الرئيسية / مال وأعمال / المستفيدون والمتضررون من تحرير سعر صرف الجنيه المصري
المستفيدون والمتضررون من تحرير سعر صرف الجنيه المصري

المستفيدون والمتضررون من تحرير سعر صرف الجنيه المصري

04 نوفمبر 2016 05:21 مساء (يمن برس)
“لغز الجنيه والدولار”، الذي حيّر المصريين، ولم يعد الحديث إلا عن العلاقة التي تحكم العملتين المصرية والأمريكية، والسؤال على لسان كل مصري “كم سعر الدولار الآن؟”، سواء كان السائل له علاقة بالدولار أو ليس له علاقة، بل من “دافع الفضول”، وبعد أن كان يقتصر السؤال عن سعر الدولار كل يوم، صار كل ساعة، بعد القفزات الهائلة للدولار بشكل غير متخيل، حتى وصل سعر الدولار إلى 18 جنيها، وما واكب ذلك من مطاردات لمن يحمل دولارات، وإغلاق محلات الصرافة بالكامل، وتحولت السوق الموازية “السوداء” إلى الدهاليز السرية، والتعامل بالشفرة، عند التحدث عبر الهاتف بين البائع والمشتري.

هبوط شديد

واستمر “لغز سعر الدولار”، حتى فوجئ المصريون بهبوط شديد في سعر الدولار مساء الأربعاء الماضي، وبدأت وسائل الإعلام الحكومية والخاصة التابعة للنظام، بالحديث عن انخفاض سعر الدولار، إلى 13 جنيها في السوق الموازية، أي فقد 5جنيهات، في حين استمر السعر كما هو في البنوك 8.8 جنيه للدولار, لتأتي المفاجأة يوم الخميس بإعلان البنك المركزي المصري، تعويم الجنيه، وتحرير سعر الصرف، ويبدأ التداول رسميا في البنوك بسعر 13.1 للدولار، ثم ارتفع إلى 14 جنيها في نفس اليوم.

هل هو أكبر جريمة؟

ردود فعل مختلفة بشأن تحرير سعر الصرف، فهناك من انتقدوا هذا القرار بشدة، ووصفوه بـ”الجريمة” في حق الاقتصاد المصري، كما قال الناشط السياسي ممدوح حمزة، الذي اعتبر القرار “أكبر جريمة في حق الشعب المصري”، ورأى أن ” تعويم الجنيه لصالح المستثمرين الأجانب وسماسرتهم من رجال الأعمال المصريين”، وأضاف “عوم الجنيه من أجل المستثمر الأجنبي وتابعه سمسارا المصري وغرق المواطن.. عوم الجنيه من أجل رجل الأعمال وغرق المواطن لإرضاء النقد الدولي”.

#تعويم_الجنيه

وشن رواد موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، هجوما عنيفا على تعويم الجنيه، عبر هاشتاق “#تعويم_الجنيه” عقب قرار البنك المركزي، وزاد تفاعلهم معه حتى تصدر قائمة التريندات الأعلى في تويتر ، لكن هناك من دافعوا بقوة على القرار، ووصفوه بـ”الممتاز”.

اعتماد نظام مرن

ورحب صندوق النقد الدولي، بقرار مصر تعويم الجنيه، معتبراً إياه “خطوة تعزز قدرة البلاد التنافسية، وتساعد في جذب الاستثمار الأجنبي”، وقال رئيس بعثة مصر بصندوق النقد، كريس جارفيس، في بيان له، “نرحب بما قرره البنك المركزي المصري من تحرير نظام الصرف الأجنبي واعتماد نظام مرن لسعر الصرف”، وقال “في ظل النظام الجديد سيكون المواطنون على استعداد لبيع العملة الأجنبية وشرائها، وبذلك يوفر العملة في السوق .”

وأضاف الصندوق: “سيؤدي نظام سعر الصرف المرن، الذي يتحدد فيه سعر الصرف تبعاً لقوى السوق، إلى تحسين تنافسية مصر الخارجية، ودعم الصادرات والسياحة وجذب الاستثمار الأجنبي.. كل ذلك سيساعد على تعزيز النمو وخلق فرص العمل وتقوية مركز مصر الخارجي”.

