يمن برس /خاص
في مقر منتدى الشقائق العربي دشن اليوم حملة (معا ضد حرب صعدة) بحضور عدد من الناشطات والناشطين الحقوقين والإعلاميين وقيادات سياسة واجتماعية صدر عن الهيئة التحضيرية للحملة بيانا (نورد لكم نصه تاليا) وافتتحت الحملة بتسجل أول أسماء المتفاعلين مع الحملة في خطوة لجمع ألف توقيع ومن ثم البدء بتنفيذ اعتصامات وتوجيه رسائل للقوى المتقاتلة في شمال اليمن فيما يلي نص البيان
(تدور حرب صعدة في عزلة تامة عن العالم تحت ظروف شديدة الخطورة منها؛ عدم وجود موقف سياسي محلي وإقليمي ودولي واضح تجاه هذه الحرب، و عدم توفر المعلومات حول الوضع الإنساني للمواطنين في صعدة أو النازحين منها الى بقية المحافظات مما يعرقل عمل منظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية.
و تشير الأرقام المتوفرة إلى عدد كبير من الخسائر البشرية والمادية، وتقدر الإحصاءات أن عدد المشردين الموجودين في خيام إيواء في محافظة صعدة قد وصلوا إلى 7000 أسرة، بمتوسط 7 أفراد في العائلة الواحدة هذا عدا عن الذين نزحوا إلى مدن وقرى يمنية أخرى، وتعتبر الأرقام غير أكيدة في ظل ما أسلفنا من عزل وتعتيم وعدم شفافية.
وبرغم الغموض حول هذه الحرب إلا أنه يتضح جليا توجه الدولة لتصعيدها من خلال الدفع بأبناء القبائل في المعارك ووضعهم في مقدمة الصفوف، وتوسيع رقعتها من خلال الدعوة إلى إشراك المزيد منهم، الأمر الذي يجعلهم وقوداً لهذه الحرب ولحروب ثأرية قادمة في بلد يعاني مشاكل الثأر المتزايدة.
وقد وظفت الدولة كافة القنوات التشريعية بعد دخولها الفعلي في الحرب ،ولجأت إلى إصدار فتاوى دينية تشرعن للحرب وتبيح سفك الدماء، بل وتمارس الإرهاب الفكري تجاه حرية المعتقد كما جاء في بيان علماء اليمن الصادر بتاريخ 17 مايو 2007م، مما يكرس العنف والطائفية، ويبتعد عن روح كل القوانين المحلية وكذلك الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها اليمن والتي تؤكد على حرية المعتقد وحرية ممارسته.
إن دعوتنا لإيقاف الحرب لا تعني إعفاء الطرف الآخر(جماعة الحوثي) من مسؤوليته في الحرب، واستخدام السلاح خارج إطار القانون، ولكن باعتبار الدولة تملك كل أسباب القوة فإن المسؤولية الأكبر تقع على عاتقها في إيقاف الحرب.
ونحن إذ نؤكد أن خسارة الوطن كبيرة في جنوده وأبنائه الذين يذهبون ضحية هذه الحرب ندعو كافة القبائل من المناطق الأخرى عدم المشاركة والمغامرة بأبنائنا في حرب لا يستفيد من استمرارها سوى تجار السلاح والموت.
وفي ظل سلطة تتعامل مع مشكلة بهذا الحجم خارج إطار الدستور والقانون وتحشد الجيش والمواطنين من أبناء القبائل المسلحين في حرب عبثية لا نعرف لماذا قامت؟ ولماذا تتجدد ومن المستفيد منها؟ نطلب من الجميع "شخصيات، وهيئات حكومية ومدنية وسياسية " المشاركة معنا في حملة ( معاً ضد حرب صعدة) والتي سوف تتضمن عدد من الفعاليات المطالبة بوقف هذه الحرب العبثية ، وفك الحصار عن صعدة وفتحها أمام وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية ومنظمات الإغاثة، ، ونبدأها بحملة التوقيعات.)
اللجنة التحضيرية للحملة :
علي الديلمي ــ " منظمة التغيير"
بلقيس اللهبي ــ " منتدى الشقائق العربي "
عبدالرشيدالفقيه ــ " منتدى حوار "
رضية المتوكل ــ " المنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات "
سعادة علايا ــ " ناشطة "
ماجد المذحجي ــ " ناشط "
موسى النمراني ــ " ناشط "
وكان قد وقع على بيان الحملة ثلة من السياسين والمثقفين والناشطين والحقوقيين في ما يلي قائمة بأسمائهم :
محمد ناجي علاو ــ منظمة هود
حسن محمد زيد ـ الأمين العام لحزب الحق
علي الجرادي ـ صحيفة الناس
يحي الشامي ـ الحزب الإشتراكي اليمني
محمد عبدالوهاب اليوسفي ـ رئيس تحرير صحيفة الصحوة
د . محمد عبدالملك المتوكل ـ اتحاد القوى الشعبية
ناصر يحي ـ صحفي
حاتم أبو حاتم ـ ناشط
أمل الباشا ـ رئيسة منتدى الشقائق العربي
نبيل الصوفي ـ رئيس تحرير موقع نيوز يمن الإخباري
محمد الغباري ـ صحفي
أحمد سيف حاشد ـ عضو مجلس النواب
رشيدة القيلي ـ كاتبة صحفية
شوقي القاضي ـ عضو مجلس النواب
أحمد الشلفي ـ مراسل قناة الجزيرة
خالد الحمادي ـ مراسل صحيفة القدس العربي
نائف حسان ـ رئيس تحرير صحيفة الشارع
