أثار ظهور صورة الرئيس علي عبدالله صالح الأحمر في مكتب اللواء الركن علي محسن صالح الأحمر خلال لقاء جمع هذا الأخير بـ"المَــجْــعُـــوث الدولي" جمال بن عمر على شاشة قناة الجزيرة مطلع الأسبوع الماضي، أثار عاصفة فيسبوكية من الإستغراب والجدل حول الأسباب التي أبقت على الصورة في مكتب القائد العسكري بعد انشقاقه عن النظام وانضمامه الى ثورة الشباب السلمية، لكن هذا الجدل المستمر منذ أيام لم يخرج بعد بسبب واضح.
وعزز الظهور الأخير لعلي محسن في مكتبه حيث بدا علي صالح شامخا في صورة معلقة بالأعلى بين قمريتين فوق جمال بن عمر شكوك الثوار اليمنيين حول مصداقية انشقاق شريك صالح الرئيسي في الحكم طيلة 33 عاما ونزاهة انضمامه للثورة. ووقف الثوار الموالون للشريك "المنشق" عاجزين أمام سؤال الثوار اليمنيين عن سبب وجود الصورة في مكتب قائدهم واكتفوا فقط بالتقليل من شأن هذه المسألة دون ان يقدموا تبريرا واضحا ومقنعا ينهي عاصفة الأسئلة والشكوك المثارة، ما عزز الإعتقاد بأنهم هم أنفسهم يجهلون السبب أيضا. غير أن هذا التقرير الذي يسلط الضوء على قصة الصورة من جوانبها المختلفة يزيح الستار عن السبب الحقيقي وراء وجود الصورة في مكتب الثـائـر الركن بعد مرور أكثر من 9 أشهر على انضمامه للثورة.
واستنكرت مصادر مقربة من محسن ما اعتبرته "حملة فيسبوكية مغرضة وظالمة على الزعيم الثوري" من قبل من وصفتهم بـ"الثوار المندسين" نافية أي علاقة لوجود صورة "عفاش" في مكتب الثائر الركن بأي مؤامرة على الثورة. وقالت: "القائد حفظه الله ورعاه مخلص للثورة وقد قدم لها الكثير من التضحيات، ويعلم الله أنه يكره عفاش كره العمى ولا يريد رؤية صورته القبيحة"، وتابعت: "لكنه مضطر لإبقاء صورة السفاح عفاش في مكتبه".
وأزاحت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها لأنها تخوض في أسرار عسكرية حساسة، الستار عن السر وراء بقاء صورة صالح في مكتب محسن، قائلة: "لا يوجد أي سبب سياسي وراء هذا الموضوع، والحكاية كلها تتعلق بمشكلة طبية يعاني منها القائد شفاه الله".
وكشفت هذه المصادر عن طبيعة السبب الطبي الذي حال دون التخلص من الصورة أخيرا، قائلة: "بصراحة، الصورة موجودة عشان الـرَّازِم".
و"الـرَّازِم" كلمة تطلق في اليمن على الكابوس الذي يداهم الإنسان عادة أثناء النوم. وتتفاقم مشكلة الرازم في هذا البلد بسبب انتشار عادة تناول القات حيث يعد زائرا دائما لمدمني هذه النبتة الذين اضطروا للتوقف عن تناوله لأسباب مختلفة. غير أن المشكلة التي يواجهها علي محسن مع هذا الزائر الليلي الثقيل تتعاظم بالنظر إلى المعلومات التي تفيد أنه لا يداهمه ليلا فقط خلال نومه في مكان يخلو من صورة صالح كما هو الحال مع أغلب مدمني القات المنقطعين عنه، وإنما أثناء صحوه نهارا أيضا.
وأوضحت المصادر أن الصورة موجودة في مكانها ذاك منذ ثلاثة عقود ونيف وأن "الفندم تعود على العمل والرَّقْـــدَة تحتها ولا يستطيع الآن العمل والرقدة بدونها بسبب الرازم".
واستغربت المصادر أن يتم تجاهل القضايا الثورية الكبرى والتركيز على قضية الصورة التي اعتبرتها "بعسيسة صغيرة لا تقدم ولا تؤخر". وقالت: "شغلتونا في أرواحنا، شوفوا صورة عفاش في مكتب علي محسن! ليش صورة عفاش في مكتب علي محسن؟ اتقوا الله يا أخواني! مالكم؟ تحسبوا الفندم فرحان بالصورة؟!"، وتابعت بأسى: "حسبنا الله ونعم الوكيل!".
