تشتد المواجهات في محافظة تعز اليمنية بين قوات الشرعية والمقاومة الشعبية، مدعومة بقوات التحالف العربي من جهة، وبين مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح من جهة ثانية، وسط ترقب لنتائج المعركة وانعكاساتها العسكرية والسياسية على حد سواء.
ولم تكن العمليات العسكرية، أمس الثلاثاء، في اليوم الثاني على بدء عمليات "نصر الحالمة"، نسبة إلى "تعز الحالمة"، أقل حدة من اليوم الأول الذي شهد خسائر كبيرة في صفوف قوات الشرعية و"المقاومة"، بعد تمكن المليشيات من تنفيذ كمين أفضى إلى مقتل العشرات.
وتكتسب المعركة في تعز أهمية استثنائية عسكرية وسياسية. على الصعيد السياسي، تأتي المعركة بالتزامن مع عودة الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي إلى اليمن، للإشراف على تحرير المدينة، في خطوة هي الثانية من نوعها منذ اضطراره إلى مغادرة عدن عقب اجتياح المليشيات للمدينة أواخر مارس/آذار الماضي. وكان هادي قد عاد إلى عدن لأيام معدودة في 22 سبتمبر/أيلول عقب تحرير عدن قبل أن يغادرها للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة وينتقل بعدها من جديد إلى الرياض، مقر إقامته المؤقت.
وقد أكد هادي أمس، خلال ترؤسه اجتماعاً طارئاً عقده في قصر المعاشيق الرئاسي فور وصوله، أنّ "كافة المدن اليمنية في طريقها إلى التحرر وأنّ كابوس الانقلاب سيندحر عن اليمن قريباً وسينعم كافة أبناء الشعب اليمني من صعدة (معقل المليشيات) وحتى المهرة بالأمن والاستقرار والطمأنينة".
كذلك انطلقت معركة تحرير تعز بعد يوم على وصول نائب الرئيسٍ، رئيس الوزراء، خالد بحاح، إلى سقطرى وإعلانه عودة الحكومة إلى اليمن لممارسة عملها، بينما يواصل بحاح مشاوراته الخارجية التي قادته أمس إلى الإمارات على أن يعود بعدها، بحسب الترجيحات، إلى محافظة مأرب اليمنية.
وكان بحاح قد عاد إلى عدن للمرة الأولى لساعات فقط في الأول من أغسطس/آب ثم عاد إليها مع أعضاء حكومته منذ 16 سبتمبر/أيلول بعد زيارة سريعة. واستمر تواجد بحاح في عدن حتى الحادي عشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول قبل أن يغادرها من جديد عقب أيام من تفجيرات عدة هزت عدن، وتبناها تنظيم "داعش"، واستهدف أحدها مقر الحكومة المؤقتة.
وفي السياسة أيضاً، لا يمكن فصل معركة تعز عن المساعي الأممية المتواصلة لإطلاق جنيف 2، بعد التعثر الذي أعاق إعلان موعد محدد لبدء المشاورات. وتسعى مختلف الأطراف إلى تحقيق تقدم ميداني يمكن استثماره على طاولة المفاوضات، وخصوصاً في تعز ذات الأهمية الاستراتيجية.
لكن التداعيات قد تأخذ منحى مختلفاً في حال تأخر انطلاق جولة المفاوضات الجديدة، إذ إن البعض لا يستبعد أن يؤدي تحرير تعز إلى جعل المعارك بمثابة الخيار الوحيد المعتمد لإسقاط الانقلاب وتطبيق بنود القرار 2216 بالقوة العسكرية لأن النصر العسكري في تعز، بمثابة مكسب كبير للشرعية على الصعيدين السياسي كما العسكري.
ومن النتائج المباشرة المتوقعة لانتهاء المعركة تخفيف الضغط على الشرعية، كون تعز، التي تعدّ المحافظة الأكثر كثافة سكانية، كانت قد اعتمدت فيها المليشيات وقوات المخلوع سياسة الانتقام من المدنيين كلما اشتدت المواجهات فيها مع "المقاومة" على مدى الأشهر الماضية. وهو ما ترجم بعمليات قصف يومية عشوائية على الأحياء السكنية، تسببت في وقوع أكثر من مجزرة وظروف معيشية صعبة وصولاً إلى حد اعتبارها مدينة منكوبة.
أما على الصعيد العسكري، فتحتل المحافظة اليمنية موقعاً استراتيجياً يصل بين جنوب اليمن وشماله، إذ لديها حدود مشتركة مع كل من محافظتي لحج والضالع الجنوبيتين. كذلك لديها حدود مشتركة مع محافظتي إب والحديدة في الشمال، فيما تبعد عن صنعاء مسافة 256 كليومتراً. كما يتبع باب المندب الاستراتيجي إدارياً لها.