عطاء دولاري استثنائي

وكان البنك المركزي المصري أعلن الخميس، تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الرئيسية، وفق آليات العرض والطلب في السوق المحلية، وذلك بعد أشهر من الترقب في الأسواق للقرار، وبعد ساعات من القرار، طرح البنك المركزي عطاءً دولارياً استثنائيًا، هو الأكبر في تاريخ البنك، بقيمة 4 مليارات دولار للبنوك والمستوردين والمتعاملين، بهدف ضخ العملة الأجنبية في الأسواق.

وفقد الجنيه المصري نحو 59% من قيمته أمام الدولار، عن السعر السابق الذي كان معمولاً به حتى صباح اليوم، البالغ 8.88 جنيهات، وهبط إلى حدود 14 جنيهًا/ دولار واحد بعد الظهر.

إنهاء حالة الاضطراب

وتحرير سعر صرف الجنيه، يقصد به قيام البنك المركزي (المسؤول عن السياسة النقدية في مصر) برفع يده عن تحديد سعر صرف عملته المحلية أمام العملات الرئيسية، ووضع سعر تقديري لها، ليحدد العرض والطلب في السوق سعرها صعوداً وهبوطاً، وقال المركزي في بيان له، إن الهدف من قرار تحرير أسعار الصرف هو استعادة تداول النقد الأجنبي داخل القطاع المصرفي، وبالتالي إنهاء حالة الاضطراب في أسواق العملة، بما يعكس قوى العرض والطلب الحقيقية.

ازدهار السوق السوداء

وكان الجنيه المصري شهد تراجعات متتالية خلال السنوات الماضية، بسبب شح وفرته داخل الأسواق المحلية، الناتجة عن تراجع إيرادات السياحة وقناة السويس بشكل رئيس، ما دفع لازدهار عمل السوق السوداء، التي سجل فيها سعر الدولار 18 جنيهًا الاثنين الماضي، وتداولت بنوك عاملة في مصر، الدولار الأمريكي في أعقاب قرار التحرير بسعر يتراوح بين 13.5 – 14.2 جنيهاً، بعد إعلان المركزي سعر 13 جنيهًا كرقم تبدأ به البنوك، بما لا يزيد عن 10% في الشراء أو البيع.

البورصة المصرية

وبعد ساعات قليلة من إعلان تحرير سعر صرف الجنيه، صعدت البورصة المصرية بنحو قياسي، وزاد المؤشر الرئيسي “إيجي أكس 30″، الذي يقيس أداء أنشط ثلاثين شركة، بنسبة 8.28%، وهي أكبر وتيرة مكاسب يومية منذ فبراير/شباط 2003، ليصل إلى 9230.57 نقطة محققا أعلى مستوياته منذ أواخر مارس/ أذار 2015.

واعتباراً من يوم الأحد المقبل، ستبدأ البنوك العاملة في مصر، العمل بنظام (الإنتربنك)، بهدف تداول عمليات البيع والشراء للعملة، ويقصد بـ (الإنتربك)، نظام تقوم بمقتضاه البنوك الأعضاء فيه بإعلان أسعارها لبيع وشراء العملات الأجنبية بينها مباشرة، أو من خلال منصات الوساطة الإلكترونية.

حوالات المصريين بالخارج

ووفق بيان المركزي المصري ، فإن البنوك هي من سيحدد سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، وبإمكانها الإبقاء على أبوابها مفتوحة أمام العملاء حتى الساعة (21:00 بالتوقيت المحلي)، إضافة إلى أيام العطلة الأسبوعية لتنفيذ عمليات الشراء والبيع، وصرف حوالات المصريين العاملين بالخارج، ووفق البيان، سيتم أيضاً رفع عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة بواقع 300 نقطة إلى 14.75% و 15.75% على التوالي، ورفع سعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 300 نقطة أساس إلى 15.25%، وزيادة سعر الائتمان والخصم بواقع 300 نقطة أساس، إلى 15.25%.

السحب والإيداع بالعملات الأجنبية

وأشار البنك إلى أنه لن يفرض أي شروط للتنازل عن العملات الأجنبية، كما سيضمن أموال المودعين بالجهاز المصرفي بكافة العملات، ولفت إلى أنه لا توجد أي قيود على السحب والإيداع بالعملات الأجنبية للأفراد والشركات، وأكد على استمرار حدود الإيداع والسحب السابقة للشركات التي تعمل في مجال استيراد السلع والمنتجات غير الأساسية، بواقع 50 ألف دولار خلال الشهر بالنسبة للإيداع، و30 ألفًا بالنسبة للسحب يوميا.

