوز قتله .‏
ولا يجوز قتل من أمَّنه أحد من المسلمين (يجير عليهم أدناهم أو يقوم بذمَّتهم أدناهم حتى لو كان المُجار ‏حربياً مقاتلاً .‏
ولو أعتقد (الحربي ) مجرد اعتقاد أثناء المعركة أنه قد أمن بالإشارة التي تدلُّ على السَّلام أو يفهم منها ‏ذلك فيجب تأمينه ‏
ولا يجوز القتال إلا بأذن المتولي الشَّرعي وهو هنا في اليمن رئيس الجمهورية ومجلس الدفاع الأعلى لأنَّ الجهاد ليس فعلاً فردياً بل عمل جماعي كصلاة الجمعة لا بد فيه من إمام ‏وجماعة لها مرجعية ملزمة لأفراد الجماعة ليستقيم القول (يجير عليهم أدناهم أو يسعى بذمَّتهم أدناهم فبدون ‏أذن الرئيس سيكون حال المجاهدين كحال من عاب الله عليهم الغدر بقوله (كلَّما عاهدوا عهدا نبذهم فريق ‏منهم) وبالتَّالي لا عهد لهم و لا ذمَّة .
والأصل إن القتال مكروه لا يجب تمنيه وفي هذا ‏ أخرج ‏البخاري في صحيحه [كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخَّر القتال حتى تزول ‏الشمس وقد قام في الناس خطيباً فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أيها الناس لا تتمنوا لقاء عدوكم وسلوا الله ‏العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا الحديث] ونصُّ النبي صلى الله عليه وآله بالنهي ‏عن تمني لقاء العدو يدلُّ على ما ذهبنا إليه.
وللقتال شروط كي يكون جهاداً
أولهاً:إذن المتولٍي الشرعي.‏
لا يجوز الجهاد على الأفراد في عدم وجود جماعة أو أمَّة منظَّمة لأعمالهم الجهادية ولا يجوز أن ‏يتصدى آحاد المسلمين للقيام بواجب القتال ضدَّ العدو
وأفعال القتال التي يقوم بها آحاد المسلمين لا ‏تسمى جهاداً
لأنَّ الجهاد فعل جماعي كصلاة الجمعة يجب أن تكون من جماعة في يوم ‏محدَّد لها أركان وشروط
منها أن يكون من جماعة لها إمام يؤمُّها ومكان خاص بها يبعد مسافة معينة ‏وكذلك الجهاد يجب أن يكون من أمَّة لها إمام أو قائد معروف ومعلن عنه وأن تكون هذه الجماعة مميَّزة ‏عن غيرها ، ولها أرض ونظام يحكم علاقتها ببعض على أن يكون المتولي شرعيّ معلن عنه معروف للجماعة ‏نفسها وللجماعات الأخرى حيث يمكن الاتصال به والاتفاق معه على الهدنة أو المعاهدة وهو بهذا يتميز عن الحرابة لله وللرَّسول كما ذكر الفقهاء ولكي يكون المتولي ‏شرعياً يجب أن يكون معلناً عنه ويمارس إمرته في الظاهر ومعترفاً بسلطته وله سلطة على مجموعة من ‏المسلمين لهم أرض محددة تتميَّز عن غيرها يطلق عليها دار السِّلم أو دار الإسلام أو هي كذلك بالنسبة لمن ‏يعيش فيها في مقابل دار العهد ودار الحرب أو دار البغي.‏
أي يجب أن يكون للأمَّة :‏
‏[ 1:- أرض خاصة بها.‏
‏2:-أن تكون الجماعة متماسكة ومتميِّزة وبحسب تعبير وثيقة المدينة (أمَّة واحدة من دون الناس)‏
‏3:-أن يكون لهم نظام اجتماعي وسياسي يضبط علاقتهم الدَّاخلية ويحدِّد واجباتهم والحقوق التي لهم ‏وعليهم ،وعلاقاتهم مع الجماعات المغايرة، ويرشد هذا النِّظام ويديره الإمام أو من يقوم مقامه]
باختصار ‏لابد أن يكون لهم دولة ونظام وأرض محددة لهم عليها السِّيادة تسمى دار السِّلم وغيرها إمَّا دار عهد أو ‏حرب.
وقد استُدِل على لزوم وجود المتولي الشَّرعي بأنَّ الجهاد لم يؤذن به للمسلمين إلا في السَّنة الثَّانية للهجرة بعد ‏وجود الدَّولة الإسلامية، ولم يبح القتال إلا بإذن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو بأمره صلى الله عليه ‏وآله وسلم حتى لو كان دفاعاً عن النَّفس وأوَّل آية نزلت على الأشهر {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ.....} [الحج 38-39]‏فالأصل هو عدم جواز القتال وليس العكس
وشرط وجود إمام أو أمير أو متولٍ ، شرط مجمع عليه واستدل عليه بالكثير ‏من النصوص
حدثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن أبي هريرة قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "الجهاد واجبٌ عليكم مع كل أميرٍ، براً كان أو فاجراً؛ والصلاة واجبةٌ عليكم خلف كلِّ مسلمٍ، براً كان أو فاجراً والصلاة واجبةٌ على كل مسلمٍ، براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر [والصيام واجب على كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر]".[ ]
وهو ضعيف السَّند وله شواهد [الجهاد ماض مع كلَّ برٍّ وفاجر]( ) رواية مكحول عن أبي هريرة ولم يسمع ‏منه .‏
وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال[إنَّما الإمام جُنَة يُقَاتَل من ورائه ‏ويُتَّقى به، فإن أمر بتقوى الله عز وجل وعدل .....كان له بذلك أجر ، وإن يأمر بغيره كان عليه منه ] ‏الحديث [1841]‏
و قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم [أربع إلى الولاة الجهاد والحدود والجمع وحمل النَّاس على أداء ‏الواجب]
وفي مذهب الإمام الشافعي إنما وجب نصب إمام لتجهيز الجيوش في جهاد الكفار ،وينصّ الإمام ‏الشافعي على أن المميِّز للباغي عن قاطع الطريق والمحارب هو وجود إمام، أي (من شروط البغاة ليعاملوا ‏كبغاة (أن ينصِّبوا إماماً) وإذا لم ينصِّبوا إماماً كانوا لصوصاً وقُطاعاً للطَّريق ) . ( )
والشَّاهد هنا أنَّه اعتبر الإمام ضرورة لأنَّ الجهاد لا يمكن أن يكون بدونه جهاداً واعتُبِر وجود إمام هو المميِّز ‏بين البغاة وقطاع الطرق .‏
