تعيش مدينة تعز جنوب اليمن، حالة من الانقسام والتباين بين القوى السياسية المؤيدة للشرعية، أفرزت صراعا خفيا قد يزيد من تعقيدات المشهد في مدينة لاتزال تخوض أعنف المعارك مع المتمردين الحوثيين وكتائب علي عبدالله صالح على مدى عام ونصف.
وعلى الرغم من تقليل البعض لحدة التباينات بين نخب تعز، واستبعاد حدوث أي تأثيرات على معركة استعادة المدينة، على اعتبار أنها "سطحية"، إلا أن آخرين لم يخفوا خشيتهم من تطورات هذا المتغير الذي بدت ملامحه في الظهور على أساس فرز سياسي وتحالفات بدأت في التشكل.
وتستعرض صحيفة "عربي21" أبرز ملامح تفاعلات وتعقيدات المشهد في تعز، الأمر الذي دفع الرئيس عبدربه منصور هادي لدعوة الأحزاب فيها إلى التوحد وتجاوز الخلافات بينها.
تناقضات واختلاف
وفي هذا السياق، قال رئيس منتدى الجزيرة العربية للدراسات، نجيب غلاب، إن تعز تموج بالتناقضات على المستوى السياسي والاقتصادي.
وأرجع غلاب هذه الجزئية في حديث خاص لـ"عربي21"، لـ"غياب العصبية الجامعة للتكتل داخلها، رغم الشعور العميق بالانتماء للجغرافيا، الذي تتنازعه رؤى متنوعة".
وأضاف رئيس منتدى الجزيرة، أن اختلاف الأيدولوجيات الحزبية والمصالح المتنوعة، أنتجت حالة الانقسام السائدة لدى نخبتها. مشيرا إلى أن هذا ما يمكن تفسيره لخارطة المشهد في تعز.
صراعات سطحية
من جهته، اعترف المسؤول الإعلامي لمجلس المقاومة التنسيقي بتعز، رشاد الشرعبي أن هناك صراعات سطحية بين منتمين لأحزاب، وأنه تم إرسال معلومات خاطئة إلى الرئيس هادي، الأمر الذي جعله يوجه نداء للقوى السياسية في المدينة بالوحدة وتجاوز أي خلافات.
وقال في حديث لـ"عربي21" إن تعز معروفة بثقافتها المدنية، والحزبية جزء من هذا السلوك، وبالتالي من الصعب أن تتخلى المدينة عن "التعددية الحزبية" التي اعتبرها بأنها إحدى روافع العمل المدني وأسس الدولة المدنية.
وحول تأثيرات التباينات بين الفاعلين السياسيين في تعز على ملف تحريرها، استبعد الشرعبي، ارتباط تعثر حسم المعركة فيها بما يدور بين الأحزاب.
وأضاف أن ما يقف حائلا دون تحرير تعز هو "انعدام التسليح النوعي والكافي"، ولا علاقة للحزبية أو الأحزاب بذلك من قريب أو بعيد.
وأردف المسؤول الإعلامي في مجلس تنسيق المقاومة قائلا: تحرير تعز يحتاج لتسليح وإمكانيات مادية وذخيرة، وهذا واضح من خلال الخطط العسكرية التي أعدها خبراء.
لوبي التقارير
وعلى نحو مغاير لما طرحه الشرعبي، يبدو الصراع في تعز أكثر عمقا، وتستند هذه الفرضية إلى وجود "لوبي"، يقوم برفع تقارير غير واقعية للتحالف بشأن المعارك التي يخوضها الجيش والمقاومة ضد الحوثيين.
وتشير معلومات مسربة عن لقاء جمع قيادة محور تعز بقادة التحالف في عدن، الذين تحدثوا أن المعارك الدائرة في تعز "وهمية"...وأن هذه التقارير رفعت من داخل تعز.
مستشفى الروضة ضحية
التقارير المرفوعة للتحالف لم تقف عند ميدان القتال، بل طالت مراكز طبية في المدينة وأبرزها "مستشفى الروضة"، الذي وقع ضحية لتقارير كاذبة. وفقا لمسؤول طبي.