الصورة: بِـعْـسِـيْـسِـــة صغيرة أم كبيرة؟
وظهر علي محسن على شاشة قناة الجزيرة خلال لقاء جمعه بجمال بن عمر الذي يزور اليمن حاليا في سياق مساعيه لتقريب وجهات النظر حول المبادرة الخليجية بين صاحب الصورة المعلقة فوق رأسه وصاحب المكتب الذي تعلوه الصورة. والتقط ثوار يمنيون صورا بموبايلاتهم للقاء أثناء بث القناة القطرية مشهدا منه ووضعوا دوائر حمراء حول الصورة وأسهما حمراء كبيرة تشير إليها متسائلة: "شوفوا، صورة من هذي ياشباب؟".
وفيما أخذت الصورة تدور على صفحات الفيسبوك، أخذ السؤال يكبر حول وجودها هناك. لكن ثوار علي محسن استجمعوا قواهم أخيرا وبدأوا حملة معاكسة ضد هذا السؤال وأصحابه الذين يصفونهم بـ"المندسين" تارة وبـ"المُـبَـعْـسِـسِـيْـن" تارة أخرى. وكان قد ظهر وسط الثوار المبعسسين من تساءل مستغربا: "وعاد الصورة مبروزة كمان؟!".
غير أن حملة ثوار علي محسن المعاكسة أتت في ظل تخاذل واضح من قبل كتلة ضخمة وسط الثورة باتت تشكل ما يمكننا تسميته بـ"الأغلبية الثورية الصامتة" التي تتألف من شباب ينتمون إلى أحزاب يسارية وقطاع واسع من الواهمين بإمكانية نجاح الثورة في إسقاط صالح ونظامه في ظل وجود صورته في مكتب شريكه السابق الذي يتولى قيادة دفة الثورة حاليا فضلا عن عدد لا بأس به من "الخُــبْــلان".
ويبدو وضع "الثوار المُـبَـعْـسِسِــيْن" بين ثوار علي محسن والأغلبية الثورية الصامتة صعبا بعض الشيء، لكنهم يشكلون التيار الثوري الأهم في ظل الحاجة الثورية الماسة لـ"البعسسة الشاملة" أو المراجعة الشاملة، بعبارة أخرى.
ودفعت الصورة بالشكوك الثورية الدائرة إصلا منذ البداية حول نزاهة انضمام محسن للثورة إلى الواجهة، وربط "الثوار المُـبَـعْـسِسِــون" بين بقائها في مكتب الرجل وبقائه هو نفسه في موقعه كقائد للفرقة الأولى مدرع دون إقدام صاحب الصورة على إقالته حتى الآن. لكن هذه لا تشكل النقطة الرئيسية التي ارتكزت عليها شكوك "المبعسسين" بشأن علاقة صاحب المكتب بصاحب الصورة.
نقطة الإرتكاز الرئيسية للشكوك الثورية حول علاقة الرجلين تمثلت في إستمرار تدفق المرتبات ومخصصات ميزانية الفرقة الأولى شهريا على صاحب المكتب من خزائن صاحب الصورة بعد انشقاق الأول عن الأخير وإنضمامه للثورة. ويقف أغلب المراقبين والمحللين حائرين أمام هذه الحالة النادرة جدا التي تعد الأولى من نوعها في تاريخ العلاقة بين الأنظمة الحاكمة والثورات الشعبية الرامية لإسقاطها على مستوى العالم، إذ من المعروف أنه لم يسبق أن قام نظام سياسي بتمويل قائد عسكري أعلن انشقاقه عنه وانضمامه للثورة المطالبة بإسقاطه.
وتزداد القصة غموضا وتعقيدا بالنظر إلى أنها لم تقتصر على استمرار نظام صالح في تمويل الفرقة بالرواتب والحوافز والمخصصات الغذائية والعتاد العسكري وكميات مهولة من الديـــزل وفق الميزانية الشهرية المرصودة لها في مرحلة ما قبل انضمامها للثورة فقط، وإنما تخطت هذا الحد. فقد استغل محسن نفوذه داخل الثورة بعد انضمامها اليها في بناء جيشه الذي كان قد ضعف كثيرا تحت حصار صالح وضرباته طيلة السنوات الماضية، وقد فعل ذلك بتشجيع وتمويل من صالح نفسه.