والإمام المقصود به رمز الدَّولة أو الجماعة المتميِّزة بأرضٍ خاصةٍ بها لها حدود معلومة وأن يكون معروفاً ‏مكانُ إقامته ليمكن الوصول إليه والحوار معه للاتفاق أو الاختلاف ينشيء الاتفاقات ويقرُّ المواثيق والعهود ‏ويوقعها ....الخ أي يمثل الشَّعب أو الأمة أو الدَّولة أمام الآخرين ويلتزم عنهم ...الخ وفي هذا السياق ‏يجزم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه (الجهاد في الإسلام) بقوله: ‏‏(لا أعلم أيَّ خلاف في أنَّ سياسة الجهاد ،إعلاناً،وتيسيراً،وإنهاءً،داخل في أحكام ‏الإمامة وأنَّه لا يجوز لأي من أفراد المسلمين أن يستقل دون إذن الإمام ومشورته ، ‏في إبرام شيءٍ من هذه الأمور) وينقل عن ابن قدامة في المغني قوله : (وأمر الجهاد ‏موكول إلى الإمام واجتهاده ،ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك).‏
وينقل عن كشف القناع للتَّهانوي قوله :{وأمر الجهاد موكول إلى الإمام ‏واجتهاده .لأنَّه أعرف بحال الناس وبحال العدو ونكايتهم وقربهم وبعدهم } وعن ‏القرافي قوله: (إنَّ الإمام هو الذي فُوِّضت إليه السِّياسة العامة في الخلائق وضبط ‏معاقد المصالح ودرء المفاسد وقمع الجناة وقتل الطُّغاة وتوطين العباد في البلاد إلى ‏غير ذلك مما هو من هذا الجنس ). ( )‏
‏ ويستفاد من مجموع الأحاديث أنَّ الجهاد لا يكون إلا من جماعة لها قيادة تنظم أمورها وتتحدث باسمها ‏تصالح من دعت الضَّرورة والمصلحة مصالحته وتقاتل من فرض عليها مقاتلته وتعاهد من عاهدها وتسالم من ‏سالمها وتؤمِّن من طلب الأمان أو من عقد له أحد المسلمين الأمان وتمنع الأمان عمَّن ترى عدم وجود ‏مصلحة أو وجدت ضرورة لعدم منحه الأمان ، ‏
وما لم تكن هنالك قيادة معلنة تتمتع بشرعية معترف بها على رقعة جغرافية محدَّدة لها السِّيادة عليها وتنفذ ‏أحكامها بها فإنَّ القتال لا يمكن أن يكون جهاداً حتى لو كان المقاتلون عُبَّاداً زُهَّاداً أتقياء لأنَّهم لن يكون ‏لهم أمان ولا يمكن أن يفوا بعهد عاهده فريق منهم ويستحيل الوصول معهم إلى صلح أو سلم ، بل سيكونون ‏كمن قال الله عنهم في مقام الذَّم: {كلما عاهدوا عهداً نقضه فريق منهم } .‏
زد على ذلك أنَّ النُّصوص المتعلقة بالحثِّ على الجهاد موجهة إلى الجماعة (الطَّائفة) وبضمير الجمع باستثناء ‏الآية {لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}[ النِّساء/84] وهذه خاصة بالرَّسول صلى الله ‏عليه وعلى آله وسلم كوليِّ أمر وفي مقام التَّرويح عنه لتقاعس بعض المسلمين الذين أطلق المولى عليهم اسم ‏النِّفاق .‏
و (لا يجوز الفعل إلا بإذن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم و الإمام قائم مقامه)( ) والرَّئيس أو الملك أو ‏من يقوم مقامهما في هذا المقام فيما يتعلق بالجهاد وكذلك ما يُنصُّ عليه في القوانين المنظمة لعلاقات أفراد ‏المجتمع ببعضهم وبالسُّلطة وبالآخرين .‏
بدليل قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} .‏
ويستدل على وجوب أذن المتولي الشرعي من النصوص التي أمرت بطاعة الأمير ومنها الأحاديث الآتية :-‏
‏1:- [عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:- الغزو غزوان فأمَّا من ابتغى وجه ‏الله وأطاع الأمام وأنفق الكريمة وياسر الشَّريك واجتنب الفساد فإنَّ نومه ونبهه أجر كلّه وأما من غزا فخراً ‏ورياءً وسمعة وعصى الأمام وأفسد في الأرض فإنَّه لن يرجع بالكفاف. ] ( )
‏2:-وعن أبي هريرة أنَّ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:- [من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد ‏عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني .]( ) ‏
‏3:- وعن ابن عباس في قوله تعالى[ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ]قال: نزلت في عبد الله ‏بن حُذافة بن قيس بن عدي بعثه رسول الله في سرية ). ( )
3-(كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوصي عساكره ويقول كثيراً من هذا الكلام: ((بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله لا تقاتلوا القوم حتى تحتجوا عليهم، فإن أجابوكم إلى الدخول في الحق والخروج من الباطل والفسق، ودخلوا في أمركم فهم إخوانكم لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، وإن هم أبوا ذلك فقاتلوهم واستعينوا بالله عليهم، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأةً ولا شيخاً كبيراً ولا يطيق قتالكم، ولا تعوروا عيناً، ولا تعقروا شجراً إلا شجراً يضر بكم، ولا تمثلوا بآدمي ولا بهيمةٍ، ولا تغلوا ولا تعتدوا، وأيما رجلٍ من أقصاكم أو أدناكم أشار إلى رجلٍ بيده فأقبل إليه بإشارته فله الأمان حتى يسمع كلام الله، وهو كتابه وحجته، فإن قبل فأخوكم في الدين، وإن أبى فردوه إلى مأمنه واستعينوا بالله، ولا تعطوا القوم ذمة الله ولا ذمة رسوله ولا ذمتي أعطوا القوم ذمتكم وفوا بها.)[ ]
‏ثانياً يجب الإنذار قبل القتال ويستدل على ذلك بالنصوص التالية:- 1-عن ابن عباس قال ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوماً قط إلا دعاهم) رواه أحمد. ‏
‏2:-وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمر أميراً على ‏جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال اغزوا بسم الله في سبيل الله ‏قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تُمثلوا ولا تقتلوا وليدة وإذا لقيت عدوك من المشركين ‏فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهنَّ أجابوك فاقبل منهم وكفَّ عنهم ، ادعهم إلى الإسلام فإن ‏أجابوك فاقبل منهم وكفَّ عنهم ، ثم ادعهم إلى التَّحول من دارهم إلى دار المهاجرين واخبرهم أنَّهم إن ‏فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا منها فاخبرهم أنَّهم يكونون ‏كأعراب المسلمين يجري عليهم الذي يجري على المسلمين ، ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة شيء إلا أن ‏يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أوبوا فسلهم الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكفَّ عنهم، وإن أبوا فاستعن بالله ‏عليهم وقاتلهم ،وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمَّة الله وذمَّة نبيه ،فلا تجعل لهم ذمة الله ‏وذمة نبيه ،ولكن اجعل لهم ذمَّتك وذمَّة أصحابك ،فإنكم إن تخفروا ذمَّتكم وذمَّة أصحابكم أهون من أن ‏تخفروا ذمَّة الله وذمَّة رسوله ،وإذا حاصرت أهل حصن وأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على ‏حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا) ( )
