في العام 2008، وبينما كان الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح لا يزال في أوج قوته، ظهر الشيخ حميد الأحمر، نجل شيخ قبيلة حاشد التي ينتمي إليها عبدالله صالح في إحدى القنوات العربية مهاجما بشكل غير مألوف الرئيس في ما وصف بأنها أولى علامات الطلاق بين زيجة القبيلة والدولة التي استمرت لعقود.
وسألت المذيعة حميد الأحمر في نهاية الحوار كيف يمكن أن تعود إلى صنعاء بعد أن قلت هذا الكلام؟ فرد بزهو باد على محياه “من ينتمي لقبيلة حاشد وشيخها صادق الأحمر لا يخشى أبدا”. وبدا حينها أن هناك من تجرّأ على خرق اتفاق لم يكن مكتوبا ولا معلنا، ولكنه كان أمرا واقعا في العلاقة بين سلطة الرئيس وسطوة الشيخ. وهذه السطوة عبّر عنها الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ذات مرة عندما سئل عن العلاقة التي تربطه بصالح، فأجاب بكل ثقة “هو رئيسي وأنا شيخه”.
وشعر الشيخ الأحمر في آخر أيام حياته بأن علي عبدالله صالح يتجه للتخلص من مراكز القوى القديمة وعلى رأسها القبيلة التي تخلّصت قبله من عدة رؤساء سابقين حاولوا أن يفعلوا ذات الشيء. وأراد علي عبدالله صالح في تلك الفترة أن يتخلّص من حلفائه الذين أوصلوه للحكم مزهوا بقوته، وتدفعه رغبة جامحة في تعبيد الطريق لنجله بعيدا عن سطوة القبيلة وهيمنتها والتزاماتها المرهقة.
ولم يكن الوقت ليسعف الشيخ الأحمر ليخوض صراعا جديدا يضاف إلى صراعاته الشهيرة التي خاضها مع رؤساء سابقين، اعتبر أنهم حاولوا الانتقاص من دور القبيلة، غير أنه قال في تصريح خافت قبل فترة وجيزة من رحيله إن “اليمن يتجه نحو النفق المظلم”، وهو التصريح الذي لم يدعه علي عبدالله صالح يمر مرور الكرام، فخرجت الصحيفة الرسمية لحزبه في اليوم التالي بعنوان عريض يقول إن “الشيخ الأحمر هو الذي يتجه نحو النفق المظلم”.
وتوفي الشيخ الأحمر وهو يشعر بحسرة بالغة، فبعد أن ظل شريكا قويا في الحكم منذ قيام الثورة اليمنية في العام 1962، أنهى حياته وهو عرضة للشتائم من العشرات من الصحافيين الذين وظفهم صالح للنيل من مكانة الشيخ المقدسة.
ثنائية الشيخ والرئيس
يقول العديد من الباحثين في التاريخ اليمني المعاصر إن اليمن وعلى مدى عقود لم يحكم إلا وفق ثنائية الشيخ والرئيس، وهو ما يعدّ امتدادا لتاريخ اليمن القديم الذي كانت فيه الدول الكبرى تقوم نتيجة الأحلاف القبلية وتندثر نتيجة تفرّق تلك الأحلاف.
وعن دور القبيلة في صناعة الرؤساء منذ قيام ثورة سبتمبر في العام 1962، يعترف الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في مذكراته، التي نشرت قبيل وفاته بفترة قصيرة، بدوره الحاسم في صعود وسقوط العديد من الرؤساء اليمنيين ومنهم علي عبدالله صالح الذي قال إنه كان يخشى في بادئ الأمر أن يكون امتدادا للعسكر الذين حاربوا نفوذ القبيلة مثل الحمدي والغشمي، غير أنه اضطر في نهاية المطاف إلى دعمه لأسباب عدة.
وعرف عن الرئيس علي عبدالله صالح، بعد توليه السلطة في العام 1978، درايته الواسعة والدقيقة بطبيعة المجتمع اليمني وتعامله بحرص مع شرائحه وخصوصا القبيلة، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على علاقته بالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ قبيلة حاشد، إلى درجة جعلت البعض يتحدث عن دولة متعددة الرؤوس، كان الشيخ الأحمر أبرزها.
