لا أحد من المسلمين وغير المسلمين، من المؤمنين والكافرين إلاّ ويستنكر الطريقة البشعة التي تم بها إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وبالمقابل فإن أحداً لا يصح ولا يجوز أن يصمت على ما فعلته وتفعله الولايات المتحدة عبر طائراتها من دون طيار من قتل للبشر بإحراقهم من الجو وهي الأسبق إلى مثل هذا الفعل الشنيع إحراق البشر وهم أحياء . ولن ينسى اليمنيون موكب العرس الذي تحول من كان فيه من نساء وأطفال ورجال إلى جثث متفحمة بفعل الصواريخ التي أطلقتها طائرة من دون طيار، وقيل -يومئذ- إن ذلك حدث عن طريق الخطأ!! ولم تكن تلك الجريمة البشعة هي الأولى من نوعها، وما كانت الأخيرة فقد سبقتها وتبعتها كثير من الغارات العشوائية التي لا تفرق بين مطلوب وغير مطلوب بين من ترى الولايات المتحدة واجب القضاء عليه ومن لا تريد .
إن اختلال المعايير وازدواجها في مثل هذه الحالات وغياب منطق الإنصاف في الإدانة يفتح الباب واسعاً للأقوياء لكي يفتكوا بالشعوب الآمنة ويجعلوا من الأجواء ساحة لقتالهم الذي يبدو انه بلا نهاية، وفي الوقت نفسه يزيد من مساحة ما يسمى بالإرهاب ويجعل العالم أو بالأحرى الأغلبية من أبنائه يتساءلون ما الفرق بين قاتل يحرق البشر من الفضاء وقاتل يحرقهم على الأرض؟ ولماذا تدان القوة الغاشمة والهمجية الصغيرة ولا تدان القوة الهمجية الغاشمة الكبيرة؟ لقد انطلقت أصوات كثيرة من داخل الولايات المتحدة نفسها ومن شعوب أخرى تطالب صراحة وبلا هوادة بوضع حد للقتل من الفضاء . لكن هذه الأصوات لم تجد في الإدارة الأمريكية الراهنة من يصغي إليها أو يناقش وجهة نظرها، وقد طرح عدد من المحتجين تساؤلات أخرى، مثل: لو امتلك الإرهابيون طائرات من نفس الطراز الذي يحرق البشر من الجو واتجهوا بها في أعمال إرهابية إلى أية أمة أو مدنية كيف ستكون ردود الأفعال الدولية ومواقف أقارب الضحايا!!
إن العالم المأسوف عليه يعيش الآن زمن الحروب الجبانة، الحروب عن بعد، حيث يطلق فيها الجندي نيرانه على خصمه من على بعد آلاف الأميال، ولا يهمه إن كانت نيرانه قد اصطادت خصمه أم أي إنسان آخر لا حول له ولا قوة ولا شأن له في الخصومات الدائرة بين المتحاربين . وفي هذه الحروب الجبانة يسقط الآلاف من الأبرياء والطيبين وعادة ما تكون الضحايا من الأطفال والنساء الذين لا يدرون أين يتربص بهم الموت في الأرض أو من الفضاء، وأغلب من قتل في الحرب العراقية التي شنتها الولايات المتحدة عام 2003 وقد بلغ عددهم الإجمالي حسب الإحصائات المثبتة إلى مليون ونصف المليون كانوا ضحايا القصف من بعد . إذ كانت صواريخ كروز تنطلق من البحر الأبيض المتوسط ومن أماكن أخرى بعيدة، والذين يأمرون بإطلاقها كانوا يشربون الشاي أو يتمتعون بالحمامات الشمسية كما روت ذلك وأكدته الصحافة الأمريكية واعترف به القادة المحاربون حملة الأوسمة متعددة الألوان .
إن الإرهاب مدان من كل الملل والنحل، والعدوان على الشعوب وقهرها مدان أيضاً من كل الملل والنحل، وإذا لم تكن الإدانة شاملة فإن ميزان العدالة العالمية سيبقى معوجّاً، ولن يعرف الاستقامة المطلوبة إلاَّ إذا تساوت المعايير وامتلك إنسان القرن الحادي والعشرين الحرية والقدرة على التمييز بين أصدقائه وأعدائه بين من يمثلون الخير ومن يمثلون الشر، من يحافظون على حياة الناس ومن يسعون إلى قتلهم سواء من الأرض أو من الفضاء، يطلقون عليهم نيران بنادقهم أو أية نيران أخرى، والذين يدفنون رؤوسهم اليوم في التراب ويتجاهلون ضحايا الطائرات الأمريكية العمياء سيفاجأون غداً بمزيد من الطائرات العمياء لاسيما وقد علموا أن مصانع الأسلحة في الكيان الصهيوني تعكف منذ سنوات على إنتاج هذا النوع من الطائرات.
*الخليج الإماراتية