عبدالباري طاهر ـ كاتب ـ صحفي
د . عبدالله الفقيه ـ أستاذ جامعي
محمد الصبري ـ الناطق الرسمي بإسم أحزاب اللقاء المشترك
زيد الشامي ـ عضو مجلس النواب
د. منصور الزنداني ـ عضو مجلس النواب
سعيد ثابت سعيد ـ وكيل أول نقابة الصحيين اليمنيين
علي الصراري ـ الحزب الإشتراكي اليمني
سلطان العتواني ـ الأمين العام للتنظيم الوحدوي الناصري
يحي الشامي ـ سياسي
سامي غالب ـ رئيس تحرير صحيفة النداء
توكل كرمان ـ رئيس منظمة صحفيات بلا قيود
عبدالكريم الخيواني ـ صحفي
منير الماوري ــ كاتب صحفي
لطفي شطارة ـ كاتب وناشط ـ لندن ( منظمة يهرو)
عادل الذهب ـ محامي يمني ـ كندا
محمد الصالحي ـ كاتب صحفي ـ مأرب برس
نبيل البكيري ـ كاتب
فتحي القطاع ـ صحفي يمني ـ كندا
عبدالرحيم محسن ـ صحفي
فهد القرني ـ فنان مسرحي
فتحي أبو النصر ـ شاعر
إسماعيل المتوكل
أحمد المساوى
مراد الفقيه
شاكر القاسمي
أحمد الزكري
علي الموشكي
محمد الغباري
طلال عقلان
عبدالسلام قاسم
عبدالحميد أحمد شرمان
علي حسين
محمد القاضي
علي الفقيه
رداد السلامي
مجيب العوبلي
عبدالحميد حميد
عباس صالح الغرباني
عبدالله دوبله
زهير العلايا
رضوان مسعود
محمد يحي المنصور
أمين محمد شرف
محمود طه
عبدالكريم عبدالله محمد
علي الأسدي
مطهر سعيد هائل
محمد المقالح
هارون عبدالغني
طه الجند
فائز نعمان
عبدالله علي صبري
أحمد حسين العرشي
علي حسين الديلمي
باسم الحاج
وهبية صبرة
هدى جعفر
محمد سماحة
خالد عبدالهادي
عبده سالم سعيد
محمد الصالحي
مصطفى راجح
نجيب اليافعي
شاهر سعد محمد
سامية الأغبري
إبراهيم عمران
خالد الحمادي
رشاد الشرعبي
فوزي الجرادي
فيصل علي
عبدالعزيز المجيدي
صادق غانم
عبده عايش
قائد صالح الطيري
هاشم عبدالله هاشم
عبدالله هاشم
سمير جبران
عبدالرحيم محسن
محمد العلائي
مصطفى نصر
خالد محي الدين
طه احمد لطف هاجر
سفيان جبران
الخطاب الروحاني
عبدالله قطران
عزت مصطفى
رنا غانم
القائمة أعلاه قائمة التوقيعات الأولية على الحملة وسنوافيكم تباعاً بقائمة الموقعين وكان المنظمون قد وزعوا على الحضور البيان ورسالة تبرير (لماذا نخاطب الدولة)مع مقال للأستاذ فهمي هويدي وورقة عمل للأستاذ عبد الباري طاهر نورد نصوصها في ما يلي :
لماذا نخاطب الدولة ؟!
قد يتساءل البعض لماذا نتوجه بخاطبنا الى الدولة في هذه الحملة أكثر من توجيهه الى جماعة الحوثي وهو الطرف الآخر في الحرب، وللإجابة على هذا التساؤل نقول أننا نخاطب الدولة بصفتها الأقدر على وقف الحرب، وهي الوحيدة من بيدها السماح لنا كإعلاميين وحقوقيين النزول إلى صعدة لمعرفة حقيقة ما يجري هناك، ونخاطبها لكونها الوحيدة القادرة على السماح لهيئات الإغاثة بمساعدة المتضررين والمنكوبين .
مع الدولة فقط نستطيع مناقشة المسجونيين إحترازياً على ذمة قضية صعدة ، ووحدها من تملك الإفادة حول عددهم ، وعن أسباب اعتقالهم خارج الأطر القانونية والدستورية والمؤسسية ..
وحدها الدولة من استنجدت بداعي القبيلة، وبالعلماء، وبالقبائل في متوالية تجاوز الأطر الدستورية والقانونية غير القادرة على ستر سوءة صعدة
ليس للحوثي صفة لنخاطبه بها وهو الذي لا يزال ومن معه ــ بسبب التعتيم ــ علامة إستفهام كبيرة لا أكثر ولا أقل!
نخاطب في حملتنا الدولة التي تخضع لمزاج لا ينظمه شيء، لا استراتيجية ولا رؤية، تعلن الحرب في خطاب بجملة واحدة، وتوقفها ـ كلامياً ـ في خطاب أقر بجملة واحدة أيضاً، والتي لم تجد إلى الآن مبرر شرعي للحرب حتى أمام نفسها، ولنا أن نتأمل التخبط في طرح المبررات منذ بدء الحرب، ونتأمل أيضاً هذا القلق الرسمي من الإعلام و المنظمات الحقوقية، وكل الدلائل الواردة تشير إلى كارثة إنسانية يصنعها على مسرح صعدة تجار الحرب مستغلين أدوات المجتمع ومقدراته.
نتسائل لمصلحة من تتجاوز دولة المجتمع" الدولة المدنية التي ندندن عليها " كل الأدوات السلمية الحديثة من أحزاب ومنظمات، وكل الأطر المدنية لتستنجد بداعي القبيلة، وفتاوى المخالفين فكرياً، وحشد لقبائل ندرك جميعاً رصيدها في موضوع الثأر الذي نشكو منه دولة ومجتمعاً، ونسعى للقضاء عليه، ولمصلحة من توزع الأسلحة على هذه القبائل؟
الدولة وحدها هي التي نخاطبها في كل ذلك، لأنها لازالت عندنا " دولة المجتمع " التي علينا الوقوف ضد أي استخدام سيء لأدواتها ..