وفي جنوب اليمن كانت الأيديولوجيا قد قضت على دور القبيلة أو أخضعتها إلى حد كبير، فقد سيطرت التيارات اليسارية والقومية على السلطة بعد خروج بريطانيا من تلك المنطقة، فأصبح الحزب الاشتراكي اليمني هو السلطة الوحيدة. وركعت القبيلة للأيديولوجيا مرغمة. بينما في الشمال ظلّت القبيلة هي المظلّة التي تحتضن كل الأيديولوجيات، وهي الراعية أيضا لكل الأفكار غير أن الانتماء للقبيلة ظل متفوقا على كل الولاءات الحزبية.
وعزّز ترأّس الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر لحزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي يتكون في الأساس من الإخوان المسلمين إلى جانب بعض السلفيين ورجال القبائل، في العام 1990 من دور القبيلة. وقد أدار الأحمر الحزب بعقلية زعيم القبيلة وهو الأمر الذي بدا جليا في الكثير من المواقف التي افترق فيها الحزبي عن القبلي، كما هو الحال في انتخابات الرئاسة اليمنية في العام 2006، حيث اتخذ حزب الإصلاح موقفه بدعم فيصل بن شملان المرشح المناوئ لصالح فيما اتخذ الأحمر موقفا مغايرا بإعلانه عن دعم انتخاب صالح .
القبيلة تنحاز للأيديولوجيا
وعلى عكس الشيخ الأحمر، الذي كانت مصالح القبيلة ونفوذها تأتي في سلم اهتماماته، كان أولاد الشيخ، وأبرزهم نجله حميد، من الذين تربوا في أحضان أيديولوجيا الإخوان، على النقيض من ذلك حيث قرّروا إعلان الولاء للحزب عندما شعروا أنهم في مفترق طرق.
وبدأت العلاقة بين سلطة الرئيس علي عبدالله صالح والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي يمثل نفوذ القبلة في اليمن بالتراجع في السنوات الأخيرة التي سبقت وفاة الأخير، غير أنه تم الحفاظ على شعرة معاوية التي يتّهم الكثير من المراقبين الشيخ حميد الأحمر بأنه كان السبب في قطعها، انطلاقا من انحيازه الكامل لحركة الإخوان المسلمين، على حساب مصالح القبيلة وهو ما جلب آثارا مدمرة لاحقا على مكانة أسرته التي ظلت لوقت طويل تتصدر المشهد القبلي في اليمن. وإضافة إلى منطلقاته الفكرية التي تجعل من علي عبدالله صالح “طاغوتا”، بدا أن الشيخ حميد أراد أن ينتزع إرث والده الراحل من الدولة، ولكن بطريقة رافقها الكثير من العنف السياسي.
وفي ديسمبر 2007 توفي الشيخ الأحمر وخلفه نجله صادق في رئاسة القبيلة غير أن موقعه في الحزب كان من نصيب قيادي إخواني بارز، وبذلك انقطعت علاقة الحزب بالقبيلة وأصبحت الأيديولوجيا هي التي تقود القبيلة، وهو الأمر ذاته الذي حدث في الجنوب بعد عام 1994 وهزيمة الحزب الاشتراكي في الحرب، حيث لم تستعد القبيلة هيبتها المفقودة بقدر ما انتشرت التيارات الراديكالية وسيطرت على الجزء الأكبر من الشارع الجنوبي.
التيارات الأيديولوجية الراديكالية التي تكونت في الشمال والجنوب كانت لا تنظر بأي احترام للدولة بل إنها بدأت تفكر فعليا في كيفية أن تكون بديلا لها سواء من داخل الدولة أو من خارجها، وقد وجدت كل تلك التيارات ضالتها في احتجاجات العام 2011، حيث حضرت بقوة في الفعاليات التي كانت تنادي بإسقاط النظام وكذلك فعل الحوثيون.
وكان الرئيس علي عبدالله صالح حتى ذلك الوقت يجيد التواصل مع القبيلة ويتعامل بحذر مع مطالبها، غير أنه لم يبد أي التفاتة إلى التحولات العميقة التي حدثت في بنية القبيلة اليمنية وانحيازها للأيديولوجيا وازدرائها للمفهوم التقليدي في العلاقة بين القبيلة والدولة وتحديدا قبيلة حاشد التي فضلت أن تنساق خلف توجيهات شيخها الجديد الذي قرر هو بدوره أن يسلم إرادته للحزب.
