السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٦ مساءً

التدافع الإقليمي والمهمة الخليجية

مهنا الحبيل
الأحد ، ٢٧ مارس ٢٠١٦ الساعة ٠٩:٤٣ صباحاً
كان موضوع هذا العام في منتدى الجزيرة العاشر في الدوحة التدافع الإقليمي في الشرق الأوسط، وهو اليوم موضوع الساعة، وقد شارك في المنتدى عدد من الشخصيات العربية إضافة لضيف تركي وروسي، لكن كان من الصعب أن يحتوى هذا الموضوع في ندوات محددة بكل جوانبه، ولكن ما يمكن أن نؤسس عليه في هذه القضية اليوم، هو أن لا مجال أمام المشرق العربي اليوم، من تحقيق أي توازن واستقرار وطموح لتطوير دوله ومجتمعه، دون أن يتحقق هذا التدافع، وخاصة مع مشروع الجمهورية الإيرانية وغطائه الغربي الجديد.

وهذا لا يقتضي اتفاق المثقف العربي، مع الواقع السياسي الذي يطمح لتحقيق نقلة نوعية فيه لصالح نهضة الانسان واحترام حقوقه، فمداهمة المشروع الإيراني باتت حريقا كبيرا جدا يذهب بالأخضر واليابس، والحياد معه يعني تمكنه بصوة أكبر، وإن كانت مواجهته بمجتمع منسجم إصلاحيا واجتماعيا ووطنيا، سيكون القاعدة الصلبة لكسر هذا المشروع.

وكنا نذكّر من سنوات طويلة ونكتب عن تغول السياسة الإيرانية في المنطقة وضرورة اتخاذ دول مجلس التعاون الخليجي موقفا موحدا وسياسات صارمة توقف إيران عند حدها وإجبارها على العمل معنا من منطلق الشراكة والصداقة المحترمة وليس من باب الهيمنة، ويمكنني القول إن الفترة الأخيرة عملت السياسة الخليجية على هذا الأساس بفضل الموقف السعودي المبادر.

ولعل ما وجهته رسالة رعد الشمال يأتي في هذا الاتجاه، ولكن سنسمي الأشياء بمسمياتها، فما من شك في أن مناورات رعد الشمال وجهت رسالة لإيران والراعي الغربي الجديد معها، وكانت مفاهيم الرسالة واضحة ان الموقف الخليجي والعربي المساند، لن يسمح بتحول الأرض والمنطقة الى لعبة توسع وصراعات لصالحها، من خلال مشروع الرياض الجديد وداعميه.

وليس هذا الموقف عربيا جماعيا، فالوضع اليوم، مع الأسف شهد اختراقات خطيرة للايرانيين للجبهة العربية.

وهنا نؤكد أنه لا يمكن تحقيق الأمن والسلام والاستقرار والتنمية لشعوب المنطقة دون دفع قوة غاشمة كإيران، فالشعوب الخليجية اليوم لا تجمع على شيء أكثر من إجماعها على ضرورة وقف إيران عند حدودها، لأنها أدركت أنها باتت تعاني معاناة حقيقية من اعتداء يستخدم المشروع الطائفي، تريد فيه طهران أن تعبث بأمن واستقرار المنطقة والتدخل في نسيجها الاجتماعي وتكرار مآسي الشعوب العربية التي وقعت تحت هيمنتها.

ولعل الرسالة قد وصلت للإيرانيين، فالخليج العربي لا يريد حربا مع أحد ولا يريد مشاكل جوار، ما يريده هو الأمن والاستقرار لهذه المنطقة والشراكة التي تقوم على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وهو ما يقتضي انسحاب الإيرانيين، من المناطق العربية ووقف تدخلهم السياسي والعسكري.

واليوم من غير المقبول ولا المعقول أن تعتمد دول الخليج في حفظ أمنها على الولايات المتحدة أو الغرب عموما، فالمنطقة تملك قوة اقتصادية كبيرة ومؤثرة، وثروة بشرية وباستطاعتها الاعتماد على نفسها لحفظ أمنها مع عقد تحالفات نوعية متعددة وذكية، مع شبكة من دعم الدول العربية والإسلامية وخاصة التي تبدي استعدادا واضحا لمساعدة دول الخليج العربي، عندما تستدعي الضرورة ذلك، ورأينا مؤشرا لذلك في مناورات رعد الشمال.

ولسنا ندعو للتخلي عن شبكة المصالح مع الغرب، ولكن اعادة تنظيمها بقواعد لعبة تراعي مصالح الأمن القومي للمشرق العربي، وليس لأبناء الخليج العربي فقط، فقد أصبحنا مع اشقائنا في كل المشرق في مركب واحد، وهذا الامر ممكن أن نحققه كما حققه الإيرانيون ولكن بتعزيز الاستقلال القيادي للمنطقة.

فالعالم لا يعترف إلا بالأقوياء، وما حدث في العراق وسوريا، دليل واضح على ذلك، وها هو الرئيس الأمريكي يعبّر عن هذا التوجه، وإن كانت تصريحات الرجل جاءت بعد ما أوشك على ترك البيت الأبيض، لكن تصريحاته ليست كما يعتقد البعض، مرهونة بمواقف وانطباعات شخصية.

... من هنا بات على الخليج العربي أخذ زمام المبادرة وبناء قواته الخاصة القادرة على حماية أمنه واظن السياسة الدفاعية والخارجية السعودية الجديدة تتجه الى ذلك.

وفقط من طريق هذا التوازن وتغيير قواعد اللعبة يوصل الخليج العربي رسالته، أنه لم يعد الملعب محتكرا لايران ولن نتخلى عن مصالحنا لنصائح الغرب المنحازة.

والسياسات والمواقف الخليجية تباينت في الفترة السابقة، لكن هناك نوعا من التنظيم الجيد في الملف الاقليمي الأخطر، تقوده الرياض اليوم، ويعنينا كاولوية اولى للأمن القومي، وإن تأخر الموقف الخليجي، لكن أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي كما يقال.

وسيتعزز هذا البناء الدفاعي القوي بدعم مفهوم الشراكة الشعبية والاصلاح كقاعدة ولبنة مهمة للمشروع العربي المركزي في المنطقة، فتتحول الجهود والارادة الجمعية للدولة والمجتمع لمواصلة وقف الزحف الاقليمي، ونحن اليوم على امل ان يتحقق النصر في اليمن ويختتم باتفاق سلمي لتسليم صنعاء للشرعية واستلام الجيش الوطني الحدود الشمالية كما كل حدوده.

ومشاركة الحوثيين كمكون سياسي في بناء اليمن الجديد أمر طبيعي، لكن دون سلاح يشهر على أهل اليمن، ونؤكد هنا أن القضية ليست حربا مذهبية، بل ردع تغول اقليمي، فنحن في كل الشرق المسلم بحاجة الى ردم الصراعات العرقية والمذهبية وبناء الوحدة الوطنية الجامعة لكل اقطاره، لكن المشكلة في المشروع الطائفي الإيراني، واستخدامه التوسعي الذي صنع بالعراق سنته وشيعته ما صنع.

"اليوم السعودية"