لا زالت سوءة حرب 94 مكشوفة ولا زلنا ندفع ثمنها، ولا تزال 94 شيكاً مفتوحاً علينا أن نتأمل فيه كثيراً لنكون قادرين على تحديد موقف مسئول وعادل مما يدور حالياً في صعدة ، لضمائرنا ولإنسانيتنا وللمستقبل.
اللجنة التحضيرية
لـ حملة " معاً ضد حرب صعدة "
4 / يونيو / 2007م
حرب صعدة .. واقع أليم .. وماض دام .. وأسئلة فاجعة !
أ. عبدالباري طاهر
ليس من المبالغة في شيء القول أن الحروب تغطي التاريخ اليمني . وإليها ـ أي الحرب ـ ترجع جل أسباب التمزق والشتات ، وانهيار الحضارة ، وخراب السدود ، واندثار العمران ، والعودة دائماً إلى عصور ما قبل الدولة .
تتضافر العوامل الداخلية مع الخارج لتصنع الانهيار والخراب , فالدولة المركزية التي أشادها كرب آل وتر في القرن السابع قبل الميلاد . وغطت الأرض اليمنية بل تجاوزتها في الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي قد انهارت وتفككت . وكانت الصراعات الدينية : المسيحية اليهودية ، والقبلية المتحالفة مع الأحباش أتباع بيزنطة أو الفرس عامل جوهري وأساس في تمزيق أول وحدة يمنية ، وانهيار الحضارة والسدود ، وبالتالي الزراعة والتجارة ركنا الحضارة والدولة في العهود السبائية والمعينية والقتبانية والحضرمية والحميرية التي وحدت اليمن كلها وفي عهد الملوك التبابعة .
وفي العصور الإسلامية ظلت روابط الكيان الحضاري قائمة في اللغة والثقافة والمأثورات الشعبية والقيم والتقاليد " التكوين النفسي " رغم اندثار الكيان الواحد .
اللافت أن هذه الكيانات المزروعة في أكثر من منطقة كانت تحكم بإسم اليمن ، وتتصارع مع الكيانات المنافسة على هذه الشرعية .
وعلى مد النفوذ إلى المدى الذي تصل قوة هذا الكيان أو ذاك . ويلاحظ أنه رغم تسيد منطق القوة والغلبة في الكيانات الوحدوية التي حكمت اليمن إلا أن الانتصار كان دائماً حليف " القوة " المعبرة عن الأماني والإرادة الحقيقية لغالبية القبل والفئات والشرائح . وقصة خطبة علي بن محمد الصليحي في جامع الجند والتي وعد فيها بالخطبة القادمة في عدن مشهورة وموثقة أيضاً . فالمزج بين القوة والتحالفات الواسعة . والتعبير عن التوجهات الشعبية العامة هي التي انتصرت سواء في القرن السابع قبل الميلاد أو الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي ، وبالأخص في عهد الملك التبعي أسعد الكامل ، وربما تجلت بصورة رائعة في عهد الصليحي 455 الذي كانت معارفه الواسعة ومعرفة أحوال اليمن طريقة إلى التوحيد بأكثر من القوة .
وكان الحج بالناس عشرات المرات هي طريقته المثلى لإقامة الدولة الصليحية . وينتقد المؤرخون النزوع إلى القوة والإفراط في ممارستها في الوحدة الثالثة على يد المتوكل على الله اسماعيل . وكان التصارع الدامي بين أولاده وأحفاده سبب في عودة التمزق حتى مجيء الإحتلال العثماني الأخير 1849م والإستعمار البريطاني 1839م .
وحدة الـ 22 من مايو 90م كانت مختلفة نوعياً عن كل الوحدات السابقة . فقد قامت على أساس اندماج كيانين شطريين ، ولكن الوحدة مثلت مصالحة وطنية كبرى بين الإتجاهات الفكرية والسياسية والحزبية وألوان الطيف المجتمعي . وقامت على شرط ومضمون التعددية السياسية والثقافية والحزبية واحترام حرية الرأي والتعبير والمعتقد حسب دستورها .
صحيح أن الوحدة لم تحقق بالقوة ولا بحرب تحرير ولا بانقلاب وإنما تمت عبر التحاور السلمي الديمقراطي . ولكن الخلل الحقيقي في هذه الوحدة الديمقراطية أن العصا كانت خبيئة وراء الظهور . كما أن القسمة على إثنين قد أبقت جذوة الصراع متقدة ، وغيبت الإرادة العامة للناس . كما أنها أيضاً قد أضعفت المشاركة السياسية للاتجاهات الفكرية والحزبية الأخرى . واهتم كل فريق بتقوية مواقعه على حساب المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . وفي حين توافق الطرفان على الأخذ بأفضل ما في تجربة الشطرين فقد جرى تخلي الاشتراكي عن أفضل ما في التجربة وحرص المؤتمر على الأخذ بالأسوأ فالأسوأ .
وفي حمى الصراع حرص الشريكان المؤتمر والاشتراكي على تقوية الروابط مع الإسلام السياسي وشيوخ القبائل والنافذين على حساب البناء ومؤسسات المجتمع المدني الحديثة .
حرب 94 كانت ارتداداً عن النهج السلمي الديمقراطي ونكوصاً عن المشاركة والحوار ، ومثلت عودة لتقاليد الغلبة والقهر وحكم القوة . وقد انتصرت الوحدة بالقوة على الوحدة بالحوار وتوسيع نطاق المشاركة السياسية والشعبية .
أثمرت الحرب الكريهة انفراد قبيلة وأسرة وحزب وشخص بالحكم . وهذا التفرد عبر التاريخ سبب جوهري في اذكاء نار التصارع والتمزق والإحتراب والإستقواء بالخارج .
التاريخ وتجارب الحياة ومنطق العقل كلها تؤكد أن التضييق على الحريات ، وإغلاق أبواب التحاور ، وامتلاك السلطة والمال والإعلام واليقين واحتكارها يفتح الباب واسعاً أمام الصراع الأعمى . وحكم الغلبة والقهر يخلق معارضة من نوعه وعلى شاكلته . فلكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه .
فالتمرد ات القبلية والثارات ، وحوادث الخطف والاغتيال ، وحروب صعده وما قبلها قد تضاعفت بعد حرب 94 ويتوقع إن لم تعالج آثار وجراح 94 وتوقف الحرب في صعده وتعالج آثارها الكارثية والمدمرة أن يتواصل المسلسل الدامي ويتسع .
الأسباب والدوافع للحرب
تقع مدينة صعدة المدينة التاريخية والزراعية والمعروفة أيضاً بصناعة السيوف والحديد وأدوات الحراثة تقع في محيط قبلي قوي وبالغ التعقيد . فصعدة أساساً مركز " قضاعة " خولان بن عامر وقضاعة القبيلة المرجحة لأغلبية قحطان أو عدنان ، فإن نسبت إلى اليمن كانت القحطانية هي الأغلب ، والعكس إن نسبت إلى عدنان فهي موقع خلاف وتنازع ، وتحدق بصعدة من الشرق قبيلة يام ـ الإسماعيلية ـ شديدة البأس . وقد كانت هذه القبيلة في القرون الوسطى أداة الحرب والفيد والنهب لنجران والمخلاف وتهامة اليمن وصولاً إلى المخاء .
ويحيط بها من الشمال بلاد سنحان ووادعة وعبيدة ومن الجنوب قبايل ذو محمد وذو حسين وتتداخل في الغرب مع حاشد . وحاشد وبكيل هما القبيلتان الأكثر ارتباطاً بالحروب والفيد والنهب في القرون الوسطى خصوصاً في صنعاء ومناطق إب وتعز .
وقد انتشر المذهب الزيدي العقلاني بفكره المعتقدي الإعتزالي الداعي لحرية الإختيار ، وتزكية العقل . وعلى مدى القرون الوسطى ، وتحديداً منذ القرن الرابع أصبحت صعدة ومحيطها مركز معارضة الخلافة الإسلامية مما فرض عليها المواجهة الدائمة والمستمرة مع المركز في صنعاء أو تعز أو عدن ومع الخلافة الإسلامية باستمرار . وكان لانهيار سد الخانق ، وتراجع التجارة والصناعة أصبحت الحروب المبررة دينيا " بمبدأ الخروج " سمة عامة للمناطق القبلية . وللتركيبة القبلية العتية والمحاربة لا ينبغي في قراءة تاريخ صعدة أن نقف عند تخوم لحظة من اللحظات سلبية كانت أم إيجابية . بل لا بد من القراءة العميقة والموضوعية لهذه المدينة التي جسدت بحق " يمن الحكمة والإيمان " في القول المأثور . فهذه المدينة اشتهرت وعبر تاريخها الطويل بأنها ذاكرة حكمة دباغة الجلود ، وصناعة النصال والسيوف . وممر تجاري مهم . كما أن قوافل الحج من مختلف مناطق اليمن تمر بها . وحتى القحطانية والعدنانية عندما نقرؤها ببعدها التاريخي كثقافة وتفاخر بالانجاز الحضاري والمكانة المائزة . وليس لعرق أو مباهاة قبائلية جوفاء أو تطاحن دام كما يراد لها في التوظيف البدائي والمتخلف . فصعدة المدينة الذاكرة الخلاقة لأنساب اليمن وأمجادها والتي إليها يعود الفضل في توفير المادة الخام والسجل الأول الذي استند إليه لسان اليمن الحسن بن أحمد الهمداني الذي استند بصورة رئيسية إلى السجل القديم المنسوب لأهل صعدة . ولمحمد بن ابان الخنفري كما يسبر المؤرخ جواد على في المعضل .
حريصة على بقاء لواء الشام " صعدة ، وحجة ، والجوف ، وعمران" " زنجبيل بغباره" كتمثل محمد البدر آخر إمام للمتوكلية اليمنية في رسالة بعثها لعمه الحسن بن يحيى المقيم في أمريكا يطلب منه العودة إلى اليمن قبل الثورة بأسبوع داعياً إلى تصالح آل حميد الدين لمواجهة التحديات التي يمثلها التعليم الحديث، وانتشار الأفكار العصرية والحديثة التي تدعو إليها الثورة القومية بزعامة مصر عبد الناصر، والتي بدأت تنتشر في مثلث " صنعاء، تعز، الحديدة" ويطلب من عمه أن يرأس مجلس شورى يكون مقره لواء الشام ، ويكون غرضه منع تسرب التعليم الحديث.
والفاجع أنه بعد حرب ثمانية أعوام، وبعد اندحار الملكية التي أسقطت صعدة عام 72 تركت صعدة كبقية مناطق الشمال والشرق في الـ ج.ع.ي على حالها، فقد حرمت من التطبيب التعليم الحديث، ومياه الشرب النقية، وإقامة بنية تحتية، وامتنعت الدولة أو تراخت عن مد نفوذها وبسط سلطاتها على هذه المناطق التي بقيت نهباً للأفكار القبلية المتخلفة ولسيطرة زعماء القبائل، ولتجارة السلاح والثارات والاحتراب القبلي والتهريب، وبقي الشيخ أو بالأحرى أصبح البديل للدولة وأجهزتها، ووصل حد ابتزاز المواطنين بالدولة وابتزاز الدولة بالرعية.
ومثل مقتل الشهيد إبراهيم الحمدي انتصار لهذا التوجه الذي تماهى بالدولة أو تماهت به، ونزلت على حكمه وعرفه.
