الثلاثاء ، ١٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٣٧ صباحاً

اليمن يغرق نعم يغرق!

جميل عز الدين
الاربعاء ، ١٢ أغسطس ٢٠٢٠ الساعة ٠٢:٢٥ مساءً

أغرقته.. اتفاقيات الاحتواء والشراكة المؤجلة والقابلة للتعديل والتأجيل والتحويل والتبديل والترقيع والتركيع حسب مقتضيات الواقع وتحولات الموقعين الواقعين تحت سيطرة المسيطرين على سلطة الأمر الواقع. أغرقته معاهدات تكميم أفواه بنادق التحرير ومنح الثقة بمن لا ثقة بهم ورسم خارطة التقاسم والتنازل والتداول عبر طاولة الحوار والمفاوضات التي تفضي إلى تنازلت تقود بدورها الى معاهدات ومحاصصات  تنتهي بصراعات بينية من أجل الهيمنة والتفرد بالسلطة والنفوذ المفقود. اليمن يغرق.. أغرقته الولاءات للخارج والارتهان للأجندات الاستعمارية والإفراط في الاتكال على الآخر والتفريط بالكرامة مقابل وهمية الزعامة.  اليمن يغرق.. أغرقته أطماع تجار الحروب وأمراء الميليشيا واقتصاديات أصحاب المعالي والسعادة الذين أتقنوا وتفننوا في بناء امبراطورياتهم التجارية وقصورهم الفارهة واهملوا بناء الوطن واقتصاده وتجاهلوا حقوق المواطن وأمنه واستقراره.  اليمن يغرق.. اغرقته دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ ودموع اليتامى والفقراء والمساكين والجوعى والمشردين والنازحين والمعتلقين والمخفيين قبل أن تغرقه سيول الأمطار التي جرفت منازلهم وخيامهم ومحاصيلهم الزراعية وما ابقيتم من ممتلكاتهم والقت بهم في العراء دون مأوى أو مساعدة من دولة أو منظمات إغاثة لا تغيث سوى ارصدتها البنكية فهم يموتون بصمت في تهامة ومارب وريمة وصنعاء  صنعاء التي يغرق  فيها المواطن أمام عدسات الكاميرات وتنهار مبانيها التاريخية على ايقاعات طبول قريش وشيلات قرناء القرآن الناطق وصليل بينات فرقاء العودة من منافيهم.

اليمن يغرق.. أغرقته قبل سيول الأمطار أعاصير الأحقاد والأنانية والصراعات المذهبية والعنصرية والمناطقية والقروية والشللية والحزبية وأطماع الحاكمين بأمر سادتهم ومموليهم والإرتهان للماضي والرغبة بالإنتقام.

اليمن يغرق.. بل غرق منذ أن استوطنت مصالحكم الذاتية موطن الوطن في نفوسكم المتواطئة مع المستوطن المنقلب عليه  وفرطتم بسيادته وسيادتنا وسلمتموه لأسيادكم كي يقرروا مصيركم ومصيره فكانت التبعية لاتباعنا مثوى لنا جميعاً جزاء بما اقترفت ايدينا. نعم غرق.. منذ أن أعدنا قطاعان الإمامة والمستوطنين إلى السلطة باسم المواطنة المتساوية، منذ أن هتفنا بموتنا ليحيي سيد الكونين ورائد التغيير وصانع المعجزات وقائد الثورات مقابل حزمة من القات ووجبة غداء سفري والف ريال من عاقل الحارة. اليمن يغرق.. منذ أن سكتنا عن حقوقنا وجعلنا الطغاة ولاة علينا وارتضينا باسم الولاية والولي وتوجيهات الإمام علي أن يكون القاتل وقاطع الطريق وزيراً للداخلية، والعميل والمتاجر بالوطن  وزيرا للخارجية، والجاسوس رئيساً للمخابرات ، وشاهد الزور والمحتال والنصاب وزيراً للعدل ، وتاجر المواد الغذائية الفاسدة وزيراً للتجارة والأمن الغذائي ، والمشعوذ والدجال وزيرا للصحة، والأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة وسيء السمعة والسلوك وزيراً للتربية والتعليم ، والجلاد وضابط المخابرات وزيراً للإعلام، ورئيس مافيا التهريب والسوق السوداء وزيرا للنفط والمعادن ، وزعيم عصابة الاتجار بالبشر وزيرا للدفاع، وبائع الموبايلات وزيرا للإتصالات ، وحرامي الحديد  وزيرا للإسكان والطرقات واللص المأجور وزيرا للمالية ومستورد الشموع والمولدات الكهربائية وزير للكهرباء وتاجر الأسمدة والمبيدات الحشرية وزيراً للزراعة.

نعم غرق حين لم نأخذ العبرة ونحن نرى عراق العروبة يغرق في مستنقعات الطائفية والتطرف والإرهاب وتخنقه حتى الموت عمامة الولي الفقيه  حين لم نسمع آهات لبنان وخناجر الفرس تمزق جسده وتشعل من اشلائه نار المجوس التي احرقته ذات يوم واحالت صبح بيروت المطرز بالجمال إلى ليل معتم تسكنه الأشباح وأهلها إلى بقايا رماد وبيوتها إلى اطلال مضرجة بدماء الضحايا الأبرياء حين لم نفزع لصرخة سوريا التي فتك بها أنصار النار المقدسة التابعون لملالي قم وجعلوا اعزة أهلها أذله في الشتات  حين لم نصغي لصوت ليبيا وبنادق العمالة وجنرالات الخيانة يحصدون بطائرات المستعمر الجديد ما تبقى من شموخ عمر المختار وكبرياء العروبة فيها نعم غرق اليمن بجهلنا وصمتنا وتمزقنا وصراعاتنا وأطماعنا وتبعيتنا وولاء من وليناهم أمرنا لغير وطنهم وشعبهم ،، ووحدنا لا سوانا القادر على انتشالها والوصول بها الى بر الأمان إن صدقت نوايانا وأخلصنا في دفاعانا عنها وعدنا إلى ديارنا أما وقد استلذينا حياة المنافي وشمرنا سواعدنا للصراع على سلطة مازلنا نبحث عنها وتركنا قضية استعادة الوطن بيد غيرنا فلن يتغير حالنا وسنغرق ونُغرق ما تبقى من وطن وشعب في وحل أجندات لم ولن تصل بنا إلى بر النجاة.