بوفاة المستشار السياسي للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، رئيس الوزراء اليمني الأسبق عبد الكريم الإرياني، تنتهي قصة أحد أبرز الشخصيات السياسية اليمنية المؤثرة، الذي عرف بحنكته، وكان بما يملك من خبرات في قراءة الواقع له التأثير الواضح في سياسة البلاد.
ونظراً للأثر المهم الذي تركه الراحل الإرياني الذي توفي مساء أمس الأحد في مستشفى بمدينة فرانكفورت الألمانية، عقب إجراء عملية جراحية له، نتيجة تعرضه لجلطة دماغية في وقت سابق، يسلط "الخليج أونلاين" الضوء على صفحات من تاريخ الإرياني، ابن أخ الرئيس الثاني للجمهورية العربية اليمنية القاضي عبد الرحمن الإرياني.
-تخليه عن صالح
بدا للمتابع عن قرب لمايدور داخل أروقة اجتماعات حزب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وجود هوة بينه وبين السياسي عبد الكريم الإرياني، الذي لم يعد مرغوباً لدى حاشية صالح المقربين، فكان خلافه الظاهر قبل انطلاق مؤتمر الحوار الوطني مع سلطان البركاني، أحد الأعمدة التي يعتمد عليها صالح، إعلاناً للرأي العام عن قرب مغادرة الإرياني لمجلس صالح.
واتفق الكثير من السياسيين والنقاد على أن مواقف الإرياني كانت مبنية على مبادئ وقيم ولم ترتبط بالشخصيات، إذ يرون أن مسيرته مع صالح انتهت بتسليمه للسلطة لخلفه الرئيس عبد ربه منصور هادي، في حين كان الإرياني المقرب من صالح والمحنك السياسي الذي رسم سياسة البلد واحتاجه صالح أكثر من حاجته هو له.
كان المخلوع صالح وما يزال يتصف بالشخصية المتعصبة والمتسرعة، فيما كان الإرياني له بمثابة "فرامل" جنبت البلاد ويلات اتخاذ القرارات المتسرعة، حسب آراء محللين، كانت ستعصف بالبلاد.
وتخلى د. عبد الكريم الإرياني عن صالح رسمياً عندما شارك بقوة في نقطة العزل السياسي، التي كانت من مخرجات الحوار الوطني وحرمت صالح ونجله ومعاونيه من تولي مناصب في الدولة، وعندما أعلن صالح تحالفه الضمني على الأرض مع الحوثيين حينما دخلوا العاصمة صنعاء مدججين بالسلاح، كان السياسي الحصيف يرى الأيام السوداء التي تنتظر اليمن بتحالف الشريكين، فابتعد أكثر عن صالح، بعد أن رفض حضور الكثير من الاجتماعات التي عقدها الأخير بصفته رئيساً للحزب.
- الصندوق الأسود
يرى البعض أن الإرياني وإن كان اختلف مع صالح فهو يمثل النظير للمستشار العسكري للرئيس هادي علي محسن الأحمر، الذي انشق عن صالح بعد مجزرة جمعة الكرامة في 18 مارس/ آذار2011 ، فبعدما تخلخلت القوة العسكرية لصالح بتخلي محسن عنه، جاءت الصفعة الأخرى ولكنها خسارة سياسية بتخلي الإرياني عن صالح.
الإرياني يمثل أمين السر للكثير من الأحداث والمراحل السياسية التي شهدتها البلاد على طول فترة حكم المخلوع، وكان قائد الفريق السياسي له، وقاده لاتخاذ الصيغة السياسية في أكثر من قرار، وتحسب له التجربة السياسية للحزب والبلاد بشكل عام، ومات الإرياني وهو يحمل معه ملفات عدة لصالح، حسب ما كشفت شخصيات سياسية.
-السياسي الجريء
بعد انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية في البلاد في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، برر الإرياني بكل وضوح إحجام دول الخليج عن تقديم الدعم للحكومة اليمنية بعد سيطرة الحوثيين التي أنتجت وضعاً شاذاً في البلاد يتعذّر بسببه على الأشقاء دعم الحكومة.
تأخر الكثير من السياسيين في البلاد عن إعلان موقفهم الصريح مما يقوم به الحوثيون في البلاد، لكن الإرياني رفض تبرير الحوثيين بأن لجانهم الشعبية تتحمل العبء الأمني، كما انتقد قرار حزب المؤتمر الشعبي الذي حاول فيه صالح تجريده هو وهادي من منصبيهما في قيادة الحزب، فكان الإرياني أكثر جرأة عندما قرر الوقوف إلى جانب شرعية هادي، رافضاً الترهيب والترغيب للبقاء إلى جانب صالح، وكان أول الموقعين على وثيقة حل القضية الجنوبية في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2013.
توفي الرجل الداهية في اليمن عبد الكريم الإرياني، وترك الأحداث بعدما كان مهندساً بقي طوال الفترة الماضية يفضّل العمل في الخفاء، والابتعاد عن الأضواء، وظل يستحوذ على ملف السياسة الخارجية لليمن لعقود، إضافة إلى علاقاته الواسعة مع قادة وسياسيين كثر في الشرق والغرب.
- الرجل التكنوقراطي
على الأقرب كان الإرياني آخر حكماء اليمن كما وصفه البعض، الرجل الوحيد الذي لم ينقطع عن تقلد المناصب الحكومية بتعددها حتى اعتزاله العمل السياسي مطلع العام الجاري، ونجح في الكثير من مراحل توليه قيادة البلاد في رئاسة الوزراء، وتعرضت سياساته التقشفية للنقد والسخط والغضب الجماهيري في البلاد، لكن تلك السياسة أخرجت البلاد من عنق الزجاجة في أحلك المراحل، وعاد الذين انتقدوه بالأمس ليثنوا على حكمته.
يصف أحدهم الإرياني "القصير" بأنه "متر فوق الأرض وسبعة تحتها"، في إشارة إلى عمق ثباته وحكمته وسياسته الناجحة في المجال الزراعي والاقتصادي والسياسي، وكان الشخصية السياسية الأولى التي شكلت المواقف السياسية للبلاد على مراحل عدة.
وتقلد الإرياني عدداً من المناصب السياسية، منها رئيس الوزراء ووزير خارجية ومستشار للرئيس عبد ربه منصور هادي. ولد في 20 فبراير/ شباط 1935 في محافظة إب لعائلة امتهنت القضاء، حصل على الشهادة الثانوية عام 1958 من مصر، وأكمل درجة البكالوريوس في الزراعة بجامعة تكساس، ثم الماجستير من جامعة جورجيا والدكتوراة من جامعة ييل بكونيتيكت عام 1968.