لا ننسى أن صعدة كالجوف وحجة لا تنفصم عن امتدادها الجغرافي والقبلي والتاريخي في نجران وعسير والمخلاف السليماني، فقد جاءت اتفاقية أخوة عربية وصداقة إسلامية عقب حرب 1934م لتقسم الأسرة والقبيلة والمنطقة والقرية والجبل أحياناً بين دولتين: "العربية السعودية والمتوكلية اليمنية" ، بعد نهاية الحرب بين الجمهوريين والملكيين بدأت العربية السعودية في الاهتمام بهذه المناطق المقتطعة من اليمن، وخصوصاً بعد مذكرة التفاهم عام 1995م، والتي بموجبها تنازلت الدولة اليمنية عن حقها في هذه المناطق وبدأ ترسيم الحدود، فقد اهتمت السعودية اهتماماً كبيراً بالبنية التحتية ومشاريع التنمية والكهرباء والمياه، وإقامة المنشاءات والسدود، ودعم المزارعين، في حين بقي اليمني المهجر في الجانب اليمني محروماً من كل الخدمات والمحزن أن مدينة صعدة " الحدودية" لا يوجد فيها مستشفى غير مستشفى السلام الذي أقامته مشكورة المملكة العربية السعودية، وحتى بعد الوحدة ظلت صعدة سوقاً للسلاح وبيئة للحرمان، ولكن الوحدة أيضاً، والتعددية السياسية والحزبية تطرح أسئلتها وتحولاتها خصوصاً في تفتق وعي الشباب المؤمن وإعلان حزب الحق.
في عام 1980م وقعت عدة أحداث هزت الاستقرار والأمن في الجزيرة العربية وبعضها العالم بأسره، ففي اليمن جرى توقيع اتفاقية الكويت بعد انكسار جيش الـ ج. ع. ي في مواجهة مع الجنوب، واضطر النظام في صنعاء للاعتراف بالجهة الوطنية الديمقراطية المسنودة من الجنوب مما دفع بالنظام لدعم وتسليح وتشجيع الجبهة الإسلامية في المناطق الوسطى والأطراف بين الشطرين، كما دعم النظام المعاهد الدينية التي تجاوزت المائة وثمانين معهداً دينياً، والواقع أن نشر التعليم الديني وتحويل المناهج والاستنجاد بالإسلام السياسي، وتسليم وزارة التربية والتعليم له بدعم سعودي قد بدأ مبكراً في مواجهة مع الجنوب الذي تبنى هو الآخر الأيدلوجية الماركسية مما حول اليمن كلها إلى ساحة صراع للحرب الباردة، ولكن بمختلف الأسلحة بما فيها الدين والماركسية والمدفع.
وفي العربية السعودية انتفض الداعية عبد الله القحطاني في وسط الحرم الملكي مدعياً أنه المهدي المنتظر، وكانت واقعة جهيمان العتيبي التي استمرت لأكثر من أسبوعين بداية مواجهة بين السعودية والوهابية الركيزة الأساسية للحكم، ولجأ مقبل هادي الوادعي إلى دماج ليؤسس ما عرف بمعهد دماج، وفي حين انتصرت الثورة الخمينية في إيران مزيحة الإمام المنتظر أو إحلال نائبه محله كان الفكر السلفي الذي لا يؤمن بالمهدي بالمعنى العميق المتجلي في الفكر الشيعي يبحث عن المهدي فما يعني أن الأمر في الحالتين: الإيرانية والسعودية له بعد سياسي واضح، وكان لاجتياح الاتحاد السوفيتي لأفغانستان واقعة وطعم الكارثة على النظام العربي والإسلامي، العديد من البلاد العربية والإسلامية منها اليمن تحولت إلى ميادين تجنيد لمواجهة الغزو السوفيتي، وقامت السعودية وأمريكا بدور التمويل والحشد والتجنيد، وجرى ما يشبه التوافق بين الإسلام السياسي والأنظمة التقليدية وأمريكا على المواجهة الشاملة ضد الاتحاد السوفيتي والاتجاهات القومية واليسارية في أكثر من مكان، ومثلت هزيمة روسيا في الحرب وتفكك الاتحاد السوفيتي انتصارً لأمريكا التي تفردت بقيادة العالم، وفرضت منطق الهيمنة على مختلف دول العالم، كما بدأت في المواجهة مع الإسلام السياسي كخطر جديد وقادم وهو ما تجلى في كارثة أو غزوة الـ 11 من سبتمبر كما يسميها قادة القاعدة، وصلت المواجهة والتصارع مع الإسلام السياسي محل التنسيق والتعاون.
عندما أعلنت الوحدة في الـ 22 من مايو 1990 وأعلنت التعددية السياسية والحزبية والفكرية، أعلن التجمع اليمني للإصلاح عن نفسه وتشكل حزب الحق في حين اعلن مقبل هادي الوادعي رفضه للديمقراطية والتعددية واعتبرها فتنة وانحرافاً عن الإسلام، ولقي مقبل منذ لجوئه إلى دماج دعم السعودية والحكم في صنعاء لمواجهة " التشيع" بين مزدوجين ولمواجهة اليسار وتيار الحداثة ودعاة العلمنة وبعد الوحدة لمواجهة الإصلاح والحق في آن واحد.
تشجيع الدولة التعليم الديني الطائفي والسلفي في صنعاء " جامعة الإيمان" ومعهد دماج في صعدة والمعاهد السلفية التي انتشرت في أكثر من منطقة، وبالأخص في المناطق الزيدية وأحياء المدارس القديمة في الحديدة وحضرموت، دفع بالاتجاه الإسلامي الزيدي إلى البحث عن نفسه وإعلان الوجود، ولعبت الدولة بورقة الخلافات الحزبية والسياسية والطائفية والقبلية، وقد دفعت بالجميع لمواجهة الجميع، وجرى في حمى التقاسم والتصارع انقسام الاحزاب واستنساخ الصحف ، وبلغت الكارثة ذورتها بحرب 94، فحرب 94 قد أدارت الظهر للتطور الديمقراطي وصعبت علمياً أي تداول سلمي للسلطة ، كما أنها وهذا هو الأخطر قد اختزلت في القبيلة وعملياً في تحالف القوة والغلبة ، وأبعدت كل الاتجاهات السياسية حتى الحليفة منها.