المسؤول الطبي في مستشفى الروضة بتعز، تحدث لـ"عربي21" عن أن مركز الملك سلمان للإغاثة، رفض تجديد عقد تمويل معالجة جرحى تعز مع المستشفى بسبب تقارير كاذبة".
وأضاف، مفضلا عدم ذكر اسمه، في حديث خاص لـ"عربي21" أن "الروضة" وقع عقدا مع مركز الملك سلمان لعلاج 150 جريحا بمبلغ 600 ألف دولار، وعندما انتهت فترة العقد، اتجهت إدارته لاستلام مستحقاتها المتفق عليها وتجديد العقد.
لكن الأمر المفاجئ بحسب المسؤول الطبي في "الروضة"، رفض المركز تجديد العقد بحجة أن "هناك تقارير رفعت له من زارة الصحة ومن جهات أخرى في تعز، بأن المستشفى لم يستقبل الجرحى". نافيا صحة هذه التقارير.
وأكد المصدر ذاته أن مركز الروضة فتح أبوابه يوم أغلقت المستشفيات الخاصة أبوابها في وجه الجرحى والشهداء.
وبين أنهم استقبلوا منذ آذار/ مارس 2015 وحتى نهاية 2016 (2934 ) قتيلا من المقاومة و(15,886) مصابا. لافتا إلى أن المستشفى استقبل (2300) مصاب خلال فتره العقد المقررة بستة أشهر، وليس 150 كما هو الرقم المتفق عليه في العقد.
تشكيل كيان سياسي
وبرز إلى واجهة المشهد في تعز "التكتل المدني" وهو كيان شارك في تأسيسه الحزب الاشتراكي اليمني، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، بالإضافة إلى حزب المؤتمر الشعبي العام (جناح الرئيس هادي) واتحاد القوى الشعبية، ومجلس تنسيق النقابات العمالية ونقابة المحامين في تعز، ومجموعة أخرى من المكونات الاجتماعية والأكاديمية والإعلامية والشبابية والنسوية والشخصيات الوطنية في محافظة تعز، بينما يعد حزب التجمع اليمني للإصلاح الغائب الأبرز عن التكتل الجديد.
وتثار العديد من الأسئلة حول ضرورات تشكيل هذا التكتل الذي أشهر في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، في ظل انضواء "الحزب الناصري والاشتراكي واتحاد القوى الشعبية" ضمن مجلس تنسيقي للمقاومة، ومن قبله تكتل "اللقاء المشترك"، وهو تشكيل سياسي يضم أحزاب المعارضة لنظام صالح سابقا ومنها حزب الإصلاح.
لكن الكيان الجديد قد يوصف بأنه "أحد محركات الصراع الدائر في تعز"؛ بدليل استبعاده أكبر المكونات المؤيدة للشرعية "حزب الإصلاح" يقول ناشطون في الحزب.
ترف سياسي
الصحفي والناشط السياسي، مازن عقلان اعتبر أن الإعلان عن تكتل مواز في ظل حالة "الانقلاب المليشاوي" التي تمر بها البلاد، لا يعدو عن كونه "ترفا سياسيا" أو كيانا موازيا مفرخا من تلك الأحزاب، بدأ مسيرته بمهاجمة بعض أطراف الشرعية ورموزها.
وقال في حديث لـ"عربي21" إن المسار الذي دأب عليه رئيس لجنته التحضيرية وبعض الأعضاء المؤسسين بـ"مساواة المليشيات الانقلابية" بـ"الجيش الوطني" وتحميلهما معا الوزر الأخلاقي للحرب، يشير إلى أن "هذا التكتل خلق وهو يحمل بذرة الفناء في أحشائه".
كما أن تسويق أن الجيش الوطني في تعز مدجن بالمتطرفين، "يكشف أن هذا الكيان قد سلك طريقا آخر بعيدا عن استحقاقات المرحلة، واصطف رموزه مع الانقلاب، وتحول إلى جبهة إنقاذ أخرى للحوثيين".
