الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٥٥ مساءً

العرب يسحبونهم.. والغرب يعيدهم!

عبد الباري عطوان
الخميس ، ٠٨ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
فاجأتنا الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها في فرنسا والمانيا بقرار اعادة السفراء الى سورية، في الوقت الذي يقرر فيه وزراء الخارجية العرب وقادتهم اغلاق سفاراتهم في دمشق وتعليق عضوية سورية في الجامعة العربية.

قرار غريب يستعصي على الفهم، لان الدول الغربية اصابتنا بالصداع وهي تكرر ليل نهار بان النظام السوري فقد شرعيته، ويقول لنا الرئيس باراك اوباما ان الرئيس السوري بشار الاسد يجب ان يرحل، فيردد آلان جوبيه وزير الخارجية الفرنسي بأن ايامه، اي الرئيس السوري، باتت معدودة في السلطة.
فإذا كان النظام السوري يجب ان يرحل لماذا تقدم هذه الدول التي تتزعم الجبهة المطالبة برحيله، وتدعم المعارضة السورية وتلتقي بالمجلس الوطني الذي يؤكد تمثيله لها، على اعادة سفرائها دفعة واحدة؟

سحب السفراء يعني في العرف الدبلوماسي الاحتجاج على نظام الدولة التي يوجد فيها هؤلاء السفراء، ومحاولة هز شرعيته، واعادة السفراء، تثبت العكس تماما. فكيف تفسر لنا الولايات المتحدة واتباعها هذه الخطوة، ثم ماذا عن حلفائها العرب الذين استأسد وزراء خارجيتهم، واتخذوا قرارا ليس فقط بسحب السفراء بل بإغلاق السفارات، وفرض عقوبات اقتصادية لشل الاقتصاد السوري؟

' ' '

لا نعرف ما اذا كانت الحكومات العربية قد فوجئت بالقرار مثلنا،ام ان تنسيقا غربيا مسبقا جرى معها، ولكن حدسنا يقول انها كانت آخر من يعلم، مثل الزوج المخدوع تماما، والدليل ان وزراء الخارجية العرب وامين عام الجامعة عقدوا اجتماعات في الدوحة، استمرت يومي السبت والاحد الماضيين، لبحث فرض عقوبات اقتصادية اضافية، من بينها حظر الطيران المدني لرفض السلطات السورية توقيع 'بروتوكول' المراقبين العرب والدوليين، الذين من المفترض ان يشكلوا بعثة تقصي حقائق حول اعمال القتل بحق المدنيين، ومراقبة مدى التزام النظام السوري بالمبادرة العربية التي تطالب بحقن الدماء والافراج عن المعتقلين.

التبرير الامريكي لهذه العودة 'الجماعية' للسفراء الى دمشق، وحسب اقوال الناطق باسم الخارجية الامريكية هو 'توجيه رسالة بأن الدول الغربية، والولايات المتحدة بالذات، تقف الى جانب الشعب السوري'، ولكن هذا التبرير لا يستقيم مع الاعراف الدبلوماسية، علاوة على كونه يوجه رسالة مغايرة تماما الى الشعب السوري، تفيد بان الدول الغربية ما زالت تعترف بالنظام وتسلم بقوته، وتقر بصموده، وربما تجاوزه الأزمة، واحكام سيطرته على البلاد وانهاء الانتفاضة المشروعة لاستعادة الكرامة والحريات فيها.

امريكا والمانيا وفرنسا سحبت سفراءها لانهم تعرضوا للقذف بالبيض الفاسد والطماطم العفنة، عندما حاولوا اقامة جسور اتصال ببعض قيادات المعارضة السورية، واحتجاجا على عدم توفر الأمن للبعثات الدبلوماسية الأجنبية في دمشق. فماذا تغير، البيض الفاسد ما زال متوفراً بكثرة لدى الموالين للنظام، وسحب السفراء مرة أخرى لن يخيف السلطات السورية اذا ما تكرر، لأنها تعرف مسبقاً ان الغرب منافق وخائف، ولا يتسطيع تكرار السيناريو الليبي في سورية. فالتدخل العسكري الأجنبي محفوف بالمخاطر، وروسيا والصين تقفان بالمرصاد لأي محاولة في مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار بتشريع مثل هذا التدخل.

المعارضة السورية التي اجتمعت بالأمس مع السيدة هيلاري كلينتون في جنيف ستصاب بالاحباط حتماً، وكذلك وزراء الخارجية العرب، والصقور منهم على وجه الخصوص، الذين تشجعوا بالقرارات الغربية بسحب السفراء وحذوا حذوها، بل وذهبوا أبعد منها عندما أغلقوا السفارات.

' ' '

هل نفهم من هذه الخطوات ان الدول الغربية باتت تميل الى حل سياسي في سورية يقوم على مبدأ الحوار لا المواجهة، ام ان شن هجوم عسكري ضد ايران بات وشيكاً مع قرب اكتمال سحب القوات الامريكية من العراق، خاصة ان اكثر من مسؤول امريكي صرح بعدم استبعاد اقدام اسرائيل على مهاجمة البرامج النووية الايرانية، دون التشاور والتنسيق مع الأم الامريكية، مثلما كان عليه الحال في الهجوم على المفاعل النووي العراقي 'تموز'؟

من المؤكد ان هناك 'طبخة ما' جرى اعدادها بهدوء، وباتت على وشك النضج، وما عودة السفراء الجماعية هذه إلا احدلى علامات اطلاق الضوء الأخضر لتطبيقها، سلماً أو حرباً.
انصار سورية في بيروت يتنفسون الصعداء، ويتحدثون بثقة عن استعادة النظام لزمام الأمور في الداخل، بل ان هناك من يتحدث بأن الرئيس السوري سيلقي خطاباً بعد أيام معدودة يعلن فيه انتهاء الانتفاضة، أو انهاءها كلياً. ونسألهم ولكن ماذا عن الشهداء، ماذا عن التغيير الديمقراطي، والقضاء المستقل والتعددية الحزبية؟. فيأتي الرد ابتسامة لها أكثر من معنى لا تسر المراهنين على هذه المطالب المشروعة.
ما نعرفه ان امريكا تتخلى عن حلفائها وتبيعهم بأرخص الاثمان اذا توافق ذلك مع مصالحها، والأكراد في شمالي العراق يملكون سجلاً حافلاً في هذا المضمار، ونخشى ان تكون الانتفاضة السورية هي الضحية المقبلة.