الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٤٤ صباحاً

ليس في الحب ذنوب يا حمود

فيصل علي
الخميس ، ٢٦ مايو ٢٠١٦ الساعة ١١:٣٦ مساءً
في 2001 كنت جالسا على "القنفة" بصالة المنزل الذي يقطنه صديقي عبد الله في حي القاهرة بأطراف بغداد ، وكانت حينها بغداد محط أنظار العالم، وتدريبات جيش القدس على أشدها، والعرض العسكري لهذا الجيش سيكون مهيبا، صديقي كان مهتما بالسياسة، وأنا كنت مهتما ببغداد والناس والمجتمع الجديد الذي انتقلت إليه قادما من تعز.

كان التلفاز ينقل خطابا هاما للسيد الرئيس المهيب صدام حسين، قال عبد الله تدري ماذا ينقص صدام؟ قلت لا. قال ينقصه القدرة على الخطابة كالزعيم جمال عبدالناصر. صديقي الأنيق الطيب كان ناصريا يحب خطابات زعيمه، وكنت انا أحب الكبدة، وأكل القلوب، والخضار الطرية، والفجل الفرنسي، والتمر وحليب الجاموس. كان سوق راغبة خاتون الأقرب للبيت، ومع صغره إلا أن فيه من كل الخيرات، تقترب من المحلات الصغيرة وتسمع الترحيب: هاي اتفضل عيني باوع هاي البضاعة جت اليوم، هلا قلبي هلا عيني" السنة لطيفة وكلمات جميلة وطيبة .

ومع أني كنت حزبيا تلك الفترة إلا أن عرق السياسة لم يبدأ بالنبض بعد، كانت الحياة حلوة والمكتبات تجذبني أكثر، والمتنبي فتح سوقه للكتب في باب المعظم منذ زمن لا أعرفه، وكانت يوم الجمعة هي يوم سوق المتنبي لاقتناء الكتب، تباع الكتب فيه بتراب الدنانير، فهل من قارئ؟ لصديقي وأخي باسم الذي استضافني تلك الفترة يعود الفضل له في الذهاب إلى المتنبي والمكتبات فالصاحب ساحب كما يقولون، وعلى بغداد وأهلها سلام الله.

الخطاب السياسي يجب أن يتسم بالوضوح والدقة، عندما يكون الملقي هو عبد الناصر أو صدام حسين أو زعيم دولة، فكلامه محسوب عليه داخليا وخارجيا، وهذا الشاهد من الاستدلال أعلاه، بالأمس قال قائد المقاومة الشعبية حمود المخلافي في قناة بلقيس أن "النصر تأخر عن تعز بسبب الذنوب". عكاشة لم ينم من الفرح، وقال هذا خطاب رجعي مثله مثل خطاب الحوثي، وغيره قالوا أن القائد كان يسخر من الوضع.

المشكلة تكمن في أمور أخرى أكثر من اللقاء الذي أجرته بلقيس ذاته، القنوات اليمنية من حقها أن تبحث عن أخبار وإثارة وبرامج تغطي وقتها وتقدم الخدمات الإعلامية للجمهور، لكنها لا تنتقي موادها جيدا ولا ضيوفها. لقائد المقاومة ثقلة على مستوى اليمن والجزيرة العربية، فهو قائد ميداني شهم وشجاع وقوي صد هجوم 15 لواء من ألوية النخبة في تعز، من 2011 وهو يدافع عن تعز وأهلها، وفي 2015 قاد مقاومة شعبية بدأت بأعداد بسيطة لكنها مرتبة ومنظمة أوقفت جيش الطائفة عند حده، وعادت قطعان المليشات محمولة على الدينات كخرفان العيد المذبوخة وتوزع من اب إلى صعدة، لقد لقوا مصارعهم على أيدي رجال المقاومة وانتحروا على أسوار تعز.

القنوات تبحث عن صورة ولقاء ، فلتبحث عند أصحاب الشأن، الرجل العسكري والقائد الميداني ليس بالضرورة أن يكون متحدثا لبقا، ولسنا بحاجة لسانه ولا قلمه، نحن بحاجة إلى دماغه النظيف وخططه وجنونه في الميدان.
حمود المخلافي ليس مرشحا للانتخابات، وليس ناطقا باسم الحكومة ولا حتى باسم المقاومة، لكن الإعلام يبحث عن مواد إنتاجية، وبالتالي يحاول الوصول إلى القادة الميدانيين للحصول على مواد تلقى اهتماما لدى الجماهير، وهنا تكمن المشكلة.