ودعا الناشط عقلان "التكتل المدني" إلى "الإسهام في وأد الانقلاب حتى يتمكن من أن ينتصر للمدينة، بدلا من لمز الجيش الوطني ورشقه بالتهم الباطلة"، على حد وصفه.
ولم يتسن لـ "عربي21" التواصل مع رئيس اللجنة التحضيرية للتكتل المدني، عبدالستار الشميري، لطرح رؤيته في ظل الانتقادات الموجه له والرد عليها؛ رغم محاولتها بذلك.
غير أن الشميري برر في تصريحات صحفية أن "تأسيس تكتل مدني في تعز بات في إطار الضرورات، خصوصا بعدما أصبحت موجات التشويه لمدينة تعز واضحة للعيان، من خلال سلوكيات فاضحة تقوم بها مجاميع محسوبة على أطراف مختلفة".
ضد سلطات الأمر الواقع
وفي تصريحات صحفية أدلى بها الرجل في وقت سابق، فإن نزعة الاستعداء وتمزيق النسيج الاجتماعي تتغذى كل يوم بين أبناء تعز، بالإضافة إلى محاولة البعض تكريس سلطات الأمر الواقع والتهرب من استحقاقات واجبات الدولة والسلطة المحلية.
وبحسب الشميري، فإن "مليشيات معظم الأحزاب اليمنية والتيارات الدينية المتشددة ضالعة في الحرب الدائرة بتعز بين القوات الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي المتمثلة في الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من جهة وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح ومليشيات الحوثي من جهة ثانية".
وأوضح أنه: "من جانب المقاومة هناك تيارات دينية وأخرى متحزبة تضم حزب الإصلاح، الذي له سبعة آلاف مقاتل كمليشيات في مناطق عدة من تعز".
وأضاف: "هناك مليشيات سلفية متعددة تقدر بخمسة آلاف مقاتل منها السلفية الجهادية والتكفيرية والمعتدلة والسلفية السرورية، ولها كتائب تحمل اسم حسم وأبو العباس، وتنظيم قاعدة ومليشيات أخرى تتبع أفرادا ووجاهات ومجاميع مسلحة، منضوية في صفوف المقاومة سواء كان ذلك في المدينة أو في الريف".
وبرأ الحزبين "الاشتراكي’" و"الناصري’" من امتلاكهما أي مليشيات، بل قال إن لهما قيادات عسكرية في الجيش الوطني والمقاومة وقيادات تعمل بالتنسيق مع بعض الوحدات العسكرية والمقاومة، ولكن ليس لهما وحدات مليشاوية، بل لهما أفراد يقاتلون في جبهات عدة.
تذمر واستياء
وفي شأن متصل، بدا التذمر والاستياء واضحا في تعز من الوعود المتكررة للقيادة الشرعية بشأن "ملف تحرير المدينة وتعزيزها بالعتاد اللازم لذلك"، إلا أن الشعور تبلور إلى خروج للشارع من قبل الناشطين في المقاومة والتلويح بتهييج السكان ضد هادي وحكومته لخذلانها المستمر لتعز.
الكاتب والمحلل السياسي، فيصل علي، قال إنه لا يوجد سخط شعبي في تعز ضد الشرعية، فالمقاومة والجيش الوطني يتبعان الشرعية مباشرة.
محاولة استغلال
لكنه استدرك قائلا: هناك أطراف تبحث عن ظهور وتريد استغلال ما يشاع عن تخلي الشرعية عن تعز، والأصل عدم فتح ثغرة خلف الجيش الوطني والمقاومة إذا كان هناك حرص على المدينة.
واعترف في حديث لـ"عربي21" بأن هناك تذمرا واضحا للقطاع الحكومي في تعز، ويعود ذلك إلى "مسألة المرتبات" ومع ذلك بدأت الحكومة بترتيب هذا الوضع وإقرار ميزانية لتعز".
