إنها صورة الطفل السوري ابن الأربع سنوات الذي حمل البحر جثته الصغيرة إلى أحد شواطئ المتوسط بعد أن أغرقت الأمواج أباه وأمه وربما إخوته وأخواته، عندما كانوا على متن قارب متهالك يقودهم إلى الموت المحقق فراراً من الموت المحتمل على أرض بلادهم الغارقة في الدم والحرب، وفأل حسن أن ما يزال هناك في عالم اليوم من تدمع عيونهم حزناً لما يحدث للإنسان من كوارث وآلام. وهذا الطفل البائس الذي أبكت صورته العالم ليس إلاَّ واحداً من عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال الذين ابتلعهم المتوسط وهم في طريقهم إلى جنة الأرض الأوروبية التي تحول الطريق إليها إلى مقبرة، ومع ذلك لا يتوقف سيل الهجرة من الفارين من الحروب الدموية والاقتتال العبثي العنيف، هذا الذي يطحن العرب ليل نهار ولا يحمل لأي قطر من الأقطار العربية أية بشرى بغد سعيد أو هدنة أمل يسترجع المواطنون خلالها أنفاسهم ويتذكروا أنهم بشر من حقهم أن يعيشوا كغيرهم وأن ينالوا فوق هذه الأرض قدراً من الحرية والعدل والأمان.
وما تجدر الإشارة إليه والتنبه عليه أن صورة الطفل السوري الذي لفظ البحر جثته إلى الشاطئ ليس سوى النموذج لما يمكن أن يحدث لأطفالنا نحن جيل القرن الواحد والعشرين بعد أن بات الوطن العربي يأكل بعضه بعضا ويدمر أبناؤه مدنهم وقراهم بأيديهم وأيدي أعدائهم وما تبقى من وشائج التقارب الأخوي ومشاعر الحنين إلى مستقبل جامع تنهض به الأمة من سباتها الطويل وتحقق فيه بعض أحلام الأجيال التي قضت وعيونها عالقة بذلك المستقبل. ورغم ما كان قد شاب ظروفهم من عثرات وإنكسارات فقد صار واقعهم ذاك ضرباً من الأحلام التي تشد إليها الجيل الراهن وترى فيه من مظاهر الأمن والاستقرار ومن معالم التطور والتعايش ما تحلم به الآن وتتمنى العودة إليه. يكفي أنهم في ذلك الماضي القريب لم يكونوا يتقاتلون كما نتقاتل اليوم، وكان عدوهم واضحاً ورويتهم نحوه أكثر من واضحة.
لقد رأيت صورة الطفل السوري، أو بالأصح صورة جثته المرمية على الشاطئ في التلفاز وبدا متشبثاً بالبحر وكأنه يتشبث بالحياة التي أفتقدها قبل أن يسبر شيئاً من أغوارها. كانت المذيعة تنقل خبر العثور عليه في تلك الناحية وهي تجهش بالبكاء. ولحظتها أرتسم أمامي شريط طويل يعكس التوقعات المرعبة في حال ما إذا استمرت الحروب واستمر سفك الدماء. وكيف أن نصيب الأطفال سيكون هو الأوفر فالطفل هذا الكائن الملائكي الضعيف لا يملك من القوة والحيلة ما يرد عنه المخاطر المحدقة. كما بدأت أستعيد الأسئلة المطروحة على الإنسان العربي حاكماً ومحكوماً منذ وقت بعيد، وكيف تخلّى الجميع عن مسؤوليتهم تجاه الوطن وأبنائه أطفالاً ونساء وشيوخاً، وأن تخليهم عن مسؤوليتهم وتنكرهم للأمانة التي وضعتها الأيام على أعناقهم هي وراء كل ما يحدث.
وما يبعث على الفزع أن هناك عدداً كبيراً من المراقبين للأوضاع الراهنة –عرباً وأجانب- يرون أن القادم هو الاسوأ وأن ما تعاني منه الأقطار العربية ليس سوى المقدمة. والقريب أن الصمم وعدم التفكير في العواقب هما المسيطران على عقول قادة الحروب وتجارها، وأن كل المحاولات التي تسعى إلى لم الشمل ورأب الصدع باءت وتبوء بالفشل، وكأنه قدر مكتوب على هذه الأمة التعيسة أن تعاني على أيدي أبنائها ما لم يكن في مقدور الأعداء عمله والنجاح في تحقيقه.
تأملات شعرية:
أيها العابثون
أفيقوا...
إنما تقتلون بنيكم
وإخوتكم
والعدو يتابع في بهجةٍ
وانتصار.
أعيدوا حساباتكم
مرةً، مرتين، ثلاثاً
ربما استيقظت بعد موتٍ
ضمائركم، واهتدت حين ذاك
إلى صيغةِ الاعتذار.