الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٤٨ صباحاً

الإمارات..واللعب مع الأفاعي

إحسان الفقيه
الثلاثاء ، ٢٨ يوليو ٢٠١٥ الساعة ٠٧:٣٣ مساءً
الأفعى دخلت الدار، فاحترس..

خذ حذرك فقد احتلّت غرفتك البحرية..

صاحب الدار تركها، فلعلّها تقضي وقتها وتخرج..

الأفعى وضعت بيضها، وعما قريب يخرج صغارها..

صاحب الدار يلوّح بالعصا من بعيد، ثم كفَّ بعدما انتصبت الأفعى استعدادا للقتال..

استوطنت، واحتلت الغرفة، وبثّت صغارها في أرجاء المنزل، وصاحب الدار يكتفي بالضجيج من حين لآخر..

إنه يقدم لها الطعام، نعم يقول ربما كانت حماية للدار من أفاعٍ أخرى، فلتكن المنفعة المشتركة وحسن الجوار.

يا صاحب الدار ليس كل دابة تُستأنس، والأفعى لن يزول سمّها، ولن ينتهي غدرها، والنهاية معروفة....



*لم أجد مثلا أوضح من ذلك يُعبّر عن تلك العلاقة الغريبة المُتشابكة بين الإمارات والأفعى الإيرانية.



الإمارات وإيران...العدوقان أبدا

هو عنوان مقالة للكاتب عادل الطريفي، استعار العبارة من كتاب للدكتور محمد الرميحي، فهما العدوقان: أي الأصدقاء الأعداء، فالدولتان بينهما نزاع طويل حول سيادة جزر: طنب الكبرى، والصغرى وأبو موسى.

ومع ذلك تقوم بينهما شراكة اقتصادية وعلاقات تجارية واستثمارات، بصورة لا تنسجم مع تلك الخصومة التي هي في حقيقتها علاقة احتلال بدولة مُحتلة.



محددات العلاقة السياسية بين الإمارات وإيران:

العلاقة المتشابكة بين الإمارات وإيران تحددها وتحركها عدة قضايا، هي التي ترسم السياسة الإماراتية في التعامل مع تلك الدولة، بصورة هي أشبه بالمغامرة والسير على الحبال، وكلٌ من هذه المحددات يرتبط بالآخر:

أولا: الجزر الإماراتية المحتلة:

استقرت القوات الإيرانية في الجزر الثلاث بعد خروج الاحتلال البريطاني عام 1971م، وهي جزر تقع على مسافة 23 ميلا تقريبا من الإمارات، بينما تفصلها عن إيران مسافة 43 ميلا.

ولا تكمن أهمية هذه الجزر في كونها مسطحات مائية، ولا في كونها مصدرا للنفط والمعادن فحسب، بل لأهميتها الاستراتيجية الكبرى، حيث أنها تقع في طريق عبور السفن العالمية، وتحتل موقعا هاما في الخليج العربي، وعن طريقها يمكن التحكم في حركة الملاحة في ذلك الخليج.

كما تكمن أهميتها الاستراتيجية بموقعها من مضيق هرمز، والذي تمر منه 86% من صادرات نفط الشرق الأوسط، ما حدا بوكالة الصحافة الفرنسية إلى أن تصفها عشية وقوعها في أسر الاحتلال الإيراني، بأنها تفوق في أهميتها موقع جزيرة هرمز.

وجاء هذا الاحتلال ضمن صفقة إيرانية بريطانية، وفي ذلك يقول صاحب كتاب وجاء دور المجوس: "واحتلال إيران لهذه الجزر الثلاث بعد ثلاثة أشهر من تنازلها عن المطالبة بالبحرين دليل ظاهر على أن إيران استبدلت صفقة بصفقة أخرى، علما بأن احتلال هذه الجزر جاء قبل انسحاب بريطانيا من الخليج بثمانٍ وأربعين ساعة فقط".



*وقد أدارت طهران ظهرها لعروض إماراتية في إجراء مباحثات بشأن الجزر الثلاث، ورفضت كذلك اقتراحا قدمه مجلس التعاون الخليجي عام 1996م، يقضي بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية.