وكان رئيس الوزراء، أحمد بن دغر، قد وجه قبل أيام، وزارة المالية بإقرار ميزانية لمدينة تعز.
وحول خروج بعض المسلحين لشارع جمال في تعز، الأسابيع الماضية، ورفع شعارات ساخطة على الشرعية، أكد السياسي علي أن عدد من خرجوا لم يتجاوز الـ 25 فردا، وهو خروج تحت لافتة لواء في المقاومة وليس خروجا منفلتا، بل خروج محدد ومعروف وله مطالب وعنوان واضح.
وأوضح الكاتب فيصل أن الصراع الجاري في تعز هو صراع بين "مكونات حزبية" وليس صراعا بين "فصائل المقاومة"، مؤكدا أنه "طبيعي" لكنه ممقوت في هذه المرحلة ودليل على ضعف الولاء الوطني لتلك المكونات.
وتجدر الإشارة إلى أن حاكم مدينة تعز، وجه بإيقاف قرارات التعيين التي أصدرها بعض قيادات المقاومة المعينة ضمن الجهاز الإداري للمدينة، لمدراء محسوبين عليهم في بعض المناصب الإدارية فيها.
إجراءات دمج المقاومة بالجيش
من جهة أخرى، أكد الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني بتعز، عقيد ركن، منصور الحساني، أنه تم إنجاز 80 في المئة من عمليات دمج المقاومة الشعبية في الجيش، ولم يبق سوى 20 في المئة، يجري العمل على استكمال هذه الإجراءات على قدم وساق.
وأضاف في تصريح خاص لـ"عربي21" أنه تم تجنيد 15000 ألف مقاتل ومنحهم أرقاما عسكرية رسمية ضمن وحدات الجيش الوطني في المحافظة.
وأشار الحساني إلى أن مسرح العمليات القتالية في تعز، قسمت على ثلاثة ألوية عسكرية بدءا بضم الجبهات الشرقية والشمالية وجبهة صبر، التي جرى تشكيلها نظاميا ضمن قوة اللواء 22 ميكا بقيادة العميد، صادق سرحان. مؤكدا أن هذا اللواء بات مسؤولا عن هذه التشكيلات وإدارة العمليات والمعارك فيها.
وذكر عقيد ركن الحساني أن "الجبهات الغربية وجبهتي الضباب وجبل حبشي، يضاف إليهما جبهات مقبنة والوازعية وراسن وبني عمر" أصبح كل المقاتلين فيها ضمن التشكيلات المقاتلة للواء 17 مشاة، تحت قيادة العميد، عبدالرحمن الشمساني.
أما جبهات "الأقروض وسامع والصلو وقدس والأحكوم وهيجة العبد وحيفان" وفقا لناطق الجيش، فإنه جرى ضمها إلى قوة اللواء 35 مدرع، بقيادة العميد، عدنان الحمادي.
وبحسب العقيد الحساني، فإن تشكيلات المقاومة الشعبية، تم دمجها رسميا ضمن ألوية الجيش النظامية، بدءا بـ "كتائب حسم" ضمن قوة اللواء 17 مشاة، مرورا بكتائب أبو العباس ( تشكيل سلفي) على قوة اللواء 35 مدرع، وصولا إلى لواء الصعاليك التي قضى القرار بضمه لقيادة محور تعز. مشيرا إلى أن جميع هذه الفصائل باتت عبارة عن كتائب عسكرية، وأنهى قرار دمجها مسمياتها المعروفة.
ويسيطر الجيش الموالي للرئيس هادي، على 80 بالمئة من مدينة تعز، إلا أنه مازال عاجزا عن فك الحصار بشكل كامل عن المدينة والمفروض من قبل الحوثيين وكتائب صالح، الأمر الذي فاقم معاناة السكان ووصل بهم إلى حد الكارثة.