إن ما يدعو للحيرة فعلا ليس بقاء ميزانية الفرقة سارية كما هي لأنها لم تبق أصلا بعد انضمام الفرقة للثورة كما هي، بل ازدادت الى الضعف تقريبا، طبقا لمعلومات شبه مؤكدة. فقد اعتمد نظام صالح ما لا يقل عن 30 ألف مجند جديد ضمن قوام الفرقة منذ انشقاقها عنه بحسب تقديرات مصادر مختلفة كانت ساحات الثورة مصدر أغلبهم، وقد شكل هذا جزءا مما يعتبره "الثوار المبعسسون" عسكرة الثورة.
وفي حين يعتبر هؤلاء الثوار هذه العسكرة بأنها أضرت بالثورة وقضيتها كثيرا، يصر ثوار علي محسن على إعتبارها جزءا من دعم الثورة ودفعا لها الى الإمام في مواجهة نظام صالح. غير أن وجهة نظر الأخيرين تصطدم بالسؤال التالي: هل يمكن أن يمول صالح عملية تجنيد تصب نتائجها لصالح الثورة وضد وجوده ومعركته معها؟
وفي الواقع، ستبقى صورة صالح علامة استفهام مفتوحة ومعلقة مكانها هناك بين القمريتين أعلى مكتب علي محسن كما هو الحال مع ميزانية الفرقة ووجود محسن نفسه داخل الثورة مرجحة التفسير الخاص بـ"الثوار المبعسسين" لهذه القضية حتى يمتلك ثوار اللواء الركن تفسيرا شافيا ومنطقيا. فهل هناك ما يؤشر على امكانية امتلاكهم مثل هذا التفسير؟
قمرية علي محسن: أغلى مساحة إعلانية في العالم؟
من خلال الربط بين بقاء ميزانية الفرقة على حالها وبقاء صورة صالح مكانها، خلص "الثوار المبعسسون" غالبا الى استنتاج أن علي محسن يؤدي داخل الثورة مهمة مضادة لها لحساب نظام صالح. وهذه نتيجة منطقية تماما مقارنة بالنتيجة التي خرج بها بعض ثوار اللواء الركن المنتقدين للـ"بعسسة" من الربط نفسه بين النقطتين، حيث استخدموا الميزانية في تبرير بقاء الصورة مكانها بعد مرور نحو 9 أشهر على انشقاق محسن وانضمامه للثورة.
وتناقل عدد من صفحات الفيسبوك ردا منسوبا لعسكر زعيل الناطق الرسمي باسم الفرقة الأولى ذكر فيه أن سبب بقاء الصورة مكانها يتمثل في حاجة الفرقة للميزانية الشهرية وإن إزالتها من مكانها سيؤدي إلى إيقاف الميزانية التي تقدر على الأقل بمليار ونصف المليار ريال شهريا. وتساءل مستنكرا: "إذا مسحنا الصورة، من بايدفع لنا الرواتب ومخصصات العسكر؟".
وفاجأ رد زعيل ناشري الصحف الأهلية المؤيدين للثورة والذين سبق أن اتخذوا قرارا بعدم نشر التهاني التي توجهها المؤسسات الحكومية والشركات التجارية للرئيس صالح في المناسبات الوطنية رغم أن هذه التهاني تشكل موردا رئيسيا هاما لصحفهم في ظل شحة الإعلانات التجارية. وإذا كان السبب وراء استمرار تدفق المليار والنصف مليار ريال شهريا على الفرقة يتمثل في بقاء صورة صالح معلقة مكانها، فإن قمريتي علي محسن ستعدان أغلى مساحة إعلانية في العالم، وهذا أمر لابد أنه سيثير ليس حسد الناشرين اليمنيين فقط وإنما حسد كل ناشر على وجه الأرض.
لكن هذا لم يكن وجه المفاجأة الوحيد لدى الناشرين اليمنيين الذين يشكون من غياب الإعلانات وانخفاض سعرها عند توفرها. فعدا عن التمييز بين سعر مساحة محسن الإعلانية المليارية والمساحات الإعلانية المتوفرة على صفحات صحفهم التي لا تتجاوز 200 ألف ريال للصفحة الواحدة في أفضل الظروف، حملت مفاجأة الناشرين اليمنيين وجها آخر.
يقول أحد الناشرين المؤيدين للثورة: "لو نشر أي واحد مننا صورة الرئيس في تهنئية بأي مناسبة بايقوموا الدنيا علينا ويقعدوها ويعتبرونا مندسين على الثورة وبلاطجة نخدم النظام"، وتابع مستغربا: "لكن علي محسن الممسك بدفة الثورة والذي يخوض المفاوضات باسمها ويهيمن على قرارها يعلق صورة الرئيس ويعلن له على راحته ولا حد يكلمه، ليش هذا التمييز الثوري؟".
