الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:١٥ مساءً

صراع الثروة.. (النفط) الإرهابي الذي يبحث عنه العالم

ياسر عبد المجيد المقطري
الاثنين ، ٢٥ يناير ٢٠١٦ الساعة ٠٧:٠٠ مساءً
في سبعينيات القرن الماضي عندما وصل الصراع العربي الإسرائيلي مرحلة متقدمة تسبب بما يسمى (أزمة النفط) والتي كانت لها تداعياتها على الاقتصاد العالمي جراء خفض إنتاج النفط ورفع سعره من قبل بعض الدول العربية والإسلامية في منظمة (أوبك) أو بالأحرى إيقاف الإنتاج لبعض الدول الغربية التي كانت تدعم إسرائيل – مستخدمين النفط كسلاح فأدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج في الدول المصنعة المستوردة للنفط وتوقفت العديد من الشركات والمصانع عن العمل فدخل الاقتصاد العالمي أنذلك في ركود أثر الأسواق المالية والقطاعات المختلفة. فحرب النفط والثروة الدائر اليوم هو ماجعلنا نستذكر تلك الأزمة- فما أشبه الليلة بالبارحة.
إن العلاقة بين النفط والاقتصاد العالمي هي علاقة طردية بامتياز فكلما زادت كميات النفط المنتجة(المعروض) ينخفض سعره العالمي وتقل تكاليف الإنتاج بشكل عام بالنسبة للدول المصنعة فتزيد قيمة الاستثمار لتستوعب عمالة كبيرة مع توفر قوه شرائية لدى المستهلك فيزداد الناتج القومي الإجمالي وينعكس ذلك على مفاصل الدولة ككل وهذا ما يسمى بالانتعاش الاقتصادي وكلما خفضت الدول المنتجة للنفط من كميات الإنتاج يزداد سعره العالمي فتنعكس الزيادة على تكاليف الإنتاج للدول المصنعة فتقل قيمة الاستثمار فتزيد البطالة وتقل القوى الشرائية أو نسبة السيولة فتدخل البلد في دورة الركود الاقتصادي. وهذا مايشير إليه تقرير أصدرته صحيفة الجارديان البريطانية مع نهاية العام 2014م أن العلاقة بين أسعار النفط والاقتصاد العالمي واضحة للغاية، حيث اعتمدت فترات الانتعاش من (1948 – 1973) والخمسة عشر عامًا السابقة للأزمة المالية في 2008 على هبوط أسعار النفط، في حين أن فترات الركود الاقتصادي في الفترات (1974 – 1975) و (1981 – 1982) و(1990 – 1991) و(2008 – 2009) شهدت صعودًا في أسعار النفط الخام.
وبالعودة إلى طبيعة الصراع المسلح الذي تدور رحاه اليوم في الشرق الأوسط في منطقتي الشام والعراق وفي بلاد اليمن سنجد أن هذا الصراع هو بالأساس صراع على الثروة وأساس الثروة في العالم اليوم هي المادة الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال وهي (النفط) منطقة الشرق الأوسط تشكل 80% من مخزون النفط العالمي 62.8% من هذا المخزون يوجد في (السعودية وإيران والعراق والإمارات والكويت) حسب إحصائية نشرتها مجلة ال (TIME) الأمريكية وموقع منظمة أوبك،وهذا السبب الرئيسي الذي جعل من القوى العالمية أن تبقي على هذه البقعة مشتعلة طوال العقود الماضية لغرض ضمان مصالحها وابتزاز شعوبها فليس الروس شيعة جاؤوا ليدافعوا عن بشار الأسد وطائفة العلويين وعلى العراق ومقدسات الشيعة هناك ولا الأمريكان أو الأوربيين سنة أو جاؤوا ليدافعوا عن مكة والحرم النبوي فالطعام والأمن قبل المعتقد.أيضا ليسوا المسلمون إرهابيون ودواعش ومتطرفين كل هذه المسميات ليس لها واقع وإنما هي لافتات لصراع اقتصادي (ثروة) فالمتطرف الوحيد الذي يبحث عنه العالم هو (النفط).