‏3:-وعن سهل بن سعد أنه سمع النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر ، فقال أين علي؟فقيل إنه يشتكي ‏عينيه فأمر فدعيَ له فبصق في عينيه فبرأَ مكانه حتى كأن لم يكن به شيء فقال (أي علي) نقاتلهم حتى ‏يكونوا مثلنا فقال (أي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ) على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى ‏الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فو الله لأن يهتدي بك رجل واحد خير لك من حُمر النِعم.) متفق عليه .‏
‏4:-وعن فروة بن مسيك قال:- (قلت يا رسول الله أقاتل بمقبل قومي ومدبرهم قال نعم ، فلما وليت دعاني ‏فقال لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام) رواه أحمد.‏

ثالثاً-حرمة قتل المُؤمَن حتى ولو كان حربياً مقاتلاً‏ وأدلة ذلك كثيرة منها

قال تعالى(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ...)(1)من سورة المائدة
وقال تعالى(...............وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا(34) من سورة الأسرى وقال تعالى(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ(58)الأنفال وقال تعالى( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ(25)سورة الرعد
و‏(الأمان لغة من الأمن والأمن ضدّ الخوف ولهذا فإن منح الأمان لأحدٍ من الناس ‏هو بمثابة رفع لخوفه من كلِّ ما من شأنه أن يخاف عليه،من نفس أو عرض أو ‏مال ..الخ وما ذلك إلا لأنَّ المُؤمَّن يدخل في أمن المُؤمِّن،ويصبح بالتالي جزءاً من ‏أمنه الخاص،وكأنهما فرد واحد.‏
وبهذا المعنى فإنَّ الأمان يستلزم توقيفاً للخصومة والعداوة،مادام المؤمَّن في أمان ‏المؤمِّن.‏
كما أنَّ من لوازمه أيضاً عدم الخيانة والغدر، لأنَّ مع توقع أحدهما أو كليهما ‏فإن معنى الأمان ينفرط. ولذا وجب أن يكون الأمان نوعاً من أنواع العقود أو ‏العهود الملزمة،و إلا مع تصور عدم الإلزام،فإن إمكان الغدر أو الخيانة يبقى قائماً ‏وبالتَّالي يصبح معنى الأمان ناقصاً ولا يتحقق المراد منه في الواقع.‏
وكونه عقداً،أي أمراً معقوداً بين طرفين المؤمَّن والمؤمِّن،فهو يعقد أو يربط أو ‏يوثق أمن كلٍّ منهما مع الآخر،ولذا قلنا،إن المؤمَّن يصبح أمنه جزءاً من أمن ‏المؤمِّن.)‏
وينعقد الأمان (بإشارة أشار بها المسلم للكافر [الحربي أمّا غير الحربي من معاهد أو ذمي فهو آمن بالعهد ‏والذمة ] ولو قال له تعال إلينا فإن ذلك يكون أماناً للمدعو وولده الصغير ،كما لو قال أمَّنتك أو أنت آمن ‏أو مؤمن أو في أماني أو أنت جاري أو رفيقي أو لا خوف عليك أو قف أو يعطيه خاتمه أو سبحته أو وقع ‏الأمان من غير أهله ثم أجازه وكذا السَّلام عليك ...الخ ما يفهم منه عدم نيَّة القتل أو كلّ ما أفاد التَّأمين ‏من الأقوال والأفعال (وإذا عقد الأمان لمشرك ..حُقِنَ بذلك دمه وماله ،كما يُحقَنُ ذلك بالإسلام )‏( ) ‏ ‏
‏(روي أن الهرمزان لما حمله أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : تكلم ، فقال ‏الهرمزان : كلام حيٍ أو ميت؟ فقال له عمر لا تفزع ، لا بأس عليك ، مترسٌ فتكلم به الهرمزان ، ثم أراد ‏عمر رضي الله عنه قتله،فقال له أنس بن مالك : ليس لك قتله فقال : كيف أتركه وقد قتلَ البراء بن مالك ‏؟ فقال :قد أمنته،فتركه )‏( )
‏ ويصحُّ الأمان بالإشارة التي يفهم منها الأمان ، لما روي : ( أن عمر رضي الله عنه قال: والذي نفس عمر ‏بيده: لو أنَّ أحدكم أشار بإصبعه إلى مشرك ، ثم نزل إليه على ذلك ثم قتله لقتلته)( )‏
بل إنه إذا أشار المسلم إلى المشرك (المحارب أثناء المعركة) بشيءٍ ، فنزل المشرك إليه ظناً منه أنَّه أشار إليه بالأمان ، فإن اعترف ‏المسلم أنه أراد بالإشارة الأمان له ..كان آ مناً وإن قال : لم أرد الأمان .. قبل قوله، لأنه أعلم بما أراد ‏ويعرف المشرك أنَّه لا أمان له، فلا يحلُّ قتله حتى يرجع إلى مأمنه ، لأنه دخل على شبهة أمان )‏( )
حتى إن اختل قيد من قيود الأمان كأن يكون المؤُمَّن منهي عن تأمينه من ولي الأمر مع علم المؤمِّن أو المؤمَّن ‏فلا يقتل بل يردُّ إلى مأمنه .‏
والأحاديث النبوية المتعلقة بهذا الباب كثيرة جداً ننقل منها [يجير على المسلمين بعضهم ] ‏
و عن عائشة رضي الله عنها (أنَّ أبا العاص لما وقع في الأسر..قالت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه ‏وآله وسلم: قد أجرته فخُلِيَ لها)‏ ( )
وفي رواية زيادة على ذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (ذمَّة المسلمين واحدة فإذا أجارت جارية ‏‏..فلا تخفروها ، فإن لكلِّ غادرٍ لواء ً من نار يوم القيامة) ( )