ويجيب الناشر على نفسه قائلا: "أعتقد أن الثورة تمارس التمييز بين المندس العادي والمندس الركن".
غير أن الناشر، الذي تحدث شريطة عدم ذكر إسمه حتى لا يتهم بأنه مندس من قبل ثوار علي محسن، استبعد في نهاية حديثه أن تكون حاجة صالح للإعلان عن نفسه تمثل السبب وراء وجود صورته في مكتب محسن، ورجح نظرية "الثوار المبعسسين". فهل تشكل هاتان النظريتان الإحتمالين الوحيدين لسبب وجود صورة صالح في مكانها ذاك؟
لا. فبعض المحللين النفسيين يقدم إحتمالا ثالثا للسبب وراء وجود صورة صالح في مكتب محسن ألا وهو أن الأول ربما يشكل المثال الأعلى الملهم بالنسبة إلى الأخير حيث يعلق الكثير من القادة العسكريين والسياسيين صور ملهميهم العظام على جدران مكاتبهم، بحسب المحللين. ولعل طريقة محسن في إدارة الثورة منذ إنضمامه إليها التي لم تختلف ابدا عن طريقة صالح في إدارة شئون البلاد طيلة حكمه تدعم هذه النظرية النفسية.
غير أن محللين سياسيين لم يستبعدوا كون صالح يشكل مصدر الوحي والإلهام الرئيسي بالنسبة الى محسن استبعدوا في الوقت نفسه أن يجازف الأخير بترك صورة الأول في مكتبه حيث يلتقي الوسطاء الدوليين والإقليميين لمجرد أنه يشكل ملهمه لاسيما في ظل وجوده في قيادة الثورة المطالبة بإسقاط صاحب الصورة. وقالوا: "لابد أن هناك سببا آخر قاهرا وخارجا عن إرادته اضطره الى هذا الأمر الغريب والمثير للشكوك".
فماهو هذا السبب يا ترى؟
بالنسبة إلى ثوار علي محسن، يبدو الموقف صعبا للغاية. فنظرية القمريتين اللتين يكلف تعليق صورة بينهما على سبيل الإعلان مليار ونصف المليار ريال شهريا تبدو خارج المنطق تماما، وكذلك الحال بالنسبة الى النظرية النفسية.
وباستثناء نظرية "الثوار المبعسسين" القائلة بعدم نزاهة انضمام علي محسن للثورة، لن يتبقى أمام ثوار الأخير سوى الإعتراف بالنظرية الأخيرة والوحيدة المتاحة أمامهم: نظرية الـرَّازِم.
فهل سيفعلون؟
تقول المصادر المقربة من علي محسن إن فتح ملف الرازم للنقاش داخل الثورة علنا في الوقت الحالي سيشكل خطورة كبيرة على الثورة لأنه يحتوي على أسرار عسكرية خطيرة، وأوضحت: "ما لا تعرفونه أن الفندم يخوض حربا مستمرة وخطيرة مع الرازم منذ انضمامه للثورة وأنه ضحى بالكثير في هذه الحرب". وأضافت: "لكن النصر بات قريبا بإذن الله، وما النصـر إلا صـبر سـاعة".
ورفضت المصادر الإدلاء بأية تفاصيل حول هذه الحرب والنقطة التي وصلت إليها، لكنها وعدت بتقديم الكثير من التفاصيل خلال الأيام المقبلة. وقالت: "ترقبوا مفاجأة سارة الأسبوع القادم".
في العدد القادم، نروي تفاصيل القصة كاملة: أكثر من 9 أشهر من المواجهة بين الثورة ورازم علي محسن، وفرق كوماندوز أرسلها أحمد علي عبدالله صالح الى معسكر الفرقة الأولى مدرع لإسترداد صورة والده بهدف ترك علي محسن مكشوف الظهر في مواجهة الرازم، فضلا عن معلومات تفصيلية حول أبرز الروازم التي تداهم اللواء محسن في الأماكن التي تخلو من صورة صالح.
• ملاحـــظة: المعلومات المتعلقة باستمرار ميزانية الفرقة الأولى مدرع ومضاعفتها بعد انضمام الأخيرة للثورة والمعلومات الخاصة بعمليات التجنيد لحساب الفرقة داخل ساحات الثورة فضلا عن المعلومات الخاصة بلقاء محسن بجمال بن عمر والجدل الفيسبوكي بشأن الصورة جميعها حقيقية. لكن كل المعلومات والتصريحات المنقولة في هذه المادة الساخرة على لسان مصادر مقربة من اللواء محسن هي من نسج مخيلة الكاتب.