لتفهم القنوات أن صوت بندقية المخلافي أهم من تصريحاته، وأن تضحيات المخلافي أهم من التقاط صوره ونشرها، المعركة وطنية بامتياز، فلنغلب مصلحة القضية على مصلحة المهنة.

الجمهور يريد معرفة قادته الميدانيين وهذا من حقه، فلتنقل مواد ميدانية عن فعال المقاومة وصمودها، لا إظهار القادة بصورة قد لا يقبلها الجمهور، ومع ذلك ظهور المخلافي بلكنته اليمنية الأصيلة والصادقة كانت على قلوب الجماهير بردا وسلاما، فقط النخب المزيفة، التي أنتظرت دورها طويلا عند أحذية صالح لتنال المناصب والدرجات، هي من سخرت، وظنت أنها وصلت إلى مقام إبراهيم عليه السلام في هدم الأصنام، بينما كانت كالقطط المسكينة عند بوابة مكتب احمد علي في شارع الجزائر، قال لي أحدهم في 2005 ماله هذا احمد علي لا ينظر الينا؟ إن كان يريد كُتابا أنا ساكتب له، وإن كان يريد تفكيرا أنا سافكر نيابة عنه، بس هو يرضى عني ويدعمني حتى بدرجة وكيل وزارة، قلت له أي وزارة تريد، أنت سياسي هل تريد أن تكون وكيلا للخارجية، قال ليس شرطا ، حتى وكيل وزارة المياه والمجاري، قلت في نفسي المجاري لايقة عليك جدا.

ليس في الحب ذنوب يا قائد المقاومة، وتعز هي مدينة الحب، وهي الوطن لمن ضاع وطنهم بالخذلان والمجاملات والانتقام والثأرات، تعز هي روح الدولة، هي كل ما تبقى للأمة اليمنية من آمال، وهي وطن الجميع من صعدة إلى المهرة رغما عن الظروف والمناطقية والجهوية والطائفية.

عندما خرجت أنت للمقاومة يا قائدنا الهمام كنت قد تخليت عن كل شيء لأجل الوطن لأجل تعز لأجل اليمن، عن الأيديولوجيات العتيقة التي أودت بالبلد إلى هذا الحال، كان عليك أن تتخلى عن بعض أفكار شيوخك الذين لم يعلموك السياسة وعلموك أن تكون مؤمنا صالحا، ووصفوا لك الجرعة بالملي وقالوا : "نضال سلمي"، عندما خرجت للمقاومة كان عليك أن تنسى هذيانهم، فهؤلاء بلا فقه الوطن وبلا حب الوطن كل أفكارهم تنفع للتزلج على الجليد، لا للحكم ولا للسياسة، لم يكن لفظك عن تأخر النصر بسبب الذنوب إلا ناتجا عن كتبهم ومنهجهم العقيم، وجرعات الإيمان واليقين الزائدة عن حدها. لو كانوا لديهم فكرة عن السياسة أو منهجا في السياسة كانوا علموك أنت وغيرك على مدى العقود التي خلت.

الذنوب كامنة في قصر مدى مدفعية المقاومة، لا سواها، الذنوب المتحركة هم خونة تعز من النخبة إلى القوادين المرتزقة الذين يقاتلون مع الغازي المحتل في تعز أبناء مدينتهم، وهم الصامتون عما يجري لتعز خوفا على مصالحهم الكامنة مع زعيم المرتزقة المختبئ في أزقة صنعاء.

اما ذنوب شيوخك الطيبين فهي كامنة في تحولهم من حركة إصلاحية إجتماعية تنشر الفكر والمحبة والتسامح إلى تجار عسل وحبة سوداء ومساويك، تحولوا من دعاة إلى مستثمرين للثقة والشكل والجماعة في مصالح تجارية، ما علينا منهم الله يغفر ذنوبهم وينصر تعز.