"إطلاق نار على مبنى المخابرات في أنقرة، الطائرات تقصف البرلمان، ومواطن يرفع سلاحة الآلي في الشرفة المقابلة لشقتي السكنية في مدينة إسطنبول".
الاتصالات المتواترة والمتوترة فجأة من كل حدب وصوب، رسائل غروبات الواتسآب المُنزعجة.
هذه هي حكاية اللحظات الأولى لانتشار محاولة الانقلاب في تركيا ليلة السابع عشر من يوليو/تموز هذا الشهر.
نزول الشعب بالألف وسط مشهد لم تغب عنه التحركات المسلحة من المدنيين المُسيسين والعامة، ومن ثم قطع طرق الإمداد في المناطق الحيوية، والتوجه لمطار أتاتورك لحصاره، حسب دعوة للرئيس التركي عبر مداخله تلفزيونية على إحدى الفضائيات..
توجهتُ للمطار متأخراً بعد محاولة فهم مآلات الأمور إلى أين ستتجه.. ولكنني توقفت عند المشهد الأول، وهو قصف مبنى المخابرات، ومن ثم مشاهداتي في الشارع، من التحام الشرطة وأمنيين بزي مدني، تابعين للمخابرات التركية يتحركون وسط المتظاهرين وفي سيارات تابعة للاستخبارات التركية، ومن انسجامهم وتنسيقهم لبعض التحركات وتواصلهم مع بعض المسلحين المدنيين من الشعب المتجه في طريقه للمطار..
بدأتُ باستدعاء مشاهد من الدراما التركية في طريقي للمطار وسط المتظاهرين، ومحاولة فهم كيف مُرر للأتراك التعامل مع مثل هذا حدث بتلك السرعة والتقبل وهذا ما أثار اهتمامي في الأمر.
فالدراما التركية تناولت بدقة مواجهة الكيان الموازي، الذي يُشكله تيار فتح الله كولن، ومحاولات اختراق الدولة في مؤسسات كالمخابرات والأمن والإعلام بأحداث مشابهة، بل تكاد متطابقة كحادثة حصار قاعده إنجرليك الأميركية اليوم التالي لمحاولة الانقلاب، وكعملية الانقلاب أو بالأحرى الانقضاض على مفاصل الدولة، واتهام وتورط المخابرات الأميركية والإسرائيلية أو استخباراتهم الموازية للأعمال القذرة في مثل هذه الأحداث في عدد من المسلسلات..
عدد من مسلسلات الدراما التلفزيونية، قامت بتربية ذهن المواطن التركي وتشكيل وعيه على أحداث مشابهة تماماً لأحداث محاولة الانقلاب الأخيرة.
مسلسل "ردة فعل" Reaksiyon أو "Herkes düşmanını tanıyacak" بمعنى "الجميع سيعرف عدوه".. والذي طُرح للعرض في 2014 وبطله الممثل إبراهيم شيليك.
احتوت حلقاته الأولى على محاولة الكيان الموازي داخل الدولة التركية، القبضَ على رئيس جهاز المخابرات، وتلفيق له تهم فساد، عبر مكيدة من النائب العام وقضاة تابعين للكيان الموازي.. وكذلك اغتيال مستشار الأمن القومي للرئاسة التركية في عملية أمنية بمدينة إسطبنول التركية، من خلال مجموعة أخرى تابعة لأحد قادة مخابرات الكيان الموازي في الدولة، وله تواصل مع الإسرائيليين، واغتيال أحد الوزراء في الحكومة التركية أثناء إجرائه جراحة في أحد المستشفيات في يوم واحد، في محاولة انقضاض على الدولة وتقويضها فجأة.
الدور الذي ظهر للمخابرات والشرطة التركية واستغلال امتداداتهم وسيطرتهم وسط الحشود السياسية والدينية والشعبية، الذي خرج منها البعض مسلحين أول أمس في الشارع التركي، لم يكن بالجديد..