فإيران تعتبر أن الجزر الثلاث من حقها، وأنها مسألة غير قابلة للنقاش، وترهن استقرار العلاقة بينها وبين الإمارات بالتعامل الهادئ تجاه هذه القضية من قبل "أبوظبي".

*وقد عبر رئيس الوزراء الإيراني السابق "حلنجي ميرزا" عن النظرة الإيرانية تجاه الخليج العربي بجميع جزائره بما فيها الجزر الإماراتية المحتلة، بقوله: إن الشعور السائد لدى الحكومات الفارسية المتعاقبة، أن الخليج الفارسي (العربي) من بداية شط العرب إلى مسقط بجميع جزائره وموانيه بدون استثناء ينتمي إلى فارس (إيران)".

*وخلال القمة العربية الـ 26 في شرم الشيخ، وقفت وزيرة الخارجية الإيرانية "مرضية أفخم"، تؤكد على تبعية الجزر لإيران قائلة بملء فمها: "المواقف تجاه سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الجزر الإيرانية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، لم ولن تؤثر على الحقائق القانونية والتاريخية حول هذه الجزر".

ولما قامت الثورة الإيرانية 1979م، تفاءل الإماراتيون بالنظام الجديد الذي رفع شعارات براقة حول العدل وحسن الجوار، في أن تُحل قضية الجزر المحتلة، غير أنها وجدت النظام الخميني أشد إصرارا على التمسك بملكيتها.

والتزمت الإمارات إزاء احتلال الجزر، المسار الدبلوماسي، والدعوة إلى المفاوضات واللجوء إلى التحكيم الدولي، غير أن إيران ترفض ذلك لضعف أسانيدها القانونية تجاه ملكية هذه الجزر.



ثانيا: التناغم الاقتصادي

ترتبط الإمارات بعلاقات وثيقة مع إيران رغم الخلاف السياسي، وتعد الإمارات الشريك التجاري الأول في دول مجلس التعاون مع إيران، وأبرز الشركاء التجاريين على مستوى العالم.

ووفقا لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست" البريطانية على موقعها الالكتروني بتاريخ 25 يوليو 2015م، فإن الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لإيران بعد الصين، وأن دبي التي تعتبر أبرز المراكز التجارية في العالم، تستضيف على أراضيها أكثر من عشرة آلاف رجل أعمال إيراني وشركات تجارية إيرانية.

وبسبب العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على إيران، تضاعف التبادل التجاري بين إيران وإمارة دبي، وبلغ 9 مليار دولار سنويا.



*وزير الاقتصاد الإماراتي "سلطان المنصوري" نفسه، صرح بأن حجم التبادل التجاري بين بلاده وبين إيران بلغ 17 مليار دولار بنهاية العام المنصرم 2014م.

وأوضح أنه عدد رحلات الطيران بين البلدين، يبلغ 200 رحلة طيران أسبوعيا.

وأوضح تقرير سابق للجزيرة، أن الأموال التي أدخلها المستثمرون الإيرانيون إلى إمارة دبي وحدها، يزيد على مائتي مليار دولار عام 2005م.



*وبعد الاتفاق النووي الذي عقدته طهران مع مجموعة 5+1، والارتفاع المتوقع لمعدلات النمو الاقتصادي في إيران، اختلفت الرؤى حول انعكاسات الاتفاقية على حجم التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية بين الإمارات وإيران.

فالبعض يرى أن الإمارات بعد الاتفاقية صارت مؤهلة لأن تصبح البوابة الأمامية للحركة التجارية والاستثمارات الوافدة إلى إيران، وأن ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في إيران سيُسهم بدوره في زيادة حجم الأموال والبضائع التي تمر عبر الإمارات إلى جانب تنشيط حركة السياحة، وهو ما ذهب إليه تقرير "الإيكونوميست" المشار إليه سابقا.

والبعض الآخر يرى أن الإمارات سوف تتأثر سلبا بالاتفاقية، حيث أن رفع العقوبات سيطلق يد طهران في إقامة علاقات تجارية واسعة مع دول العالم، وتقوم بتنويع تجارتها الخارجية وعدم الاعتماد بشكل أساس على دبي، إلى جانب المناطق الحرة التي تنوي إيران تدشينها مما يؤثر على التجارة الإماراتية.