القبيلة تركع للمذهب
انضم الشيخ صادق الأحمر الذي ورث زعامة قبيلة حاشد عن أبيه إلى الاحتجاجات الشعبية التي طالبت برحيل الرئيس السابق الذي ينتمي للقبيلة، وهو الأمر الذي يؤكّده العديد من الباحثين السياسيين، بأن والده ما كان ليقدم عليه لو كان على قيد الحياة.
وانضم جميع أولاد الشيخ الأحمر إلى الاحتجاجات، وتولى حميد النصيب الأكبر من دعم المظاهرات والتعريض بالرئيس علي عبدالله صالح من خلال وسائل الإعلام التي كان يدعمها. وفي المقابل قرر علي عبدالله صالح أن يثأر لنفسه وينال من هيبة الشيخ، فوجّه قوات المدفعية المتمركزة في الجبال المطلة على صنعاء بقصف منزل الشيخ الأحمر، في الوقت الذي كان يستقبل وفودا قبلية للوساطة، وهو ما اعتبر إهانة غير مسبوقة لرمز القبيلة اليمنية.
وقال صادق والغضب يملؤه في تصريح شهير له بساحة الاحتجاجات إنه “سيخرج صالح من اليمن حافي القدمين”. وكان العديد من شيوخ قبيلة حاشد الذين لزموا الصمت في ذلك الوقت غير راضين عن انسياق زعيم قبيلتهم وراء شعارات حزب الإصلاح وتعريض مصالح القبيلة الاستراتيجية للخطر، وهو ما تبين بشكل جلي بعد تخلي علي عبدالله صالح عن السلطة وامتداد نفوذ الحوثيين الذين كانوا يرون أن القبيلة أيضا هي أحد أبرز المعوقات التي تقف أمام طموحاتهم في الهيمنة.
ويذكر أنه خلال تلك الفترة كانت قبيلة حاشد في أحلك أوقاتها وبان ضعفها الشديد، فقد بدت منقسمة بسبب تباين مواقف شيوخها، فيما كان زعيم القبيلة الأحمر وإخوته منهكين من معركتهم الدامية التي خرجوا منها للتو مع الرئيس السابق.
وخاض الحوثيون معارك قصيرة حتى وصلوا إلى منزل الشيخ الأحمر في منطقة حوث بمحافظة عمران المعقل الرئيسي لآل الأحمر، وقيل إن علي عبدالله صالح أوعز إلى قوات من الحرس الخاص بالمشاركة في هذه المعركة التي انتهت بنسف منزل شيخ القبيلة في ظل صمت معظم أفرادها، وهي اللحظة التي تم تصويرها ونشرها في مواقع الإنترنت إمعانا في الإذلال.
ويفسر العديد من الباحثين في تاريخ قبائل شمال الشمال في اليمن هذا الموقف بأنه تكريس لثقافة الركوع للمذهب التي دأبت عليها القبائل في تلك المنطقة من اليمن، والتي كانت في كل مراحلها تسعى إلى إضعاف سلطة الدولة والتهامها ولكنها تقف عاجزة أمام النفوذ الروحي الذي يمثله “السيد” الذي يمثل بدوره سلطة المذهب وسنامه.
وفرّ الشيخ حميد الأحمر الذي يتّهم بلعب الدور الأبرز في إخضاع حاشد لحزب الإصلاح من اليمن وبعد سنوات من حديثه بفخر عن انتمائه لحاشد، نقل عنه قبل شهور صحافي يمني في المهجر قوله “قريبا جدا سنعود إلى صنعاء. سأقول للقبائل الآن بيننا دولة علينا كلنا. لم تحموا أموالي ولا حافظتم على أرواحكم. ليس لكم أي فضل علينا ولم تعودوا تحرسوننا، فأنتم لم تفعلوا ذلك وشاهدتم أموالنا وهي تنهب. الآن ستكون هناك دولة فوق الجميع ولا فضل لأحد على أحد”.
وتدفقت جحافل من الحوثيين إلى كافة مناطق القبائل الزيدية التي تحولت إلى رصاصات في جعبة “السيد”، ودخل الحوثيون منزل الشيخ صادق الأحمر في صنعاء دون طلقة واحدة، وهو المنزل الذي لم يتمكن علي عبدالله صالح من دخوله لشهور في معارك ضارية بمنطقة الحصبة في صنعاء. وحاول الحوثيين إذلال شيخ قبيلة حاشد ومن خلفه القبيلة من خلال مقطع فيديو مسرب يردد فيه الشيخ الأحمر على مسامع مقتحمي منزله من الحوثيين قصيدة شهيرة لشاعرة يمنية قديمة تنادي بالمساواة.