تستهلك الولايات المتحدة الأمريكية 25% من الإنتاج العالمي للنفط والذي بلغ مع بداية العام 2014م 86.6 مليون برميل يومياً بحسب وكالة الطاقة الأمريكية أي أن 4% من سكان العالم يستهلكون 25% من الإنتاج العالمي ، ثم الصين واليابان والهند فارتفاع النفط سيفاقم الأزمات والمشاكل الاقتصادية وذلك للعلاقة الكبيرة بين تحسن اقتصادياتها وبين أسعار النفط والذي يعاني حالياً من التباطؤ ومعدلات النمو المتدنية ،فالخيار الأمثل أمام هذه القوى العالمية هو طريقة الابتزاز وخلق الصراعات المتكررة والغير منتهية بدواعي مختلفة وللعلم فإن السبع الشركات الكبار العالمية أو ما يسمى بالأخوات السبع هي شركات أمريكية أوربية هيمنت لفترة طويلة على أنتاج وتكرير وتوزيع النفط, مع كل ذلك يظل هناك سؤال ملح لماذا في هذا التوقيت بالذات برز على السطح صراع النفط بشكل أكبر؟
لو رجعنا قليلا للخمس السنوات الأخيرة فقد شهدت السوق النفطية ضخ كميات كبيرة من النفط الصخري الأمريكي في ظل ارتفاع سعره العالمي والذي وصل إلى 115 دولار أمريكي للبرميل كما في يونيو حزيران 2014م فقد بلغ معدل الإنتاج لتلك الشركات 4مليون برميل يومياً ترافق مع تقديرات مبالغ فيها لبعض المراكز المتخصصة في تقدير حجم الاحتياطيات،وقدرة هذه الشركات على الإنتاج خلال السنوات القادمة بالرغم من الجدل الدائر حول الآثار البيئية لعملية الإنتاج والاستخراج وطريقة الاحتساب فقد وجه رئيس قسم الطاقة في هيئة الطاقة والمناخ البريطانية انتقادات لتلك الاحتياطيات وقال أن تلك الأرقام مبالغ فيها إلا أن ذلك أثار فزع الدول التقليدية في إنتاج النفط في منظمة أوبك وعلى رأسها المملكة العربية السعودية فسارعت إلى زيادة كميات إنتاجها من النفط من 29.5مليون برميل مع نهاية 2013م وبداية العام 2014م ليصل إلى 31.38 مليون برميل يومياً مع نهاية العام 2015م ما تسبب بتخمة في المعروض فتقلص سعره تدريجياً إلى أن وصل إلى 70 دولار أمريكي أواخر العام 2014م وكان الغرض من زيادة الإنتاج من قبل منظمة أوبك هو الخوف على الحصة السوقية لها جراء دخول المنافس الجديد وهو النفط الصخري الأمريكي مما أدى إلى خسارة بعض شركات النفط الصخري الأمريكية جراء ارتفاع تكاليف إنتاجها للنفط وتدنى أسعار بيعه.
بالتوازي مع هذا التنافس بين النفط الصخري والتقليدي في تلك الفترة كان هناك طرفين مؤثرين في قطاع النفط ومصدرين كبيرين خارج اللعبة وهما روسيا وإيران فهما يساهمان تقريباً بـ 16% من صادرات النفط العالمي مجتمعتين، لكن بالنسبة لروسيا كانت تعاني من العقوبات المفروضة عليها من قبل الغرب جراء القضية الأوكرانية أما إيران كانت تواجه عقوبات الملف النووي وبالتالي انخفاض أسعار النفط سيؤثر عليهما وبشكل كبير حيث تهاوى سعر صرف الروبل الروسي وفقد أكثر من 17% من قيمته وتوقع عجز بنسبة 4,8 % في ميزانيته للعام 2015م وهو ماحصل بالفعل،وكذلك الحال بالنسبة لإيران التي تعاني عجز في موازنتها وتضخم نقدي وزيادة الدين الخارجي مع تقليص كميات النفط المنتجة بنحو 50% خلال العامين السابقين.
إزاء هذا المشهد الاقتصادي القاتم للأطراف المتصارعة والذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم ووصل ذروته مع نهاية العام 2014م وكذلك استمرار اشتعال الملفات السياسية الساخنة والصراعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط كالحرب في سوريا والعراق والاضطرابات في اليمن لجأت الأطراف إلى اتخاذ خطوات وقرارات سياسية وعسكرية متباينة.
