الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:١٨ صباحاً

حفلة صراخ يا سيادة الرئيس

وئام عبد الملك
الاثنين ، ١٤ سبتمبر ٢٠١٥ الساعة ١٢:٥٦ مساءً
يا سيادة الرئيس قبل بضعة أيام أوان الغسق، صرخت( كاتيوشا)، صرخة ارتعش لها المكان الذي فقد هويته، وتحطم لها جلال الغسق المهيب، تزامنت مع حفلة صراخ الفزعين من جيراننا الذين كانوا نائمين، غير آبهين بأصوات القذائف التي تنال من أحلامهم الجميلة بين الفينة والأخرى منذ أشهر في الحالمة المحافظة على جمالها، على الرغم من كل الجنون الذي يعتري المليشيات هناك، لكن صواريخ الكاتيوشا، أحالت في تلك اللحظة أرواحهم بجلها إلى الموت في الحياة، صرخاتهم الفزعة أيقظت حتى النائمين من الأحياء في الموت، حفلة الصراخ تلك كانت مزدانة بدمائنا وأشلائنا.
القتلة من أبناء بلدنا ملأوا بملاعقهم أرواحنا ودماءنا، دون أن تهتز قلوبهم لأنّاتنا، وما زالوا يغتالوا كل محاولاتنا للتمسك بالعيش على شظفها في المدينة الحالمة المنهكة.

وفي صنعاء هذه الأيام حفلات صراخ موسيقاها قوات التحالف العربي يا سيادة الرئيس، هل تعلم عنها وأنت في النعيم المقيم هناك؟ سأخبرك بتفاصيل إحدى تلك الحفلات وأبطالها أفراد أسرة أحد أقاربنا.

فقبيل الفجر بساعة المنتهك جماله الصامت دوما في هذه الحرب، كان أغلب سكان العاصمة صنعاء وأسرة أحد أقاربنا، يغطوا في نوم عميق، بعد يوم مرهق وقاتل في آن للروح كما للجسد، في المدينة التي احتلتها الأشباح ولصوص الحياة والوطن، وفجأة إذ بأفراد المنزل أجمعين يصرخون ويصرخون بجنون( هي حفلة صراخ أخرى إذن)، كانوا كمن يحلم يسمعون أصوات انفجارات هائلة اهتز لها المكان، وحركت أشباح تلك الأسلحة المخيفة الستائر، والنوافذ، والأبواب، ما إن ابتعد عنهم ذلك الكابوس، استطاعوا أن يخرجوا أذان أرواحهم من فوهة بركان ذلك الصوت المرعب، حتى تأكدوا بأنهم بخير، وعملوا بأن مصدر ذلك الموت الروحي هو صواريخ قوات التحالف، وبأن هذا واقع وليس حلم، اطمأنوا وأشعلوا الشموع، ونظروا في وجوه بعضهم المبعثرة الهوية والمصفرة، ووجدوا بأنهم في حجرة أخرى غير التي كانوا يناموا فيها، قادتهم إليها أقدامهم التي فرّت من كابوسهم ذاك.

لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تتعرض فيها لغارات جوية مدينتهم المنكوبة بلصوص الحياة الذين يرزحون فيها، إنما كانت تلك الغارات هي الأشد والأعنف.
موسيقى مصدرها السلاح، ورقصة مصدرها الفزع، وحفلات صراخ هنا وهناك، مضحك الأمر لمن لم يجرب، أليس كذلك؟ لكنه مؤلم للغاية لمن جربه وكان ضحية تلك المواقف.
حفلات صراخ كثيرة يا سيادة الرئيس، وكاتيوشا المليشيات كانت تتحدى بعنف الحالمة المقاومة، وكانت ما إن تصمت كاتيوشا حتى يصرخ انفجار آخر بصوت آخر، فلا ليل تعز وعموم اليمن ليل ولا نهارهم نهار.

آدميتنا تنتهك يا أيها العالم الأخرس، الذي يقتلنا من بعيد، ويا سيادة الرئيس ويا أهلنا الذين تقتلوننا الناس قد سئموا، الناس أموات في الحياة، فأنقذوا ما تبقى منهم، وما تبقى من وطن كان جميلا، وسيبقى كذلك بأبنائه الذين لم تبتسم لهم الحياة بالأمس لتبتسم لهم اليوم!