وتشير التقديرات إلى أن نحو ثلاثة آلاف و280 قتلوا وجرح قرابة 15 ألفا و82 آخرين، أغلبهم من السكان المدنيين وكذا من القوات الحكومية، منذ بدء الحرب بتعز في نيسان/ أبريل 2015 وحتى نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.
وعلى الرغم من تقليل البعض لحدة التباينات بين نخب تعز، واستبعاد حدوث أي تأثيرات على معركة استعادة المدينة، على اعتبار أنها "سطحية"، إلا أن آخرين لم يخفوا خشيتهم من تطورات هذا المتغير الذي بدت ملامحه في الظهور على أساس فرز سياسي وتحالفات بدأت في التشكل.
وتستعرض صحيفة "عربي21" أبرز ملامح تفاعلات وتعقيدات المشهد في تعز، الأمر الذي دفع الرئيس عبدربه منصور هادي لدعوة الأحزاب فيها إلى التوحد وتجاوز الخلافات بينها.
تناقضات واختلاف
وفي هذا السياق، قال رئيس منتدى الجزيرة العربية للدراسات، نجيب غلاب، إن تعز تموج بالتناقضات على المستوى السياسي والاقتصادي.
وأرجع غلاب هذه الجزئية في حديث خاص لـ"عربي21"، لـ"غياب العصبية الجامعة للتكتل داخلها، رغم الشعور العميق بالانتماء للجغرافيا، الذي تتنازعه رؤى متنوعة".
وأضاف رئيس منتدى الجزيرة، أن اختلاف الأيدولوجيات الحزبية والمصالح المتنوعة، أنتجت حالة الانقسام السائدة لدى نخبتها. مشيرا إلى أن هذا ما يمكن تفسيره لخارطة المشهد في تعز.
صراعات سطحية
من جهته، اعترف المسؤول الإعلامي لمجلس المقاومة التنسيقي بتعز، رشاد الشرعبي أن هناك صراعات سطحية بين منتمين لأحزاب، وأنه تم إرسال معلومات خاطئة إلى الرئيس هادي، الأمر الذي جعله يوجه نداء للقوى السياسية في المدينة بالوحدة وتجاوز أي خلافات.
وقال في حديث لـ"عربي21" إن تعز معروفة بثقافتها المدنية، والحزبية جزء من هذا السلوك، وبالتالي من الصعب أن تتخلى المدينة عن "التعددية الحزبية" التي اعتبرها بأنها إحدى روافع العمل المدني وأسس الدولة المدنية.
وحول تأثيرات التباينات بين الفاعلين السياسيين في تعز على ملف تحريرها، استبعد الشرعبي، ارتباط تعثر حسم المعركة فيها بما يدور بين الأحزاب.
وأضاف أن ما يقف حائلا دون تحرير تعز هو "انعدام التسليح النوعي والكافي"، ولا علاقة للحزبية أو الأحزاب بذلك من قريب أو بعيد.
وأردف المسؤول الإعلامي في مجلس تنسيق المقاومة قائلا: تحرير تعز يحتاج لتسليح وإمكانيات مادية وذخيرة، وهذا واضح من خلال الخطط العسكرية التي أعدها خبراء.
لوبي التقارير
وعلى نحو مغاير لما طرحه الشرعبي، يبدو الصراع في تعز أكثر عمقا، وتستند هذه الفرضية إلى وجود "لوبي"، يقوم برفع تقارير غير واقعية للتحالف بشأن المعارك التي يخوضها الجيش والمقاومة ضد الحوثيين.
وتشير معلومات مسربة عن لقاء جمع قيادة محور تعز بقادة التحالف في عدن، الذين تحدثوا أن المعارك الدائرة في تعز "وهمية"...وأن هذه التقارير رفعت من داخل تعز.
مستشفى الروضة ضحية
التقارير المرفوعة للتحالف لم تقف عند ميدان القتال، بل طالت مراكز طبية في المدينة وأبرزها "مستشفى الروضة"، الذي وقع ضحية لتقارير كاذبة. وفقا لمسؤول طبي.