فقد لجأ الأمريكان وحليفهم الأوربي لابتزاز بعض الدول في منظمة أوبك وعلى رأسها المملكة العربية السعودية الغريم التقليدي لإيران في المنطقة إلى تسوية الملف النووي الإيراني ومحاولة غلق هذا الملف وفتح مجالات استثمار وعلاقات مع إيران نكاية بملف النفط وتأثيره على النفط الصخري الأمريكي فسارعت شركات فرنسية بعقد صفقات استثمارية مع إيران وكذا أعادة بريطانيا فتح سفارتها هناك وستعود مليارات الدولارات للخزانة الإيرانية التي كانت مجمدة بسبب الملف النووي،كما استمرت أمريكا في الموقف الرمادي تجاه الملف السوري ليتعقد الصراع وتوريط الأطراف المتصارعة في النزاع أكثر فأكثر.أضف إلى ذلك تبنت تحالفاً عالمياً لمحاربة ما يسمى تنظيم داعش الإرهابي في العراق لغرض استمرارية البقاء في قلب الصراع أو بالأصح في قلب الثروة النفطية -وامتلاك سلطة قرار في أي تحولات قادمة بالمنطقة كما لجأت مؤخراً إلى فتح مجال التصدير للنفط بعد نحو 40عام من التوقف أملاً في أن يفتح هذا الإجراء التنافس بين الشركات في تطوير تقنيات جديدة في إنتاج النفط.
السعودية شكلت تحالف عربي أيضاً في مارس العام الماضي بعد أن شعرت بالخطر الاقتصادي والسياسي التي قد تجنيه جراء إصرارها على التأثير على أسعار النفط العالمية والإضرار بالطرف الروسي وحليفه الإيراني وكذا الأثر السلبي الذي لحق شركات النفط الصخري الأمريكي والتي ستكشف في الأخير أن هذه الشركات وهذا التهويل لحجم احتياطياتها ومخزونها النفطي إنما هو فزاعة من الثعلب الأمريكي وحليفه الأوربي اللذان تضررا بشكل كبير جراء ارتفاع أسعار النفط بالذات قبل الأزمة المالية التي حدثت في العام 2008م حيث بلغت في نفس العام 145دولار للبرميل.هذا التحالف كان لخطر شعرت أنه محدق بها بعد صمت دام طويلاً على جماعة الحوثي المسلحة المدعومة من إيران والتي سيطرت بقوة السلاح على السلطة في اليمن سبتمبر 2014م وليكون هذا التحالف نواة له ما بعده وبالفعل كان ذلك فتشكيل التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلن عنه في الرياض بمشاركة 34 دولة إسلامية في 15 ديسمبر 2015م بقيادة المملكة العربية السعودية وسيكون لهذا التحالف دور كبير وفاعل على المستوى الإقليمي والعالمي في السنوات القادمة.
الدب الروسي بعد تشديد الخناق عليه من قبل أوروبا وأمريكا في الحصار الاقتصادي من طرف وكذا السعودية ودول أوبك من الطرف الأخر التي تسببت في خفض أسعار النفط والتي أضرت باقتصاده لجأ إلى المغامرة لفرض أوراقه على المشهد السياسي والعسكري في المنطقة فطور موقفه بالدفاع على بقاء بشار الأسد من الطريقة الدبلوماسية إلى الدخول المباشر في معركة عسكرية تدور اليوم رحاها في سوريا كل ذلك للهروب من الأزمة والحصار الاقتصادي المفروض عليه،وفرض أجندته وتقاسم الكعكة ولو بقوة السلاح.