كذلك تعد المواجهات فيها من أهم العمليات العسكرية البرية في الشمال عقب المواجهات في مأرب. وتشهد معركة تحريرها مشاركة مقاتلين من "المقاومة الجنوبية" على الرغم من الأصوات الجنوبية التي كانت تطالب بعدم تحريك هذه القوات إلى خارج حدود المحافظات الجنوبية.
وكانت العملية العسكرية لتحرير تعز قد بدأت رسمياً أول من أمس (الإثنين) بعد أشهر من المعارك بين المليشيات و"المقاومة". وانطلقت معركة "نصر الحالمة" من ثلاثة محاور تشنها قوات الشرعية اليمنية والتحالف العربي والمقاومة الجنوبية من خارج تعز، أولها محور كرش في لحج باتجاه الشريجة الراهدة تعز، وهي الجهة الجنوبية لتعز. أما المحور الثاني فانطلق من منطقة المضاربة الصبيحة لحج أيضاً باتجاه الوازعية جنوب غرب تعز، فيما المحور الثالث كان من الغرب ومن البحر تحديداً عبر ميناء المخا.
أما قوات "المقاومة الشعبية" والجيش الوطني الموالي للشرعية، التي تتواجد داخل المحافظة، فتنطلق من تعز باتجاه الشرق والغرب والشمال والجنوب، فيما تتولى طائرات التحالف ومروحيات الآباتشي تأمين الغطاء الجوي للمواجهات البرية، فضلاً عن مشاركة قوات التحالف البحرية ببوارج وعدد من الزوارق. وتركز هذه القوات على الجهة الغربية.
وتساهم هذه المحاور المتعددة في تضييق الخناق وحصار مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع. وتحولت قاعدة العند العسكرية منذ إعادة تأهيلها وتشغيلها، إلى مركز لعمليات لقوات التحالف، ما يساهم في تسريع وتيرة المواجهات العسكرية في تعز، إذ إن القاعدة تبعد عن تعز ما يقارب 80 كيلومتراً، ما يؤمن لطائرات التحالف سرعة الحركة والمشاركة في المعركة، بعدما كانت طائرات التحالف تنطلق من داخل الأراضي السعودية وكانت تحتاج لساعات حتى تصل إلى مسرح العمليات.
كما أن المدخل الشمالي لتعز باتجاه محافظة إب هو أبرز المنافذ المتوفرة للمليشيات وقوات الرئيس المخلوع للهروب أو الانسحاب. لكن جميع مداخل ومخارج تعز تحت الرقابة من طائرات التحالف وأي هروب أو انسحاب باتجاه إب سيكون تحت مرمى طائرات التحالف، لذلك يتوقع أن تنتهي المعركة بخسائر بشرية وعسكرية كبيرة في صفوف المليشيات، وخصوصاً بعدما ألقت المليشيات بثقلها العسكري في المحافظة وأرسلت إليها طوال الفترة الماضية تعزيزات عدة. كما أن مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع قد تحاول الهروب من جهة الغرب باتجاه تعز، لكنها ستكون حينها أكثر عرضة للاستهداف من قبل قوات التحالف والشرعية الجوية والبحرية، ولا سيما أن التحالف لن يسمح بهروب قوات المليشيات من ناحية الحديدة لأنها هدف قادم بعد تحرير تعز، ضمن خطة الشرعية والتحالف لاستكمال السيطرة على المحافظات المطلة على البحر المتبقية، والتي لم يتبق منها سوى الحديدة وميدي في حجة.
وعلى الرغم من أن قوات تحالف الانقلاب قد استعدت منذ أسابيع لهذه المعركة، فإن ميزان القوى في هذه المواجهات لا يميل إلى صالحها لأسباب عدة. فهي أولاً وجدت نفسها بعد إطلاق المعركة رسمياً بين كماشة من ثلاثة محاور. كما أنها تفتقر إلى قوات متكافئة مع قوات الشرعية من جميع النواحي اللوجستية والعسكرية وحتى المعنوية. كذلك تعتمد مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع على غرف عمليات عسكرية تقليدية على عكس قوات التحالف والشرعية التي تملك غرف عمليات متنقلة وتعتمد على التكنولوجيا العسكرية الحديثة ومرتبطة بالأقمار الصناعية. كما أن التحالف العربي يملك عتاداً وأسلحة وآليات عسكرية حديثة فضلاً عن التفوق لجهة حصرية استخدام سلاح الجو.
وأي خسارة للمليشيات في تعز لن تقتصر على التداعيات العسكرية، فهي تعني أولاً خسارة أهم منطقة قبل ورقة صنعاء، وسط توقعات بأن تفضي الهزيمة المتوقعة إلى تأثير على الوضع الميداني للمليشيات في باقي المناطق، ولا سيما أن تعز كانت أكبر منطقة استنزاف للمليشيات عسكرياً وبشرياً.