‏(وبهذا المعنى حديث الإمام علي عند أحمد وأبي داود والنسائي والحاكم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ‏قال:‏‎) ‎‏ ذمَّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم)ولفظه عند أبي داود (المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على ‏من سواهم ويسعى بذمَّتهم أدناهم)ومن ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث عمرو بن ‏شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً بلفظ : (يد المسلمين على من عداهم تتكافأ دماؤهم ويجير عليهم أدناهم ‏،ويردُّ عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم) وعن أبي هريرة بلفظ: (ذمَّة المسلمين واحدة يسعى بها ‏أدناهم ..فمن أخفرها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ..ولا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ‏ولا صرفاً) ( )


حرمة نقض الأمان أو العهد
وإذا انعقد الأمان (فلا يجوز لأحد من المسلمين خرمه لأن الوفاء بالذِّمَّة واجب إجماعاً فمن استحل نقضها ‏كفر ومن خرمها غير مستحل فسق وتحريم نقضها عدَّه البعض أشهر وأظهر من تحريم الزِّنا ونحوه)( ) ‏
ويصرِّح الشَّوكاني على(عدم وجود خلاف بين أهل الإسلام على عدم جواز خرم الأمان بل هو من ‏ضروريات الدِّين ويؤكد هذا مارواه ابن الأمير نقلاً عن صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي ‏الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:- [ من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد ‏من مسيرة أربعين عاماً ] وفي لفظ البخاري [من قتل نفساً معاهداً له ذمَّة الله وذمَّة رسوله ].( )
‏ وهو عند أبي داود والنِّسائي بغير حلها وعند التِّرمذي من حديث أبي هريرة وعند البيهقي من رواية صفوان ‏بن سليم عن ثلاثين من أبناء الصحابة بلفظ (سبعين خريفاً) وعند الطَّبراني من حديث أبي مسيرة مائة عام ‏،وفيه من حديث أبي بكرة خمسمائة عام وهو في الموطأ من حديث آخر وفي مسند الفردوس عن جابر [إنَّ ‏ريح الجنة ليدرك من مسيرة ألف عام ..] كلُّ ذلك للدِّلالة على الخطر العظيم الذي تمثله جريمة خرم الذمَّة ‏وقد جاء في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:[ سمعت النبَّي صلى الله عليه وآله وسلم ‏يقول :لكلِّ غادر لواءٌ يوم القيامة] قاله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة ( ).‏
وجاء في حديث نسبه الفقيه يوسف إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله [الأيمان قيد الفتك] وفُسِّر ‏بأنَّه القتل غيلة حتى قيل أنَّ المسلم بعد هذا كان إذا وجد الكافر نائماً أيقظه ليقتله). ( )
‏(ويحرم عقد الأمان للغدر بالمستأمن بالإجماع) ( )‏
كما أنَّ (أمان الحربيين لمسلم أمان لهم منه فإذا أمَّن الكفار (المحاربون) مسلماً كانوا آمنين من جهته فلا يجوز ‏له أخذ شيء عليهم ولا أن يغنم من أموالهم ولا أنفسهم فلو أخذ عليهم شيئاً وجب ردُّه وإن تلف ضمنه ‏‏)( )
وهذا يعني أنَّ من يعيش في بلد غير بلده الواجب عليه أن لا يهدِّد أمنهم لأنَّ ‏تأمينهم له يلزمه معاملتهم بالمثل ويحرم عليه الغدر بهم حتى لو كان المسلمون ‏يعيشون حرباً معهم .‏
‏(ويستحب منه لهم الوفاء بالمال حتى ولو كان لحرب المسلمين ).( )[/
COLOR]تأمين الرُّسل
‏ ويؤكد الشَّوكاني على أنَّ (تأمين الرُّسل ثابت في الشَّريعة الإسلامية ثبوتاً معلوماً فقد كان صلى الله عليه ‏وآله وسلم يصل إليه الرُّسل من الكفار فلا يتعرض لهم أحد من أصحابه وكان ذلك طريقة مستمرة وسنة ‏ظاهره .وهكذا كان الأمر عند غير أهل الإسلام من ملوك الكفر .فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ‏يراسلهم من غير تقدم أمان منهم لرسله فلا يتعرض لهم معترض ‏
والحاصل أنَّه لو قال قائل إن تأمين الرُّسل قد اتفقت عليه الشَّرائع لم يكن بعيداً وقد كان أيضاً معلوماً عند ‏المشركين أهل الجاهلية عبدة الأوثان ،ولهذا أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: [لولا أنَّ الرسل لا تقتل ‏لضربت أعناقهما ] .( ) ‏
ومثل هذا ما ثبت في حديث آخر أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لرسوليْ مسيلمة [ لو كنت قاتلاً رسولاً ‏لقتلتكما ].( )‏
وكلُّ من دخل البلد بصورة مشروعة أو دخل بغير قصد القتال حتى لو كان من ‏بلد تعيش حالة حرب مع البلد التي دخل إليها فهو مشمول بعقد الأمان لأن مجرد ‏قول مواطن له السَّلام عليك عقد أمان له حتى يرد مأمنه أما السُّفراء وأعضاء ‏البعثات والوفود فإنهم كالرُّسل بل هم رسل،وفي قصة مجيء أبي سفيان إلى المدينة ‏المنورة بعد نقض قريش لصلح الحديبية دليل على عدم جواز المساس بمن دخل ‏البلد وهو غير قاصد القتال لأن أبا سفيان كان رأس المحاربين لله وللرَّسول آنذاك ‏ورغم أنه بحث عمَّن يجيره ولم ينجح في مسعاه كما تقول الرِّويات إلا أنَّه لم ‏يمس. ‏
ويضع أحد العلماء المجددين سؤالاً مباشراً حول مشروعية العنف ضد ‏الأجانب في بلاد المسلمين،ويجيب عليه بالقول: (المراد بالأجانب هنا هم ‏الأشخاص، والسِّفارات،والهيئات الأخرى،والشَّركات التِّجارية وغيرها ‏الموجودون في البلاد الإسلامية بإجازات دخول وإقامة وعمل من قبل حكومات ‏البلاد الإسلامية.ولا تضر إقامتهم وعملهم بالمسلمين،ولا توجد حالة حرب فعلية ‏بين المسلمين وبينهم.‏
إن هؤلاء الأجانب(كفَّار) بالمصطلح الشَّرعي ، وقد دخلوا إلى البلاد الإسلامية ‏بمقتضى إجازات دخول وإقامة وعمل من قبل السُّلطات التي تمثل البلاد الإسلامية ‏ذات العلاقة.‏
وبهذا الاعتبار ينطبق عليهم ما ذكره الفقهاء جميعاً، وأجمعت عليه المذاهب ‏الإسلامية من كونهم أهل عهد، وأهل الأمان،وأهل الذِّمَّة وهم ليسوا – بهذا ‏الاعتبار- موضوعاً للجهاد قطعاً وهذا العنوان يوجب شرعاً حمايتهم وحفظ ‏أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ويعصمهم من كلِّ اعتداء عليهم وهذا واجب على ‏الدَّولة وعلى سائر المسلمين.‏