ما يجري في صعدة ليس معزولاً عن أحداث الـ 11 من سبتمبر المشؤمة، وعن احتلال افغانستان والحرب المدمرة ضد العراق، ومحاولات إبادة الشعب الفلسطيني، وطمس قضيته، كما أنها أيضاً عميقة الصلة بأزمة الحكم في اليمن والعجز عن البناء الوطني، وتحقيق التنمية الشاملة العادلة والمتوازنة، وهي ثمرة من ثمار التعليم الطوائفي وإدارة الظهر للحداثة والعقلنة، ولعب الحكم بأوراق الدين والسياسة وخلط كل شئ بكل شئ.
الشعار الذي رفعه الحوثيون على تهافته يؤشر للبعد القومي والإسلامي في المحنة القائمة وإن كان لا يبرر للاقتتال، استبداد الحكم وفساده وميله للتوريث واليأس القانط من ديمقراطية حقيقية تسمح بالتداول أو حق المشاركة كلها عوامل رئيسية لهذه الحرب الكريهة التي يدان فيها القاتل والمقتول، الجلاد والضحية على حد سواء.
وبقطع النظر عن صحة اتهام إيران بدعم الحوثيين فإن من المؤكد أن الثورة الإسلامية الإيرانية قد مثلت رافعة للإسلام السياسي الشيعي، وامتد أثر ذلك إلى العديد من البلدان ومنها اليمن المسكون حكمها بدعم تيارات الإسلامي السياسي وإغراء بعضها ببعض.
والأخطر من كل ألاعيب الفتنة والحرب الجهنمية إضفاء صبغة الطابع الإسلاموي الطوائفي السني الشيعي، والعودة إلى " داعي القبيلة" وكأن الصراع ديني- استغفر الله- وقبائلي.
ولا يدرك الحكم أ، حرب صعدة مختلفة تماماً عن حرب 94، فحرب 94 كانت بين جيشين متراصين ومتواجهين، وبين نخب سياسية تتنازع الشرعية السياسية واقتسام أو إعادة اقتسام الكعكة، كما أن توظيف الإسلام السياسي كان يتوافق مع طبيعة العدو " الحزب الاشتراكي" الموصوم بالعلمانية والماركسية، أما حرب صعدة فإضافة إلى الذاكرة الحربية الحية والفاعلة وفي منطقة من أنسب بلاد الله قاطبة لحرب شعبية طويلة الأمد، ومبررات الدولة في إعلان الحرب ليست بأهدى من مبررات المتمردين، وغموض أهداف المتحاربين : الحكم والحوثي قد أضعف التعاطف وقى " ذهنية المؤامرة" والتفسير البوليسي، وفتح الباب أمام اسئلة ما وراء الأكمة؟ وهل للحرب علاقة بالتوريث أو أنها صراع على ترتيبات قادمة؟ ويسهم تأخر الحسم في الميل إلى قابلية الرأي العام لأي تأويل حتى لو كان ساذجاً، وإذا كانت الحرب أم الجرائم كلها فإن صعدة وجوارها أكثر احتياجاً لدخول المستوصف والماء والكهرباء قبل دخول الدبابة أو المدفع، وحتى لو تمكن المدفع من حسم المعركة وهو أمر غير مستبعد كما حدث أكثر من مرة منذ قيام الثورة فإن تجددها يبقى أمراً وارداً مالم تعالج الأسباب والعوامل الحقيقية، ويبدو أن حرب صعدة مؤشر مهم لاحتياج اليم إلى مصالحة شاملة سياسية ومجتمعية تستعيد نهج مايو 90 وتؤسس قولاً وفعلاً لتداول سلمي للحكم، وتوسيع المشاركة ومواجهة الفساد والاستبداد ، البيئة الخصبة للفتن والتمردات والاحتراب.
تدخل الجامعة العربية مطلوب لاحتواء أزمة اليمن
فهمي هويدي
لا يستطيع المرء أن يخفي شعوره بالقلق العميق على اليمن، خصوصا بعد التصريحات التي نشرت على لسان رئيس وزرائه هذا الأسبوع، وتعلقت بالتمرد في صعدة، إذ جاء خطابه في هذه التصريحات حادا للغاية، وداعيا بقوة إلى الاعتماد على الحسم العسكري وحده، بما يغلق الباب أمام أي حل سياسي.
تصريحات السيد علي مجور جاءت في حوار أجرته معه وكالة الأنباء الفرنسية، وبثته يوم الجمعة الماضي (28/4). ولست في موقف يسمح لي بأن أتأكد من مدى صحة أو دقة الكلام المنشور على لسان الرجل، لكن الذي أفهمه أن كلاما بهذه الخطورة والأهمية حين يصدر على لسان رئيس الوزراء في أي بلد، إذا لم يتم نفيه أو تصويبه بعد إذاعته، فإن ذلك يعد سببا كافيا للاقتناع بصحته، ولأن ذلك حدث ولم يتم النفي أو التصويب، حتى كتابة هذه السطور على الأقل (الاثنين 30/4) فإنه يسوغ لنا أن نرجح احتمال الصحة. بما يجعلنا نتعامل مع الكلام على أنه صدر حقا على لسان السيد مجور، يؤيد هذا الترجيح أن رئيس الوزراء اليمني الجديد حين قدم برنامج حكومته الى البرلمان في 17/4، تجاهل الوضع في صعدة، ولم يأت له على ذكر، الأمر الذي أثار دهشة النواب والمراقبين، الذين وجدوا أن عدم الإشارة في برنامج الحكومة الى الصراع الدامي والمتفجر المستمر في شمال البلاد منذ ثلاث سنوات، وخلّف مئات الضحايا وروّع العباد وخرب الديار، هذا السكوت بدا مؤشرا سلبيا لا يبشر بخير. ويبدو أن ذلك الظن كان في محله، لأن تصريحات رئيس الوزراء أعطت انطباعا بأن الملف انتقل من يد الحكومة الى يد الجيش والأمن، وإذ تزامن هذا الكلام مع عملية التعتيم الإعلامي الرسمي على ما يجري في صعدة، من خلال منع الزوار والصحفيين من زيارة المحافظة ومتابعة الحدث على الطبيعة، فإن ذلك رفع من وتيرة القلق والتوجس.