قرض الـ 12 مليار دولار

وجاء هذا القرار، بعد دعوات لمديرة صندوق النقد الدولي “كريستين لاغارد”، في أكثر من مناسبة الشهر الماضي، بضرورة تنفيذ مصر إجراءات لجعل أسعار الصرف أكثر مرونة، قبل الموافقة على قرض حصلت القاهرة على موافقة مبدئية عليه، بقيمة 12 مليار دولار على ثلاث سنوات، وقالت “لاغارد” الشهر الماضي، إن مصر اقتربت جداً من الحصول على قرض صندوق النقد في غضون أسابيع، مشيرة إلى أنه تبقى بعض الخطوات الواجب اتباعها، أهمها إعطاء مرونة لأسعار صرف العملة المحلية.

المواطن المتضرر الأول

والسؤال من المستفيدين ومن المتضررين من تعويم الجنيه؟ المتضرر الأول هو المستهلك، لأن خفض الجنيه المصري، يؤدي إلى ارتفاع قيمة الواردات من الخارج، خصوصًا تلك المقومة بالدولار الأمريكي، وينعكس هذا الارتفاع على سعر السلعة النهائي الموجه للمستهلك المصري، أو ما يعرف بـ “التضخم”.

وقفز معدل التضخم السنوي إلى 16.4% خلال أغسطس/آب الماضي، مقابل 14.8% في الشهر السابق عليه، ما يعد أعلى معدل ارتفاع منذ عام 2008، وسط توقعات بارتفاع نسب التضخم أكثر في أكتوبر/ تشرين أول، بسبب فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 13%.

العجز التجاري

وتعتمد مصر على الواردات بشكل أساسي لتغطية احتياجاتها المحلية من السلع، وهذا ما أظهرته بيانات الميزان التجاري المصري (الفرق بين قيمة الصادرات والواردات) للأعوام الماضية، وقال البنك المركزي في سبتمبر/ أيلول الماضي، إن العجز التجاري المصري بلغ 37.6 مليار دولار خلال السنة المالية الماضية 2015/2016، بإجمالي صادرات بلغت 18.7 مليار دولار، وواردات قيمتها 56.3 مليار دولار، ويبدأ العام المالي في مصر مطلع يوليو/ تموز حتى نهاية يونيو/ حزيران من العام التالي، وفق قانون الموازنة المصرية.

تآكل قيمة الأجور والمرتبات

وإلى جانب التضخم، فإن خفض قيمة الجنيه سيعني بالنسبة للمواطن المصري، تآكل قيمة أجوره ومرتباته في حال تم تحويلها إلى الدولار الأمريكي، إلى جانب تآكله تحت وطأة وتيرة التضخم المرتفعة، وسيدفع خفض الجنيه المصري أمام الدولار، إلى ارتفاع تكلفة الديون المستحقة على المواطن المصري والحكومة، على حد سواء، المقومة بالدولار الأمريكي، والفوائد المستحقة على تلك الديون، وستبقى سلبيات القرار بادية على الاقتصاد المحلي وجيوب المواطنين، إلى حين تحقيق الهدف من القرار الصادر اليوم، وهو إعادة نشاط تداول النقد الأجنبي في البنوك، وإضعاف السوق السوداء.

وبحسب مراقبين، فإن الاستثمارات الأجنبية المحتملة في السوق المصرية، ستنتظر لحين استقرار أسعار الصرف الحالية، حتى لا تكون مشكلة شح الدولار عائقاً أمامها، للاستيراد أو لنقل الأرباح إلى الخارج، مع نهاية السنة المالية لها.

تعديل الموازين العاجزة

وفي المقابل، تلجأ الدول إلى قرار التعويم، لتعديل الموازين العاجزة، خصوصًا التجارية منها، بهدف رفع قيمة المنتجات المستوردة، وبالتالي تشجيع المنتج المحلي، وفي الحالة المصرية فإن هدفًا آخر إلى جانب تعديل موازين التجارة الخارجية، يتمثل في القضاء على السوق السوداء، التي أرهقت الجهاز المصرفي المصري، وأدى وجود السوق السوداء، إلى توجه المتعاملين لتداول الدولار فيها، بعيداً عن أعين البنك المركزي والمصارف، لأنها تحقق أرباحًا في الصرف أعلى من تلك المقدمة لدى البنوك.
 
شارك الخبر