السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:١٦ مساءً

إيقاعات وجدانية ,,,, من وحي الثورة (11)

عباس القاضي
الأحد ، ١١ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ٠٧:١٧ مساءً
بعد صلاة الفجر, جلس الستة: ثلاثة, هم الوسيلة والشجرة: الشيخ والحاج والأستاذ, وثلاثة, هم الغاية والثمرة: غبش وعجب وزؤبة - يتناقشون في ترتيب الوضع القائم, والتخطيط لما هو قادم, بادر عبده غبش قائلا : جزاكم الله ألف خير على جهدكم الذي لمسناه خلال الثلاث الأيام الماضية, أقمتم علينا الحجة فلا فكاك, ولا ترجع, عهدا قطعناه على أنفسنا فقد كنا نعصي الله عن جهالة, أما إن عصيناه بعد اليوم, سيكون سببا في مقت الله وغضبه, كونها معصية بعد علم, ولكن ونحن نرى فيكم بجانب الشيخ الجليل, التاجر الأمين والأستاذ القدير, أطرح عليكم هذا السؤال المبهم والمختصر: ما ذا بعد ؟ لفت كل إلى صاحبه, مع ابتسامة خفيفة ولكنها عميقة, فقال الأستاذ محسن, يبدو أن عبده غبش, يقرأ أفكارنا, ويستبق خطتنا, وأضاف الحاج قائلا : فعلا, دورنا لم يبدأ بعد, يا أخ عبده ,نحن جلسنا الآن من أجل الإجابة على هذا السؤال, ما ذا بعد ؟الآن أنتم ثلاثة, يجب أن نجعل منكم قدوة يَحْتَذِي بها المجتمع كله, يجب أن نُؤَمِّن، لكم سكنا ومصدر رزق, تعيشون فيه ومنه, مثلكم مثل غيركم, حتى يُزال الانطباع الذي ولد معنا, ولم نكن سببا فيه, إلا أننا نستطيع معالجته بتعاون الجميع, وحتى أكون صريحا معكم , إذا لم تكن القناعة بأنكم رجال أسوياء من ذاتكم, سيذهب جهودنا أدراج الرياح, وهنا تدخل الشيخ وقال : لعلكم أدركتم أن الالتزام بهذا الدين هو البداية , بدونه المرء عبد ذليل لشهواته, يجره هذا إلى الصغار والمهانة, وإن كان أمام الناس ملكا, وأضاف مخاطبا عبده غبش : أنت قبل ثلاثة أيام, كيف كنت ؟ وكيف أصبحت؟ هل تستطيع أن تعيش وتقتات بتلك الطريقة المهينة, أنت قلت بنفسك في جلستنا السابقة , وااخزءاااه, عندما تذكرت أن زوجتك تتسول, وأنت قابع في البيت,,تدري لماذا ؟ لأن قربك من الله معناه أنك تحررت من عبودية ذاتك وبالتالي من عبودية غيرك, بمعنى أن مطلق العبودية لله هو قمة الحرية, بعد اليوم لن أقبل منك, وأنت تترجاني, أن تقول : أنا عُبَيدك, فقال سعيد عجب : ها , ماذا نقول ؟ لفت علي عبده غبش وهو يرفع رأسه قل : أنا حُرَيرَك ( كناية عن الحرية ) فضحكوا على سرعة بديهة عبده غبش ومحاولته التأصيل, وإن كان قياسا غير منطقي.
قال الحاج : فكرت بالموضوع الذي ذكرته وناقشته مع الشيخ والأستاذ ووافقوا عليه, ونحن نعرضه عليكم وهو : أنتم تعرفون أن لدي مزارع واحتاج إلى عمال وأرى أنكم تبدءون فيها مقابل أجر يومي, فتهلل وجوههم, وقال سعيد : معقول ؟ سنأكل من كدِّنا وتعبنا !, سيكون للطاعة بعدها معنى, وقال علي زؤبة : عهدا علينا أن يعمل الفرد منا عن ثلاثة من أبناء القريتين, وأتخلص من عمل المزمار الذي لم يجلب لي سوى كسر الظهر, قال لهم الأستاذ :هذا بداية التأهيل فيما يتعلق بالعمل , وسوف يشملكم التأهيل فيما يخص محو الأمية ضمن المشروع الذي نخطط له.