*كتبه: نبيل سبيع
*نقلاً عن "حـــــديث المدينـــــــة"
وعزز الظهور الأخير لعلي محسن في مكتبه حيث بدا علي صالح شامخا في صورة معلقة بالأعلى بين قمريتين فوق جمال بن عمر شكوك الثوار اليمنيين حول مصداقية انشقاق شريك صالح الرئيسي في الحكم طيلة 33 عاما ونزاهة انضمامه للثورة. ووقف الثوار الموالون للشريك "المنشق" عاجزين أمام سؤال الثوار اليمنيين عن سبب وجود الصورة في مكتب قائدهم واكتفوا فقط بالتقليل من شأن هذه المسألة دون ان يقدموا تبريرا واضحا ومقنعا ينهي عاصفة الأسئلة والشكوك المثارة، ما عزز الإعتقاد بأنهم هم أنفسهم يجهلون السبب أيضا. غير أن هذا التقرير الذي يسلط الضوء على قصة الصورة من جوانبها المختلفة يزيح الستار عن السبب الحقيقي وراء وجود الصورة في مكتب الثـائـر الركن بعد مرور أكثر من 9 أشهر على انضمامه للثورة.
واستنكرت مصادر مقربة من محسن ما اعتبرته "حملة فيسبوكية مغرضة وظالمة على الزعيم الثوري" من قبل من وصفتهم بـ"الثوار المندسين" نافية أي علاقة لوجود صورة "عفاش" في مكتب الثائر الركن بأي مؤامرة على الثورة. وقالت: "القائد حفظه الله ورعاه مخلص للثورة وقد قدم لها الكثير من التضحيات، ويعلم الله أنه يكره عفاش كره العمى ولا يريد رؤية صورته القبيحة"، وتابعت: "لكنه مضطر لإبقاء صورة السفاح عفاش في مكتبه".
وأزاحت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها لأنها تخوض في أسرار عسكرية حساسة، الستار عن السر وراء بقاء صورة صالح في مكتب محسن، قائلة: "لا يوجد أي سبب سياسي وراء هذا الموضوع، والحكاية كلها تتعلق بمشكلة طبية يعاني منها القائد شفاه الله".
وكشفت هذه المصادر عن طبيعة السبب الطبي الذي حال دون التخلص من الصورة أخيرا، قائلة: "بصراحة، الصورة موجودة عشان الـرَّازِم".
و"الـرَّازِم" كلمة تطلق في اليمن على الكابوس الذي يداهم الإنسان عادة أثناء النوم. وتتفاقم مشكلة الرازم في هذا البلد بسبب انتشار عادة تناول القات حيث يعد زائرا دائما لمدمني هذه النبتة الذين اضطروا للتوقف عن تناوله لأسباب مختلفة. غير أن المشكلة التي يواجهها علي محسن مع هذا الزائر الليلي الثقيل تتعاظم بالنظر إلى المعلومات التي تفيد أنه لا يداهمه ليلا فقط خلال نومه في مكان يخلو من صورة صالح كما هو الحال مع أغلب مدمني القات المنقطعين عنه، وإنما أثناء صحوه نهارا أيضا.
وأوضحت المصادر أن الصورة موجودة في مكانها ذاك منذ ثلاثة عقود ونيف وأن "الفندم تعود على العمل والرَّقْـــدَة تحتها ولا يستطيع الآن العمل والرقدة بدونها بسبب الرازم".
واستغربت المصادر أن يتم تجاهل القضايا الثورية الكبرى والتركيز على قضية الصورة التي اعتبرتها "بعسيسة صغيرة لا تقدم ولا تؤخر". وقالت: "شغلتونا في أرواحنا، شوفوا صورة عفاش في مكتب علي محسن! ليش صورة عفاش في مكتب علي محسن؟ اتقوا الله يا أخواني! مالكم؟ تحسبوا الفندم فرحان بالصورة؟!"، وتابعت بأسى: "حسبنا الله ونعم الوكيل!".