المسؤول الطبي في مستشفى الروضة بتعز، تحدث لـ"عربي21" عن أن مركز الملك سلمان للإغاثة، رفض تجديد عقد تمويل معالجة جرحى تعز مع المستشفى بسبب تقارير كاذبة".
وأضاف، مفضلا عدم ذكر اسمه، في حديث خاص لـ"عربي21" أن "الروضة" وقع عقدا مع مركز الملك سلمان لعلاج 150 جريحا بمبلغ 600 ألف دولار، وعندما انتهت فترة العقد، اتجهت إدارته لاستلام مستحقاتها المتفق عليها وتجديد العقد.
لكن الأمر المفاجئ بحسب المسؤول الطبي في "الروضة"، رفض المركز تجديد العقد بحجة أن "هناك تقارير رفعت له من زارة الصحة ومن جهات أخرى في تعز، بأن المستشفى لم يستقبل الجرحى". نافيا صحة هذه التقارير.
وأكد المصدر ذاته أن مركز الروضة فتح أبوابه يوم أغلقت المستشفيات الخاصة أبوابها في وجه الجرحى والشهداء.
وبين أنهم استقبلوا منذ آذار/ مارس 2015 وحتى نهاية 2016 (2934 ) قتيلا من المقاومة و(15,886) مصابا. لافتا إلى أن المستشفى استقبل (2300) مصاب خلال فتره العقد المقررة بستة أشهر، وليس 150 كما هو الرقم المتفق عليه في العقد.
تشكيل كيان سياسي
وبرز إلى واجهة المشهد في تعز "التكتل المدني" وهو كيان شارك في تأسيسه الحزب الاشتراكي اليمني، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، بالإضافة إلى حزب المؤتمر الشعبي العام (جناح الرئيس هادي) واتحاد القوى الشعبية، ومجلس تنسيق النقابات العمالية ونقابة المحامين في تعز، ومجموعة أخرى من المكونات الاجتماعية والأكاديمية والإعلامية والشبابية والنسوية والشخصيات الوطنية في محافظة تعز، بينما يعد حزب التجمع اليمني للإصلاح الغائب الأبرز عن التكتل الجديد.
وتثار العديد من الأسئلة حول ضرورات تشكيل هذا التكتل الذي أشهر في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، في ظل انضواء "الحزب الناصري والاشتراكي واتحاد القوى الشعبية" ضمن مجلس تنسيقي للمقاومة، ومن قبله تكتل "اللقاء المشترك"، وهو تشكيل سياسي يضم أحزاب المعارضة لنظام صالح سابقا ومنها حزب الإصلاح.
لكن الكيان الجديد قد يوصف بأنه "أحد محركات الصراع الدائر في تعز"؛ بدليل استبعاده أكبر المكونات المؤيدة للشرعية "حزب الإصلاح" يقول ناشطون في الحزب.
ترف سياسي
الصحفي والناشط السياسي، مازن عقلان اعتبر أن الإعلان عن تكتل مواز في ظل حالة "الانقلاب المليشاوي" التي تمر بها البلاد، لا يعدو عن كونه "ترفا سياسيا" أو كيانا موازيا مفرخا من تلك الأحزاب، بدأ مسيرته بمهاجمة بعض أطراف الشرعية ورموزها.
وقال في حديث لـ"عربي21" إن المسار الذي دأب عليه رئيس لجنته التحضيرية وبعض الأعضاء المؤسسين بـ"مساواة المليشيات الانقلابية" بـ"الجيش الوطني" وتحميلهما معا الوزر الأخلاقي للحرب، يشير إلى أن "هذا التكتل خلق وهو يحمل بذرة الفناء في أحشائه".
كما أن تسويق أن الجيش الوطني في تعز مدجن بالمتطرفين، "يكشف أن هذا الكيان قد سلك طريقا آخر بعيدا عن استحقاقات المرحلة، واصطف رموزه مع الانقلاب، وتحول إلى جبهة إنقاذ أخرى للحوثيين".