تلك الخطوات المتخذة من جميع الأطراف لم تكن متزامنة وإنما متفاوتة خلال هذا العام والأعوام السابقة لكنها زادت وضوحاً وبروزا على المشهد الأشهر القليلة السابقة ويبقى السؤال الأهم إلى أين تتجه تلك الأطراف المتصارعة على الثروة (النفط) بالأساس خلال العام القادم 2016م؟
بالنسبة للسعودية ودول الخليج بشكل عام فهي أمام خيارات إستراتيجية صعبة وقد تشكل مفترق طرق مع بعض الحلفاء التقليدين فهي إما تستمر في سياسية تخفيض أسعار النفط عن طريق زيادة كميات عرضه بالسوق العالمي لغرض الحفاظ على حصتها السوقية وللضغط على الطرف الروسي الإيراني المناوئ والذي يخسر جراء ذلك،وتحمل التبعات كعجز الميزانية لديها والتي قدرت هذا العام 2015م بنحو 98 مليار دولار- فالسعودية تمتلك ثالث احتياطي نقدي في العالم بقرابة 800مليار دولار بما فيه الذهب- والعمل الجاد من قبل حكوماتها على إدخال تعديلات جوهرية على هيكلها الإنتاجي لاستغلال قطاعات إنتاجية أخرى غير النفطية والتي تشكل 90% من إجمالي ناتجها القومي الإجمالي،وتسرع بنفس الوتيرة أيضاً في حسم الملف اليمني الذي قد يشكل لها بؤرة استنزاف حال طال الصراع فيه.والتفرغ لإدارة الملف السوري وملفات أخرى في المنطقة كونها تقدم نفسها على أنها الدولة التي يمكن أن تقود الوطن العربي والإسلامي في الوقت الراهن.
الخيار الآخر وهو تقليل كميات النفط المنتجة في إطار منظمة أوبك ما سيؤدي إلى تقليص حصتها السوقية مع احتمالات حصول تغيرات جديدة كالحديث الدائر اليوم حول تكوين منظمة موازية لمنظمة أوبك من قبل منتجين فاعلين كروسيا وإيران وفنزولا ودول أخرى كما سيستفيد من هذا الخيار الطرف الروسي الإيراني المناوئ وسينعكس ارتفاع سعر النفط على تحسن اقتصاده, وإعطائه المزيد من الوقت والمال للعبث بأمن المنطقة العربية والخليجية بشكل خاص وانعكاس ذلك إيجاباً تجاه حروبه التي يخوضوها في اليمن وسوريا والعراق.
بالنسبة للطرف الروسي الإيراني فالحال أيضاً لن يكون سهلاً خلال العام 2016م والأعوام القادمة فالأرقام الاقتصادية التي تأتي من هناك لا تسر ولا تبشر بخير في ظل ازدياد الضغط على اقتصاده الهش وازدياد نفقاته العسكرية مع الحصار المفروض عليه في حال استمر انخفاض سعر النفط وخياراتهم لن تكون بأحسن حال من السعودية وحلفائها فالتحركات الروسية باتجاه الهند ودول أخرى في شرق آسيا وربما قريباً أمريكا اللاتينية لفتح علاقات اقتصادية وسياسية جيدة يراها الدب الروسي هي الأقرب في المرحلة القادمة ولكنها قد تحتاج إلى وقت اكبر ولن تكون سهلة وقد بدأها الدب الروسي باستضافة رئيس الوزراء الهندي أواخر ديسمبر 2015م.
في الطرف الآخر من الضفة سنجد الثعلب الأمريكي يتفسح داخل حديقة البيت الأبيض يقلم أظفاره ويرتب فروة شعره استعدادا للظهور بحلته الجديدة بعد الانتخابات التي ستجري في هذا العام فهو مازال بدهائه ممسكا بخيوط اللعبة فستكون لنتائج الانتخابات الأمريكية الدور الأكبر في مستقبل القرار الأمريكي في العام 2016م حيث والقرار الأمريكي سيكون له الأثر الكبير في اتجاه صراع الثروة الدائر.
فبعد أزمة النفط في العام 1973م واستخدام النفط العربي كسلاح من قبل الدول المنتجة كان العقاب الغربي تغيير النظام السعودي باغتيال الملك فيصل وإدخال المنطقة في صراع مسلح بين العراق وإيران واليوم هل سيعيد التاريخ نفسه في الأعوام القادمة ؟وهل سيكون الصراع إيراني سعودي أم روسي تركي؟كل ذلك ستجيب عليه الأيام القادمة فيمكن القول أن العام القادم هو عام (عض الأطراف) فمن سيتألم أولاً سيخسر أولاً.