الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٢٠ مساءً

عندما لا تكون المصلحة في المنصب

محمد جميح
الاثنين ، ١٥ مايو ٢٠١٧ الساعة ١٢:٥٣ مساءً
أنا الرئيس الفرنسي المنتخب إمانويل ماكرون يودع-اليوم-الرئيس الفرنسي المنصرف فرانسوا أولاند، بعد مراسم الاستلام والتسليم للسلطة في باريس بحضور عدد كبير من زعماء العالم وممثلي مختلف الدول والمنظمات الدولية، والمسؤولين الفرنسيين. تعرفون لماذا ينصرف زعماؤهم بسهولة، ويتمسك زعماؤنا بالسلطة حتى الموت؟ عدة أسباب لذلك، وفي مقدمتها: أن الرئيس هناك عندما ينصرف يجد فرصته الاقتصادية الأفضل. كان توني بلير– مثلاً- يتقاضى راتباً سنوياً من رئاسة الوزراء البريطانية لا يتجاوز 200 ألف جنيه استرليني، وعندما خرج من الوظيفة العامة، كان يحصل على مثل راتبه من مجرد سفرة واحدة، وأحياناً محاضرة واحدة. يكفي أن نعرف أنه يتقاضى 2 مليون جنيه استرليني-سنويا-الآن كمستشار لجيه بي مورغان، وهي واحدة من شركات ومؤسسات عدة حول العالم تعطيه مبالغ كبيرة لقاء استشارات قانونية أو سياسية.



أيهما أفضل-إذن-لتوني بلير؟ أن يبقى في السلطة أو أن يغادرها؟ الجواب واضح. توني بلير يتمشى-اليوم-في شوارع لندن دون حراسات كبيرة بعد أن خرج من المنصب، لأن أحداً من البريطانيين لا يطالبه بثأر يجعله يخشى على حياته من القتل أو الاغتيال، بغض النظر عن جرائمه في العراق.



عندنا لا يستطيع الرئيس أن يخرج من المنصب، لأسباب واضحة: فهو بعد المنصب سيخسر كل الأموال التي يجنيها منه أثناء وجوده فيه. ثم إن الرئيس العربي إذا خرج من المنصب، فإن ضحاياه سوف يكونون له بالرصاد، ولذا من خرج من المنصب في بلد عربي، لا يبقى فيه، بل يغادر مع ثروته، خوفاً من الثأر، إلا من رحم الله. وبالمجمل: من مصلحة توني بلير ألا يبقى في الوظيفة العامة، لأنه يكسب بالخروج منها أضعاف ما يكسبه بالبقاء فيها، بينما تقتضي مصلحة الزعيم العربي أن يظل في المنصب طول حياته، لأنه بالخروج منه قد يخسر كل شيء بما في ذلك حياته.



نظرة إلى صورة الرئيسين الفرنسيين السلف والخلف تطرحنا أمام إشكالية حضارية وثقافية وسياسية عميقة نحتاج إلى جهود مكثفة لتجاوزها في بلداننا العربية. وعندما نصل في بلداننا إلى لحظة تاريخية، مثل هذه اللحظة في فرنسا اليوم، ستختفي نزعات التقسيم، والدعوات الانعزالية، والتطرف الأصولي، والعنصرية الطائفية والمناطقية. وستنسجم العلاقة المتوترة بين الشعوب والحكام، والأنطمة والمعارضات، وسنعيش حالة من الأمن السياسي والسلام الاجتماعي والازدهار الاقتصادي المنشود. الأمر ليس مستحيلاً، لكننا نحتاج إلى أن يبدأ النموذج في دولة واحدة، وعندها ستتحرك العجلة إن شاء الله.