ودعا الناشط عقلان "التكتل المدني" إلى "الإسهام في وأد الانقلاب حتى يتمكن من أن ينتصر للمدينة، بدلا من لمز الجيش الوطني ورشقه بالتهم الباطلة"، على حد وصفه.
ولم يتسن لـ "عربي21" التواصل مع رئيس اللجنة التحضيرية للتكتل المدني، عبدالستار الشميري، لطرح رؤيته في ظل الانتقادات الموجه له والرد عليها؛ رغم محاولتها بذلك.
غير أن الشميري برر في تصريحات صحفية أن "تأسيس تكتل مدني في تعز بات في إطار الضرورات، خصوصا بعدما أصبحت موجات التشويه لمدينة تعز واضحة للعيان، من خلال سلوكيات فاضحة تقوم بها مجاميع محسوبة على أطراف مختلفة".
ضد سلطات الأمر الواقع
وفي تصريحات صحفية أدلى بها الرجل في وقت سابق، فإن نزعة الاستعداء وتمزيق النسيج الاجتماعي تتغذى كل يوم بين أبناء تعز، بالإضافة إلى محاولة البعض تكريس سلطات الأمر الواقع والتهرب من استحقاقات واجبات الدولة والسلطة المحلية.
وبحسب الشميري، فإن "مليشيات معظم الأحزاب اليمنية والتيارات الدينية المتشددة ضالعة في الحرب الدائرة بتعز بين القوات الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي المتمثلة في الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من جهة وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح ومليشيات الحوثي من جهة ثانية".
وأوضح أنه: "من جانب المقاومة هناك تيارات دينية وأخرى متحزبة تضم حزب الإصلاح، الذي له سبعة آلاف مقاتل كمليشيات في مناطق عدة من تعز".
وأضاف: "هناك مليشيات سلفية متعددة تقدر بخمسة آلاف مقاتل منها السلفية الجهادية والتكفيرية والمعتدلة والسلفية السرورية، ولها كتائب تحمل اسم حسم وأبو العباس، وتنظيم قاعدة ومليشيات أخرى تتبع أفرادا ووجاهات ومجاميع مسلحة، منضوية في صفوف المقاومة سواء كان ذلك في المدينة أو في الريف".
وبرأ الحزبين "الاشتراكي’" و"الناصري’" من امتلاكهما أي مليشيات، بل قال إن لهما قيادات عسكرية في الجيش الوطني والمقاومة وقيادات تعمل بالتنسيق مع بعض الوحدات العسكرية والمقاومة، ولكن ليس لهما وحدات مليشاوية، بل لهما أفراد يقاتلون في جبهات عدة.
تذمر واستياء
وفي شأن متصل، بدا التذمر والاستياء واضحا في تعز من الوعود المتكررة للقيادة الشرعية بشأن "ملف تحرير المدينة وتعزيزها بالعتاد اللازم لذلك"، إلا أن الشعور تبلور إلى خروج للشارع من قبل الناشطين في المقاومة والتلويح بتهييج السكان ضد هادي وحكومته لخذلانها المستمر لتعز.
الكاتب والمحلل السياسي، فيصل علي، قال إنه لا يوجد سخط شعبي في تعز ضد الشرعية، فالمقاومة والجيش الوطني يتبعان الشرعية مباشرة.
محاولة استغلال
لكنه استدرك قائلا: هناك أطراف تبحث عن ظهور وتريد استغلال ما يشاع عن تخلي الشرعية عن تعز، والأصل عدم فتح ثغرة خلف الجيش الوطني والمقاومة إذا كان هناك حرص على المدينة.
واعترف في حديث لـ"عربي21" بأن هناك تذمرا واضحا للقطاع الحكومي في تعز، ويعود ذلك إلى "مسألة المرتبات" ومع ذلك بدأت الحكومة بترتيب هذا الوضع وإقرار ميزانية لتعز".
وكان رئيس الوزراء، أحمد بن دغر، قد وجه قبل أيام، وزارة المالية بإقرار ميزانية لمدينة تعز.