ففي مسلسل "ردة فعل" Reaksiyon " لو طرحنا سؤالاً: كيف تعاملت القيادات التي وقعت في محاولة الانقلاب عليها، ونجاح اغتيال أحد الوزراء في الحكومة، وفشل اعتقال رئيس المخابرات ومستشار الأمن القومي مع الموقف؟!
كان قرار الناجين من محاولة التقويض بخلق كيان من داخل الدولة لمواجهة الكيان الموازي وقيادته، يتكون من ضابط في القوات الخاصة وضابط من الشرطة كان يعمل بالحراسات الخاصة برئاسة الأمن القومي التركي وأحد عملاء المخابرات ومن ثم طردهم جميعاً من العمل الرسمي لهم، وإطلاق لهم اليد الطولى في تصفية قيادات وامتدادات الكيان الموازي، الذي حاول الانقلاب أو الانقضاض على الدولة، عن طريق استخدامهم لسيطراتهم وسط المجتمع التركي وامتداداتهم الشعبية والأمنية بحرية تامة، بعيداً عن قوانين الدولة..
هكذا مرر الأتراك للشعب مشاهدات حية من الواقع عبر الدراما هيئته للتعامل والتأقلم في مثل هذه أحداث..
وهنا قد يتضح سيولة التعامل في الأحداث الأخيرة بين القيادات الاستخباراتية والشرطية مع المواطنين، أو مع عدد ممن ينسقون معهم في إطار سيطرتهم في الأوقات الطبيعية.
فالأمر كان قد مُرر لهم في الأذهان بالأشكال الدرامية بشكل كافِِ على مدار سنوات، فضلاً عن أن ثقافة المواطن التركي ومعرفتة بنتيجة ماذا سيحدث إن تم انقلاب.. فالانقلاب بتركيا أكثر دموية عن أشباهه من الانقلابات العسكرية في دول أخرى.
النقطة الأخيرة في مشاهدتي، كانت في الخبر الذي خرج اليوم عن إلقاء القبض على القائد التركي للقاعدة و11 آخرين، ومن ثم قبله كان حصار القاعدة على ما أشيع من أخبار.
في الحلقات الأولى والثانية من الجزأ الخامس بمسلسل "وادي الذئاب" "kurtlar vadisi" الشهير في الأوساط التركية والعربية، والذي طُرح للعرض في 2013 وبطلة الممثل نجاتي شاشماز أو "مراد علم دار" كما هو معروف في تلك الأوساط..
تمحورت الحلقة حول عدداً من الاستخباراتيين الإسرائليين الذين نفذوا أعمال اغتيال داخل تركيا لعناصر من الشرطة ولهم علاقة بالكيان الموازي في تركيا وامتدادات سياسية داخل الدولة التركية إلى القاعدة الأميركية في تركيا ولجوئهم إليها في الجنوب بمدينة أضنة.
ومن ثم دارت الحلقتان حول دخول عناصر من القوات الخاصة التركية التابعة للمخابرات أو التشكيلات الشعبية "غير رسمية" لمحاولة اعتقال القيادات المشاركة في قتل الضباط الأتراك، ومن ثم حصار القاعدة بقوات خاصة تركية وقوات من الجيش ومساومة الأميركان على تسليم الاستخبارتيين الأتراك من اقتحموا القاعدة بإحدى الحيل وإلقاء القبض على المتورطين بقتل ضباط الشرطة..
هذه مشاهد من الدراما التركية التي مُررت ووضعت المشاهد التركي في حالة من التأقلم على مثل هذه الأحداث الأخيرة التي وقعت وغيرها في الثلاث سنوات الماضية بتركيا، وعمر هذه المشاهد ربما يمتد ما بين خمس وثلاث سنوات..
هذه المشاهدات للأحداث وربطها مع الدراما التركية لا تُمَرَّر كونها سبباً في إفشال المحاولة الانقلابية، بل هي رصد لكيف صُدر للشعب التركي من خلال الدراما التركية، مشاهدات واقعية على مدار سنوات متعددة جعلته متأهباً أو متأقلماً مع هذه الأحداث، الأمر الذي يجعلنا نضع نُصب أعيننا ما يمكن أن تحشده الدراما والأعمال السينمائية في العقول، وتجعلها مهيئة لتعاملات ما أو لمواقف ما بشكل طبيعي.