ـ ما الذي قاله السيد علي مجور في تصريحاته الأخيرة؟
الوكالة الفرنسية نقلت عنه العبارات التالية: ليس هناك أي حل سوى الحل العسكري. السلطة حاولت التفاهم مع بدر الدين الحوثي ولكنه لا يفهم إلا اللغة العسكرية ـ باب المفاوضات أغلق ـ السلطة قررت تشجيع المتطوعين على الذهاب الى القتال في الشمال (الوكالة نسبت الى دبلوماسيين في صنعاء قولهم إنه يجري تعبئة الآلآف من عناصر العشائر في مختلف المحافظات لهذا الغرض) الحوثيون إرهابيون والحرب ضدهم جزء من الحرب على الإرهاب ـ المتمردون حصلوا على مساعدات من الخارج، خصوصا من ليبيا، وربما أيضا من إيران ـ الفقر والبطالة أحد أسباب الحرب في صعدة، وعلى الدولة أن تفعل الكثير من أجل أهالي المحافظة، في التعليم والصحة وتوفير فرص العمل. )التفاصيل نشرتها صحيفة «الحياة» في 28/4. )
قارئ هذا الكلام يلاحظ فيه أمرين، أولهما اللهجة التصعيدية التي سبقت الإشارة إليها، والتي تغلق الباب أمام الحل السلمي للصراع. وتعول على حسمه بالسلاح وحده. الأمر الثاني أن الإشارة فيه واضحة الى المشكلة الاجتماعية الخالدة، المتمثلة في نقص الخدمات والفقر والبطالة، الأمر الذي يطرح إطارا آخر للأزمة، يتجاوز الصراع المذهبي والسياسي.
من جانبي، استوقفني حديث رئيس الوزراء اليمني عن المشكلة الاجتماعية، وقلت: إذا كان الأمر كذلك، أو بدا كذلك على الأقل، فلماذا يحتكم الى السلاح وحده في التعامل مع الموقف في صعدة إذن؟ إنني أفهم أن يتحدث وزير الداخلية أو رئيس الأركان بهذه اللهجة القتالية، لكني لم أجد مبررا لصدورها عن رئيس للوزراء منصبه سياسي بالدرجة الأولى، حتى خامرني شك في أن يكون ذلك هو موقف رئيس الحكومة وحده، وليس الحكومة كلها.
أدري أنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة بذلت السلطة محاولات عدة لتسوية المشكلة سياسيا، عن طريق التهدئة والعفو عن المتمردين، لكن من الواضح أن هذه الجهود لم تؤت ثمارها، وهو الأمر الذي يحتاج الى دراسة وتحقيق يشخص الأسباب التي أفشلت تلك المحاولات بما يحدد دور العوامل الداخلية وتلك الخارجية التي أشار إليها السيد علي مجور.
ما أعلمه أن القضية اجتماعية في الأساس، كما قال السيد مجور بحق، وأن الحوثيين كانوا يحتفظون بعلاقات جيدة مع النظام، الذي شجعهم في تحركهم للحفاظ على بعض التوازنات والحسابات الداخلية، خصوصا في تعامله مع حزب الإصلاح المعارض. ما أعلمه أيضا أن اليمن لم يعرف الصراع المذهبي الذي يحاول البعض إذكاءه في الوقت الراهن. فالنخب اليمنية لم تتحرك يوما ما انتصارا لهذا المذهب أو ذاك، ولكنها تحركت كقوى وطنية اجتمع في إطارها الشوافع والزيود لمواجهة استبداد الإمامة وطغيانها.
ما أعلمه كذلك أن تحرك الحوثيين في الآونة الأخيرة، اختار التوقيت الخطأ، من حيث أن ذلك التحرك تزامن مع انعقاد مؤتمر المانحين في لندن، ومع الاتصالات الجارية لضم اليمن الى مجلس التعاون الخليجي، وهو التزامن الذي أضر بسمعة اليمن وشوه صورته.
ما أعلمه أيضا أن ثمة حرصا على التسوية السلمية من الجانبين، وهو ما تأكدتُ منه من خلال الاتصالات التي قمت بها لهذا الغرض. فرئيس الدولة اليمنية يهمه طي هذا الملف واستعادة الهدوء والاستقرار في البلاد. وعناصر الحوثيين مدركة جيدا لحجم الثمن الباهظ الذي دفع من جراء تجدد القتال في صعدة، لذلك فإنها ستتطلع إلى تحقيق التسوية السلمية بأسرع ما يمكن.
إذا صح ذلك التقدير فإنه يثير السؤال التالي: إذا كان ذلك الاستعداد قائما على الجانبين، فما الذي يمنع ممثليهما من التفاهم حول المشكلة ووقف نزيف الدم الذي أرهق الجميع؟ ليست لدي إجابة عن السؤال، وإنما أنقل ما سمعته من بعض الأصدقاء اليمنيين من أن هناك أطرافا داخل أجهزة السلطة مستفيدة من تعليق الأزمة وتصعيدها، وأن هذه الأطراف كان لها دورها في عدم الوفاء بالوعود التي تمت من قبل، خاصة ما تعلق منها بإطلاق سراح الحوثيين المعتقلين في صنعاء، حيث أفرج عن البعض فقط في حين تم احتجاز الأغلبية، الأمر الذي كان له دوره في استمرار التوتر والغضب.