"العرب اللندنية"
وسألت المذيعة حميد الأحمر في نهاية الحوار كيف يمكن أن تعود إلى صنعاء بعد أن قلت هذا الكلام؟ فرد بزهو باد على محياه “من ينتمي لقبيلة حاشد وشيخها صادق الأحمر لا يخشى أبدا”. وبدا حينها أن هناك من تجرّأ على خرق اتفاق لم يكن مكتوبا ولا معلنا، ولكنه كان أمرا واقعا في العلاقة بين سلطة الرئيس وسطوة الشيخ. وهذه السطوة عبّر عنها الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ذات مرة عندما سئل عن العلاقة التي تربطه بصالح، فأجاب بكل ثقة “هو رئيسي وأنا شيخه”.
وشعر الشيخ الأحمر في آخر أيام حياته بأن علي عبدالله صالح يتجه للتخلص من مراكز القوى القديمة وعلى رأسها القبيلة التي تخلّصت قبله من عدة رؤساء سابقين حاولوا أن يفعلوا ذات الشيء. وأراد علي عبدالله صالح في تلك الفترة أن يتخلّص من حلفائه الذين أوصلوه للحكم مزهوا بقوته، وتدفعه رغبة جامحة في تعبيد الطريق لنجله بعيدا عن سطوة القبيلة وهيمنتها والتزاماتها المرهقة.
ولم يكن الوقت ليسعف الشيخ الأحمر ليخوض صراعا جديدا يضاف إلى صراعاته الشهيرة التي خاضها مع رؤساء سابقين، اعتبر أنهم حاولوا الانتقاص من دور القبيلة، غير أنه قال في تصريح خافت قبل فترة وجيزة من رحيله إن “اليمن يتجه نحو النفق المظلم”، وهو التصريح الذي لم يدعه علي عبدالله صالح يمر مرور الكرام، فخرجت الصحيفة الرسمية لحزبه في اليوم التالي بعنوان عريض يقول إن “الشيخ الأحمر هو الذي يتجه نحو النفق المظلم”.
وتوفي الشيخ الأحمر وهو يشعر بحسرة بالغة، فبعد أن ظل شريكا قويا في الحكم منذ قيام الثورة اليمنية في العام 1962، أنهى حياته وهو عرضة للشتائم من العشرات من الصحافيين الذين وظفهم صالح للنيل من مكانة الشيخ المقدسة.
ثنائية الشيخ والرئيس
يقول العديد من الباحثين في التاريخ اليمني المعاصر إن اليمن وعلى مدى عقود لم يحكم إلا وفق ثنائية الشيخ والرئيس، وهو ما يعدّ امتدادا لتاريخ اليمن القديم الذي كانت فيه الدول الكبرى تقوم نتيجة الأحلاف القبلية وتندثر نتيجة تفرّق تلك الأحلاف.
وعن دور القبيلة في صناعة الرؤساء منذ قيام ثورة سبتمبر في العام 1962، يعترف الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في مذكراته، التي نشرت قبيل وفاته بفترة قصيرة، بدوره الحاسم في صعود وسقوط العديد من الرؤساء اليمنيين ومنهم علي عبدالله صالح الذي قال إنه كان يخشى في بادئ الأمر أن يكون امتدادا للعسكر الذين حاربوا نفوذ القبيلة مثل الحمدي والغشمي، غير أنه اضطر في نهاية المطاف إلى دعمه لأسباب عدة.
وعرف عن الرئيس علي عبدالله صالح، بعد توليه السلطة في العام 1978، درايته الواسعة والدقيقة بطبيعة المجتمع اليمني وتعامله بحرص مع شرائحه وخصوصا القبيلة، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على علاقته بالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ قبيلة حاشد، إلى درجة جعلت البعض يتحدث عن دولة متعددة الرؤوس، كان الشيخ الأحمر أبرزها.
وفي جنوب اليمن كانت الأيديولوجيا قد قضت على دور القبيلة أو أخضعتها إلى حد كبير، فقد سيطرت التيارات اليسارية والقومية على السلطة بعد خروج بريطانيا من تلك المنطقة، فأصبح الحزب الاشتراكي اليمني هو السلطة الوحيدة. وركعت القبيلة للأيديولوجيا مرغمة. بينما في الشمال ظلّت القبيلة هي المظلّة التي تحتضن كل الأيديولوجيات، وهي الراعية أيضا لكل الأفكار غير أن الانتماء للقبيلة ظل متفوقا على كل الولاءات الحزبية.