الاتصالات المتواترة والمتوترة فجأة من كل حدب وصوب، رسائل غروبات الواتسآب المُنزعجة.
هذه هي حكاية اللحظات الأولى لانتشار محاولة الانقلاب في تركيا ليلة السابع عشر من يوليو/تموز هذا الشهر.
نزول الشعب بالألف وسط مشهد لم تغب عنه التحركات المسلحة من المدنيين المُسيسين والعامة، ومن ثم قطع طرق الإمداد في المناطق الحيوية، والتوجه لمطار أتاتورك لحصاره، حسب دعوة للرئيس التركي عبر مداخله تلفزيونية على إحدى الفضائيات..
توجهتُ للمطار متأخراً بعد محاولة فهم مآلات الأمور إلى أين ستتجه.. ولكنني توقفت عند المشهد الأول، وهو قصف مبنى المخابرات، ومن ثم مشاهداتي في الشارع، من التحام الشرطة وأمنيين بزي مدني، تابعين للمخابرات التركية يتحركون وسط المتظاهرين وفي سيارات تابعة للاستخبارات التركية، ومن انسجامهم وتنسيقهم لبعض التحركات وتواصلهم مع بعض المسلحين المدنيين من الشعب المتجه في طريقه للمطار..
بدأتُ باستدعاء مشاهد من الدراما التركية في طريقي للمطار وسط المتظاهرين، ومحاولة فهم كيف مُرر للأتراك التعامل مع مثل هذا حدث بتلك السرعة والتقبل وهذا ما أثار اهتمامي في الأمر.
فالدراما التركية تناولت بدقة مواجهة الكيان الموازي، الذي يُشكله تيار فتح الله كولن، ومحاولات اختراق الدولة في مؤسسات كالمخابرات والأمن والإعلام بأحداث مشابهة، بل تكاد متطابقة كحادثة حصار قاعده إنجرليك الأميركية اليوم التالي لمحاولة الانقلاب، وكعملية الانقلاب أو بالأحرى الانقضاض على مفاصل الدولة، واتهام وتورط المخابرات الأميركية والإسرائيلية أو استخباراتهم الموازية للأعمال القذرة في مثل هذه الأحداث في عدد من المسلسلات..
عدد من مسلسلات الدراما التلفزيونية، قامت بتربية ذهن المواطن التركي وتشكيل وعيه على أحداث مشابهة تماماً لأحداث محاولة الانقلاب الأخيرة.
مسلسل "ردة فعل" Reaksiyon أو "Herkes düşmanını tanıyacak" بمعنى "الجميع سيعرف عدوه".. والذي طُرح للعرض في 2014 وبطله الممثل إبراهيم شيليك.
احتوت حلقاته الأولى على محاولة الكيان الموازي داخل الدولة التركية، القبضَ على رئيس جهاز المخابرات، وتلفيق له تهم فساد، عبر مكيدة من النائب العام وقضاة تابعين للكيان الموازي.. وكذلك اغتيال مستشار الأمن القومي للرئاسة التركية في عملية أمنية بمدينة إسطبنول التركية، من خلال مجموعة أخرى تابعة لأحد قادة مخابرات الكيان الموازي في الدولة، وله تواصل مع الإسرائيليين، واغتيال أحد الوزراء في الحكومة التركية أثناء إجرائه جراحة في أحد المستشفيات في يوم واحد، في محاولة انقضاض على الدولة وتقويضها فجأة.
الدور الذي ظهر للمخابرات والشرطة التركية واستغلال امتداداتهم وسيطرتهم وسط الحشود السياسية والدينية والشعبية، الذي خرج منها البعض مسلحين أول أمس في الشارع التركي، لم يكن بالجديد..
ففي مسلسل "ردة فعل" Reaksiyon " لو طرحنا سؤالاً: كيف تعاملت القيادات التي وقعت في محاولة الانقلاب عليها، ونجاح اغتيال أحد الوزراء في الحكومة، وفشل اعتقال رئيس المخابرات ومستشار الأمن القومي مع الموقف؟!