ولا شكَّ في أنَّ كلَّ ما دلَّ من الكتاب والسُّنة على وجوب حماية وحفظ من ‏دخل وأقام في بلاد المسلمين من الكفار الأجانب،يشمل الأجانب غير المسلمين ‏الموجودين الآن في البلاد الإسلامية بإجازة من حكومات هذه البلاد.‏
والقول ـ بأنَّ أنظمة البلاد الإسلامية الآن في البلاد لا ذمَّة لها،ولا يعتبر عهدها ‏وعقدها شرعاً في أمثال هذه الأمور بالنسبة إلى الأجانب غير المسلمين الذين لا ‏توجد حالة حرب فعلية بين المسلمين ـ قول مردود،فإن عدم شرعية هذه ‏الأنظمة من النَّاحية الفقهية لا ينفي (صلاحيتها)لإجازة دخول وإقامة وعمل هؤلاء ‏الأجانب ...........على أساس المعاملة بالمثل،هذا من جهة ومن جهة أخرى،فإن ‏الأشخاص الرَّسميين الذين أعطوا إجازات الدُّخول والعمل والإقامة مسلمون فلهم ‏ذمَّة محترمة عند الشَّارع تشملها الأدلة الدَّالة على أنَّ المسلمين (يسعى بذمَّتهم ‏أدناهم)
(وكون هؤلاء الأجانب ينتمون إلى حكومات تتبع سياسة مخالفة لمصالح المسلمين، ‏لا يجعلهم مسئولين عن سياسة حكوماتهم بنحو يبرِّر قتلهم أو جرحهم أو أسرهم ‏أو مصادرة أموالهم، وهم بالنِّسبة إلى حكومات بلادهم على قسمين‏ ‏:‏
أحدهما: الأشخاص والهيئات والشَّركات التِّجارية والصِّناعية الَّذين يحملون ‏جنسية البلد الأجنبي ،ولكن لا علاقة لهم بالنِّظام الحاكم وليسوا من أعضاء الهيئة ‏الحاكمة في ذلك البلد.‏
ثانيهما: الأشخاص والهيئات الذين هم جزء من الهيئة الحاكمة، من قبيل أعضاء ‏السِّفارات والبعثات العسكرية ،وما إلى ذلك.‏
فأمَّا من كان من الأجانب غير المسلمين من القسم الأول، فلا يجوز الاعتداء ‏عليهم بالقتل والجرح والأسر ومصادرة الأموال، بل يجب الوفاء لهم بالعهد ‏والأمان بحفظهم وحمايتهم، ولا وجه لتحميلهم وزر حكوماتهم.‏
وهؤلاء من أظهر مصاديق الاستثناء في الآية الكريمة(...إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ(4)( ) وأمَّا من كان منهم من القسم الثَّاني واقتضت مصلحة المسلمين ‏قطع العلاقة مع حكومتهم ومخاصمتها، فإنَّ غاية ما يقتضيه ذلك هو إخراجهم ‏من البلد المسلم بالطُّرق والأساليب المتعارف عليها في المجتمع الدولي، وفي المهل ‏المتعارفة حسب المعاهدات والمواثيق الدُّولية التي تنظم العلاقات بين الدُّول ، ‏والمسلمون في عصرنا ملزمون بمراعاتها من جهة التزامهم بالمواثيق المذكورة ‏وعلاقتهم بمنظَّمة الأمم المتحدة والمنظَّمات الدُّولية الأخرى.‏
ولا يوجد أيُّ مبرِّر شرعي لمعاملة هؤلاء الأجانب بالقتل والجرح والأسر والضَّرب، وإتلاف الأموال ومصادرتها، في حالة عدم ارتكابهم لجرائم تقتضي معاقبتهم ‏وفي هذه الحالة فإن مرجعهم هو القضاء لمحاكمتهم والحكم عليهم من دون فرق ‏بين أن تكون سياسة حكوماتهم ملائمة أو غير ملائمة لمصالح المسلمين.‏
ويؤيد ما ذكرنا بل يدلُّ عليه أنَّنا لم نجد السِّيرة النَّبوية أيَّة ممارسة للاغتيال السِّياسي والإرهاب السِّياسي مع ‏توفر الدَّواعي إلى ذلك وتوفر أسباب التَّمكن، منه والقدرة عليه، ومع طول ‏الزمان واختلاف الأحوال ولو كان هذا الأسلوب مشروعاً لمارسه النَّبي صلى الله ‏عليه وآله وسلم ولمارسه الخلفاء من بعده ، فعدم وقوعه دليل على ‏عدم مشروعيته.) ( )‏


رابعاً :- عدم جواز استهداف الأماكن التي لا تخلوا ممن لا جوز قتله‏ :-
إذا حدثت المعركة وبدأ القتال فإن له ضوابط ‏وحدود لأنَّه ليس حرباً مفتوحة يستهدف فيها بالقتل كل من يقع في دار العدو ‏أو دار الحرب بالتَّعبير الفقهي بل هو فعل هادف وهو في الأصل لمنع الحرابة
‏ المقطوع به أنَّ الإسلام قيَّد المسلمين وحرَّم عليهم استهداف الأماكن التي لا تخلوا ‏من وجود المدنيين (النِّساء والشُّيوخ والأطفال بل وكلُّ من لا يقاتل أو حتى من ‏يقاتل مكرهاً لأنَّ القتل لا يجوز إلا لمن يباشر القتال والقتل لا يجوز إلا لمن ‏يستحقه واستهداف الأماكن التي لا تخلوا ممن لا يجوز قتله إقدام على ما لا يؤمن ‏قبحه وهو قبيح .‏
والأدلة على ذلك كثيرة فمن الآيات القرآنية:‏
‏1- قوله تعالى:{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ }[البقرة -190]
‏2- قوله تعالى: {أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [التوبة -13]
‏3- قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة 8-9].‏
وقد رُوِيَتْ الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تصل حد التَّواتر المعنوي ‏ونُصَ فيها (النَّهي) صراحة عن قتل من لا يقاتل من الكفار كالأطفال والنساء ‏والرجل الكبير والمختلي للعبادة في صومعته كالرُّهبان والعبيد وأُجراء الأرض ‏‏(العسيف).‏
‏ 1- عن الإمام زيد بن عليّ عن أبيه عن جدِّه عن الإمام عليّ عليهم السَّلام ‏قال: (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- إذا بعث جيشاً من المسلمين ‏قال انطلقوا بسم الله وبالله ، وفي سبيل الله وعلى ملَّة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ‏وَآلَهُ وَسَلَّمَ- أنتم جند الله تقاتلون في سبيل الله ادعوا إلى شهادة أن لا إله إلا الله ‏، إلى أن يقول: فإن أظهركم الله عليهم فلا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا رجلاً كبيراً ‏لا يطيق قتالكم ، ولا تغوروا عيناً ، ولا تقطعوا شجراً إلا شجراً يضرُّكم ، ولا ‏تمثلوا بآدمي ولا بهيمة ولا تظلموا ، ولا تعتدوا ، وأيّما رجل من أقصاكم أو ‏أدناكم من أحراركم أو عبيدكم أعطى رجلاً منهم أماناً أو أشار بيده فأقبل إليه ‏بإشارته فله الأمان حتى يسمع كلام الله ، فإن قبله فأخوكم في الدين ، وإن لم ‏يقبل فردُّوه إلى مأمنه واستعينوا بالله تعالى عليه ...) الحديث.‏