وحول خروج بعض المسلحين لشارع جمال في تعز، الأسابيع الماضية، ورفع شعارات ساخطة على الشرعية، أكد السياسي علي أن عدد من خرجوا لم يتجاوز الـ 25 فردا، وهو خروج تحت لافتة لواء في المقاومة وليس خروجا منفلتا، بل خروج محدد ومعروف وله مطالب وعنوان واضح.
وأوضح الكاتب فيصل أن الصراع الجاري في تعز هو صراع بين "مكونات حزبية" وليس صراعا بين "فصائل المقاومة"، مؤكدا أنه "طبيعي" لكنه ممقوت في هذه المرحلة ودليل على ضعف الولاء الوطني لتلك المكونات.
وتجدر الإشارة إلى أن حاكم مدينة تعز، وجه بإيقاف قرارات التعيين التي أصدرها بعض قيادات المقاومة المعينة ضمن الجهاز الإداري للمدينة، لمدراء محسوبين عليهم في بعض المناصب الإدارية فيها.
إجراءات دمج المقاومة بالجيش
من جهة أخرى، أكد الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني بتعز، عقيد ركن، منصور الحساني، أنه تم إنجاز 80 في المئة من عمليات دمج المقاومة الشعبية في الجيش، ولم يبق سوى 20 في المئة، يجري العمل على استكمال هذه الإجراءات على قدم وساق.
وأضاف في تصريح خاص لـ"عربي21" أنه تم تجنيد 15000 ألف مقاتل ومنحهم أرقاما عسكرية رسمية ضمن وحدات الجيش الوطني في المحافظة.
وأشار الحساني إلى أن مسرح العمليات القتالية في تعز، قسمت على ثلاثة ألوية عسكرية بدءا بضم الجبهات الشرقية والشمالية وجبهة صبر، التي جرى تشكيلها نظاميا ضمن قوة اللواء 22 ميكا بقيادة العميد، صادق سرحان. مؤكدا أن هذا اللواء بات مسؤولا عن هذه التشكيلات وإدارة العمليات والمعارك فيها.
وذكر عقيد ركن الحساني أن "الجبهات الغربية وجبهتي الضباب وجبل حبشي، يضاف إليهما جبهات مقبنة والوازعية وراسن وبني عمر" أصبح كل المقاتلين فيها ضمن التشكيلات المقاتلة للواء 17 مشاة، تحت قيادة العميد، عبدالرحمن الشمساني.
أما جبهات "الأقروض وسامع والصلو وقدس والأحكوم وهيجة العبد وحيفان" وفقا لناطق الجيش، فإنه جرى ضمها إلى قوة اللواء 35 مدرع، بقيادة العميد، عدنان الحمادي.
وبحسب العقيد الحساني، فإن تشكيلات المقاومة الشعبية، تم دمجها رسميا ضمن ألوية الجيش النظامية، بدءا بـ "كتائب حسم" ضمن قوة اللواء 17 مشاة، مرورا بكتائب أبو العباس ( تشكيل سلفي) على قوة اللواء 35 مدرع، وصولا إلى لواء الصعاليك التي قضى القرار بضمه لقيادة محور تعز. مشيرا إلى أن جميع هذه الفصائل باتت عبارة عن كتائب عسكرية، وأنهى قرار دمجها مسمياتها المعروفة.
ويسيطر الجيش الموالي للرئيس هادي، على 80 بالمئة من مدينة تعز، إلا أنه مازال عاجزا عن فك الحصار بشكل كامل عن المدينة والمفروض من قبل الحوثيين وكتائب صالح، الأمر الذي فاقم معاناة السكان ووصل بهم إلى حد الكارثة.
وتشير التقديرات إلى أن نحو ثلاثة آلاف و280 قتلوا وجرح قرابة 15 ألفا و82 آخرين، أغلبهم من السكان المدنيين وكذا من القوات الحكومية، منذ بدء الحرب بتعز في نيسان/ أبريل 2015 وحتى نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.