قال الحاج مخاطبا الشيخ والأستاذ: أرى أن نبدأ في محور الدمج, بالثلاثة الذين بين أيدينا, وهو أن يستمروا بتناول الوجبات معنا, وفي كل وجبة يتم دعوة ثلاثة أشخاص على الأقل, لنكسر فيهم شوكة الأنفة, ويتعودوا على مجالستهم ومخالطتهم, أولئك يتواضعون , وهؤلاء يرتقون, ولنبدأ من الآن في الذهاب لتناول الإفطار, وفد رتبت مع ثلاثة ضيوف سيكونون معنا, وأنتم , ها , غبش , عجب , زؤبة , هم أناس مثلكم , خاطبوهم, ناقشوهم زاحموهم على المائدة, وكأن الأمر طبيعي, أروهم من أنفسكم عزة.
وأنت يا عبده غبش قل لزوجتك علياء : أن تستدعي سَعْدَه زوجة سعيد عجب لتصنع معها حسينه, ما صنعت مع زوجتك.
تفاجأ الضيوف لوجود الثلاثة المهمشين في مجلس الحاج, وزادت دهشتهم عندما قربوا للإفطار معهم وكأن الأمر طبيعي, ولولا وجود الشيخ والحاج والأستاذ ما مدوا أيديهم إلى الطعام, فهؤلاء هم النخبة وعلية القوم, كيف بهم لا يأنفون أن يأكلوا معهم؟ وهؤلاء المهمشين الذين يعرفونهم, هم اثنين طبالين وزمار!! كيف بهم يقدمون إلى الطعام دون تردد, ولولا وجود الحاج والشيخ لضنوا أنه مقلب, أوكاميرا خفية ترصد تصرفهم, وردة فعلهم حيال هذا الموقف, وكان غبش يُنَكِّت, وهو يضحكون, فيرد عليه علي زؤبة بنكتة أخرى, فيقول له الأستاذ : أما أنت يا أخ علي, طرائفك في منتهى الرقة.
انتهوا من الفطور وغادر الضيوف, وضحكة انتابت الجميع على أداء الدور بنجاح باهر.
دنى علي زؤبة من الحاج وقال له : اشعر بتقرحات بأصابعي خاصة اليسرى وآلاما في ظهري, قال له الحاج : سوف أتصل إلى الصيدلية ليرسلوا لك علاجا ومهدئا, قال علي زؤبة : عندي طلب آخر, قال له الحاج : أبشر, قال : خلي علياء تحضر زوجتي سلمى معها إلى عند زوجتك , حتى تعلمها الصلاة, قال له الحاج : واحدة,,,واحدة,بمعنى سعده أولا , بعدها سلمى, قال علي زؤبة : تدري لماذا أردت ذلك؟ لأني كما علمت أن لكم ثلاثة أيام, منذ اقتحمتم مجتمع المهمشين, وأنتم ثلاثة , أنت والشيخ والأستاذ , ونحن ثلاثة , أنا وعبده وسعيد , وضيوفك كانوا اليوم ثلاثة, وهن يكن ثلاث, علياء وسعده وزوجتي سلمى , واليوم الثلاثاء, فانفجر الحاج ضاحكا حتى رج له المكان واقبلوا ليعرفوا سبب ضحكه وهو يقول : الفنان فنان.
فلما هدأ الحاج قال لهم الحاج : اذهبوا ارتاحوا في استراحة المزرعة, فهو سكنكم مؤقتا, بينما نساؤكم سيبقين في غرفة الحراسة في بيتي .