‏2- في تيسير المطالب للسَّيد أبي طالب بسنده عن الإمام زيد بن علي على ‏نفس الحديث ولكن بدل : (ولا تظلموا ولا تعتدوا) ، (ولا تغلوا ولا ‏تغدروا) وقد أخرجه البيهقي عن الإمام زيد بن علي .‏
‏3- وروى عن الإمام الحسين بن علي عليهما السَّلام ، قال: ‏كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- يقول: [.... ولا تغلوا ، ولا تمثلوا ‏ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأة ولا تقطعوا شجرة ..] الحديث. وفي ‏رواية أخرى : ولا متبتلاً في شاهق .( )
‏ 4- وروى أبو داود .. من حديث أنس بن مالك : [أنَّ رسول الله -صَلَّى ‏اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- قال : انطلقوا باسم الله ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ‏صغيراً ولا امرأة ..] الحديث.‏
‏5- وأخرج البيهقي من طريق أنس بن مالك أنَّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ‏وَآلَهُ وَسَلَّمَ- قال: (انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملَّة رسول الله ولا تقتلوا شيخاً ‏فانياً ولا طفلاً.... ) الحديث.‏
‏6- وأخرج البيهقي عن أبي بكر الصِّديق رضي الله عنه في حديث ‏ طويل أنَّه ‏قال ليزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشَّام إنَّك ستجد أقواماً زعموا أنهم حبسوا ‏أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنَّهم حبسوا أنفسهم لَه ، وإنِّي موصيك بعشر ، لا ‏تقتلن امرأة ولا صبياً ولا كبيراً هرماً ولا تقطعن شجراً...) الخبر .‏
وعند أحمد بن حنبل والحاكم وابن حبان وأبي داود ‏والبيهقي والنِّسائي من حديث رباح بن الرَّبيع أنَّ النَّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ ‏وَسَلَّمَ- مرَّ بامرأة مقتولة فقال: (ما بال هذه تقتل ولا تقاتل)، ثم قال لرجل : ‏‏(انطلق إلى خالد وقل له إنَّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- يأمرك أن لا ‏تقتل ذرية ولا عسيفاً )، لأن القتل إنما كان لدفع الضرَّ وحيث لا ضرر لا يجوز ‏فعله ، وهو الوجه في عدم قتل الشَّيخ الكبير وقد أشار الحديث إلى أن العلَّة عدم ‏قدرته على القتل كالأعمى والمقعد).( )‏
(كاد الإجماع ينعقد ‏على عدم جواز قتل من لا يقاتل من الكفار حتى لو كان قادراً على القتال.. وقد ‏حكي عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قوله: اتَّقوا الله في الفلاحين ‏الذين لا يبغون لكم الحرب)
وقد عدَّ أهل السُّنة بحسب قول ابن الصلاح
(عدم جواز قتل من لا يقاتل من جزئيات الأصل العام؛ لأن ‏الأصل الأول هو عصمة الأحياء وإبقاء الكفار وتقريرهم لأن الله تعالى ما أراد ‏إفناء الخلق ولا خلقهم ليقتلوا ، وإنما أباح قتلهم لعارض ضرٍّ وجد منهم ، وليس ‏جزاء على كفرهم لأن دار الدنيا ليست دار جزاء بل الجزاء في الآخرة )
ولا يجوز استهداف المدنيين (الأطفال والنِّساء والشُّيوخ والرُّهبان وأجراء الأرض ) حتى لو كانوا حربيين أي ‏نساء الكفار المحاربين وشيوخهم وأطفالهم وعبيدهم وأجرائهم لعدم جواز استهداف قتل من لا يقاتل وهذا ‏مجمع عليه كما أنه لا يجوز تبييت العساكر التي فيها تجار المسلمين وأسرهم وضعفاؤهم لأنَّ الله بين العلَّة في كفِّ ‏المسلمين يوم الحديبية بقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تطئوهم فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[الفتح -24:25]
وأولئك الذين منع الله المسلمين من القتال خشية قتلهم قوم من المسلمين كانوا بمكة ‏عجزوا عن الهجرة ، فلو سلَّط الله المؤمنين على أهل مكة لقتلوا من بينهم من المسلمين لعدم العلم بهم ‏فيصيب المسلمين بذلك معرَّةٌ .‏
‏ مع أن كفَّار قريش كما جاء في الآية التَّالية { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}[الفتح-26]
إذا كان المؤمنون وعلى رأسهم الرسول منعوا من قتل قريش خشية أن يقتل من لا يعلمون إيمانه ممَّن يخفي إيمانه في مكة وعد هذا المنع لطفاً من الله ‏لرسوله و المؤمنين من الوقوع في المعرَّة برغم تعنُّت الكفَّار الذين كفروا وصدُّوا المسلمين عن المسجد الحرام ‏وقبل ذلك عذبوا و أخرجوا الرَّسول منها وأعلنوا الحرب عليه في كلِّ موطن مع كلِّ ذلك لطف الله بمنع ‏الحرب بإنزال سكينته على الرَّسول وعلى المؤمنين وإلزامهم كلمة التَّقوى إذا كان ذلك فإن المنع من قتل المسلم المسالم المعلوم كالسائق والحارس والجندي والمواطن في الطريق في بلد كمأرب أو غيرها من المدن والبلدات الإسلامية أكد وأوضح
إنَّ استهداف المدن الإسلامية أو الآمنة بالعبوات شديدة ‏الانفجار التي تقتل في العادة أكثر من شخص يتناقض مع التَّقوى التي أُلزم ‏المسلمون بها فليس من التَّقوى تعريض من لا يجوز قتله للقتل مهما كان المبرِّر لأن ‏الإقدام على ما لا يؤمن قبحه قبيح وقتل من لا يجوز قتله أطلق عليه عدوان والله لا ‏يحب المعتدين وتجاوز العدو بقتل من لا يقاتل من المسلمين لا يمنح المسلم المبرِّر ‏ليفعل مثله لأنَّ القاتل المجرم لا يمثل إلا نفسه.‏ ‏
‏ وكما هو ظاهر من نصِّ الآية (أُذن للذين يقاتلون) فالأصل كان المنع من القتال والإذن به معللاً بأنهم ‏يقاتلون ظلماً وأخرجوا من ديارهم وكما هو معلوم من الدِّين بالضَّرورة فإنَّ الأصل في الدِّماء والفروج ‏الحظر وليس الإباحة .‏
لأن القتال فيه إزهاق أرواح وهذا نقيض مقصد الشَّريعة حفظ الحياة، وحفظ الحياة المقصود به حفظ حياة ‏المؤمن والكافر الإنسان والحيوان إلا ما أبيح إزهاقه لعارض ضرٍّ صدر منه أو منفعة من إزهاقه كالأنعام ‏التي أبيحت بشرط المحافظة على النَّوع. ‏