وعزّز ترأّس الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر لحزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي يتكون في الأساس من الإخوان المسلمين إلى جانب بعض السلفيين ورجال القبائل، في العام 1990 من دور القبيلة. وقد أدار الأحمر الحزب بعقلية زعيم القبيلة وهو الأمر الذي بدا جليا في الكثير من المواقف التي افترق فيها الحزبي عن القبلي، كما هو الحال في انتخابات الرئاسة اليمنية في العام 2006، حيث اتخذ حزب الإصلاح موقفه بدعم فيصل بن شملان المرشح المناوئ لصالح فيما اتخذ الأحمر موقفا مغايرا بإعلانه عن دعم انتخاب صالح .
القبيلة تنحاز للأيديولوجيا
وعلى عكس الشيخ الأحمر، الذي كانت مصالح القبيلة ونفوذها تأتي في سلم اهتماماته، كان أولاد الشيخ، وأبرزهم نجله حميد، من الذين تربوا في أحضان أيديولوجيا الإخوان، على النقيض من ذلك حيث قرّروا إعلان الولاء للحزب عندما شعروا أنهم في مفترق طرق.
وبدأت العلاقة بين سلطة الرئيس علي عبدالله صالح والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي يمثل نفوذ القبلة في اليمن بالتراجع في السنوات الأخيرة التي سبقت وفاة الأخير، غير أنه تم الحفاظ على شعرة معاوية التي يتّهم الكثير من المراقبين الشيخ حميد الأحمر بأنه كان السبب في قطعها، انطلاقا من انحيازه الكامل لحركة الإخوان المسلمين، على حساب مصالح القبيلة وهو ما جلب آثارا مدمرة لاحقا على مكانة أسرته التي ظلت لوقت طويل تتصدر المشهد القبلي في اليمن. وإضافة إلى منطلقاته الفكرية التي تجعل من علي عبدالله صالح “طاغوتا”، بدا أن الشيخ حميد أراد أن ينتزع إرث والده الراحل من الدولة، ولكن بطريقة رافقها الكثير من العنف السياسي.
وفي ديسمبر 2007 توفي الشيخ الأحمر وخلفه نجله صادق في رئاسة القبيلة غير أن موقعه في الحزب كان من نصيب قيادي إخواني بارز، وبذلك انقطعت علاقة الحزب بالقبيلة وأصبحت الأيديولوجيا هي التي تقود القبيلة، وهو الأمر ذاته الذي حدث في الجنوب بعد عام 1994 وهزيمة الحزب الاشتراكي في الحرب، حيث لم تستعد القبيلة هيبتها المفقودة بقدر ما انتشرت التيارات الراديكالية وسيطرت على الجزء الأكبر من الشارع الجنوبي.
التيارات الأيديولوجية الراديكالية التي تكونت في الشمال والجنوب كانت لا تنظر بأي احترام للدولة بل إنها بدأت تفكر فعليا في كيفية أن تكون بديلا لها سواء من داخل الدولة أو من خارجها، وقد وجدت كل تلك التيارات ضالتها في احتجاجات العام 2011، حيث حضرت بقوة في الفعاليات التي كانت تنادي بإسقاط النظام وكذلك فعل الحوثيون.
وكان الرئيس علي عبدالله صالح حتى ذلك الوقت يجيد التواصل مع القبيلة ويتعامل بحذر مع مطالبها، غير أنه لم يبد أي التفاتة إلى التحولات العميقة التي حدثت في بنية القبيلة اليمنية وانحيازها للأيديولوجيا وازدرائها للمفهوم التقليدي في العلاقة بين القبيلة والدولة وتحديدا قبيلة حاشد التي فضلت أن تنساق خلف توجيهات شيخها الجديد الذي قرر هو بدوره أن يسلم إرادته للحزب.
القبيلة تركع للمذهب
انضم الشيخ صادق الأحمر الذي ورث زعامة قبيلة حاشد عن أبيه إلى الاحتجاجات الشعبية التي طالبت برحيل الرئيس السابق الذي ينتمي للقبيلة، وهو الأمر الذي يؤكّده العديد من الباحثين السياسيين، بأن والده ما كان ليقدم عليه لو كان على قيد الحياة.