الصورة: بِـعْـسِـيْـسِـــة صغيرة أم كبيرة؟
وظهر علي محسن على شاشة قناة الجزيرة خلال لقاء جمعه بجمال بن عمر الذي يزور اليمن حاليا في سياق مساعيه لتقريب وجهات النظر حول المبادرة الخليجية بين صاحب الصورة المعلقة فوق رأسه وصاحب المكتب الذي تعلوه الصورة. والتقط ثوار يمنيون صورا بموبايلاتهم للقاء أثناء بث القناة القطرية مشهدا منه ووضعوا دوائر حمراء حول الصورة وأسهما حمراء كبيرة تشير إليها متسائلة: "شوفوا، صورة من هذي ياشباب؟".
وفيما أخذت الصورة تدور على صفحات الفيسبوك، أخذ السؤال يكبر حول وجودها هناك. لكن ثوار علي محسن استجمعوا قواهم أخيرا وبدأوا حملة معاكسة ضد هذا السؤال وأصحابه الذين يصفونهم بـ"المندسين" تارة وبـ"المُـبَـعْـسِـسِـيْـن" تارة أخرى. وكان قد ظهر وسط الثوار المبعسسين من تساءل مستغربا: "وعاد الصورة مبروزة كمان؟!".
غير أن حملة ثوار علي محسن المعاكسة أتت في ظل تخاذل واضح من قبل كتلة ضخمة وسط الثورة باتت تشكل ما يمكننا تسميته بـ"الأغلبية الثورية الصامتة" التي تتألف من شباب ينتمون إلى أحزاب يسارية وقطاع واسع من الواهمين بإمكانية نجاح الثورة في إسقاط صالح ونظامه في ظل وجود صورته في مكتب شريكه السابق الذي يتولى قيادة دفة الثورة حاليا فضلا عن عدد لا بأس به من "الخُــبْــلان".
ويبدو وضع "الثوار المُـبَـعْـسِسِــيْن" بين ثوار علي محسن والأغلبية الثورية الصامتة صعبا بعض الشيء، لكنهم يشكلون التيار الثوري الأهم في ظل الحاجة الثورية الماسة لـ"البعسسة الشاملة" أو المراجعة الشاملة، بعبارة أخرى.
ودفعت الصورة بالشكوك الثورية الدائرة إصلا منذ البداية حول نزاهة انضمام محسن للثورة إلى الواجهة، وربط "الثوار المُـبَـعْـسِسِــون" بين بقائها في مكتب الرجل وبقائه هو نفسه في موقعه كقائد للفرقة الأولى مدرع دون إقدام صاحب الصورة على إقالته حتى الآن. لكن هذه لا تشكل النقطة الرئيسية التي ارتكزت عليها شكوك "المبعسسين" بشأن علاقة صاحب المكتب بصاحب الصورة.
نقطة الإرتكاز الرئيسية للشكوك الثورية حول علاقة الرجلين تمثلت في إستمرار تدفق المرتبات ومخصصات ميزانية الفرقة الأولى شهريا على صاحب المكتب من خزائن صاحب الصورة بعد انشقاق الأول عن الأخير وإنضمامه للثورة. ويقف أغلب المراقبين والمحللين حائرين أمام هذه الحالة النادرة جدا التي تعد الأولى من نوعها في تاريخ العلاقة بين الأنظمة الحاكمة والثورات الشعبية الرامية لإسقاطها على مستوى العالم، إذ من المعروف أنه لم يسبق أن قام نظام سياسي بتمويل قائد عسكري أعلن انشقاقه عنه وانضمامه للثورة المطالبة بإسقاطه.
وتزداد القصة غموضا وتعقيدا بالنظر إلى أنها لم تقتصر على استمرار نظام صالح في تمويل الفرقة بالرواتب والحوافز والمخصصات الغذائية والعتاد العسكري وكميات مهولة من الديـــزل وفق الميزانية الشهرية المرصودة لها في مرحلة ما قبل انضمامها للثورة فقط، وإنما تخطت هذا الحد. فقد استغل محسن نفوذه داخل الثورة بعد انضمامها اليها في بناء جيشه الذي كان قد ضعف كثيرا تحت حصار صالح وضرباته طيلة السنوات الماضية، وقد فعل ذلك بتشجيع وتمويل من صالح نفسه.
إن ما يدعو للحيرة فعلا ليس بقاء ميزانية الفرقة سارية كما هي لأنها لم تبق أصلا بعد انضمام الفرقة للثورة كما هي، بل ازدادت الى الضعف تقريبا، طبقا لمعلومات شبه مؤكدة. فقد اعتمد نظام صالح ما لا يقل عن 30 ألف مجند جديد ضمن قوام الفرقة منذ انشقاقها عنه بحسب تقديرات مصادر مختلفة كانت ساحات الثورة مصدر أغلبهم، وقد شكل هذا جزءا مما يعتبره "الثوار المبعسسون" عسكرة الثورة.