لا أستطيع أن اقطع بصحة هذه المعلومات لكي أشير إليها فقط باعتبارها نموذجا لما يتردد في الأوساط اليمنية من تأويلات واجتهادات في هذا الصدد، كما أنها تجسد اللغط المثار الذي يتطلب بذل جهد خاص لاستجلاء الحقيقة في الأزمة، الأمر الذي يدفعني الى تسجيل الملاحظات التالية:
1 ـ إن استمرار الوضع في اليمن أمر يهم كل عربي مخلص في انتمائه لأمته. وبالتالي فإن إنجاح جهود تسوية الأزمة التي طال أجلها، يظل مطلبا عربيا بقدر ما أنه مطلب وطني وقطري. بسبب من ذلك فإن وقوف العالم العربي متفرجا على ما يجري هناك ليس موقف صائبا. وإذ أفهم أن يحدث ذلك في بداية الأزمة، حيث يفترض أن تعالج في إطار الاتصالات الداخلية، ولكن استمرارها للعام الثالث، مع استمرار سقوط الضحايا من جانب الحوثيين وعناصر الجيش والشرطة، ثم الجهر في نهاية المطاف بالحديث عن التعبئة الشعبية لقمع التمرد، هذه الملابسات تمثل إشارات ينبغي ألا يخطئ العالم العربي في قراءتها. إذ أزعم أنها تستدعي الجهد العربي، لكي ينضم إلى جهود المخلصين في الداخل لتهدئة الخواطر وحل الإشكال. وأستحي أن أقول إن التدخل العربي في مثل هذه الملفات أصبح لاحقا للتدخل الدولي، كما حدث في دارفور على سبيل المثال، إذ المشكلة هناك داخلية بامتياز، ولكن جرى تدويلها بناء على حسابات أمريكية وإقليمية معقدة، وحين حدث ذلك أرسلت الجامعة العربية وفداً لتقصي الحقائق هناك. وأصبحت القضية محل اهتمام دولي وعربي واسع النطاق.
2 ـ إن حرص رئاسة الدولة في اليمن على التسوية السلمية للأزمة ينبغي أن يقدر، كما ينبغي أن يستثمر أيضا، بحيث يتواصل ذلك المسعى في ظل كل الظروف، الأمر الذي يعني أن الحل العسكري يجب ألا يصبح خيارا وحيدا، وإنما يفضل أن يتقدم عليه أو يتوازى معه الحل السياسي.
3 ـ إن تقصي حقائق المشهد يتطلب بذل جهد خاص، سواء في التعرف على أسباب الأزمة، ومدى إسهام الوضع الاجتماعي لمحافظة صعدة في تصعيدها، أو في ما يخص تعثر محاولات حلها سلميا
. في الوقت ذاته فإن ما قيل عن دور لليبيا أو إيران في ما يجري هناك يحتاج الى تحقيق وإثبات، ليرتب بعد ذلك النتائج المفترضة في هذه الحالة.
إنني أكرر ما دعوت إليه من قبل حين اقترحت وساطة تقوم بها الجامعة العربية في الموضوع، بالتفاهم مع الحكومة اليمنية بطبيعة الحال، تبدأ بمبعوث يوفده الأمين العام الى صنعاء لإجراء اتصالات تمهيدية مع الأطراف المختلفة، ثم بزيارة للأمين العام تسعى لتحقيق الهدف من الوساطة.
وليس هذا أمرا غريبا، كما أنه لا يعد تدخلا في الشؤون الداخلية لليمن، لأننا أمام عاملين مهمين، الأول أن الأزمة استمرت للعام الثالث على التوالي، من دون أن تحل على نحو يرضي الأطراف المعنية، والثاني أن ثمة اتهاما صريحا لدولة عضو في الجامعة العربية هى ليبيا وتلميحا الى دور لإيران، الأمر الذي يعني أن ثمة خيوطا للمشكلة تمتد الى خارج الحدود اليمنية. وهذان العاملان يعززان الدور المرجو للجامعة العربية، التي تدخل أمينها العام في الملف اللبناني، وسبق أن أوفدت مبعوثا لها الى السودان والصومال، وفي الأقطار الثلاثة صراعات ظاهرها داخلي على الأقل.
ولا ينسى هنا أن حضور الجامعة العربية في تفاعلات السياسة اليمنية له جذور تمتد الى عام 1948، حيث كان أحرار اليمن يستغيثون بالجامعة في معارضتهم للإمام يحيى، وحين استدعيت الجامعة لمفاوضة الثوار بعد محاولة الانقلاب التي وقعت آنذاك. كما أن الجامعة تدخلت في السبعينيات حين توترت العلاقة بين عدن وصنعاء، وأوفد الأمين العام محمود رياض مبعوثا الى هناك لتحري الموقف، ثم سافر بنفسه بعد ذلك ليستكمل المشاورات، ونجحت الجهود التي بذلت آنذاك لتهدئة الموقف بين الأشقاء اليمنيين.
في ذات الوقت فإن اتحاد علماء المسلمين يستطيع أن يبذل مسعاه لتحقيق الوفاق المنشود، خصوصا أن بين أعضاء مجلس أمنائه أحد علماء الزيديين وهو القاضي محمود الهيتار. وقد أجرى بعض اليمنيين اتصالات بهذا الخصوص خلال الأسبوع الماضي مع الأمانة العامة للاتحاد. إلا أن جهد الجامعة العربية يظل الخيار الأول والأفضل، وإن كان ذلك لا يمنع من أن يبذل اتحاد العلماء جهدا موازيا، إذا ما رحبت به حكومة صنعاء.
إن السؤال الأهم الآن ليس من يساعد على تهدئة الموقف في اليمن، ولكنه ينبغي أن يكون: متى يخرج العالم العربي عن صمته على ما يجري هناك؟ ومتى يتحرك لوأد الفتنة قبل أن يستفحل أمرها؟
اخترنا لكم
آخر تحديث
السبت,19 ديسمبر 2020
الساعة 03:22
مساء
# | اسم العملة | بيع | شراء |
---|---|---|---|
دولار أمريكي | 792.00 | 727.00 | |
ريال سعودي | 208.00 | 204.00 |