وانضم جميع أولاد الشيخ الأحمر إلى الاحتجاجات، وتولى حميد النصيب الأكبر من دعم المظاهرات والتعريض بالرئيس علي عبدالله صالح من خلال وسائل الإعلام التي كان يدعمها. وفي المقابل قرر علي عبدالله صالح أن يثأر لنفسه وينال من هيبة الشيخ، فوجّه قوات المدفعية المتمركزة في الجبال المطلة على صنعاء بقصف منزل الشيخ الأحمر، في الوقت الذي كان يستقبل وفودا قبلية للوساطة، وهو ما اعتبر إهانة غير مسبوقة لرمز القبيلة اليمنية.
وقال صادق والغضب يملؤه في تصريح شهير له بساحة الاحتجاجات إنه “سيخرج صالح من اليمن حافي القدمين”. وكان العديد من شيوخ قبيلة حاشد الذين لزموا الصمت في ذلك الوقت غير راضين عن انسياق زعيم قبيلتهم وراء شعارات حزب الإصلاح وتعريض مصالح القبيلة الاستراتيجية للخطر، وهو ما تبين بشكل جلي بعد تخلي علي عبدالله صالح عن السلطة وامتداد نفوذ الحوثيين الذين كانوا يرون أن القبيلة أيضا هي أحد أبرز المعوقات التي تقف أمام طموحاتهم في الهيمنة.
ويذكر أنه خلال تلك الفترة كانت قبيلة حاشد في أحلك أوقاتها وبان ضعفها الشديد، فقد بدت منقسمة بسبب تباين مواقف شيوخها، فيما كان زعيم القبيلة الأحمر وإخوته منهكين من معركتهم الدامية التي خرجوا منها للتو مع الرئيس السابق.
وخاض الحوثيون معارك قصيرة حتى وصلوا إلى منزل الشيخ الأحمر في منطقة حوث بمحافظة عمران المعقل الرئيسي لآل الأحمر، وقيل إن علي عبدالله صالح أوعز إلى قوات من الحرس الخاص بالمشاركة في هذه المعركة التي انتهت بنسف منزل شيخ القبيلة في ظل صمت معظم أفرادها، وهي اللحظة التي تم تصويرها ونشرها في مواقع الإنترنت إمعانا في الإذلال.
ويفسر العديد من الباحثين في تاريخ قبائل شمال الشمال في اليمن هذا الموقف بأنه تكريس لثقافة الركوع للمذهب التي دأبت عليها القبائل في تلك المنطقة من اليمن، والتي كانت في كل مراحلها تسعى إلى إضعاف سلطة الدولة والتهامها ولكنها تقف عاجزة أمام النفوذ الروحي الذي يمثله “السيد” الذي يمثل بدوره سلطة المذهب وسنامه.
وفرّ الشيخ حميد الأحمر الذي يتّهم بلعب الدور الأبرز في إخضاع حاشد لحزب الإصلاح من اليمن وبعد سنوات من حديثه بفخر عن انتمائه لحاشد، نقل عنه قبل شهور صحافي يمني في المهجر قوله “قريبا جدا سنعود إلى صنعاء. سأقول للقبائل الآن بيننا دولة علينا كلنا. لم تحموا أموالي ولا حافظتم على أرواحكم. ليس لكم أي فضل علينا ولم تعودوا تحرسوننا، فأنتم لم تفعلوا ذلك وشاهدتم أموالنا وهي تنهب. الآن ستكون هناك دولة فوق الجميع ولا فضل لأحد على أحد”.
وتدفقت جحافل من الحوثيين إلى كافة مناطق القبائل الزيدية التي تحولت إلى رصاصات في جعبة “السيد”، ودخل الحوثيون منزل الشيخ صادق الأحمر في صنعاء دون طلقة واحدة، وهو المنزل الذي لم يتمكن علي عبدالله صالح من دخوله لشهور في معارك ضارية بمنطقة الحصبة في صنعاء. وحاول الحوثيين إذلال شيخ قبيلة حاشد ومن خلفه القبيلة من خلال مقطع فيديو مسرب يردد فيه الشيخ الأحمر على مسامع مقتحمي منزله من الحوثيين قصيدة شهيرة لشاعرة يمنية قديمة تنادي بالمساواة.
"العرب اللندنية"