والحاصل أنه قد تشكلت بين الإمارات وإيران ديناميكية خاصة لعلاقات تتسم بالانسجام في الجانب الاقتصادي، والتنافر في الجانب السياسي.

وهذه العلاقة الاقتصادية الوثيقة، تضعها الإمارات في الحسبان في سياستها الخارجية مع إيران.



ثالثا: الهواجس الأمنية

هناك حسابات أمنية أو بمعنى أدق هواجس أمنية لدى الإمارات على أساسها تتحدد علاقتها بإيران.

أولها، القلق من إيران نفسها، حيث أن إيران باعتبارها قوة إقليمية كبرى، وتقف على مرمى حجر من الخليج، مصدر قلق للسياسة الإماراتية والتي يسهل ابتلاعها من قِبل إيران، ولذا تتجنب الإمارات استفزاز طهران، وتعتمد على توازن القوى، والحراك الدبلوماسي في علاقتها مع إيران.

وثاني هذه الهواجس، الخوف من النفوذ السعودي عن طريق ما يسمى بالمد الوهابي (السلفي)، فلذلك تتبنى أبو ظبي شبكة للتصوُّف السياسي جمعت في بوتقته رموز الصوفية في العالم الإسلامي أمثال الجفري وابن بيه وعلي جمعة وشيخ الأزهر الحالي وغيرهم، لمنع انتشار فكر هذا التيار.



وثالث هذه الهواجس، هو الخوف من تنامي جماعة الإخوان المسلمين، فالإمارات يتملكها خوف تنامي الجماعة في الداخل، والخوف من تواصلها مع التنظيم الدولي، ولذا ازدادت هذه المخاوف بعد صعود الإخوان المسلمين لسدة الحكم في مصر، وتوجست من تصدير الثورة التي صعّدتهم للداخل الإماراتي.



هذا وذاك (الخوف من المد الوهابي والتمدد الإخواني)، جعلا الإمارات تتغاضى عن الخطر الإيراني، بل وترى في التقارب مع الإيرانيين وحضورهم القوي في الإمارات، نوعا من إحداث التوازن ضد هذه القوى الإسلامية.



*وكما قال الأكاديمي العراقي فارس الخطاب: "دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل نموذجا آخر للعلاقة بين المشروع الإيراني والموقف الخليجي، فأبو ظبي مثلا تناست احتلال إيران لجزرها الثلاث، وانتشار عشرات التنظيمات الإيرانية الإرهابية داخل أراضيها، لتضع جُل اهتمامها وهواجسها في موضوع تنظيم الإخوان المسلمين ليس في الإمارات فحسب بل في كل مكان من العالم. وهو لعمري موضوع بالغ الغرابة، وتحسّس مفرط من خطر ربما يكون موجودا بشكل أو بآخر مقابل خطر حقيقي بدأ يحيط بها من خاصرتها ومحيطها الأمني!".

وربما عمَّق لدى الإمارات اعتمادها على التقارب الإيراني، ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على مسرح الأحداث.



الخطر الإيراني على الإمارات:

إنَّ على الإمارات مهما كانت الدوافع لديها للتقارب مع إيران، ألا تغفل عن المشروع الإيراني في المنطقة، والذي يعد ابتلاع الخليج جزءًا أساسا فيه.

مشروع الهلال الشيعي لم يعد خافيا على العامة فضلا على الساسة، وهو ما صرح به ملك الأردن من قبل، وتحدثتْ عنه الكتب والمراجع، بل والإيرانيون أنفسهم من خلال تصريحاتهم وأدبياتهم.

فالتعويل على إقامة علاقات مستقرة مع إيران، لن يكفل للإمارات حماية حدودها وصيانة أمنها ضد التدخل الإيراني، فهي لن تستطيع نزع السم وغريزة العدوانية من تلك الأفعى الإيرانية.