كان قرار الناجين من محاولة التقويض بخلق كيان من داخل الدولة لمواجهة الكيان الموازي وقيادته، يتكون من ضابط في القوات الخاصة وضابط من الشرطة كان يعمل بالحراسات الخاصة برئاسة الأمن القومي التركي وأحد عملاء المخابرات ومن ثم طردهم جميعاً من العمل الرسمي لهم، وإطلاق لهم اليد الطولى في تصفية قيادات وامتدادات الكيان الموازي، الذي حاول الانقلاب أو الانقضاض على الدولة، عن طريق استخدامهم لسيطراتهم وسط المجتمع التركي وامتداداتهم الشعبية والأمنية بحرية تامة، بعيداً عن قوانين الدولة..
هكذا مرر الأتراك للشعب مشاهدات حية من الواقع عبر الدراما هيئته للتعامل والتأقلم في مثل هذه أحداث..
وهنا قد يتضح سيولة التعامل في الأحداث الأخيرة بين القيادات الاستخباراتية والشرطية مع المواطنين، أو مع عدد ممن ينسقون معهم في إطار سيطرتهم في الأوقات الطبيعية.
فالأمر كان قد مُرر لهم في الأذهان بالأشكال الدرامية بشكل كافِِ على مدار سنوات، فضلاً عن أن ثقافة المواطن التركي ومعرفتة بنتيجة ماذا سيحدث إن تم انقلاب.. فالانقلاب بتركيا أكثر دموية عن أشباهه من الانقلابات العسكرية في دول أخرى.
النقطة الأخيرة في مشاهدتي، كانت في الخبر الذي خرج اليوم عن إلقاء القبض على القائد التركي للقاعدة و11 آخرين، ومن ثم قبله كان حصار القاعدة على ما أشيع من أخبار.
في الحلقات الأولى والثانية من الجزأ الخامس بمسلسل "وادي الذئاب" "kurtlar vadisi" الشهير في الأوساط التركية والعربية، والذي طُرح للعرض في 2013 وبطلة الممثل نجاتي شاشماز أو "مراد علم دار" كما هو معروف في تلك الأوساط..
تمحورت الحلقة حول عدداً من الاستخباراتيين الإسرائليين الذين نفذوا أعمال اغتيال داخل تركيا لعناصر من الشرطة ولهم علاقة بالكيان الموازي في تركيا وامتدادات سياسية داخل الدولة التركية إلى القاعدة الأميركية في تركيا ولجوئهم إليها في الجنوب بمدينة أضنة.
ومن ثم دارت الحلقتان حول دخول عناصر من القوات الخاصة التركية التابعة للمخابرات أو التشكيلات الشعبية "غير رسمية" لمحاولة اعتقال القيادات المشاركة في قتل الضباط الأتراك، ومن ثم حصار القاعدة بقوات خاصة تركية وقوات من الجيش ومساومة الأميركان على تسليم الاستخبارتيين الأتراك من اقتحموا القاعدة بإحدى الحيل وإلقاء القبض على المتورطين بقتل ضباط الشرطة..
هذه مشاهد من الدراما التركية التي مُررت ووضعت المشاهد التركي في حالة من التأقلم على مثل هذه الأحداث الأخيرة التي وقعت وغيرها في الثلاث سنوات الماضية بتركيا، وعمر هذه المشاهد ربما يمتد ما بين خمس وثلاث سنوات..
هذه المشاهدات للأحداث وربطها مع الدراما التركية لا تُمَرَّر كونها سبباً في إفشال المحاولة الانقلابية، بل هي رصد لكيف صُدر للشعب التركي من خلال الدراما التركية، مشاهدات واقعية على مدار سنوات متعددة جعلته متأهباً أو متأقلماً مع هذه الأحداث، الأمر الذي يجعلنا نضع نُصب أعيننا ما يمكن أن تحشده الدراما والأعمال السينمائية في العقول، وتجعلها مهيئة لتعاملات ما أو لمواقف ما بشكل طبيعي.