وفي حين يعتبر هؤلاء الثوار هذه العسكرة بأنها أضرت بالثورة وقضيتها كثيرا، يصر ثوار علي محسن على إعتبارها جزءا من دعم الثورة ودفعا لها الى الإمام في مواجهة نظام صالح. غير أن وجهة نظر الأخيرين تصطدم بالسؤال التالي: هل يمكن أن يمول صالح عملية تجنيد تصب نتائجها لصالح الثورة وضد وجوده ومعركته معها؟
وفي الواقع، ستبقى صورة صالح علامة استفهام مفتوحة ومعلقة مكانها هناك بين القمريتين أعلى مكتب علي محسن كما هو الحال مع ميزانية الفرقة ووجود محسن نفسه داخل الثورة مرجحة التفسير الخاص بـ"الثوار المبعسسين" لهذه القضية حتى يمتلك ثوار اللواء الركن تفسيرا شافيا ومنطقيا. فهل هناك ما يؤشر على امكانية امتلاكهم مثل هذا التفسير؟
قمرية علي محسن: أغلى مساحة إعلانية في العالم؟
من خلال الربط بين بقاء ميزانية الفرقة على حالها وبقاء صورة صالح مكانها، خلص "الثوار المبعسسون" غالبا الى استنتاج أن علي محسن يؤدي داخل الثورة مهمة مضادة لها لحساب نظام صالح. وهذه نتيجة منطقية تماما مقارنة بالنتيجة التي خرج بها بعض ثوار اللواء الركن المنتقدين للـ"بعسسة" من الربط نفسه بين النقطتين، حيث استخدموا الميزانية في تبرير بقاء الصورة مكانها بعد مرور نحو 9 أشهر على انشقاق محسن وانضمامه للثورة.
وتناقل عدد من صفحات الفيسبوك ردا منسوبا لعسكر زعيل الناطق الرسمي باسم الفرقة الأولى ذكر فيه أن سبب بقاء الصورة مكانها يتمثل في حاجة الفرقة للميزانية الشهرية وإن إزالتها من مكانها سيؤدي إلى إيقاف الميزانية التي تقدر على الأقل بمليار ونصف المليار ريال شهريا. وتساءل مستنكرا: "إذا مسحنا الصورة، من بايدفع لنا الرواتب ومخصصات العسكر؟".
وفاجأ رد زعيل ناشري الصحف الأهلية المؤيدين للثورة والذين سبق أن اتخذوا قرارا بعدم نشر التهاني التي توجهها المؤسسات الحكومية والشركات التجارية للرئيس صالح في المناسبات الوطنية رغم أن هذه التهاني تشكل موردا رئيسيا هاما لصحفهم في ظل شحة الإعلانات التجارية. وإذا كان السبب وراء استمرار تدفق المليار والنصف مليار ريال شهريا على الفرقة يتمثل في بقاء صورة صالح معلقة مكانها، فإن قمريتي علي محسن ستعدان أغلى مساحة إعلانية في العالم، وهذا أمر لابد أنه سيثير ليس حسد الناشرين اليمنيين فقط وإنما حسد كل ناشر على وجه الأرض.
لكن هذا لم يكن وجه المفاجأة الوحيد لدى الناشرين اليمنيين الذين يشكون من غياب الإعلانات وانخفاض سعرها عند توفرها. فعدا عن التمييز بين سعر مساحة محسن الإعلانية المليارية والمساحات الإعلانية المتوفرة على صفحات صحفهم التي لا تتجاوز 200 ألف ريال للصفحة الواحدة في أفضل الظروف، حملت مفاجأة الناشرين اليمنيين وجها آخر.
يقول أحد الناشرين المؤيدين للثورة: "لو نشر أي واحد مننا صورة الرئيس في تهنئية بأي مناسبة بايقوموا الدنيا علينا ويقعدوها ويعتبرونا مندسين على الثورة وبلاطجة نخدم النظام"، وتابع مستغربا: "لكن علي محسن الممسك بدفة الثورة والذي يخوض المفاوضات باسمها ويهيمن على قرارها يعلق صورة الرئيس ويعلن له على راحته ولا حد يكلمه، ليش هذا التمييز الثوري؟".
ويجيب الناشر على نفسه قائلا: "أعتقد أن الثورة تمارس التمييز بين المندس العادي والمندس الركن".
