الرئيسية / كتابات وآراء / دوافع تحول الموقف الروسي تجاه اليمن

دوافع تحول الموقف الروسي تجاه اليمن

ياسين التميمي
الأحد , 19 مارس 2017 الساعة 06:25 مساء
لم يكن مجلس الأمن الدولي في وارد عقد جلسة مغلقة حول اليمن خصوصاً أنه كان على موعد مع جلسة دورية في السادس والعشرين هذا الشهر لمناقشة مستجدات وتطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط التي تدخل الحرب الدائرة في اليمن حالياً ضمنها، ولكن الجلسة المغلقة انعقدت الجمعة بناء على طلب من روسيا.

طلبت روسيا عقد هذه الجلسة على خلفية القلق الذي تشعر به حيال الترتيبات الجارية لاستعادة مدينة الحديدة ومينائها عبر عملية عسكرية متوقعة للجيش اليمني بإسناد من التحالف العربي.

تجنبت روسيا الحديث المباشر عن أجندتها الحقيقية التي تختفي وراء هذا القدر من القلق، ولم تشأ أن تصرح بأن اقتحام الحديدة من قبل الجيش والتحالف، سوف يحكم الخناق على حلفائها الميدانيين، لكنها قالت إنها ستؤدي \"إلى نزوح جماعي للسكان المحليين بل وإلى قطع خطوط الإمدادات الى صنعاء، والذي \"سيسفر عن تداعيات كارثية\"، بالإضافة إلى أن \"هذه الفوضى سيستفيد منها مسلحو تنظيمي(داعش) و(القاعدة)، الذين عززوا مواقعهم في مختلف أنحاء البلاد\"، كما جاء في بيان الخارجية الروسية.

وهو المضمون ذاته الذي يأتي في خطاب الأمم المتحدة، ربما لأن روسيا لا تريد أن تظهر كما لو كانت تدافع عن مصالحها بشكل مباشر وصريح، ومع ذلك وجدت نفسها مضطرة لاستخدام الأدوات المتاحة لحماية هذه المصالح والتي ظلت مكفولة مع بقاء طرفي الانقلاب أقوياء بما فيه الكفاية في صنعاء، أو على الأقل محميين بخطوط حمراء بعضها رسمت حول صنعاء وبعضها الآخر حول الحديدة والساحل الغربي.

لم تكن موسكو أبداً سعيدة بالتدخل العسكري للتحالف العربي في اليمن، ولكنها تصرفت ضمن حدود الإرادة الدولية الجامعة حول الأزمة اليمنية والتي رأت ضرورة مساندة السلطة الشرعية في هذا البلد، مع إجماع مشابه بأن هذه السلطة يجب أن تكون متحررة من إملاءات قوى الثورة وبالأخص الأحزاب والقوى المحسوبة على الإسلام السياسي.

أبقت موسكو على سفارتها في صنعاء، وإن على مستوى قائم بالأعمال مع زيارات متقطعة للسفير إلى صنعاء، وسلسلة من الزيارات التي لم تنقطع إلى موسكو من قبل شخصيات محسوبة على طرفي الانقلاب: المخلوع صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام وجماعة الحوثي، إلى جانب الزيارات التي قام بها المخلوع صالح لمقر السفارة الروسية، وزيارة القائم بالأعمال لصالح في مخبئه المحصن بصنعاء.

منذ اللحظة الأولى لتدخل التحالف العربي، فكر المخلوع صالح بروسيا، التي وفرت غطاء قوياً لدكتاتور سورية بشار الأسد وسمحت له بمواصلة الحرب على الشعب السوري حتى اليوم، ولا يزال يواصل مهمته الدموية على أنقاض المدن السورية، والمساكن التي تركها أهلها فراراً من بطش جيشه ومخابراته وشبيحته.

وجه صالح دعوات صريحة لتدخل عسكري روسي في اليمن، وهو يدرك إنه إن حدث هذا التدخل فإن الأوراق سوف تختلط إلى حد يصعب معه التكهن بمسار الحرب ونتائجها.

لكن التدخل الروسي بالمواصفات التي يريدها الزعيم الحقيقي للانقلاب في اليمن لن يحدث، لأن روسيا مقيدة بحجم، لا يمكن التفريط به، من المصالح مع دول مجلس التعاون الخليجي التي تشكل قوام التحالف العربي، ولأن موسكو تدرك طبيعة التحول في المزاج الأمريكي وفي سياسات الإدارة الأمريكية تجاه المنطقة وبالتحديد تجاه إيران، وتدرك أيضاً أن العلاقات الأمريكية السعودية تستعيد عافيتها، وأن يد قائدة التحالف العربي في اليمن باتت متحررة من قيود التصرف المستحق مع الخطر الذي يمثله الانقلابيون المرتبطون بإيران في اليمن على مصالح المملكة الحيوية وعلى أمنها الوطني.

الموقف الروسي الجديد يأتي في حقيقته معبراً عن مخاوف روسية من إمكانية فقدانها اليمن وهو ورقة مهمة للغاية في سياق المساومات على النفوذ، خصوصاً وأنها حالياً خارج حلقة التأثير الضيقة في مجريات الأحداث اليمنية والتي تعبر عنها مجموعة الرباعية زائد واحد، التي لطالما طالب الانقلابيون بأن تكون روسيا جزءا منها، لضمان حصولهم على مكاسب جيدة على الصعيد السياسي، بعد تضاؤل فرصهم في تحقيق مكاسب عسكرية وميدانية.

للقلق الروسي ما يبرره فإنها إن كانت قد سكتت عن غيابها عن مجموعة الرباعية، فلأنها كانت تدرك أن الدور الذي مثله وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، قد حقق لها جزءا مهما من مصالحها عبر خطط الحلل التي كان يسعى كيري لفرضها على الحكومة، والتي لم تكن سوى خطط لتمكين الانقلابيين.

لذا سعت موسكو إلى ملء الفراغ الذي تركه كيري وإدارته السابقة في المسرح اليمني، وربما انسجم هذا التطور الدراماتيكي للموقف الروسي حيال اليمن مع رغبات إقليمية تمثلها الإمارات وسلطنة عمان وبالتأكيد إيران، لإنفاذ خطة كيري-ولد الشيخ، للحل، بعد أن تراجع حماس الإدارة الأمريكية الجديدة لهذه الخطة.

هناك احتمالات جدية بأن يزداد المشهد اليمني تعقيداً، في ظل التطور الحالي للموقف الروسي، وقد يضاعف هذا التعقيد من كلفة تدخل التحالف العربي، إذا لم تتسارع الخطى لإنجاز أهداف التدخل العسكري.

*عربي21