قتل النَّفس الواحدة ‏بنصِّ القرآن كقتل النَّاس جميعا لأنَّنا جميعاً من نفس واحدة {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ ر َقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} .[النِّساء -92:94]


حكم التِّرس
قد يلجأ العدو إلى الاختلاط بالمدنيين في حالة هجومه على المسلمين ويستخدمهم كترس له يحتمي بهم، فالتِّرس هو استخدام المحاربين للأطفال والنساء وكبار السِّن درعاً بشرياً ليتحرَّج ‏المجاهدون من رمايتهم.‏
والتِّرس قد يكون باستخدام المقاتلين أطفالهم أو نساءهم أو عجزتهم دروعاً بشرية ‏حال الهجوم على المسلمين.‏
أو قد يكون المسلمون مهاجمين لمدينة يختلط فيها المحاربون بأطفالهم ونسائهم ‏‏....ممن لا يجوز قتلهم .‏
وقد يكون بالأسرى المسلمين أو الأطفال والنِّساء والعجزة من المسلمين كأن ‏يختلط الأعداء بالمدنيين المسلمين .‏
في الحالة الأولى حدَّد شرح الأزهار الحكم في صيغة واضحة قاطعة بقوله: (إذا ‏اتَّقى الكفَّار بصبيانهم أو نسائهم أو عبيدهم أو شيوخهم أو عميانهم أو مقعدهم ‏جاز قتل التِّرس للضَّرورة وهي إن لم يقتل التِّرس استولوا على من صالوا عليه). ( )
بمعنى أنه لا يجوز قتلهم إلا إذا خشينا الاستئصال بالمسلمين، سواء كان التِّرس ممن لا يقاتل من المحاربين ‏أو كان التِّرس من المسلمين وقد ذكر الإمام مالك أنَّه لا تحرق سفينة فيها كفَّار محاربون ومعهم أسير من ‏المسلمين . ‏
وإذا جاز قتل التِّرس للضَّرورة المتمثِّلة في خشية الاستئصال واشترط الغزالي أن تكون خشية الاستئصال ‏معلومة علماً ضرورياً بأن يقصدوا كلية و بأن يخُشى على الجملة لا على واحد ،وأن تكون قطعية بأن نعلم ‏نكايتهم لنا ولا يكفي الظن .‏
وإذا فعل ذلك في دار الحرب من غير ضرورة وجبت الدِّية والكفَّارة لعموم قوله ‏تعالى {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [ النساء :92]‏
أما لو تعمَّد قتل مؤمن في دار الحرب فقال الشَّافعي :يجب القود في العمد وأبو طالب أوجب الديَّة مع ‏الكفارة في العمد والخطأ وكذلك أبو حنيفة إلا أنَّه أسقطها في حال الدَّفع أي عندما يكون الكفَّار قاصدين ‏لا مقصودين، والملاحظ أن العمليات الانتحارية كعملية مأرب أستهدف فيها المسالمون
ولقد ثبت أنَّ الرَّسول صلى الله عليه وآله وسلم قال محذراً أمته [لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم ‏رقاب بعض] وقال أيضاً [إذا تقابل المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النَّار ] وعندما سئل صلى الله عليه ‏وآله ما بال المقتول أجاب لأنَّه أراد قتل صاحبه( )
وروي عنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم [ ما يزال المسلم ‏أو المرء في فسحة من دينه أو من أمره ما لم يسفك دماً حراماً ]
كما رويت عنه الكثير من الأحاديث والأقوال ‏التي تنصُّ بوضوح تام على أن أكبر الكبائر بعد الشِّرك بالله أو مع الشِّرك بالله أو المعبِّرة عن الشِّرك والكفر ‏بالله هي قتل النَّفس التي حرَّم الله ونصُّ الآية العظيمة {ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئاً } نصٌّ صريحٌ ‏على أنَّ قاتل النَّفس المعصومة لا يمكن أن يكون مؤمناً { ومن قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها}
‏( عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما )[أنَّ رسول الله صلى ‏الله عليه وآله وسلم قال: من حمل علينا السِّلاح فليس منا]( )
‏( عن سالم عن أبيه ،قال بعث النبيَ صلى الله عليه وآله ‏وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة ،فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا ‏أسلمنا ،فجعلوا يقولون صبئنا ،صبئنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر،ودفع إلى ‏كلِّ واحد منَّا أسيره وحتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كلُّ رجل منَّا أسيره، ‏فقلت والله لا أقتل أسيري ،ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتى قدمنا على ‏النَّبيَ ،صلى الله عليه وآله وسلم فذكرناه فرفع النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم يده ‏فقال: اللهم إنِّي أبرأُ إليك ممَّا صنع خالد ،مرتين) . ( ) (وعن ابن عباس : أنَّ النَّبيَ صلى الله عليه وآله وسلم قال:[أبغض النَّاس إلى الله ‏ثلاثة :ملحد في الحرم ،ومبتغ في الإسلام سُنة الجاهلية ،ومُطًلِبُ دمِ أمريء بغير ‏حق ليهريق دمه]. ( )
‏{وذُكر (أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال لمن قتل الرجلين من بني سليم [بئس ما صنعت] و وداهما صلى ‏الله عليه وقد جاء مثل هذا في إيجاب الدِّية أنَّ والد ‏حذيفة ابن اليمان قتله المسلمون يوم أحد ظنُّوه كافراً فأوجب النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم الدِّية.‏
وفي حديث المسلمين أنَّه وداهما ،وحديث خالد بن الوليد وفعله مع الذين اعتصموا بالسِّجود فقتلهم ‏وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يديهم و وداهم ،.‏
وقد شدَّد بعض الفقهاء .......فأوجب : القود كالشَّافعي إذا اعتقد القاتل أنَّ المقتول على صفة وانكشف ‏على غيرها كأن يظنّه كافراً وينكشف أنه مسلم أو يظنّه قاتل أبيه وانكشف أنَّه غير ..وعلَّل ذلك بأنَّ القتل ‏لا يستباح بالظَّن فكان متعدياً فيجب القود ).( )


خامساً-رضاء الأبوين ‏
لا يجوز لمن له أب أو أم أو هما معاً الجهاد بدون إذن الأبوين إلا للضَّرورة بشرط أن لا يتضرَّر الوالدان أو ‏أحدهما كأن يكون المنفق عليهما حتى لو كان الوالدين ذميين فيحرم خروجه للجهاد إجماعا ما لم يكونا ‏‏((حربيين)) لأنَّ النَّفقة ليست واجبة عليهما .
