الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٠٤ مساءً

"والله ما هو حُكم عسكر"

ماجد عبد الهادي
الخميس ، ١٩ فبراير ٢٠١٥ الساعة ٠١:٠٠ مساءً
أطلقوا على أنفسهم اسم الضباط الأحرار، واستولوا على البلاد، بناسها ومقدراتها، حين كانت تنعتق للتو، من الاستعمار التقليدي، البريطاني والفرنسي. تصارعوا، في البدء، وحاكوا، ونفذوا الانقلابات العسكرية، ضد بعضهم بعضاً، تحت مبررات وذرائع، وصلت في غير مرة، إلى حد أن يُخوّن أحدهم رفاق الأمس، ويقتادهم إلى ساحات الإعدام.
تلطوا، دوماً، خلف الأهداف القومية الكبرى، وفلسطين، وحلم تحريرها، للتعمية على مقاصد الطمع بالسلطة والثروة. صادروا الحريات، والحقوق الأساسية، وفرضوا الأحكام العرفية، وزجّوا آلاف الشباب في السجون، بتهم مثيرة لضحك كالبكاء، ومنها تثبيط الشعور القومي، وإعاقة أنظمة الحكم عن مواجهة التحديات الخارجية التي اقتضت، أيضاً، وفي الوقت نفسه، نهب الموارد الوطنية، بحجة تكريسها لإعادة بناء القوة العسكرية، أو لتحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو، وبما أدى، طبعاً، إلى انهيار الخدمات الأساسية، والتعليمية، والصحية، ودفع ملايين المواطنين نحو غوائل الفقر والمرض والجهل.

في المقابل، صبرت عليهم الشعوب صبر أيوب، وأكثر.
أعطتهم الفرصة تلو الفرصة، لينجزوا شيئاً من شعاراتهم. كان الناس، بأجيالهم المتعاقبة، مستعدين، للتضحية، بالخبز من أجل الكرامة، فتحملوا الجوع، في انتظار ساعة النصر، وظلوا يعللون النفس بالأمل، حتى وهم يرون جيوشهم الوطنية تجرجر أذيال هزائمها المتلاحقة، لكنهم ما عادوا قادرين على كبح جماح ثوراتهم، مع إيغال حلف الجنرالات ورجال الأعمال وأبناء الرؤساء، وأقربائهم، وأنسبائهم، في نهب الاقتصاد وتكديس الثروات، وصولاً إلى توريث حكم البلاد ذات النظم الجمهورية، باعتبارها ملكيات خاصة، في زمن صارت فيه إسرائيل، تنام ملء جفونها، بموجب ما أبرمت معهم من اتفاقيات علنية أو سرية، صريحة أو ضمنية، تجعل منهم حراساً يقظين لأمنها واستقرارها.

"يسقط حكم العسكر"، هتفت شوارع القاهرة، متأخرة نصف قرن، على الأقل، عن تاريخ استيلاء الضباط على السلطة، في مصر وسورية والعراق، لا بل إن هذا الهتاف المعبر عن اكتشاف انتهاء صلاحية قادة الجيش، وفسادهم، لم يدوّ في فضاء "المحروسة" إلا بعد ثورة 25 يناير وإسقاط الرئيس حسني مبارك، ثم عودة جنرالات آخرين، من طغمته الفاسدة، إلى الإمساك بزمام الدولة مرة أخرى.

لذلك، كان على الفريق عبد الفتاح السيسي، حين انقلب على التجربة الديمقراطية الوليدة، في مصر، أن يواصل حلف الأيمان الغلاظ "والله ما هو حكم عسكر" حتى يتمكّن، في زمن ثورة الاتصالات والقنوات الفضائية والإنترنت من تنفيذ انقلاب تقليدي، على طريقة خمسينيات القرن الماضي، أي عندما كان المذياع (الراديو) بحجم صندوق خضار كبير، ويصعب العثور فيه، على مصدر للأخبار، سوى محطات إذاعية، لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد، وأبرزها "بي بي سي" من لندن، وصوت العرب من القاهرة.

وإذ كتب المدونون آلاف الصفحات، في تصديق أيْمان السيسي، وتكذيبها، كما جادلوا في ما إذا كان استبداله البزة العسكرية بالياقة البيضاء وربطة العنق، يكفي ليثبت أنه صار بين عشية وضحاها مدنياً ديمقراطياً، فإن أياً من أولئك أو هؤلاء، لم ينتبه إلا بعد فوات الأوان، ربما، أن الرجل والمحيطين به، على ما يكشف المتسرب من أحاديثهم، وحواراتهم، ينتمون إلى شريحة اجتماعية أسوأ بكثير من العسكر، على ما لهم من سمعة مشينة.

"حلال علينا البلد"، قال أحدهم مختتماً النقاش الحسابي حول عدد مليارات الدولارات التي تلقوها، من دول خليجية، قال السيسي نفسها إن لديها أموالاً "زي الرز". وأمام مفردات كهذه، وسواها من تلك التي يعفّ القلم عن ذكرها، والتي لا يستخدمها عادة سوى اللصوص ورجال العصابات، صار على خصوم ومؤيدي "البرينس" أو "المعلم الكبير" أن يُقرّوا معاً بأنه كان صادقاً يوم أقسم قائلاً "والله ما هو حكم عسكر".

"العربي الجديد"