الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٠٠ مساءً

البقرة المقدسة والثور المُدان

ماجد عبد الهادي
الخميس ، ٢٦ فبراير ٢٠١٥ الساعة ٠٧:٣٧ مساءً
تتورط مذيعة تلفزيونية لبنانية في محاولة عقد مقارنة بين دولة الخلافة الإسلامية (داعش) وجمهورية إيران الإسلامية، فينسحب ضيفها، المحسوب على جماعات طهران، ويغادر الأستوديو غاضباً، من دون أن يكمل الحوار الذي بدأه، ثم سرعان ما تقوم قيامة صحف بيروت، وينبري محللوها وكتاب أعمدتها، فضلاً عن نشطاء مواقع الإعلام الاجتماعي، إلى خوض جدل صاخب، لا يقف عند حدود مناقشة محتوى الحدث، ومعناه، بقدر ما ينزلق، في بعضه الأسوأ، إلى الهجوم الشخصي على هذه التي تجرأت على القول، أو كادت، إن ما ترونها بقرة مقدسة ليست إلا رديفة أو شقيقة، أو قرينة ذلك الثور المُدان، وهي شريكته، ربما، أو مثيلته، على الأقل، في سلوكها التدميري، المنافي لقيم الحضارة الإنسانية.

حلقة النقاش التلفزيوني المبتورة الرأس، بدأتها المذيعة بعرض صور لعمليات تنكيل وقتل تمارسها السلطات الإيرانية بحق معارضيها، وهو ما نفى الضيف حدوثه، بالمطلق، ليتحدث، وكثيرون سواه، من بعده، عن أعمال فبركة، وتزييف، تملأ مواقع الإنترنت، بهدف تشويه ما يوشك هؤلاء على وصفه بـ "المدن الفاضلة" في بلاد فارس.
إنها رواية الإنكار تتجدد، دونما اكتراث، بافتضاح أمرها، مرات ومرات؛ كذبٌ كلُ ما يقال، عن قمع المعارضين الإيرانيين، وجلدهم في الساحات العامة، ومفبركةٌ هي الصور، التي تتسرب من وراء أسوار الحرس الثوري، ومليشيا الباسيج، لتعرض ما يتعرض له عرب الأحواز، من اضطهاد مريع، مثلما كانت مفبركةً، في مثل هذه الأيام قبل أربع سنوات، الصور التي تدفقت من خلف جدران "مملكة الصمت"، لتعرض أولى مظاهرات الثورة السورية.

ألم يزعم أحد أبرز المدافعين عن إيران ونفوذها في العالم العربي أن لا شيء يحدث في سورية، وأن ما كانت تعرضه قناة الجزيرة مجسمات مصطنعة للمدن السورية، أقيمت في صحاري قطر، وجيء إليها بألوف الممثلين، لفبركة أخبار عن ثورة لم تحدث، ولن تحدث، ضد نظام بشار الأسد؟!

في المعلن، من منطق هؤلاء، وقد أيدوا ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن، كان عصياً على الفهم، أن يثور الشعب السوري ضد نظام حكم يرفع شعارات مقاومة العدو الصهيوني، حتى بعدما قتل ألوفاً من أبنائه، وزج ألوفاً آخرين في السجون، ونهب موارد البلاد، ليكدسها في حسابات عائلة الأسد الحاكمة، وأنسبائها، وشركائها.

في المعلن أيضا، من منطق هؤلاء، لا يمكن تصديق الأنباء عن فقر ملايين الإيرانيين، وعن تنكيل أجهزة أمن ملالي طهران بمعارضيهم، طالما أنهم يدفعون المليارات، للدفاع عن الأنظمة والمليشيات الطائفية التي تردد، من ورائهم، وعيداً لفظياً لا ينقطع بإزالة إسرائيل من الوجود.


لكن المخفي، من منطق الدفاع عن دور إيران، ونفوذها، ما عاد يحتاج إلى كبير اجتهاد وتقصٍ لاكتشافه، بعدما استمر الدفاع عنها، في منابر عربية كثيرة، دونما اكتراث بولوغها مباشرة، في دم السوريين، كما العراقيين. وحيث كان لافتاً للانتباه، على الدوام، أن حاملي لواء تنزيه الموقف الإيراني عن أغراض التوسع الإمبراطوري الفارسي، محسوبون، غالباً، على اتجاهات قومية عربية، ويسارية، فإن هذا اللغز وجد حله الفاضح، في طفرة تمويل تأسيس صحف ومواقع أخبار ومراكز أبحاث وقنوات تلفزة فضائية، لا سيما في بيروت، ودمشق، وبغداد.

حدث ذلك، وما زال في الوقت الذي لم يكف فيه هؤلاء عن اتهام كل من يختلف معهم، بالارتهان إلى ما يسمونه البترودولار الخليجي، لكأن الأموال التي تنهال عليهم تتأتى من ريع ماء زمزم، لا من مبيعات النفط الإيراني، ولكأن قائد "فيلق القدس" في الجمهورية الإسلامية، قاسم سليماني، يعمل مبعوث سلام، لا حاكماً عسكرياً أجنبياً يقود مقتلة للعرب، في سورية والعراق، تشبه، بل تكمل مقتلة أخرى ترتكبها دولة الخلافة الإسلامية (داعش) فيتخاذل العالم عن منع أولاهما، ويعجز عن وقف الثانية.

"العربي الجديد"