غير أن الناشر، الذي تحدث شريطة عدم ذكر إسمه حتى لا يتهم بأنه مندس من قبل ثوار علي محسن، استبعد في نهاية حديثه أن تكون حاجة صالح للإعلان عن نفسه تمثل السبب وراء وجود صورته في مكتب محسن، ورجح نظرية "الثوار المبعسسين". فهل تشكل هاتان النظريتان الإحتمالين الوحيدين لسبب وجود صورة صالح في مكانها ذاك؟
لا. فبعض المحللين النفسيين يقدم إحتمالا ثالثا للسبب وراء وجود صورة صالح في مكتب محسن ألا وهو أن الأول ربما يشكل المثال الأعلى الملهم بالنسبة إلى الأخير حيث يعلق الكثير من القادة العسكريين والسياسيين صور ملهميهم العظام على جدران مكاتبهم، بحسب المحللين. ولعل طريقة محسن في إدارة الثورة منذ إنضمامه إليها التي لم تختلف ابدا عن طريقة صالح في إدارة شئون البلاد طيلة حكمه تدعم هذه النظرية النفسية.
غير أن محللين سياسيين لم يستبعدوا كون صالح يشكل مصدر الوحي والإلهام الرئيسي بالنسبة الى محسن استبعدوا في الوقت نفسه أن يجازف الأخير بترك صورة الأول في مكتبه حيث يلتقي الوسطاء الدوليين والإقليميين لمجرد أنه يشكل ملهمه لاسيما في ظل وجوده في قيادة الثورة المطالبة بإسقاط صاحب الصورة. وقالوا: "لابد أن هناك سببا آخر قاهرا وخارجا عن إرادته اضطره الى هذا الأمر الغريب والمثير للشكوك".
فماهو هذا السبب يا ترى؟
بالنسبة إلى ثوار علي محسن، يبدو الموقف صعبا للغاية. فنظرية القمريتين اللتين يكلف تعليق صورة بينهما على سبيل الإعلان مليار ونصف المليار ريال شهريا تبدو خارج المنطق تماما، وكذلك الحال بالنسبة الى النظرية النفسية.
وباستثناء نظرية "الثوار المبعسسين" القائلة بعدم نزاهة انضمام علي محسن للثورة، لن يتبقى أمام ثوار الأخير سوى الإعتراف بالنظرية الأخيرة والوحيدة المتاحة أمامهم: نظرية الـرَّازِم.
فهل سيفعلون؟
تقول المصادر المقربة من علي محسن إن فتح ملف الرازم للنقاش داخل الثورة علنا في الوقت الحالي سيشكل خطورة كبيرة على الثورة لأنه يحتوي على أسرار عسكرية خطيرة، وأوضحت: "ما لا تعرفونه أن الفندم يخوض حربا مستمرة وخطيرة مع الرازم منذ انضمامه للثورة وأنه ضحى بالكثير في هذه الحرب". وأضافت: "لكن النصر بات قريبا بإذن الله، وما النصـر إلا صـبر سـاعة".
ورفضت المصادر الإدلاء بأية تفاصيل حول هذه الحرب والنقطة التي وصلت إليها، لكنها وعدت بتقديم الكثير من التفاصيل خلال الأيام المقبلة. وقالت: "ترقبوا مفاجأة سارة الأسبوع القادم".
في العدد القادم، نروي تفاصيل القصة كاملة: أكثر من 9 أشهر من المواجهة بين الثورة ورازم علي محسن، وفرق كوماندوز أرسلها أحمد علي عبدالله صالح الى معسكر الفرقة الأولى مدرع لإسترداد صورة والده بهدف ترك علي محسن مكشوف الظهر في مواجهة الرازم، فضلا عن معلومات تفصيلية حول أبرز الروازم التي تداهم اللواء محسن في الأماكن التي تخلو من صورة صالح.
• ملاحـــظة: المعلومات المتعلقة باستمرار ميزانية الفرقة الأولى مدرع ومضاعفتها بعد انضمام الأخيرة للثورة والمعلومات الخاصة بعمليات التجنيد لحساب الفرقة داخل ساحات الثورة فضلا عن المعلومات الخاصة بلقاء محسن بجمال بن عمر والجدل الفيسبوكي بشأن الصورة جميعها حقيقية. لكن كل المعلومات والتصريحات المنقولة في هذه المادة الساخرة على لسان مصادر مقربة من اللواء محسن هي من نسج مخيلة الكاتب.
*كتبه: نبيل سبيع
*نقلاً عن "حـــــديث المدينـــــــة"