الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٠٢ صباحاً

النهاية الحتمية لانتفاشة الحوثي

مارب الورد
الأحد ، ٠٢ أغسطس ٢٠١٥ الساعة ٠٩:٠٨ صباحاً
إذا توقفنا عند زمن معركة تحرير عدن سنجده قياسيا بالنظر إلى قصر هذه المعركة والتي لم تستغرق سوى بضعة أيام مقارنة بطول عمر المواجهات هناك,لكن ما لا يجب إغفاله في سياق تتبع رحلة صعود وهبوط الحوثيين هو تغير معطيات الواقع ودخول عوامل جديدة لم يختبروها من قبل ساهمت في تسريع الحسم ومنها توفر الإرادة والسلاح النوعي والدعم الكبير المتنوع لقيادة التحالف.

بعبارة أخرى واجه الحوثيون اختبارا غير معتادا في رحلة "الانتفاشة",بحسب تعبير القيادي الإصلاحي المختطف محمد قحطان يتمثل في توفر الإرادة السياسية والقوة للحسم فكانت النتيجة هزيمتهم مثلما قد يلاقون نفس المصير بمدن أخرى تعيدهم إلى حقيقتهم كقوة صغيرة بجغرافيا محدودة أيضا.

في كل محطة اختبار للقوة سيخسر الحوثيون ولن يجدوا غير هذه النتيجة وسيدركوا أن كل "انتصاراتهم",الماضية التي لها آباء كثيرون كانت مجرد طفرة عابرة لن تعمر طويلا وليست دليلا على قوتهم كي يتمادوا بغطرستهم في التمدد بطول البلاد وعرضها لإحداث الفوضى وتعميم الخراب والحرب.
إن معركة الحوثيين في الجنوب خاسرة مثلما هي في كل مدن البلاد ولم يعد وجودهم هناك إلا مسألة وقت ليس إلا وقد بدأ العد العكسي بتحرير عدن يليها لحج التي تتقدم فيها المقاومة بالتزامن مع انجازات مماثلة في أبين مقابل انحسار وخسائر متتالية للحوثيين ستنتهي إلى خروج نهائي تفقدهم أوراقا للقوة وتضيق الخيارات عليهم بعد أن كان بيدهم ما يفاوضوا عليه وهم بوضع أفضل.

لقد بدأ تاريخ هزيمة الحوثيين الشاملة منذ قرار مغامرتهم الانتحارية بالزحف خارج صنعاء وإخضاع كل المدن لسلطتهم بقوة السلاح واعتبار هذه المغامرة وكأنها رحلة للنزهة أو جولة سياحية تشمل عدة مدن اعتقادا أن سيناريو الوصول إلى صنعاء سيتكرر مرة أخرى في غيرها ولن يجد الغزاة الجُدد إلا أبوابا مفتوحة وأنصارا يستقبلون الفاتحين بالورود وترديد شعارات"الصرخة".

لم يدرك هؤلاء أنه لا يمكن إخضاع الناس بالقوة في كل مكان ووقت وتصور أن قبولهم بسلطة الأمر الواقع هو الخيار المتاح بعد أن خذلتهم الدولة وتركتهم فريسة لمن يصادر أمنهم وحرياتهم,وعلى العكس سينتفضوا جميعا – كما حدث - بمجرد إطلاق شرارة البداية من هنا أو هناك وتوفر بعض إمكانيات المواجهة لأن هذا هو الرد الطبيعي عندما يصل الأمر إلى حد المفاضلة بين الحياة منزوعة الحرية والحقوق وبين المقاومة كخيار لاسترداد الحقوق المصادرة وفي مقدمتها الحرية.

ولو أن الحوثيين واجهوا مقاومة حقيقية في طريقهم إلى أبواب العاصمة صنعاء لما وصلوا إلى ما نراهم اليوم غير أن الذي حصل العكس من ذلك تماما وهو تلقيهم ضوءا أخضر محليا وخارجيا لزحفهم إلى صنعاء بدءا من دماج التي اجتازوا اختبارها بصعوبة وبمساعدة أطراف أخرى مرورا بعمران والتي كانت المعركة الأولى والأخيرة للجيش دفاعا عن شرعية الدولة وحقها في بسط نفوذها على كامل التراب الوطني دون منازع من أي جهة خارجة عن القانون.

بعد هذا "النصر السريع",والذي يرجع الفضل فيه لأسباب معروفة ليس بينها إلا القليل من قدرات الحوثيين لم يكن مستغربا ولا مفاجئا تمددهم إلى محافظات وسط وجنوب البلاد دون مقاومة كما هو الحال اليوم,الأمر الذي عزز الشعور بالقوة لدى أتباع الحوثي وساعد في ذلك تنشئتهم الفكرية والمذهبية التي تكرس فيهم أوهام وخرافات بوصفهم جماعة مؤيدة بنصر السماء لتفوقها العرقي على بقية البشر.

وكان واضحا أن الحوثيين لن يتركوا ما تحقق لهم من مكاسب ميدانية دون استثمار إعلامي وتوظيف هذه"الانتفاشة",والحرص على تقديم أنفسهم كقوة أسطورية لا تقهر لإرسال رسائل تخويف لأبناء المناطق والمدن التي لم تصلها أقدامهم كي يسلموا دون مقاومة ولا يفكروا بالدخول بمعركة خاسرة من وجهة نظرهم.

على أن جزءا من الصورة التي تم ترويجها عن الحوثيين باعتبارهم سوبر مان يتحملها القائمون على بعض وسائل الإعلام الذين ساهموا بعلم أو بجهل في تكريسها وتعميمها من خلال خطأ الخلط بين كونهم قوة صعدت على أكتاف الخيانة وتخلي الدولة عن واجباتها وهذا هو الأصل وبين تهويل حجمهم في كل صغيرة وكبيرة دون تقديمهم كمليشيات تؤمن بالعنف وما تقوم به جرائم يعاقب عليها القانون وليس انجازات مشروعة.

في كل الأحوال يكتب الحوثيون بحروبهم وعنفهم وجنونهم ونزعتهم الفاشية شهادة وفاتهم السياسية مستقبلا بأسرع مما صعدوا وأصبحوا كابوسا ثقيلا زائلا وفي نهاية رحلة الجنون لن يعود العقل إلا للتفكير تأملا وتدبرا لما آلت إليه أحوالهم بعد فوات الأوان.