وكما أكرر دائما: إيران تستغل الأقليات الشيعية التي توالي المرجعيات في إيران، في تمرير وتفعيل النفوذ الإيراني داخل الدول.

وعبثا تحاول إيران الاعتماد على روح الوطنية لدى هؤلاء الشيعة في الداخل، في الفصل بينهم وبين إيران، فالرابط بينها عَقَدي تحت راية ولاية الفقيه، ونادرا ما تكون هناك أقليات شيعية لا تدين بالولاء لإيران الوطن الأم، ولن تستطيع فصم الشيعة في الداخل عن إيران إلا بعد تحجيم نفوذ طهران وتقنين العلاقة معها.



*الإمارات، تلك الدولة التي تضم واحدة من أكبر جاليات القوى العاملة المهاجرة، ولا تتعدى نسبة الإماراتيون فيها 10%، تتدفّق فيها عشرات المليارات الإيرانية، لذا تعاظم نفوذ الشيعة.



*وتشير بعض الإحصاءات أن عدد الشيعة في الإمارات حوالي 17 أو 18% من إجمالي السكان، ولهم حُسينياتهم، ويمارسون طقوسهم الدينية والثقافية والمآتم والمناسبات الشيعية في حرية تامة.



*ولهم مجلس الأوقاف الجعفرية الذي تأسّس بمرسوم أميري، يشرف على أمورهم ومتطلباتهم الدينية.

ويعمل معظم الشيعة بالإمارات في تجارة الذهب وقطاعات الأعمال والتجارة والأعمال البحرية.



*وبحسب تقرير لموقع المثقف الجديد، فإن الطائفة الشيعية في الإمارات قوة ممنهجة تعمل وفق خطط استراتيجية مدروسة وموجهة من قبل الخارج وخاصة من قبل مرجعيات طهران.

*المشكلة الكبرى، أن حكومة الإمارات لم تسمح للإسلاميين من أهل السنة بمساحات توازن بها الوجود الشيعي، وهو ما يُعرّض الدولة لأن تكون عرضة لمزيد من تنامي النفوذ الإيراني.



يا أهلنا في الإمارات:

حكومة وشعبا.. لستُ هنا لأخدعكم وقد ندمتُ على صيغة خطابي السابق وقررتُ بعد صولات وجولات كتبتُ فيها ما كتبتُ من مقالات قاسية اللهجة وصادمة أحيانا .. أن أنتهج أسلوبي هذا في البحث والكتابة ومُخاطبة الآخر ..



تأكّدوا يا أهل الأمارات: أن التماس الأمن والأمان لن يكون مع تلك الأفعى الإيرانية، أنتم جزء أساس وحيوي من الخليج العربي، وتحتاجون أكثر ما تحتاجون إلى تماسُك خليجي ووحدة خليجية.

كل دولة من دول الخليج بمُفردها ستكون فريسة للأطماع الإيرانية وغير الإيرانية، أما إن اتّحدتْ اتّحادا حقيقيا لا شكليّا، فلديها من الأموال والموارد ووحدة الجغرافيا والعلاقات الدولية، ما يمكنها من الوقوف أمام المد الإيراني بدلا من الانحناء أمامه والتماهي مع سياساته.

*يا أهلنا في الإمارات، ليس الإسلاميون هم العدو، ولم يكونوا يوما عدوا، فافتحوا باب الحوار، وقرّبوا الأكفاء، وميِّزوا العدو من الصديق.

*يا أهلنا في الإمارات، التحديات كبيرة، والأخطار تتنامى، فلننبذ المخاوف غير المبررة، وتخوين الأشقاء، ضعوا أيديكم في أيديهم، ووحّدوا كلمتكم ومواقفكم تجاه الملفات الخارجية وعلى رأسها إيران.

يا أهلنا في الإمارات إيران أفعى ولستُ أُبالغ و لن يزول سمّها، ولن تكُفّ عن غدرها، فلا تلاعبوا الأفاعي ولا تُرحّبوا بها.. ولا تتركوا لها الجحور مفتوحة ولا الشقوق .. وستعلمون أني ما خدعتكُم يوما وما كنتُ لإيران وأذنابها من الظالمين..