وقد استدل على ذلك بما روي عن رسول الله صلى الله عليه ‏وعلى آله و سلم (إن رجلا هاجر إلى النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم من اليمن، فقال صلى الله عليه وآله ‏وسلم: هل لك أحد في اليمن ؟ فقال :أبواي،. فقال(ص)أَذنا لك؟ فقال لا، فقال (أي الرسول صلى الله ‏عليه وآله )ارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد و إلاَ فبرهما))( )‏
عن عبد الله بن عمرو قال جاء رجل إلى النَّبي فاستأذنه في الجهاد فقال صلى الله عليه وآله وسلم أحيٌ ‏والداك ؟فقال نعم ، قال: ففيهما فجاهد رواه البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه))( )
وفي رواية أتى رجلٌ فقال يا رسول الله إنِّي جئت أريد الجهاد معك ولقد أتيت وأن والديَ يبكيان قال[ ‏صلى الله عليه واله وسلم] ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة) ( )‏
وعن معاوية بن جاهمة السلمي أنَّ جاهمة أتى النبيَ صلى الله عليه واله وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو ‏وجئتك أستشيرك فقال (أي النبي [ص])هل من أم ؟ قال نعم فقال ألزمها فإنَّ الجنة عند رجليها )) رواه ‏احمد والنسائي ،( )‏
ويؤكد الشَّوكاني على [أنَّ برَّ الوالدين قد يكون أفضل من الجهاد ..وفيه دليل على أنه يجب استئذان ‏الأبوين في الجهاد وبذلك قال الجمهور وجزموا بتحريم الجهاد إذا منع منه الأبوان أو أحدهما لأن برَّهما فرض ‏عين والجهاد فرض كفاية.]( )‏لأنَّ ترك الواجب أهون من فعل المحرَّم أو المحظور وعقوق الوالدين محرَّم والجهاد واجب على الكفاية في ‏الأصل ما لم يتعين الجهاد بأمر المتولي الشرعي وبشرط عدم تضرُّر الوالدين أو أحدهما.‏
سادساً-لا يجوز الجهاد لمن بذمته دين حال الأداء أو واجب متعين عليه لا يقوم به غيره.‏‏ وقد جاء في ذلك عن أبي قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قام فيهم خطيباً فذكر لهم أنَّ ‏الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال فقام رجل فقال يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله ‏تكفر عني خطاياي فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر ‏محتسب تكفر مقبل غير مدبر ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف قلت؟قال أرأيت إن قتلت ‏في سبيل الله تكفر عني خطاياي ، ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعم وأنت صابر محتسب ‏مقبل غير مدبر إلا الدَّين، فإن جبرائيل عليه السلام قال لي ذلك) ( )‏
وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يغفر الله للشَّهيد كلَّ ذنب إلا الدَّين فإن ‏جبريل عليه السَّلام قال لي ذلك.رواه أحمد ومسلم ) ( )‏
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القتل في سبيل الله يكفِّر كلَّ خطيئة فقال جبريل إلا ‏الدَّين فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا الدين .رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب ) ( )‏
‏ ويكره لمن في خروجه إضرار بأولاده ومن تجب عليه النفقة عليهم إلا للضَّرورة و إذا ضمن وجود من ‏يؤدي عنه واجبه المتعين عليه بالإنفاق أو قضاء الدَّين،
سابعاً-أن لا يكون ملتزماً بعهد أو أمان للمقاتلين من الكفار.‏لأنَّ الوفاء بالعهود من أوكد الواجبات و روي أنَّ حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه التزم لقريش في غزوة ‏بدر أن لا يقاتلهم مع النبي إن هم تركوه يذهب إليها وعندما أخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عقب ‏وصوله المدينة قبل معركة بدر أمره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالوفاء بما التزم به . لأنَّ ‏أمانهم له أمان لهم منه ولذلك لا يجوز له المشاركة في قتالهم ويحرم عليه (حتى شراء ما غنم منهم ) ويجب عليه ‏ردُّه بل وأكثر من ذلك عليه الوفاء بشرط تأمينهم له مثل إعانتهم بالمال للحرب على المسلمين و لا ‏يجوز له هو مشاركتهم قتال المسلمين وقد استدلَّ على هذا بأصل ونصٍّ أمَّا الأصل فهو واجب الوفاء ‏بالعهود وحرمة الغدر والخيانة والنُّصوص المؤكدة لهذا الأصل كثيرة وقاطعة. ‏
وقد جاء في صحيح البخاري (أنَّ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:الغادر يُرفع ‏له لواء يوم القيامة، يقال هذه غدرت فلان بن فلان.)[ ]

وتلخيصاً لما سبق نذكر بأنه يشترط في الجهاد:‏
أن يكون بإذن المتولي الشَّرعي أو بأمره والمتولي الشَّرعي اليوم هو رئيس الجمهورية في البلدان الرِّئاسية ‏ورئيس الوزراء في البلدان البرلمانية والملك في البلدان الملكية وهكذا أي ممثل السلطة المعترف بشرعيته دولياً ‏أو من يؤدي دوره وما لم يصدر إعلان به ممن له حق إعلان الحرب فهو حرابة إلا في حال الدفاع الشرعي عن النفس أو دفع المنكر عند من يقول به وفي حال ما يكون المنكر أشد وأكثر ضرراً وخطراً من القتل.‏
‏ وأن يسبق بإعلان حالة الحرب تعلن أهدافه والغاية منه . ‏
‏1-ويجب إذن الأبوين بل ويحرم إلا بإذنهما ‏إذا كان المنفق عليهما .
‏2:-ولا يجوز للمدين بدين حال الأداء إلا بإذن الدائن .‏
‏3:-ويجب إعلان الحرب و الدَّعوة إلى السَّلام قبل القتال . ‏
‏4:-ويحرَّم قتل النِّساء والأطفال والشِّيوخ -إلا للضَّرورة والمحدَّدة بخشية الاستئصال وعندما يكون المسلمون ‏مقصودين لا قاصدين ويشترط الغزالي أن تكون الخشية معلومة لأنَّ الظَّن لا يكفي لإهدار دم ‏معصوم حتى ولو كان كافراً -‏
‏5:-وتحرم المثلة .‏
‏6:-ويحرم الإحراق بالنار أو التجويع وقطع الماء وحرق الأشجار إلا للضَّرورة.‏
‏7:-والرمي بالمنجنيق (ومن باب أولى ما هو أعظم ) إلا عند خلو المكان المرمي ممَّن لا يجوز قتله من الأطفال ‏والنِّساء والشِّيوخ والرُّهبان والعسيف مسلمين كانوا أو مشركين معاهدين كانوا أو محاربين . ‏
‏8:-ويحرَّم قتل السواح والرُّسل ، والسُّفراء وأعضاء البعثات الدِّبلوماسية ومن في حكمهم ،فحكمهم حكم الرُّسل بل ‏هم رسل مقيمون .‏
‏9:-كما يحرَّم قتل (المُؤُمَن ) من الحربيين المقاتلين، وحرمة قتل غيرهم من باب أولى وحرمة قتلهم أشهر ‏وأعظم من حرمة الزِّنا ، وهي محل اتفاق بين المسلمين ومعلوم أنَّ التَّأشيرة التي توضع على الجواز عند ‏الدُّخول إلى البلد المسلم أو الإذن بالإقامة أو المجيء بدعوة من مواطن له حقُّ الإقامة المشروعة تعتبر أماناً ‏ملزماً لكلِّ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر. ‏
وإذا خلى القتال عن أي من هذه الشروط فهو الحرابة والإفساد في الأرض بصرف النظر عن تدين المقاتل،
وبهذا فإن ما حدث في مأرب هو حرابة لله وللرسول وللمؤمنين وإفساد في الأرض بدون أدنى شك.
يجب على كل مواطن مواجهته والتعاون مع الدولة ممثلة بأجهزة الأمن والجيش لمواجهته والقضاء عليه والإبلاغ عنه قبل وقوعه، لأن السكوت عنه مشاركة في الإثم لا يعذر أحد.
والجهاد في المجتمعات الحديثة متعين الآن على الجنود المكلفين به .